منار11 @mnar11
عضوة فعالة
من محاضرة: فقه إنكار المنكر للشيخ/ سلمان العودة
من محاضرة: فقه إنكار المنكر للشيخ/ سلمان العودة
بسم الله الرحمن الرحيم
فقه إنكار المنكر
الحمد لله, والصلاة والسلام على نبينا محمد, صلاة وسلاما دائمين إلى يوم الدين .. أما بعد,,,
أهمية الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر في المجتمع المسلم:
أولا: من الخصائص التي اختص الله بها هذه الأمة:} كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ (110) { سورة آل عمران . إذاً: سبب خيريتكم: أنكم تأمرون بالمعروف, وتنهون عن المنكر, وتؤمنون بالله. وسبب فشل, وضلال غيركم أنهم: تركوا الأمر بالمعروف, والنهى عن المنكر إلى: الأمر بالمنكر والنهى عن المعروف. ويقول عزوجل: }وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ(71) { سورة التوبة . فهذه صفة المجتمع المسلم, أما المجتمعات الكافرة فقد أصبحت في الوقت الذي تتغنى بما يسمى بحرية الفرد: تحارب جميع صور الفضيلة التي يريد الفرد أن يمارسها.
ثانيا: الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر في الإسلام جزء من التكافل الذي جعله الله بين المؤمنين: فلو رأيت ـ مثلا ـ رجلا يغرق كان واجب عليك أن تنقذه بما تستطيع حتى لو ترتب على ذلك أن تؤجل عبادة مفروضة قد شرعت بها؛ كأن تكون شرعت في صيام وتحتاج إلى الفطر لإنقاذه؛ فإنك تفطر ...لماذا؟ لأن المحافظة على الإنسان في الإسلام قضية مهمة جداً, وكما أننا مطالبون بالمحافظة على أموال الآخرين وعلى أرواحهم فكذلك نحن مطالبون بالمحافظة على أخلاقهم وعلى أديانهم, فالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؛ لتحقيق هذا الأمر.
ثالثا: فهو حماية للبيئة من التلوث؛ فإن إتاحة الفرصة لأهل الرذيلة أن يمارسوا رذيلتهم يلوث البيئة العامة, ويجعل الإنسان الذي يريد الصلاح قد لا يستطيع أن يكون كما يجب, لأن العقبات أمامه كثيرة ؛ ولذلك فإن إظهار المنكرات الأخلاقية أو الفكرية في المجتمع سبب لتعريض المجتمع لهزات لا يعلم مداها إلا الله .
رابعا : هو ضمانة دون العقوبات الإلهية التي تصيب المجتمعات في العاجل أو الآجل وقد قص الله علينا قصص بنى إسرائيل حين نهاهم أن يعتدوا في السبت: }وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166){ سورة الأعراف.
إذاً: }أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ { فإذا حق العذاب على أمة من الأمم؛ فإن الله لا ينجى إلا الذين ينهون عن السوء , فما بالك إذالم يوجد الذين ينهون عن السوء, هل ينجو أحد ؟ لاينجو أحد, ولذلك قال الله: } فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ (116) { سورة هود .
وعَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ: رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه وأحمد . وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : رواه أبوداود والترمذي وابن ماجه وأحمد . الظالم أنواع: قد يكون الظلم بأخذ أموال الناس بالباطل فهذا ظلم, لكن ليس هذا فقط الظلم, حتى الذي يرتكب المعصية: هذا ظالم لنفسه وغيره أيضا, والظلم مع معنى عام يدخل فيه حتى الشرك . ومن أكثر الأحاديث هزاً لقلوب المؤمنين وتخويفاً لهم ما ورد عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رواه الترمذي إذاً: يوشك ويقرب أن تصاب الأمة بالعذاب إذا لم تأمر بالمعروف ولم تنه عن المنكر فصمام الأمان بالنسبة للأمة هو أن يكون فيها: }أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ { .
من صور العذاب التي تصيبنا من ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر: أن يلبسنا الله شيعا ويذيق بعضنا بأس بعض؛ ولذلك قال الله: } وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) { ثم قال في الآية التي بعدها: } وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ (105) { سورة آل عمران .لأن المجتمع إذا ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لابد أن يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف ويعتبر أن هذا الإنسان الذي جاء ليقاوم المنكر, ويقضى عليه إنسان متطرف, يريد أن يقضى على المكاسب الحضارية والمكاسب الوطنية للأمة.
مراتب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر: بينها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: رواه مسلم والترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه وأحمد . المطلوب هو أن تغير بيدك إذا استطعت, فإذا عجزت ترجع إلى التغيير باللسان, فإذا عجزت يكفى أن تغير بقلبك وأن يعلم الله تعالى أنك كارة لهذا المنكر وهذا فرض عين على جميع الناس في جميع الظروف والأحوال لا يعذروا بتركه لأن القلب لا سلطان لأحد عليه .و يراعى أن الإسلام جاء بالتدرج في موضوع إنكار المنكر: إذا أمكن أن تكتفي بالتلميح, فهو يغنى عن التصريح ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: لماذا؟ لأن هذه الكلمة كانت تكفى من رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولايحتاج أن يقول: يا فلان ويا فلان . أما إذا لم يكف, فإنه كان يصرح, وقد ورد هذا في أحاديث عديدة .
وسائل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر: كل وسيلة مباحة تؤدى إلى المقصود فهي داخلة في الوسائل بشرطين:
الأول: أن تكون مباحة: فلا تأتى بوسيلة محرمة من أجل النهى عن المنكر؛ لأن النجاسة لا تغسل بنجاسة مثلها .
الثاني: أن تؤدي المقصود : وكذلك لا تأتى بوسيلة لا تؤدى إلى المقصود؛ لأن المقصود إزالة المنكر . وأود أن أنبه على أن الوسائل لا تنحصر,والعرب يقولون:" الحاجة أمّ الاختراع" والمهم عندنا أن تكون ذا قلب يحترق ويسعى في زوال المنكرات, فإذا وجدت هذه الحرارة في قلبك فثق ثقة تامة أن هذا القلب سيرسل تعليمات للعقل؛ للتفكير: كيف تغير؟ وبعد ذلك قد يتفتق ذهنك عن ألف وسيلة في إزالة المنكرات .
من الوسائل: *الكلمة الهادفة: سواء كانت درساً أو محاضرة أو نصيحة بعد الصلاة أو خطبة أو كلمة تلقيها أمام زملاءك؛ لتنبه على منكر من المنكرات وتكون هذه الكلمة بأسلوب مناسب, فلا تكون هذه الكلمة ضرباً في الوجه, بل تدرج في الحديث حتى يتقبلوا كلامك ويدخل في قلوبهم ونفوسهم. إذن الكلمة سلاح لكن ينبغي أن يحسن الإنسان كيف يتسلل إلى قلوب الناس في إنكار المنكر الذي يراه عليهم .
*الكتاب أو الكتيب الصغير: سواء بأن تكتب كتابا في إنكار أحد المنكرات, أو تساهم في نشره فطالب العلم: يكتب كتيبا صغيراً في معالجة أحد المنكرات ويسعى في طباعته وتوزيعه بين الناس, وإذا لم تكن طالب علم؛ ساهم في نشر الكتاب بالمال حتى يوزع ، أو يباع بالسعر الرخيص . قد تقول: ما عندي مال ، حسناً ساهم في نشر الكتاب, فإذا وزع الكتاب بالمجان خذ هذا الكتب ووزعه في المساجد والمدارس والمؤسسات ... كل إنسان له موقع يؤديه ودور يقوم به بحسب قدراته وإمكانياته. *الشريط: سواء بإعداد شريط لمعالجة أحد المنكرات الموجودة أو بالمساهمة في نشر هذا الشريط، وترويجه بقدر ما تستطيع.
*الهاتف: يمكن أن تتصل بالهاتف بفلان, وتنكر عليه سواء كان الذي تتصل عليه هو صاحب المنكر, أو كان شخصاً يستطيع أن يغير المنكر: إما بمكانته وجاهه؛ كأن يكون عالماً أو وجيهاً أو مسئولا يستطيع أن يساهم في إزالة المنكر .
الامتناع عن المكان أو المؤسسة التي يوجد فيها المنكر: فبيوت الربا, التي تتاجر بحرب الله تعالى وحرب رسوله: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) { سورة البقرة هذه البيوت من أين أثرت, وارتفعت؟ من جيبي وجيبك... هذه المجلة التي تتاجر بأعراض المسلمين ، ما هو الذي ضمن لها الاستمرار والدوام؟ إنها أموال المسلمين وهكذا كل مؤسسات الفساد والانحراف والرذيلة لو أن المسلمين قاطعوها لانتهت من نفسها ووأدت في مهدها .
*الإقبال على المجالات الخيرية التي فيها نفع وفيها طاعة.
*التشهير بالمنكر إذا لزم الأمر:والتشهير يأخذ صورا شتى: فإذا كان إنسان مجاهر, مصر, نهيته مرة, وثانية, وثالثة فلم ينته ما بقى إلا أن تشهر به, كيف تشهر به ؟ ليس بالضرورة بأن تعلن على المنبر: هذا فلان ... هذا ليس بلازم لكن اذكر لكم مثالا حكيما في ذلك : في بغداد كان هناك بيت لأحد المترفين يسمع منه صوت الغناء والمزامير, طرقوا عليه الباب ما استجاب: مرة, وثانية.. وثالثة, أصر الرجل, فكان هناك قارئ في بغداد حسن الصوت, مؤثر إذا قرأ بكى وأبكى من حوله, فجاء هذا القارئ وقت ازدحام الناس, وجلس على عتبة الباب الذي يصدر منه صوت الغناء, والغناء مسموع في تلك اللحظة, ثم بدأ يقرأ القرآن بصوت جهوري, فاجتمع الناس للصوت, وامتلأ الشارع وعلا النحيب, والبكاء حتى سمع صاحب البيت وهو داخل منزله, ونظر, فلما رأى الوضع هكذا, نزل وأخرج الطبول وآلات اللهو التي عنده, وأعطاها لهذا الشيخ؛ ليقوم بتكسيرها بيده.
قضية الإنكار باليد:يعنى بتغيير المنكر أو هدمه أو إتلافه أو إحراقه هذا معنى الإنكار باليد,وهو أحد مراتب الإنكار كما في الحديث: بل هو أول مراتب الإنكار . والأصل أن الإنكار باليد يكون مهمة الجهة التي فوض إليها إزالة المنكر, لكن قد يحدث في كثير من الأحيان أن هذه الجهة لا توجد أصلا, أو توجد لكن لا تقوم بدورها.
شروط الانكار باليد للأفراد :صرح أهل العلم بأنه يجوز الإنكار باليد بأربعة شروط:
الأول:فقدان السلطة القائمة بالإنكار باليد:فإذا وجد من يقوم بتغيير المنكرات باليد بطريقة مدعومة, ممكنة, قوية, رسمية, فلا داعي لغير ذلك.
الثاني :ظهور المصلحة الراجحة في ذلك: أن يكون في الإنكار مصلحة ظاهرة راجحة على المفسدة . أما إذا ظهر للإنسان أن في الإنكار باليد مفسدة أكبر وأنه قد يجر إلى مفاسد أخرى مثل: تضييق الخناق على الطيبين والصالحين, أو انتشار المنكر أكثر وأكثر, فحينئذ يكون الإنكار باليد ممنوعاً .
الثالث: أن يتعذر غير اليد: يعنى إذا استطعت أن تغير هذا المنكر باللسان, فالحمد لله, ولا تلجأ إلى اليد إلا إذا تعذر الإنكار باللسان.
الرابع وهو مهم جداً: مراجعة العلماء في ذلك: أن يكون المرجع فيه إلى علماء أهل السنة والجماعة, وكثير من الشباب بحكم ما أعطاهم الله من قوة الشباب, وما أنعم الله عليهم به من قوة الإيمان أيضا؛ أصبح الواحد منهم: إذا رأى المنكر فار الدم في عروقه, وقد يغير بيده دون أن يراجع أهل العلم . والواجب في نظري: مراجعة أهل العلم وخاصة أهل العلم الذي يعرف الجميع أنهم فعلا مع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر , مع الإصلاح, مع الدعوة؛ فإن مراجعة هؤلاء تضمن مصالح عديدة: المصلحة الأولى: التيقن من أن هذا الإنكار نفعه أكثر من ضرره لأنه أنا وأنت قد لا نستطيع أن نقدر بالضبط, نظرتنا قاصرة لكن غيرنا يمكن يكون أبعد نظرنا منا.
الثانية: أن الذي ينكر باليد قد يتعرض لضرر في نفسه أو ماله أو بدنه أو أهله أو وظيفته ...وما أشبه ذلك, فهو يحتاج إلى وقوف أهل العلم معه فإذا كان يصدر منهم وعنهم فحينئذ يضمن هذا.
الثالثة: أن هذا يعطى دعماً لأهل العلم, فإن من أهم وسائل إنكار المنكر: وجود العالم الذي يكون الناس ملتفين حوله سائرين وراءه فيكتسب بذلك نوعاً من المنعة والقوة تمكنه من إنكار المنكرات, فإذا كنت أنا وأنت وفلان وفلان لا نقوم بهذه الأعمال إلا بعدما نرجع إلى العالم؛ أكسبنا العالم قوة وأصبح الآخرون يدركون أن هذا العالم يملك أن يغير أشياء كثيرة لكنه يؤثر أن يغيرها بطريقة سلمية فيكون هذا أفضل له ولهم, وهذا يجعل كلمة العالم مسموعة, وصوته مؤثرا .
من المسئول عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؟
هذه قضية في غاية الأهمية, والمجال الطبيعي يتلخص في نظرتي في أحد قناتين أو طريقتين:
الأولى:وهى الجهات والمؤسسات الرسمية التي تقوم بإنكار المنكر .
الثانية: - إذا لم توجد الأولى- هي: أن نسير خلف العلماء الذين يتحملون مسئولية الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر . فإذا أغلقت هاتان القناتان, ولم يجد الناس وسيلة, فحينئذ يلجئون إلى اجتهادهم وهم معذورون؛ فحينئذ يحدث اجتهادات قد تصيب وقد تخطئ والإنسان يجتهد حسب ما يستطيع. آداب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر:
الرفق: فإنك قلما أغضبت رجلا, فقبل منك فكلما أمكن أن تأمر وتنهى برفق كان هذا هو المتعين عليك .
الحكمة: الحكمة في كل شيء بحسبه كما يقول الشاعر:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلى مضر كوضع السيف في موضع الندى
فمن الحكمة أن تستخدم اللين في موضعه, والشدة في موضعها أيضا وأذكر لكم قصة توضح ذلك: الغلام الذي كان بين الساحر والراهب والقصة طويلة لكن الشاهد منها: أن في آخر القصة قال الغلام للملك: رواه مسلم والترمذي وأحمد. هذا العمل الذي قام به الغلام ترتب عليه موته ... لكنه بلا شك في جميع المقاييس من الحكمة؛ لأنه ترتب عليه موت واحد وحياة ألوف مؤلفة من الناس أحياهم الله بالإيمان بعد ما كانوا أمواتاً بالكفر. فالحكمة تعنى وضع الشيء في موضعه, فإذا استدعى الأمر أن تستخدم القوة والشدة, فاستخدمها, أو تستخدم اللين استخدمه تستخدم الكلمة ... الرسالة ... الشريط ... الكتاب كل شيء تضعه في موضعه وقد لا يستطيع الإنسان أن يقدر الحكمة في بعض القضايا فإذا استطاع أن يستنير بغيره, فيستشيره, فتكون أضفت إلى عقلك عقل غيرك.
الحلم: من الممكن أن تواجه بكلمات جارحة, فعود نفسك أن تكون: واسع القلب, بطيء الانفعال واجه الكلمة بابتسامة, برد حسن.
العدل: والعدل يأخذ صورا شتى منها: أن لا تنسى أن الذي وقع في المنكر له حسنات, فلوا أتيته وقلت: يا أخي أنت رجل صالح, وأنا أشهد لك ليس على سبيل المجاملة لكن من باب العدل الذي أمرنا الله به, فإنك محافظ على الصلاة مع الجماعة وهذا هو الذي أرضاني أن أقول لك كذا وكذا. وهذا من أسباب القبول لأنك عادل لكن إذا تجاهلت كل حسنات هذا الإنسان, وأهدرتها ربما لا يقبل منك .
الصبر: فإن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يلقى الأذى: } يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) { سورة لقمان.
قضية المصلحة والمفسدة:لماذا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر؟ نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر حتى نحقق المصالح وندفع المفاسد, وإنما بعث الرسل الكرام عليهم السلام من أجل جلب المصالح وتكميلها, وتقليل المفاسد وتعطيلها, فأنت حين تأمر أو تنهى تقصد المصلحة, فلو علمت أن أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر يترتب عليه مفسدة حينئذ يكون ممنوعاً عليك . إذاًالقضية: العمل على تحصيل المصلحة الأعظم ودفع المفسدة الأكبر, ولذلك العقل, وهو الشرع أيضا: تحصيل خير الخيرين ودفع شر الشرين, وإلا لا يكاد يوجد في الدنيا مصالح محضة, ولا مفاسد محضة, مائة بالمائة إلا أن المسألة: مسألة موازنة أيهما أعظم؟ إذا كانت المصلحة أعظم حصلها, وإذا كانت المفسدة أعظم ادفعها, ولذلك لابد أن توازن: بين المنكر الصغير والمنكر الكبير, فتبدأ بالأكبر قبل الأصغر, وكذلك إذا ترتب على المنكر منكر أكبر منه تدعه .
الإسرار والإعلان في موضوع المصلحة: هل تنكر سراً أو تنكر علناً؟ كلاهما وارد في الشرع, قد يكون من المصلحة أن تنكر علناً, أو يكون من المصلحة أن تنكر سراً, مثلاً: بعض الصحابة والتابعين كانوا ينكرون علانية ومن الأمثلة:
1) عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: أَخْرَجَ مَرْوَانُ الْمِنْبَرَ يَوْمَ الْعِيدِ فَبَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا مَرْوَانُ خَالَفْتَ السُّنَّةَ أَخْرَجْتَ الْمِنْبَرَ يَوْمَ عِيدٍ وَلَمْ يَكُنْ يُخْرَجُ بِهِ وَبَدَأْتَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَكُنْ يُبْدَأُ بِهَا فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : رواه مسلم والترمذي وابن ماجه والنسائي وأحمد.
2) و فعل ذلك الإنكار أبوسعيد نفسه , كما ذكر هو فقال:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إِلَى الْمُصَلَّى فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ فَيَعِظُهُمْ وَيُوصِيهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا قَطَعَهُ أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى خَرَجْتُ مَعَ مَرْوَانَ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ فَلَمَّا أَتَيْنَا الْمُصَلَّى إِذَا مِنْبَرٌ بَنَاهُ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ فَإِذَا مَرْوَانُ يُرِيدُ أَنْ يَرْتَقِيَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَجَبَذْتُ بِثَوْبِهِ فَجَبَذَنِي فَارْتَفَعَ فَخَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَقُلْتُ لَهُ غَيَّرْتُمْ وَاللَّهِ فَقَالَ: أَبَا سَعِيدٍ قَدْ ذَهَبَ مَا تَعْلَمُ فَقُلْتُ مَا أَعْلَمُ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا لَا أَعْلَمُ فَقَالَ إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَجْلِسُونَ لَنَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَجَعَلْتُهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ .رواه البخاري .
كذلك الصحابة فيما بينهم, و لهذا أمثلة منها:
1)عمر رضى الله عنه كم وكم أنكر عليه, وهو على المنبر, ولعل من أصح القصص في ذلك: ما رواه الشيخان أن أبى بن كعب قال لعمر مرة من المرات لما حصل خصومة بين عمر, و أحد الصحابة قال أبى بن كعب لعمر: يا ابن الخطاب لا تكونن عذابا على أصحاب محمد.
2)عثمان بن عفان لما نهى عن متعة الحج, فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَهَلَّ بِهِمَا فَقَالَ: لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ مَعًا فَقَالَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَرَانِي أَنْهَى النَّاسَ عَنْهُ وَأَنْتَ تَفْعَلُهُ قَالَ لَمْ أَكُنْ أَدَعُ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ . رواه البخاري ومسلم والنسائي وأحمد . 3)وكذلك ابن عباس أنكر على معاوية لما كان أميرا رضى الله عنهما, فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ طَافَ مَعَ مُعَاوِيَةَ بِالْبَيْتِ فَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِمَ تَسْتَلِمُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُهُمَا فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْبَيْتِ مَهْجُورًا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ صَدَقْتَ .رواه أحمد والترمذي وأصله في الصحيحين .
4) عائذ بن عمرو أنكر على الأمير عبيد الله بن زياد: فعن الْحَسَن أَنَّ عَائِذَ بْنَ عَمْرٍو وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ – يقول له هذا وعبيد أمير على العراق- إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ فَقَالَ لَهُ : اجْلِسْ فَإِنَّمَا أَنْتَ مِنْ نُخَالَةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: وَهَلْ كَانَتْ لَهُمْ نُخَالَةٌ إِنَّمَا كَانَتْ النُّخَالَةُ بَعْدَهُمْ وَفِي غَيْرِهِمْ .رواه مسلم وأحمد .
فكانوا ينكرونها علانية لأنهم رأوا المصلحة في ذلك, وقد يرى الإنسان المصلحة في الإسرار كما إذا رأى أن هذا الإنسان قد تأخذه العزة بالإثم, أو قد يترتب على ذلك مفسدة أكبر من المصلحة, فحينئذ يسر . إذاً المصلحة والمفسدة من القضايا التي تجرى في موضوع الإسرار والإعلان في إنكار بالمنكر.
دور الشاب في إنكار المنكر:
أولا: أن يقوم الشاب بالدور كاملاً أكثر مما يقوم به غيره : بالكلمة أو الكتاب أو الشريط أو المناصحة أو المقاطعة لأماكن الفساد... خاصة: دورك في المنزل, مع زملائك في العمل, في الفصل إذا كنت طالباً .. وهكذا أن يقوم الشاب بدوره خير قيام, وأن يجعل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هو الهم والوظيفة التي نذر حياته لأجلها ولست أتردد طرفه عين أننا لوكل واحد منا جعل همه أن يأمر المعروف وينهى عن المنكر لاختفت كثير من المنكرات وظهرت كثير من السنن التي تركت وهجرت .
ثانيا:مواصلة العلماء, فإن العالم له دور كبير جداً في إزالة المنكرات, خاصة المنكرات الراسخة, المتأصلة التي امتدت جذورها في الأرض وتعمقت, وأصبحت من الصعب إزالتها, فهذه تحتاج إلى رجال ذوى قوة ومنعة ومكانة؛ ليقوموا بتغيرها .. ولا يكون ذلك إلا إذا قام الشباب بالالتفاف حول العلماء العالمين, المتبعين للسنة, ومن الالتفاف حولهم: تبليغهم بالمنكرات التي تقع, على الأقل اجعل من نفسك واسطة لإيصال ما يقع من المنكرات للعلماء وتبلغيهم به مع تزويدهم بالوثائق الكافية على صدق ما تقول, وتجعل العالم يرى المنكر كما لو كان رآه بعينه فعلاً حتى يستطيع أن يتكلم بجرأة وقوة وهذا من واجبنا, فكن أنت عين العالم على المجتمع وأذن العالم التي تنصت لما يقال في المجتمع ثم إذا واصلته حينئذ فأنت قمت بدورك وبقى دوره.
ثالثا:المشاركة الرسمية في مجالات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر: فلو كان هذا الجهاز – المختص بالأمر بالمعروف - مدعوما بعدد كبير من الشباب, المتدين, الواعي, المدرك؛ لكان هذا الجهاز - مهما كانت العقبات أمامه, ومهما وجد في المجتمع من يمتعض أو يستاء من هذا الجهاز أو يحاربه - أقوى وأكبر من أن يقف أحد في وجهه .. لكن لما حصل الإعراض عن هذا الجهاز من كثير من الصالحين والشباب الجامعي؛ حصلت السلبيات اللاحقة لذلك فعلينا أن ندرك أننا نحن أيضا مسئولون عن هذا التقصير الذي حصل ويجب أن نتداركه بقدر المستطاع.
لماذا لا نغير؟ ما هي الأسباب التي تمنعنا من إنكار المنكر ؟ هناك أسباب كثيرة منها: 1) الخجل: نستحي ...ما تعودنا .. عندنا وهم الخوف من الناس والهيبة .. والخجل لا يزول إلا بالممارسة الفعلية ... جرب وسوف يزول الخجل تدريجياً وتلقائياً.
2)بعض الشباب يقول: أنا عاص فكيف أغير المنكر؟ فأقول: تغير المنكر ولو كنت عاصيا
لولم يعظ الناس من هو مذنب فمن يعظ العاصين بعد محمد
والله سبحانه وبخ بنى إسرائيل بقوله: }كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (79) { سورة النساء فحتى فاعل المنكر يجب أن ينكر.
3) بعض الشباب يقول: أنا لست بعاص لكن أخي عاص فكيف أغير على الناس وهم يرون أخي قد وقع في هذه المعصية؟ وهذا في الواقع ليس بعذر لأنك لست سلطاناً على أخيك تستطيع أن تأمره بالمعروف, أو تلزمه به قصراً , قد أمرت أخاك فلم يأتمر, ونهيته فلم ينته, فحينئذ انتقل إلى غيره ولا تكترث من هؤلاء الذين يعيرونك به؛ لأنهم يعرفون أنه لا سبيل لك عليه: } إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ (56) { سورة القصص . لكنهم أرادوا فقط أن يؤذوك بشيء فقالوا: أخوك عاص . :arb: :26:
منار11 :26: :26: :26:
0
930
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️