
في هذا العالم القلق المزدحم السريع الإيقاع..
العالم المترع بالفواصل والفوارق والتباين الاجتماعي ..
يفتقد الإنسان السكينة والسلام الروحي .. والهدوء النفسي ..
فتراه في لهاث دائم ، وسباق مستمر وراء متطلبات الحياة ..
وما أكثرها في هذا الزمن الذي يفتقر إلى البساطة والقناعة !!
ونحن نجري مع تيار الحياة الذي قد لايتوافق ورغباتنا كثيراً ..
نعيش حياة مادية .. تغرقنا مسؤولياتها ..
ونرى الكثير يجعل غايته من الحياة هي الحياة ذاتها ..
فيمضي به العمر وهو بوضع الخاضع لها ..
يسعد حين تغدق عليه ، ويشقى حين تضن عليه ..
وعليها يعلق كل أسباب السعادة ..
وهذا الإنسان يكون فريسة سهلة لأمراض النفس ..
:
ولكن حينما تطلب نفوسنا الشفاء. ، وتود أن تتحرر من ربقة الحياة المادية
نبحث عن السكينة ..فنجدها في رحاب الله الواسعة ..
في الصلاة .. في القرأن .. في خلوة الدعاء .. في رحلة الحج المباركة ..
نلاقي هنالك السلام الذي ننشده ..!
حيث تمتد يد الرحمة الإلهية لتعدل لنا ميزان حياتنا ..
لتساعدنا كي نفتح عيون الإيمان فنبصر نور الله المبارك ..
لنجدد طاقاتنا ،و نواصل مسيرتنا في الحياة ..
مؤمنين أنها وسيلة لغاية أعظم وهي عبادة الله
وبناء الأرض .

وهو يمثل انخلاعاً من هذا العالم المفعم بالزيف والشهوات والأهواء ..
واستعلاء عن مغريات الحياة ومطامعها ..
وطرحاً لأثقال الذنوب ، وتنقية للقلوب ..
والعودة إلى رحاب الله في نهاية سياحة وجدانية وشعائر تعبدية
كلّ شعيرة منها تحمل رموزاً ودلالات ...
وهي بمجموعها توصل إلى الانعتاق والرجوع إلى الله .
...
فالحج إذن هجرة إلى الله ومسيرة تطهير ، وميلاد آخر للإنسان ..
وبعث لمقصد الحياة وتجديد بغايتها.
:
فبمجرد ان ننوي الحج .. نكون قد دخلنا فيه ..
وهذا يعني تشمير ساعد الجد ..
وتغيير روتين الحياة المستقر .. وخروج عن مألوف رتابتها ..
والنهوض والتحرك وتجديد العزم ، وابتعاث روح جديدة
وطاقة جديدة ،
الى حيث يلبي القلب نداء الله ..
ويتوجه المسلم بكيانه المادي والروحي إلى أرض الشروق ..
إلى مكة ..البيت العتيق.
:
في الحج يتساوى الجميع في أداء المناسك وأعمال الحج الظاهرة،
إلا أنهم يتفاوتون تفاوتا كبيرا في استشعار معاني تلك الأعمال ..
فهناك من يحج ببدنه .. وهناك من يحج بروحه ووجدانه..
والفرق بينهما كبير ..
....
إذن فالحج ليس فقط سياحة الأبدان ..
ولكنه سياحة الارواح في آفاق المشعر الحرام ..
الحج نقل حي لرسالة الإسلام التي حملتها كلمات القرآن
تبدأ بخلع ثياب الفخر والزهو عند الميقات ..
وارتداء البياض ليتساوى الناس. في ذلك المحيط البشري المتلاطم ..
فالثياب التي تكسونا هي التي تعبر عن مظهرنا المادي
وتعبرعن نمط حياتنا ، وتحدد طبقتنا الاجتماعية ، وهويتنا ..
وهي التي تقيم الفواصل والحدود بين الناس في أغلب الأحوال
أما بهذا الثوب البسيط فالناس جميعاً لافرق بينهم ..
كأن الحال يقول : تواضعوا .. فأنتم أمام الله سواء ..
واجتهدوا فإنكم بمقدار تقواكم تتفاضلون .

يصل الزمن بالركب إلى يوم التاسع من ذي الحجة ..
إلى أرض عرفة ..
وعرفة هي المسافة الأبعد من مكة .. حيث يمتد سهلٌ من الرمال الناعمة ..
وفي وسط هذا المشهد تقوم ربوة صخرية صغيرة ...
تلك هي ( جبل الرحمة ) حيث وقف النبي صلى الله عليه وسلم ..
ملقياً على مسامع الأمة.. خطبة الوداع ..
عرفة تتلألأ في يومها هذا كل عام إلى مابعد الغروب ..
ثم تختفي نوارها
حتى الموسم التالي لتعود فتشع من جديد ! .
:
هنالك في عرفة ... يوم الحج الأكبر .. ..
مشهد عظيم.. في يوم واحد عظيم ..
ذاك الذي يجمع الملايين في موقف واحد وعلى صعيد واحد ..
تحت شمس عرفات المتوهجة .. حيث تنصهر قطرة ( الأنا )
في ( كل ) المحيط البشري المتلاطم الأمواج ..وتذوب فيه ..
لذا كان يوم التطهير هذا هو الحج ..
ومن فاته .. فقد فاته الحج كله ..
ف ( الحج عرفة )!

أيها الحاج :
هنا في عرفة دع سجيتك تحركك ...
ودع إحساسك الذي بداخلك يشعر بعظمة هذا اليوم
لابما يراه بصرك ،
ففي مقدار تفانيك وانصهارك روحاً وجسداً في هذا الموقف
يكون مقدار ما فزت به من رحلة الحج ..
على صعيد عرفة .. العامر بالإلهامات
تتجسد المعاني السامية .
تجول ببصرك فترى عالماً من البشر ..
عالماً.. تتلاشى فيه الفواصل والحدود التي تقسم الناس ..
وتتوحد الأمة ، يختفي التمايز بين هذه الكتل البشرية
التي تمثل العالم كله ، ويرتفع شعار الإسلام
متحدثاً باسم الإنسانية العالمية.
:
هناك .. يبلغ الحجاج الذروة في السمو الروحي.
فالقلوب المؤمنة خاشعة مذعنة متطلعة إلى مغفرة الله وكريم عفوه ..
تختفي وتذوب كل المصالح والمطامع والأحقاد ،وتستيقظ الفطرة ..
وتتجلى الحقيقة الواحدة التي تنطق أننا جميعاً بشر من طينة واحدة ..
لايفرق بيننا اختلاف لغة او لون أو موقع اجتماعي أو مادي ..
ولا طائفية ، ولا عرقية ، ولا قبلية .
:
في نهاية ذلك اليوم تفوز أيها الحاج ..
بالانعتاق والتحرر من ثقل الاوزار ، وتعود خفيفاً ..
بعد أن طرحت عنك ثياب القهر والقسر والذنب الذي لبسك ..
وتعود إلى فطرتك وطبيعتك المجبول عليها ..
فكأنك تشهد لذاتك ميلاداً جديداً ..
: تذكير ..
الحج صورة مثالية للوحدة الإسلامية ..
وهو المراد لواقعنا كما شاء الله تعالى
ولكن حقيقة ماعليه وطننا الإسلامي الكبير الآن تنطق بغير ذلك
فهلا حققنا القرآن فينا فنكون أمة واحدة
كما نحن الآن أمام الله وعلى صعيد عرفة ..أمة واحدة ..؟

وصفتي لنا الحج بـــــ عبارات تثلج الصدور
وتهتف بها القلوب اشتياقاً للحج
رعاك الله وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال