مَن هي أمي؟!!!!!

ملتقى الإيمان

إن أمي هي التي كان أسعد يوم في حياتها حين علمَت بنبأ حملها لي ،بل أنها كانت تشعر بفراغ نفسي قبل أن تحمل بي ،فكم ربتت على بطنها وأنا لم أزل نقطة دم في رحمها ،لا لشيء إلا لتقول لي : ((أنا أحبك))
وكم ظلت تحلم بي قبل أن آتي للوجود: كيف ستحنو علي وكيف ستربيني لأكون أفضل فتاة في الوجود،وكم من الفساتين الجميلة سوف تشتري لي،وكم من الزينة سوف تزين بها ضفائري،وكم من الأخلاق الكريمة سوف تعلِّمني.....وكم ،وكم .

فالتحفتُ أحشاءها،وتَوسَّدت ُكبدها،واستأنستُ بدقَّات قلبها،وأكلت وشربت من خلاصة طعامها وشرابها،وتغذيت على ما بجسدها من فيتامينات ومعادن وأملاح،وميَّزت رائحتها عن أي رائحة أخرى بالوجود،حتى ارتبطتُ بها أشد ما يكون الارتباط...فلما وضعتني ،هانت الدنيا عليها وأصبحتُ محور اهتمامها،ونسيَتْ ما لاقته في المخاض والوضع من آلام مبرِّحة،ولم تنتنبه إلى انفصال روحي عن روحها ،بل ظلت تشعر أننا شخص واحد وروح واحدة،وظلت تلقمني ثديها ،محتملة خسارة المزيد من الفيتامينات والمعادن والأملاح من جسدها حتى أظل على قيد الحياة،وصابرة على السهر،وآلام الظهر الناتجة عن جلسة الرضاعة،والحرمان من بعض الأطعمة و الأشربة التي تفضلها ،بل وحتى الأدوية حتى أستمتع بلبن الرضاعة الشهي وأنمو أفضل نمو.

ثم ها هي تتنازل عن الكثير من حقوقها ،لا لشىء إلا لتراني أنمو بصحة جيدة ،وأتمتع بسعادة غامرة ،فإذا صحوت من نومي استيقظَت حتى قبل أن أبكي،وإذا حزنت وأنا بعيدة عنها شعرت بحزني،وإذا رأت ابتسامتي نسيَت كل ما تكابده من متاعب وهموم ولم تذكر سوى سعادتي وإسعادي... فلمَّا نطقتُ بأولى كلماتي لم تسَعها الدنيا من السعادة،ولما بدأتُ أحبو لم تملك نفسها من الفرح ،ولما بدأت أتعثر في خطواتي الأولى شعُرَت وكأن الدنيا كلها تضحك لها،ولما أصبحت اعتمد على نفسي في الطعام والمشي والإخراج شعُرت وكأنها حقَّقت أعظم إنجاز في الدنيا،بل وكلما وجدَت شيئاً جميلاً تمنَّت أن أناله،وكلما رأتني على الخطأ صحَّحته لي ،ووجَّهَتني وأرشدتني لأكون أفضل فتاة في الدنيا ...

فلما دخلتُ المدرسة تألَّمَت لفراقي،وظلت تدعو لي،و تنتظر اليوم الدراسي لينتهي وأعود إليها سالمة
وكلما كبرتُ شعُرَت بأنها تحبني أكثر،وتتمنى لي المزيد من الخير .

ولكن ما إن وصلتُ أو اقتربتُ من سن المراهقة وشعُرتُ بأنني –أيضاً كبيرة – حتى فوجئَتْ بي لا أطيع لها أمراً،ولا أُطيق لها ملحوظة،ولا أسمع لها نصيحة،بل وأبوح بأسراري لصديقاتي وأكتمها عنها،لا لشيء إلا لأن علاقتي بها تذكِّرني بأنني لازلتُ طفلة،وأنا أريد
أن أشعر أني قد كبرت...فلا يهمني مقدار الألم الذي سبَّبتُه لها،ولا مقدار الإحباط الذي تشعر به،ولا أنا مدركة أن تلك التي أظن أنها صديقتي قد تخونني وتُفشي أسراري، لا لشيء إلا لأنها لا تحب أحداً أن يكون خيراً منها -وهذا هو طبع معظم البشر-
ولكن أمي –رغم ما تعانيه بسببي- تظل حريصة على مصلحتي،فتظل تلاحقني بالنصائح والتحذيرات والتوجيهات،حتى أزداد منها بُعداً ولها صَدّاً ،وأنا غير مُدركة أنني بذلك أرتكب أعظم جريمة في حق نفسي وفي حق أمي وفي حق ربي أيضاً .

لن أدرك هذا حتى ينضج عقلي أكثر وأعرف من هي صديقتي الحقيقية ،ومن هي غير ذلك،
وأُوقن من هي أحق بصُحبتي ،ومن هي غير ذلك،
وأُدرك من التي تُحبني بحق ،ومن هي غير ذلك.

إن مصاحبة أمي لا تمنع إطلاقاً من أن أصاحب قريناتي من الفتيات،ولكن مصاحبتي لقريناتي ينبغي أن تتم تحت مظلة ،ورعاية ،ومشورة أمي ،لأن هذا سوف يوفِّر عليَّ الكثير من الندم والحسرة وخيبة الأمل:44: حين تخدعني ،أو تُضِلَّني ، أو تخونني بعض الفتيات اللاتي كنت أظنهن صديقاتي:(.

نعم من حقي أن أجرِّب بنفسي ،وأتعلم من أخطائي...ولكن هناك من الأخطاء التي ترتكبها القتيات بسبب رفيقات السوء ،ما لا يمكن تصحيحه ،وما لا يمكن احتمال عواقبه ،عافانا الله وبنات المسلمين من مثل هذه الأخطاء .

فماذا لو لم أكن صديقة لأمي وعلاقتنا الآن متوترة؟

يجب عليَّ أولاً أن أدرك أن وجود أمي معي هو نعمة من الله تعالى تتمناها غيري من الفتيات،فيجب أن أشكر الله على هذه النعمة ،
ثم أتذكر ما فعلَتْهُ أمي من أجلي منذ حملَت بي،
وأن أتخيل كم هي تحبني وتحرص على مصلحتي ،
ثم أقول لنفسي:" إن صُحبتي لأمي،وإصغائي لنُصحها لا يتنافى مع كوني قد كبرت" لأن أمي هي أكثر الناس فرحاً بنضجي ووصولي إلى سن الكبار،ولهذا فإن كبري هذا لا يزعجها،بل يزيدها سعادةً ،وحرصاً على مصاحبتي ،لذلك سأحاول الاقتراب منها، وأفعل ما أعرف أنه يرضيها –كنوع من الاعتذار عن أخطائي معها،والاعتراف بجميلها الذي لن أستطيع رده مهما فعلت-
وأحاول الاقتراب منها رويدا ًرويدا ، حتى تعود علاقتي بها كما كُنتُ طفلة...فمازالت بداخلي –على كل حال –طفلة صغيرة تحتاج إلى الحنان والدفء:27:.

وما يعيبُني أن أستفيد من خبرات أمي وأطلب منها أن تتحدث معي عن كل شيء يشغل بالي؟
فإذا قالت لي:" هذا عيب يا ابنتي لا تتحدثي في مثل هذا الأمور"، فسأقول لها برفق:" إن الحياء يا أمي لا يمنع أن أفهم منك أمورا ًتلتبس عليَّ ، وأخشى إن أنا سألتُ عنها غيرك أن يُضِلَّني أو يزوِّر لي الحقائق،فأزداد تيهاً ...ثم أسألها:
"مَن أفضل منك يا أمي يستطيع أن يدلني ويبدد حيرتي:29:؟
إن العالم الآن أصبح مفتوحاً يا أمي وأصبحت أواجه الكثير من علامات الاستفهام،فمن يستطيع أن يحل هذه العلامات أفضل منك يا أمي الحبيبة؟
فإذا لم تكن لديّها كل الإجابات عن تساؤلاتي، فسوف نبحث عن هذه الإجابات معاً،ولكن عند أهل العلم والخبرة،فنزداد استمتاعاً بصحبتنا ،وتزداد سعادتنا،وأزداد رضاً عن نفسي وإرضاءً لربي...ومن ثم أجد السعادة كل السعادة في الدنيا والآخرة:21:.
0
424

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️