
من هو اليتيمـــ ؟؟

هـم أطفال شاء الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يوجدوا في الحياة مجهولي النسب دون أن يعرفوا من هم

آباؤهم. أي أنهم ولدوا أو وجدوا في ظروف غامضة وغير معروفة تعذر معها معرفة إلى من ينتسبون.
ومجهول النسب الذي لا يعرف له أما ً ولا أباً وحرم من عطفهما وحنانهما ودفء الأسرة الطبيعية يعد
يتيما أيضاً، بل حالته من أشد حالات اليتم لأن اليتيم في اللغة والاصطلاح هو من فقد أباه. أما مجهول
النسب فهو الذي لا أب له ولا أم ولا أخ ولا أخت ولا قريب . وبالتالي لا حقوق نسب ولا نفقة ولا
ميراث ...
هؤلاء المجهولون حرموا حرماناً عاماً ، وحاجتهم إلى الرعاية والعناية شديدة جداً بصفتهم أيتاما،
والأجر في ذلك عظيم كما أفتت بذلك اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية
السعودية برئاسة العلامة ابن باز رحمه الله في الفتوى رقم (20711) بتاريخ 24/12/1419هـ وجاء
فيها : (إن مجهولي النسب في حكم اليتيم لفقدهم لوالديهم، بل هم أشد حاجة للعناية والرعاية من معروفي النسب لعدم معرفة قريب يلجأون إليه عند الضرورة. وعلى ذلك فإن من يكفل طفلا من مجهولي النسب فإنه يدخل في الأجر المترتب على كفالة اليتيم لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: رواه البخاري ).

مـفـــاهــيـــم
اليتـيم :
معنى اليتم في اللغة: الانفراد، واليتيم تعني : الفرد، واليتم : فقدان الأب.
قال ابن السكيت : اليتم في الناس من قبل الأب ( لأن النفقة منه )، وفي البهائم من قبل الأم ( لأن اللبن
منها ). ولا يقال لمن فقد الأم من الناس يتيم ولكن منقطع.
قال ابن بري : اليتيم الذي فقد الأب، والعجي الذي فقد الأم، واللطيم الذي فقد كلا أبويه.
قال المفضل: أصل اليتم الغفلة، وسمي اليتيم يتيما لأنه يتغافل عن بره .
قال أبو عمر : اليتم الإبطاء، ومنه أخذ اليتيم لأن البر يتباطأ عنه .
نستفيد مما ذكر بأن اليتيم سواء من البنين أو البنات، هو من فقد أباه بأي صورة كانت وليس بالوفاة

فقط.
ومرحلة اليتم في الشريعة الإسلامية تتوقف ببلوغ اليتيم سن الاحتلام. في الحديث ٍ
أبو داود. ويجوز إطلاق لفظ اليتيم بعد ذلك مجازا كما كانوا يسمون النبي صلى الله عليه وسلم وهو
كبير: يتيم أبي طالب، وذلك لأنه رباه.
هذا وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال :
لِنَفْسِهِ ضَعِيفُ الْعَطَاءِ مِنْهَا . فَإِذَا أَخَذَ لِنَفْسِهِ مِنْ صَالِحِ مَا يَأْخُذُ النَّاسُ فَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُ الْيُتْمُ ] مسلم. ووجه
التوفيق أن الحديث السابق ينفي اسم اليتيم بعد البلوغ. أما قول ابن عباس فيثبت حكم اليتيم الذي يظل
ساريا إلى ما بعد البلوغ وذلك فيما يتعلق بالمصالح المادية .

اللقيط :
بمعنى الملقوط من اللقطة: ولفظة لقيط تدل على معناها أي الملقوط من قبل شخص ما؛ عندما
عثر عليه في مكان ما؛ لسبب ما مجهول. ولذا يسمى نبي الله موسى عليه السلام لقيطا؛ لأن أمه ألقت
به في النهر خوفا عليه من آل فرعون، وعندما وجد التقط من قبلهم مجهولا لا يعرفون عنه شيئا قال
تعالى { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا } طه .

ويعرّف الفقهاء اللقيط بأنه الطفل المنبوذ المطروح المرمى به مجهول الأبوين والنسب.
وعرفه ابن الحاجب : بأنه طفل ضائع لا كافل له .
وعرفه صاحب درر الأحكام : بأنه مولود طرحه أهله خوفا من العيلة أو فرارا من التهمة به.
ويبدو لكثير من الناس لأول وهلة أن اللقيط هو ابن الزنا وأنه لا أهل له ولا عشيرة، وهذا خطأ
لاحتمالات كثيرة . وكما ذكر في التعريفات السابقة أن اللقيط هو مولود طرحه أهله خوفا من العيلة
والفقر أو فرارا من التهمة. فقد يكون له أبوان ولكن دفعتهما أسباب قاهرة إلى إلقائه عسى أن تمتد
إليه يد رحيمة تتولى أمره. وقد يكون من ضمن هذه الأسباب ما يلي :
· أن يكون الولد ثمرة زواج عجزت الأم عن إثباته، وخشي الطرفان من التهمة لعدم توفر بعض
شروط العقد الصحيح وهو ما يعرف في الفقه الإسلامي بـ (النكاح الفاسد). كأن لم يرض به ولي المرأة
أو تم بدون شاهدين أو غير ذلك من صور العقد الفاسد، أو تم الزواج مخالفا لنظام البلد بدون مستند
يثبت هذا الزواج.
· أو يكون من إفرازات ما يسمى زواج المسيار الذي يتم بالسر ويشترط الطرفان أو أحدهما عدم
الإنجاب ، فإذا حدث الحمل حدثت المشكلة ثم السعي لحلها بالتخلص من الولد خشية التهمة، وتبعات
إفشاء سر الزواج التي ستنعكس على الطرفين دون التفكير في مصير هذا الطفل.
· قد يكون الولد مسروقا وهو في المهد في غفلة من أهله؛ بقصد الإيذاء أو لغرض الاستغلال أو
لعدم إنجاب الأطفال، ثم ندم الفاعل وخشي أن يكشف أمره فيتورط، فألقاه في مكان ما تخلصا منه.
· قد يكون الأب مصابا بمرض الشك تجاه زوجته مما يجعله يتهمها في طفلها ويخشى أن ينسب
إليه ظانا أنه من غيره، فيتخلص منه بتركه في مكان ما، ثم يدعي موته وهو في الحقيقة ابنه
الشرعي.
· قد تكره الزوجة زوجها كرها شديدا بسبب فساده وانحراف أخلاقه أو إيذائه لها فتفارقه وهو لا
يعلم بحملها. وعندما تلد فإنها لا تتقبل الطفل وتكرهه امتدادا لكره الأب، فتتخلى الأم عن طفلها في حالة
لا تشعر فيها بمغبة تصرفها عندما تسلمه للأب وهو لا يعترف به فينكره ويتخلص منه بتركه لا سيما
وهو منحرف ولا يبالي بما يفعل.
· قد تمرض الأم مرضا مزمنا مع عدم وجود العائل وضيق الحال وكثرة الأطفال فتتركه في
المستشفى.
· أن يكون الطفل ثمرة شيخ طاعن في السن من امرأة صغيرة، وهذا مستحيل في نظر أبنائه
فيتهمون زوجة أبيهم بهتانا بينهم وبين أنفسهم ويخشون أن ينتسب المولود إليهم ويقاسمهم الإرث،
فيتخلصون منه بطريقة مدبرة بإلقائه في مكان ما ويدعون موته.
·أو أن يترك الطفل لسبب آخر غير الأسباب التي ذكرت كأمثلة فقط ، وغيرها كثير وغامض وفي غاية
التعقيد حيث يصعب حصره.
الابن غير الشرعي :
هو المولود نتيجة لقاء محرم بين رجل وامرأة لا يربطهما عقد نكاح شرعي، وفي
هذه الحالة لا يحكم على المولود من هذا اللقاء إلا إذا أثبت ذلك شرعا ، وتكون أمه معروفة، أما والده
في الغالب فغير معروف .
الطفل المحروم:
هو الطفل الذي حرم من الرعاية المناسبة لإشباع حاجاته الفردية. ويحدد معجم
مصطلحات التنمية الاجتماعية الطفل المحروم في الطفل اللقيط أو المتخلى عنه، الذي ولد لأب وأم غير
معروفين وتركاه، أو تركه المسؤولون عنه قانونا.
نخلص من هذا إلى أن اللقيط يعد يتيما من الناحية اللغوية والشرعية والاجتماعية. كما لا يجوز أن
نحكم على لقيط بعينه أنه ابن غير شرعي للاحتمالات الكثيرة التي ذكرت والتي لم تذكر .
مجهول الهوية
الهوية : نسبة إلى الهو. وهو – كما في التعريفات للجرجاني - الغيب الذي لا يصح شهوده للغير.
فالهوية كل ما اختص بشخص وغاب عن غيره.
أو هي نسبة إلى الضمير الغائب هو. فكأن الهوية جواب عن السؤال المطروح : من هو هذا الشيء؟
وما حقيقته؟ . فهي بهذا في معنى التعريف .
وجاء في التعريفات أيضا : الهوية : الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على
الشجرة . فالهوية حقيقة موضوعية مدارها في عالم الانسان على معرفة نسب الشخص واسمه . ويدل
على أن هذين أساس الهوية الأمر الشرعي بتخير المرأة الصالحة عند الزواج وانتقاء أفضل الأسماء
لدى الولادة .
نفهم مما سبق أن الهوية هي جملة الحقائق والمعرفات التي تثبت للشخص بالميلاد وتنمو معه إلى آخر
العمر كالاسم والجنسية والانتساب إلى أم وأب وعائلة ... فإذا غابت عنه أو فقدت منه هذه الأشياء
صح أن يطلق عليه مجهول الهوية. ونستدل لهذه التسمية بقوله تعالى في سورة الأحزاب : { فإن لم
تعلموا آباءهم } . أي : في حال جهلتم من هم آباؤهم ...
والجهل بالهوية لا يعني أنها غير موجودة، بل هي حقيقة واقعة ولكنها غائبة عن إدراكنا فقط . لهذا
السبب قد نظفر بها إذا بحثنا عنها. إن هوية كل شخص وحقيقته كامنة فيه كالنواة التي تشتمل على
الشجرة لا تلبث أن تنشق عنها إذا اعتنى شخص ما بزرعها وسقيها .
إن عبارة مجهول الهوية ليست ذما بقدر ما هي بيان لحقيقة واقعية غابت عن حسنا. كما أنها أدق في
التعبير من مسلوب الهوية وبينهما فرق . فكم من شخص قد عرف نسبه وقومه ولكنه لا ينتمي إلى
شيء من هذا. وفي المقابل تجد شخصا لا يعرف له أبا ولا أما ولا أخا ولا أختا ولكنه يشعر بالانتماء
إلى أمته والاندماج في مجتمعه. وهذا يقودنا إلى الحديث عن التفريق بين الهوية الخاصة وهي
موضوع حديثنا والهوية العامة ذات الأبعاد الدينية واللغوية والتاريخية ... فعندما نقول عن شخص إنه
مجهول الهوية فالمقصود ما يميزه عن غيره وله علاقة بشخصه كجهله والديه وتاريخ ومكان ولادته.
ونختم هذه الصفحة بالقول : إن هوية المسلم الحقيقية هي عقيدته، سواء عرف نسبه أم لم يعرفه.
وهي أقوى ما عرف من عرى الانتساب لدرجة أنها تقدم على آصرة القرابة عند التعارض معها . ولهذ
ا اعتبر القرآن الكريم أن بنوة نوح عليه السلام لابنه انقطعت عندما أصر الإبن على الكفر. قال تعالى :
{ ونادى نوح ربه فقال: رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين. قال : يا نوح إنه
ليس من أهلك إنه عمل غير صالح } هود.
وِللمَجدِ َقـومٌ سـَاوَرُوهُ بأنْفُـس كـرامٍ ولَمْ يـَرضـَوْا بـأم وَلا بـِأبْ
فَلاَ َتـتـكل إِلا عـَلَى مَا فَعـَلْـتــَهُ وَلا َتحْسَبَن المَجْدَ يُورَثُ بِالنسَبْ
َفلَيْسَ َيسُودُ المَرْءُ إلا ِبـَنفْسـِهِ وإنْ عـَد آباءً ِكـرَامًا ذَوي حَسـَبْ

وِللمَجدِ َقـومٌ سـَاوَرُوهُ بأنْفُـس كـرامٍ ولَمْ يـَرضـَوْا بـأم وَلا بـِأبْ
فَلاَ َتـتـكل إِلا عـَلَى مَا فَعـَلْـتــَهُ وَلا َتحْسَبَن المَجْدَ يُورَثُ بِالنسَبْ
َفلَيْسَ َيسُودُ المَرْءُ إلا ِبـَنفْسـِهِ وإنْ عـَد آباءً ِكـرَامًا ذَوي حَسـَبْ