من فوائد التقوى

نزهة المتفائلين

من فوائد التقوى ما ورد في سورة البقرة قوله تعالى:
{واتقوا الله ويُعلّمكم الله}
هذا بنفسه مبحث عظيم؛ لو سألنا سؤالًا: كتاب الله فهمك له يأتي بالتقوى أم التقوى تأتي بفهم كتاب الله؟
أيهما أولًا ؟
يقول الله تعالى {الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين}
إذن أصبح القرآن هداية لمن كان متقيًا.
وهنا نفس الأمر {واتقوا الله ويُعلّمكم الله}
⬅ والعلم له مراحل:
١- أن تعرفه ؛ تتعرف عليه..
إذن التعريف بهذه المسألة؛ يعني أعرف ماهو التوحيد وما هو الشرك وما هي نواقض التوحيد وما هي كبائر القلب .. وهكذا.
ثم :
٢- يأتي الفهم الدقيق؛ التفصيلي لهذه المسألة.
ثم :
٣- التطبيق ؛ ليس شرطًا الفعل وإنما يتحول هذا من مجرد كلام إلى تمييزك الصواب من الخطأ بناء على عِلمك.
ثم :
٤- التعزيز : وهذا فوق التطبيق ؛ يعني يصير العلم طريقته يعيش بها ويمارسه دائمًا في حياته.
والتقوى لها ثلاثة أركان؛ أولها العلم..
طيب أي مرحلة ستكون قبل التقوى؟
مرحلة التعريف، يعني خذ كتاب الله واقرأه وستعرف على وجه العموم،
لكن لأجل أن تفهمه فهمًا دقيقًا تحتاج تكون متقيًا ،
لكي تطبقه على الحياة تحتاج تكون متقيًا ،
فكلما زدت تقوى زدت فهمًا لكتاب الله.
لكن قراءة كتاب الله والمعرفة يشترك في هذا الانتفاع المتقي وغير المتقي، يعني مثلًا أولادنا في المدرسة يدرسوا كتاب الله والتفسير ولكن لازالوا في مرحلة التعريف،
ثم عند مرحلة المراهقة يكون التدين فيها عالٍ لو وجدَت خطًّا سليما،
فيتحولوا للمرحلة التالية.
لكن لا يمكن أن يكون سببًا للهدى والتطبيق والتعزيز إلا اذا كنت متقيًا.
إذن إذا بدأت أجاهد به، فنفس المعلومة تتحول من مجرد معرفة إلى تطبيق إلى حد أن أؤسس به جوانب حياتي كلها.
نفس المعلوم، كم من آيات تحفظها وتعرفها من زمن طويل؟!
حديث النبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله،.
كلنا يعرفه لكن منذ أن بدأنا ونحن لازلنا في مرحلة المعرفة!
وما وصلنا للفهم الدقيق إلا لما زدت طلبًا لرضا الله وزادت التقوى، فدخلت نفس المعلومة للأعماق، فصار لنفس المعلومة أثر.
كثير من الدول الإسلامية أهلها ما يغيب عنهم اسم الرزاق ويتكلموا أن الله هو الرزاق،
ثم في نصف النهار يتضارب هو وجاره على الزبون!!
لأن اسم الرزاق كان عندهم مجرد معرفة..
أسماء الله إلى زمن قريب وهي عندهم معرفة لكن ما وصلت لحد التطبيق والتعزيز.
إذن آخذ المعلومة التي أعرفها وأطلب من الله أن أستعملها،
فكم مرة قلت ربِّ زدني علما؟!
ففي الحديث أن موسى عليه السلام يقول يا رب علِّمني كلمات أذكُرك وأدعوك بها..
فموسى يطلب العلم، ويطلبه من مصدره.
فكلما زدت تقوى كلما زاد العلم هداية لك.
ناس يصلوا لدرجة أستاذ دكتور في علوم الدين لكن لا تجد أثرًا لهذا المعلوم في قلوبهم ولا في سلوكهم،
والسبب لازالوا في مرحلة المعرفة.
فتأتيك المعرفة ، وكلما بدأت تستعمل المعرفة يُفتح لك أبواب الفهم الدقيق كأنك فتحت المساحة لقلبك.
يعني أريد أن أعرف كيف القلب إن صلح صلح الجسد كله،
فكلما زدت إرادة لهذا الفهم زادت التقوى ثم يقابله أن يعلّمك الله.
إذن القرآن هدى للمتقين يعني لمن كان متقيًا
سيكون هاديا له، منارة له يستفيد منه.
العلم ممكن تجمع منه كثير معرفة وتكتبه في كتب وتسجله في مذكرات لكن ما ينفع صاحبه!
لكن ينفعه العلم لمّا صاحبه يأخذه ويبدأ يعيشه وينفِّذه ويتقي به، فنفس المعلومة الصغيرة تدخل للأعماق.
لذلك تقارن بين حفظ الصحابة للقرآن وحفظ الخلف الآن:
آية واحدة يعيشوها فيفهموها فهمًا دقيقا ويجعلوها قاعدة للتفكير ويعيشوها.. فعلَّمهم الله مالم يعلموا.
لكن الآن الناس حافظين كثير ودخلوا مسابقات حفظ السُّنة لكنها معلومات فقط!
كم منّا يقرأ في صلاته (ألهاكم التكاثر)؟!
هل تشعر حقيقة بمعناها؟!
نتكاثر الآن في جوالات نتكاثر في حقائق نتكاثر في مظهر ..!
ثم عند أهل الدين، أهل العلم كُتب يتكاثرون ومحاضرات يتكاثرون لكن صاحبه في التكاثر قلبه مُلتهي وماشي ما يفكر انه سيلقى ربه!
هذه السورة هل أيقظتنا من التكاثر الذي نعيشه؟!
لا.
لأنها مجرد معرفة.
وما نشعر حتى بكلمة (ألهاكم) وهي من التلهي.
فلم يصبح القرآن هدى لأنني ما فهمته فهمًا دقيقًا ولا طبّقته.
فنحن بهذه السطحية لأننا فتحنا أبواب العمق لغير هذا، فتأتي امرأة تخطب في النساء في رمضان بعد الصلاة وتقول لهم هذه العشبة لو أخذتوها يحصل لكم كذا وكذا.. وهي ماهي متخصصة ولا شيئ!
فنقبل العمق في هذا ولا نقبل العمق في كتاب الله!
وقد رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لو ضاع لي عقال بعير لوجدتّه في كتاب الله..
فهذا إنما هو من شدة فهمهم الدقيق لكتاب الله، هم اتقوا الله فعلَّمهم الله.
أناهيد السميري
0
188

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️