بسم الله الرحمن الرحيم
وبه استعين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه
فصل في أقسام القرآن
</SPAN>
وهو سبحانه يقسم بأمور على أمور وإنما يقسم بنفسه الموصوفة بصفاته وآياته المستلزمة لذاته وصفاته وإقسامه ببعض المخلوقات دليل على أنه من عظيم آياته
فالقسم إما على جملة خبرية وهو الغالب كقوله تعالى ( فورب السماء والأرض إنه لحق ) وإما على جملة طلبية كقوله تعالى ( </SPAN> فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) مع أن هذا قد يراد به تحقيق المقسم عليه فيكون من باب الخبر وقد يراد به تحقيق القسم </SPAN>
والمقسم عليه يراد بالقسم توكيده وتحقيقه فلا بد أن يكون مما يحسن فيه ذلك كالأمور الغائبة والخفية إذا أقسم على ثبوتها فأما الأمور الظاهرة المشهورة كالشمس والقمر والليل والنهار والسماء والأرض فهذه يقسم بها ولا يقسم عليها
وما أقسم عليه الرب فهو من آياته فيجوز أن يكون مقسما به ولا ينعكس
وهو سبحانه يذكر جواب القسم تارة وهو الغالب وتارة يحذفه القسم فان الحالف قد يحلف على الشيء ثم يكرر القسم فلا يعيد المقسم عليه لأنه قد عرف ما يحلف عليه فيقول والله إن لي عليه ألف درهم ثم يقول ورب السموات والأرض والذي نفسي بيده وحق القرآن العظيم ولا يعيد المقسم عليه لأنه قد عرف المراد
والقسم لما كان يكثر في الكلام اختصر فصار فعل القسم يحذف ويكتفى بالباء ثم عوض من الباء الواو في الأسماء الظاهرة والتاء في أسماء الله كقوله ( وتالله لأكيدن أصنامكم ) وقد نقل ترب الكعبة وأما الواو فكثيرة
فصل
</SPAN>
إذا عرف هذا فهو سبحانه يقسم على أصول الإيمان التي يجب على الخلق معرفها تارة يقسم على التوحيد وتارة يقسم على أن القرآن حق وتارة على أن الرسول حق وتارة على الجزاء والوعد والوعيد وتارة على حال الإنسان والجواب يحذف تارة ولا يراد ذكره بل يراد تعظيم المقسم به وأنه مما يحلف به كقول النبي من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت ولكن هذا يذكر معه الفعل دون مجرد حرف القسم كقولك فلان يحلف بالله وحده وأنا أحلف بالخالق لا بالمخلوق ونحو ذلك والنصراني يحلف بالصليب والمسيح وفلان أكذب ما يكون إذا حلف بالله
وقد يكون هذا النوع بحرف القسم مجردا كما في الحديث كانت أكثر يمين رسول الله لا ومقلب القلوب وكان بعض السلف إذا اجتهد في يمينه قال والله الذي لا إله إلا هو وتارة يحذف الجواب وهو مراد إما لكونه قد ظهر وعرف إما بدلالة الحال كمن قيل له كل فقال لا والله الذي لا إله إلا هو أو بدلالة السياق وأكثر ما يكون هذا إذا كان في نفس المقسم به ما يدل على المقسم عليه وهي طريقة القرآن فان المقصود يحصل بذكر المقسم به فيكون حذف المقسم عليه أبلغ وأوجز كمن أراد أن يقسم على أن الرسول حق فقال والذي أرسل محمدا بالهدى ودين الحق وأيده بالآيات البينات وأظهر دعوته وأعلى كلمته ونحو ذلك فلا يحتاج إلى ذكر الجواب استغناء عنه بما في القسم من الدلالة عليه كمن أراد أن يقسم على التوحيد وصفات الرب ونعوت جلاله فقال والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الأول الآخر الظاهر الباطن وكمن أراد أن يقسم على علوه فوق عرشه فقال والذي استوى على عرشه فوق سمواته يصعد إليه الكلم الطيب وترفع إليه الأيدي وتعرج الملائكة والروح إليه ونحو ذلك وكذلك من حلف لشخص أنه يحبه ويعظمه فقال والذي ملأ قلبي من محبتك وإجلالك ومهابتك ونظائر ذلك لم يحتج إلى جواب القسم وكان في المقسم به ما يدل على المقسم عليه فمن هذا قوله تعالى ( ص والقرآن ذي الذكر ) فان في المقسم به من تعظيم القرآن ووصفه بأنه ذي الذكر المتضمن لتذكير العباد ما يحتاجون إليه وللشرف والقدر ما يدل على المقسم عليه وكونه حقا من عند الله غير مفترى كما يقوله الكافرون وهذا معنى قول كثير من المفسرين متقدميهم ومتأخريهم إن الجواب محذوف تقديره إن القرآن لحق وهذا مطرد في كل ما شأنه ذلك .

fraternity88 @fraternity88
عضوة فعالة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️