لسا مُحرجة من الدكتورة اللي فحصتها اليوم...
الدنيا بتشتي من ساعتين، سندت راسها على قزاز السيارة، فكت حزام الأمان...
بتستنى زوجها يرجع من الصيدلية، نزل يجيبلها الأدوية اللي وصفتهم الدكتورة قبل شوي...
غمضت عيونها، التحاليل كلها مش إيجابية...خلال مدة قصيرة إزا ما انشفت تماما من الإلتهابات المتكررة الدكتورة مجبرة تستأصللها الرحم، و بعدها بعمره ما رح يكون في إلها أي طفل...ما رح تسمع كلمة ماما، و لا رح تضم إبنها ولا تشم ريحة عطره و هو نايم، ما رح تلعب بإيده الصغيرة...ولا رح تبوس رجله...الدكتورة شرحتلهم إنه هاد المرض نادر و بيصيب بنت من كل مليون و ما في أي علاج إله بكل العالم، ما في أي فائدة حتى لو سافروا برا...
فجأة في ايد صغيرة تحت المطر خبطت على القزاز...خلت بسمة تصرخ و تفتح عيونها...
برا ولحالها و مع هالبرد ما في حدا بالشارع...بس هالبنت الصغيرة..يمكن عمرها ست سنين مش اكتر....
- اشتري مني مجلة وألوان الله يخليكي...يا خالتو...الله يعمر بيتك...اشتري مني....
بسمة ما كانت واعية لحتى أصرت البنت عليها مرة و مرتين و تلات...لاحظت إنه البنت أواعيها وسخة و كلها طين...هي بتعرف أساليبهم و مش أول مرة بيجيوا عليها...خصوصا إنه سيارة زوجها (هادي) موديل السنة و شكلها بيدل على وضعهم المادي المترف....
- ليش واقفة بهالمطر حبيبتي؟! هلأ بتمرضي...روحي اتدفي أحسنلك...
- بدي مصاري حتى آكل جوعانة...من مبارح مو آكلة!
بسمة بتعرف أساليب التسول و الشحدة من كتر ما بيمر عليها...بس دائما هي بتعطي و لو دينار دفع بلا و بنية إنه هاد المتسول محتاج...
- خدي هي خمس دنانير اتعشي شو ما بدك...بس خلص روحي من تحت المطر...إنتي وين ساكنة..شو اسمك؟!
تنهدت البنت...
- ساكنة هناك...تحت فتحت العبارة اللي عند المجاري...أنا واختي الكبيرة...إسمي إلهام...
- معقول؟! يا إلهام إنتي بتحكي هالحكي لكل حدا؟! في حدا بيسكن بحفرة عبارة مجاري؟!
- خالتو...إحنا ما إلنا حدا..والله ما إلنا حدا...أبونا و أمنا ما بنعرف عنهم إشي...أجرونا زمان لوحدة عشان تشحد علينا و تركتنا بمكان بعيد...اختي ما عرفت ترجعنا و ضلينا هون...في واحد بيجي كل فترة بياخد منا أجار الحفرة...و بيحمينا إزا حدا حاول يضربنا أو يسب علينا...اسمعي...شو رأيك تاخديني معك كم مشوار؟!
- آخدك معي؟! كيف؟!
ابتسمت بسمة من برااءة الطفلة...
- خلص...وعد...بيننا موعد...بس مش هلأ...بيجي يوم و باخدك مشوار حلو...
- هيك وعدتيني...بينا موعد...لأ مش موعد...استني...خليهم مواعيد..بحب الكتير...بينا خمس مواعيد مأجلة على قد المصاري اللي عطيتيني ياهم.... كل موعد بتاخديني لمكان.ههههههه هالقد يعني...هدول...
اشرت بأصبعها...كان العدد سبعة...بس هي بتعرف إنه المصاري الحمرا يعني خمسة
إجا هادي بيركض من الصيدلية حتى ما ينبل و بإيده كيس أدوية...شاف البنت بتشحد من بسمة...
- يللا وليه...انقلعي...
بعدت إلهام عن السيارة ...خافت من هادي...
- ليش هيك عملت؟! خوفت البنت...
سكر باب السيارة و حط حزام الامان...
- هدول كزابين و انتي عارفة هالشي...و انا خفت عليكي لأنه شباكك مفتوح...بلاش تسرق منك اشي...
مشي هادي بالسيارة...اتفرجت بسمة بمراية السيارة...شافت بنت أكبر شوي من إلهام..بتركض باتجاه إلهام و خطفت الخمس دنانير من إيدها...إلهام صرخت و بكيت و هي مقهورة...
- هاتيهم...هاتيهم هدول عطتني ياهم خالتوا...بدي اكل جوعانة...هدول إلي...
صغرت إلهام و أختها بالمراية...اختفوا...
- حبيبتي...معلش...أكيد رح تتعالجي و رح تجيبي احلى ولد، ما تقلقي....
مسك إيدها...شد عليها بحنية....
- انا جمبك، ما تخافي من إشي...مهما تطلب العلاج...المهم تطيبي...أنا رح أوصلك على البيت وبدي أطلع...
- بدك تروح تحضر مباراة ريال مدريد صح؟!
انحرج هادي...
- لا أبداً...بصراحة آه...إنتي عارفة إنه بستناها من أسبوع على نار...و كمان إنتي بتقدري تحضري فيلم شاروخان الجديد...لو بدي أحكيلك أحضر بالبيت ما رح ترضي عشان صوتي و صراخي...و بتتزكري آخر مرة شو كسرت...
كلها كم يوم و غرفة التشجيع اللي قاعد بعملها بملحق الفيلا بتخلص...بعدها ما رح أطلع من البيت...و رح صحابي يجو يحضروا المباريات كلها عندي...
- عادي..روح..
حكتها و هي متضايقة منه...لفت وجهها للشارع...الناس كلها بتركض من البرد..شكله منخفض كبير...
--
هادي مولع بكرة القدم، مستعد يعمل إي إشي حتى يتابع فريقه، بليلة عرسه استأذن من بسمة يكمل المباراة و يومها فريقه فاز و كانت بالنسبه إله الفرحة فرحتين...
بسمة بتحضر هندي من لما كانت بالروضة! بتعرف كل شي عن المسلسلات و الأفلام الهندية و حافظة كل الأغاني و حياتها كلها عبارة عن الهند! ميدالية سيارتها مكتوب عليها بوليوود...فستان عرسها كان الساري الهندي رغم معارضة الكل...بس هادي خلاها تحقق حلمها...و طلعت عروس هندية مع نقطة على الجبين...طلعت احلى من بنات الهند... وصاروا بنات العيلة كلهم بدهم يعملوا عرس هندي....هادي بيضل يناديها بسمتي على إسم الرز الهندي وهي بتحب إسمها كتير لما يدلعها بسمتي...لما تزعل منه بيهديها أغنية هندية...حفظت لغتهم و لهجتهم و بالمناسبات حتى يضحكوا بيترجوها تحكي هندي...مشروع تخرجها بالجامعة كان عن العادات والتقاليد الهندية..وهي قبل ما تمرض كانت مجهزة حالها تعمل فيلم وثائقي تكملة للمشروع، لإنه الكل شجعها و شايف إنه الطريقة اللي عرضت فيها المشروع مختلفة تماما...هي ما تخلت أبدا عن السفر...مسألة وقت مش أكتر...
هادي و بسمة من عائلتين من أثرى العائلات بالبلد!
--
طلع هادي ليحضر المباراة، تمددت بسمة على على الكنباية الطويلة بالغرفة الكبيرة اللي كلها صور لممثلين هنود و صور لاعبين ريال مدريد، مدفاة الحطب شغالة و بتعكس وهج بالغرفة المعتمة...بلش الفيلم...ما كان في حدا بالبيت...طلع مشهد مطر غزيز و اولاد راكضين على المدرسة...خطر على بالها إلهام..البنت الشحادة...ما كان بعيونها في كزب...غفيت بسمة...
صحيت بوقت متاخر...الشتا برا مش موقف و الشجر بيميل على اليمين و اليسار...حست بقلق على هادي...
رنت عليه...وهي متاكد إنه المباراة خلصت من زمان...
- ألو..هادي إنت وين؟ خفت عليك...
- اكون وين ما اكون...
- اكيد خسر فريقك...بس لا تتفشش فيني..مش طايقة حالي...
- بسمة..خلص روحي هلأ...
فكر هادي إنه الخط سكر و حط التلفون على الطاولة..ضربه ضرب...و رماه...
كمل هادي كلام مع صاحبه..
- يا زلمة قرف يقرف النسوان و ساعتهم...مش عارف كيف انضربت على قلبي و اتزوجت...يا زلمة الطلعة بإذن و الرجعة بإذن...
بسمة انصدمت، فكرت إنه صاحبه اللي بيحكي..هادي مستحيل يحكي هيك...
- يا رجل؟! يا رجل حياتنا كلها مسلسلات و أفلام هندية....يا زلمة نص كلامها هندي...تتزكر بالعرس؟ والله حسيت حالي أهبل و انا ماشي جمبها....
- كلهم هيك يا صاحبي....تعال شوف اللي عندي ليل نهار بالسوق و على شرا اغراض...و لما اراجعها بتحكيلي بخيل...
- بتعرف؟ نفسي أواجهها...نفسي أحكيلها إني قرفت خلص...بدي ياها تكون طبيعية...يا زلمة معدتي تعبت من البهارات تبعتهم..كل يوم بتجرب إشي جديد علي...خلص...فقعت...
بسمة كانت منهارة بسبب كلام الدكتورة...و كلام هادي نزل عليها زي صاعقة...
- لا والأحسن من هيك يا حبيبي لو هلأ استأصلت الرحم..يعني بعمري ما رح أصير أب...و رح تضل تشتغل فيني ليل نهار....رح اكون إبنها المدلل....و لو ما إجت شغلة المرض..كانت رح تجرني وراها على الهند...أنا ناقصني...
ما قدرت تكمل بسمة...سكرت الخط....و لسا بتفكر شو اللي صار؟! هادي بيحكي هيك؟! مستحيل...هاد حب سنين مش يوم و ليلة...مستحيل هو اللي طلب منها تعمل اللي بتحبه...تعيش اللي بتحبه...و هو كمان حياته كلها فريقه المفضل...كلامه كله عنه...لبسه كله تيشرتات فريقه...كلامه كله عنه....هو تركها و هي مريضة عشان يحضر مباراته...هادي مش هيك...
لبست جاكيت خفيف و نزلت على سيارتها...ضوا ضو الحديقة تلقائيا...راحت باتجاه السيارة...الدنيا مطر..وقع المفتاح...مش عارفة وين بدها تروح...كانت تبكي و الشوارع بتاخدها لبعيد...لبعيد...الدنيا فجأة سكرت بوجهها...صارت دنيا حزينة...تمنت لو إنها سكرت الخط و انتهى الموضوع قبل ما تسمع..اتمنت لو هادي كان موجود بالبيت لما صحيت و ما سمعت كلامه مع صاحبه....ضلت تمشي لحتى وصلت جمب الصيدلية....في ضو باللافتة طافي (صيدلية دير غبار) و في ضو بيرمش...وقفت تاخد نفس...تزكرت إلهام...تطلعت لمكان فتحة التصريف...شافت إشي بيتحرك بهدوء...نزلت من السيارة و خلت الضو شغال...وقفت شوي...فكرت إنه ممكن خطر عليها تكون هون...كملت مشي...قربت على الفتحة...لقيت إلهام متغطية بشرشف و بردانة..و بتتقلب...الشرشف فوقه كياس نايلون...المي بتنقط من كل مكان و الوقت متأخر...اختها مش موجودة...قربت عليها أكتر و رفعت عنها الشرشف...كانت متكومة حوالين حالها...قلبها تحركك عليها و حست بشعور الام الي تركت بنتها بالبرد...لامت حالها...حملتها وهي نايمة...ريحتها مش حلوة أبدا...حطتها بالمقعد الخلفي للسيارة عشان تدفى..قررت تضل معها للصبح و تخليها نايمة بسيارتها...ركبت بمكانها....
فجأة شافت بالمراية رجال غريب جاي عليها مع إخت إلهام...سمعت صوته وهو معصب...
- تعالي يا مرا...شو بدك بالبنت...أتركيها...
بلش الزلمة يركض هو و البنت باتجاه بسمة...
بسمة من الخوف مشيت بالسيارة شوي...الزلمة صار يركض أسرع و أسرع و تناول عصاية...
بسمة حست قلبها انقبض و أسرعت....بعدت شوي عن الزلمة و هو مصر يلحقها...مشيت بسرعة....بعدت أكتر..أكتر...طلعت من المنطقة كلها...إلهام لسا نايمة غرفت بالنوم لأنها دفيت...
--
صوت زمور متكرر...
- بسم الله...مين جاينا هلأ؟!
- ما بعرف...استني أشوف على الكاميرات...
صحي أبو بسمة...لبس الروب... و راح باتجاه الكاميرات...شاف سيارة بسمة...
انفتحت البوابة الحديد الكبيرة...الحارس طلع يركض متفاجئ...الوقت مش وقت زيارات...
فتحت بسمة باب السيارة...انفتح باب البيت...أبوها و امها شافوها بوضع غريب...مبلولة..عيونها حمرا...و حاملة طفلة...أول كلمة حكاها أبوها...
- دعستيها؟! شو فيييي؟!
- خليني أفوت...هلأ بشرحلكم كل شي...
- بسم الله عليكي..شو مالك يا بنتي....
انهارت بسمة، حطت إلهام على الكنباية...ونزلت على ركبها...صارت تبكي بحزن...هادي جرحها...
صحيت بسمة، كانت حاسة بصداع، لقيت حالها نايمة على كنباية...في اشي صاير معها منزعجة منه و مش عارفة ليش متضايقة...
أنا وين؟! خطر ببالها هادي و الجرح اللي حطه بقلبها، تزكرت قسوته بالكلام، من تعبها مبارح ما قدرت تحكي ولا إشي لأهلها.. مر ببالها صورة البنت المشردة....إلهام...افكار تروح و تيجي...تزكرت إنها طلبت من إمها تحكيلها كل شي الصبح لإنها ما قدرت تستوعب اللي صار لأنه بالنسبة إلها كان مؤلم و جارح...هادي كل الوقت كان مخبي عليها إنه ما بحب ولا إشي من تصرفاتها...
وقفت على رجليها، قوتها ضعيفة...رجعت قعدت و نادت إمها بخوف...
- ماما....وين إلهام...وينها...ماااامااااا...
سمعت صوت ضحك جاي من الحمام مختلط بصوت الخدامة، جرت حالها بصعوبة و قربت للباب...
الخدامة و إمها بيحمموا إلهام، سندت راسها على الباب و برغم كل شي عم بيصر ابتسمت زي الام اللي شافت بنتها... شو هالجمال؟! معقول هي نفسها؟! بيّن شكلها الحقيقي...في شوية جروح بين اصابعها من وقفة الشارع بس رح تطيب أكيد مع العناية و الاهتمام...
حطت الخدامة منشفة على إلهام...و خلتها تمشي لعند التدفئة...لمحت بسمة...
- شكرا...شكرا خالتو على مبارح و اليوم..ما احسنك...بس لازم بس اخلص...و أرجع على الشارع...أنا مبارح نمت أحلى نومة بحياتي...ما بعرف شو يعني دفا بس اليوم عرفت...لازم أرجع لأنه المعلم حمّاد رح يضربني...رح احكيله إني هربت منك....
ضلت بسمة ساكتة وبتتأمل بجمال إلهام و محتارة كيف بدها ترد عليها...
- ششش لا تخافي حبيبتي...إنتي بأمان هلأ...
أم بسمة راحت مع الخدامة التانية على المستودع ورا الفيلا...دخلت بين الكراتين القديمة..في بالمستودع بسكليت قديم، ألعاب...
أواعي بسمة لما كانت صغيرة و أشياءها مفروزة و مصنفة...دورت لحتى لقيت الكرتونة اللي فيها اواعي بعمر ست و سبع سنين...فتحتها...طلعت فستان بكمام طويلة...ضمت الفستان و شمته...رجعت سنين لورا..طلبت من الخدامة تلحقها بباقي الأواعي...
رجعت عالبيت...همست بعيونها لبسمة تعالي بدي ياكي...
لحقتها على الغرفة...دار الحديث بينهم بصوت واطي...
- شو بدك تعملي هلأ؟
- مش عارفة يا ماما...يمكن رح أخليها تعيش هون، يمكن... و يمكن...مش عارفة...مش عارفة شو أعمل..عالأقل لبين ما أقدر أفكر خليها شوي...خليها تدفى و تشبع و تحس بالامان...
- بس أبوكي خايف تصير مشكلة...هو مش حابب يزعلك، بس بيقول إنه بنت من الشارع شو بدنا نعمل فيها؟ و أكيد إلها أهل...رح يسألوا عنها هلأ أو بعدين...المهم رح يسألوا عنها...و الله أعلم شو ممكن يعملوا كمان!
- لو بدهم يسألوا عنها كان ما رموها بالشارع...هي حكتلي إنه ما بتعرف أهلها...
دخل أبو بسمة و الصمت العميق مبين عليه...محتار شو بده يحكي لبنته حبيبته...رافض تماما هاد المبدا...
لمحته بسمة بعينها و لسا بتحكي مع إمها...حاولت تستجدي عاطفته بالحكي عن إلهام...
- ماما..مبارح كانت نايمة بحفرة! و المطر كان حواليها...والله شفايفها كانوا زرق من البرد...بترضيها لو ماتت و إنتي عارفة بهالشي...إحنا شو رح نخسر لو خليناها معنا؟! تخيليني انا لما كان عمري من عمرها...
اتطلعت إمها بالأرض و رجعت أعطتها نظرة عتاب، ما قدرت تحكيلها إشي..تحركت مشاعرها...
قرب أبوها منها...
- يا بنتي، ما بعرف شو بدي أحكيلك...بس اللي عملتيه غلط كبير...جبتيها من الشارع، و الله أعلم شو في وراها..و بشو مريضة...يمكن حرامية...يمكن سراقة...يمكن نصابة...ما يغرك عمرها....الله يستر ما تعمللنا مصيبة كبيرة هي و اهلها...
إلهام برغم إنها صغيرة بس مش غبية...بتفهم كل شي بيصير حواليها...كانت قريبة و سمعت الحكي...صارت تبكي...قربت من أبو بسمة و خاطرها مكسور...
- انا مش سراقة عمو، ولا حرمية...أنا وعيت عالدنيا و ما بعرف إلا الشارع و إختي...والمعلم حمّاد...
أنا يمكن شفتني ريحتي وسخة و بنت شوارع بس بعمري ما سرقت بس كمان بعمري ما دخلت حمام نضيف لحتى أقدر أتحمم...أنا ببيع و بشتغل و بكسب من تعبي...الشارع علمني أشياء كتير..بس ما تعلمت أسرق..أنا بشتغل و باكل من شغلي و تعبي و لو ما اشتغلت بنام بدون عشا...بس....خلص هيني عمو ما تخاف و الله هيني طالعة...
لهاي اللحظة كان أبو بسمة بيتعامل مع إلهام بقرف، يمكن لإنه ما بيعرف عنها إشي...بس إشي جواه خلاه يتطلع عليها...شاف لمعة بعيونها، شافها لما تحممت كيف صارت بنت طبيعية جدا زي بنات صحابه الأكابر، زي البنات اللي بشوفهم من بنات العيلة، شاف بنت مسكينة بتتطلع عليه و بتحاول تعطي أفضل صورة عنها و تدافع عن اللي باقي من كرامتها وما في اشي بايدها تعمله غير هيك....شاف بنتي صغيرة بس جواها حدا كبير بدافع عن إنسانيته...
إشي جواه لامه و ضميره عذبه..فجأة بطل قادر يرد عليها..ولا حدا قدر يحكي إشي...لحتى دخل هادي فجأة زي المجنون...
- بسمة...بسمتي...الحمدلله إنك هون...شو في ؟! وينك؟! من مبارح لا حس ولا خبر...قلقتيني عليكي...موتتيني من الخوف؟!
شاف إلهام، بالأول ما انتبهلها، كمل كلامه...
- حبيبتي...بسمتي شو مالك؟! وين إنتي...وين كنتي يا بسمتي...
قرب عليها...
بعدت عنها و دفشته بكل قوتها...
- ليش جاي لهون؟! إبعد عني...
سرق نظرة من عيون أمها و ابوها...
- شو في حبيبتي؟!
- ما تقول حبيبتي...أنا مش حبيبتك...أنا عبئ و حمل كبير عليك...أنا مش رح اكون حبيبتك بيوم، روح هادي...إطلع من حياتي...ما بدي ياك...أنا سمعت كل شي مبارح...
لسا هادي مستغرب و بيهز براسه مش قادر يستوعب...
- بس إحكيلي شو عملت و بعدها ما رح أزعجك...
أم بسمة...و أبو بسمة...و إلهام كانوا منصدمين....مستغربين من تصرف بسمة...لحتى أمها انهارت...بسمة مع مين بتحكي؟!
- حرام عليكي يا بسمة...حرام عليكي...رجعتي وقفتي الدوا كمان مرة؟! متى آخر مرة أخدتيه؟! مش حكالك الدكتور إنه ممكن تتضاعف الأعراض عندك من غير الدوا؟! أنا تعبت احكيلك كل مرة....نفس الموضع...بكفي! متى بدك تقتنعي إنه هادي مات؟! كم مرة لازم نعيد و نرجع نحكيلك إنه مش عايش..مش عاااااايش.....هادي مات من سنة يا بسمة!! هادي مات....هادي مات...كم مرة بدي احكيلك يا بنتي...ليش وقفتي الدوا...ما كان لازم أسمحلك تضلي لحالك...ما كان لازم تضلي بالبيت هداك لحالك...أنا الحق علي...
انهار أبو بسمة...وصار يبكي بحرقة على بنته، فكروا إنها تحسنت..بس شكلها صحتها عم تتدهور أكتر...
اتطلعت فيهم بسمة...
- شو بتخربطوا إنتو؟...
اتطلعت على هادي..كان واقف جمبهم...و بيتطلع فيها..
- أي دوا؟! و أي مضاعفات؟! ومين حكالكم إني لحالي...هادي قول أي إشي...إحكي...أو بلاش...خلي إلهام تحكيلكم...
إلهام حبيبتي...قوليلهم....انا مبارح مع مين إجيت على الصيدلية...
إلهام خافت، تخبت ورا ام بسمة...
- إنتي إجيتي لحالك...ما كان في حدا معك...
- إلهام!! قولي الحقيقة طيب مين اشترالي الدوا؟ و مين حكالك إنقلعي؟!
استغربت إلهام...
- ممما ما حدا...هاد عبدالحليم مراسل الصيدلية..هو بيجيب الدوا لكتير ناس على السيارات عشان ياخد عمولة...و هو اللي حكالي انقلعي...
رجفت بسمة...لسا هادي واقف...دموع امها و أبوها عليها خلتها تشفق على حالها...ركضت على غرفتها و حست بخوف كبير...لحقها هادي...
و برغم إنها قفلت الباب على حالها لقيته معها بالغرفة...
اختلطت عليها المشاعر، و الأفكار...الحكي اللي حكوه اهلها و إلهام مش سهل...ولا بيتصدق...حاولت تتزكر أيامها الماضية و تقنع حالها بوجود هادي...لسا واقف قدامها بس انكشف أمره...عيونه وراسه بالأرض...
فتحت تلفونها...شافت رقم هادي آخر رقم عندها...هي متصلة فيه...رنت عليه...
( الرقم المطلوب مفصول و شكرا)!!!!
- كيف؟ كيف يا هادي مش قادرة أفهم، بترجاك تحكي، بترجاك تطلع و تحكيلهم إنه هالحكي مش مزبوط...شو اللي صار! بيحكوا عني مريضة...بس إنت معي...كيف هيك؟!
هادي ساكت، و ما رح يحكي، الوعي عندها حاليا متنبه، قربت عليه و لمسته...ارتعبت و رجعت لورا..وقعت على الأرض...تحول هادي لسراب و اختفى من الغرفة...
صرخت بأعلى صوتها و تكومت على حالها،
- كزب...لااااااااااااا..........هادي.....وينك...لا تتركني....
أمها وقفت على باب الغرفة، ما لقيت دوا غير تدعي لبنتها....
إلهام حست بشعور مخيف، حزنت على بسمة...ما كان حدا منتبهلها، ضلت بسمة تبكي بغرفتها لحتى غفيت من التعب...عيونها تورموا من البكا...غابت عن الواقع شوي بس احلامها السيئة و الكوابيس ضلت معها...لحتى صحيت على ايد إلهام الصغيرة...
كانت تمرر ايدها بين خصلات شعرها...تمسح جبينها...
بهدوء فتحت بسمة عيونها...وشافت إلهام بالمقلوب...لفت إلهام لعندها و قعدت جمب التخت...
- إجا الدكتور غزك إبرة...كيف حالك أحسن!؟
- الحمدلله أحسن...
- خوفتيني عليكي...أنا اليوم لما صحيت حسيت حالي أسعد طفلة بعالم...بس....
- بس شو؟!
بكيت إلهام...
- شو في حبيبتي؟! إلهام؟!..
- ما بدي أخسرك...ما بدي يصير معك إشي...خليكي قوية...أنا ما عندي حدا...خليكي معي...عمو بده يرجعني عالشارع بس أنا خايفة...
بكيت بسمة و كانه في حدا ضربها كف خلاها تصحى...ضمت إلهام بأقوى ما عندها...
- حبيبتي...حبيبتي....لا تبكي...هششش...خلص...حبيبتي....
باستها على جبينها...
طلت امها من الباب...و هي كاتمة حزن كبير...
- بس تكوني جاهزة للحقيقة...رح احكيلك القصة كلها...خلص...لازم تعرفي كل شي...لازم تتزكري حتى ترجعي للواقع...
- انا جاهزة يا ماما...جاهزة....إحكيلي...إحكيلي كل شي...بدي أعرف و أفهم و أتزكر...
- الحقيقة ما رح تعجبك...
- أنا جاهزة للحقيقة مهما كانت...
تمهلت إمها شوي، الحقيقة مرة..بس لازم بنتها تفهمها و تتفهمها...
- السنة الماضية..تزوجتي إنتي و هادي...كان عرسكم من أحلى الأعراس...بسيط، دافي..كله حب...و حضروه كل الناس اللي بيحبوكم...إنتي و هادي تحديتونا و تمسكتوا ببعض و تزوجتوا برغم معارضتنا و معارضة اهله...إنتي كنتي و ما زلتي مولعة بالسينما و الهند..و كل شي من الهند...و أصريتي يكون شهر العسل هناك...
هادي بالأول رفض، و بعدها غير رأيه...سافرتوا...وهناك كنتي كتير مبسوطة خصوصا إنك أول مرة بتزوري هيك بلد.بلد حبيتيه و تمنيتي طول عمرك تروحي عليه...و خلال شهر العسل هادي صابه تسمم من الاكل...تسمم شديد...
شهقت أمها بحرقة قلب....خلت حتى إلهام تبكي...و بسمة انهارت...
-رحتي إنتي و هادي شهر عسل...بس هادي رجع بالتابوت من هناك..ما تحمل...كانت مرضته قوية و التسمم كان قوي لدرجة إنه مات بين إيديكي...
أغمي على بسمة فورا من قوة الصدمة وهي بتقول ( يعني أنا قتلته)؟! أنا؟! قتلت هادي؟!
--
مر يومين و هي بتختها ما بتتحرك...و الدكاترة داخلين طالعين...
الخدامة قاعدة مع إلهام و بتعتني بإيدها و بأضافرها...أبو بسمة و أمها قاعدين جمب التدفئة...
بيتطلعوا على إلهام و ما بدهم يعترفوا إنها عاملة دفا و حب بالجو...و إنهم محتاجينها...تروي الجفاف اللي صار بعد موت هادي و حزن بسمة...
طلعت بسمة من الغرفة و بإيدها مفتاح السيارة،
قامت أمها مرعوبة..
- وين؟! وين يا ماما...وين رايحة؟! لساتك تحت مفعول الابرة و الادوية...
- لا تخافي ماما...بدي أروح أجيب شوية اغراض لإلي....ما رح أطول..
- طيب هلأ بنبعت السواق يجيب اللي بدك ياه...إنتي إرجعي ارتاحي...
اتطلعت بسمة بأمها نظرة بتعرفها منيح...نظرة عناد مستحيل ترضخ فيها لأي حدا...
استسلمت إمها و بعدت عن طريقها...و هي خايفة عليها...شكلها تعبانة على الآخر...
وصلت بسمة لعند سيارتها....ركبت و استنت الحارس يفتح البوابة...
فجأة انفتح باب سيارتها و طلعت إلهام بلمح البصر جمبها...
- خديني معك...
- شو بتحكي؟! لا لا إرجعي أنا مش مطولة...
زعلت إلهام و فتحت باب السيارة لحتى تنزل...بلحظة بسمة غيرت رأيها و رجعتها...ربطتلها حزام الامان...
مشيت السيارة...و لفت بالشوارع...دارت زي ما بتدور الدنيا و إلهام بتطلع على العمارات و هي ساكتة...
وصلوا للبيت اللي عاشت فيه بسمة مع هادي...
بسمة ما كانت منتبهة إنه كل الورود اللي بالحديقة دبل من زمان و مات، والشجر اللي كان أخضر وواقف بشموخ بلش يموت و ينحني...ما كانت منتبهة إنه سيارة هادي واقفة من زمان و عجالها على الأرض منفسة، و الغبرة فوقيها كانها من ميت سنة واقفة...
إلهام كانت تتفرج و للحظة فكرت إنه البيت مهجور...
فتحت الباب...صوت الاحتكاك عالي...
اخدت نفس و دارت بنظرها حوالين البيت...
يا الله شو عتمة، و شوفي ظلام بين الزوايا...
بيت بدون روح...
في صورة لهادي و هو صايد سمكة ووراه بحر و قارب...
و في صورة إلهم بوقت الخطبة...
صورة تحت الشمس و هم متمددين على العشب الاخضر...
صور كتير بيوم العرس...
كل الصور عليهم شبرة سودا...
دموعها صارت تنزل لحالها...مسكت صورة على البوفيه...
مسحت عنها الغبرة...
هادي حاضنها و في طوق ورد على رقبتها...
وصلت لغرفة القعدة...البوسترات اللي عليها فريق هادي اصفرت و في منها بلش يتآكل...و الأفلام الهندية و الممثلين مخربش عليهم...
كيف ما كانت واعية على اللي بيصير حواليها؟! لهالدرجة حبها لهادي عماها عن الواقع؟!
دموعها حرقت خدودها...
- هيك يا حبيبي؟! هيك يا هادي بتتركني؟! هيك بتعمل فيني؟! تاركني كل هالفترة ؟! شفت شو عملت فيني؟! أنا صرت مجنونة بسببك يا هادي...هيك بتعمل فيني؟!
شدت إلهام على إيدها...واستها...
راحت على المطبخ...جابت كيس أسود كبير و بلشت تجمع الصور...كل شي بيجمعها بهادي...
وقفت و هادي طلع قدامها...حاول يمنعها بيأس...
- لا تحرقي الصور...لا تلغيني...خليني معك...
- ما رح يزبط يا هادي...ما رح يزبط...كل هالوقت كنت عم بعيش كزبة؟!
- بترجاكي...خليني...خليني حتى صورة على الحيط...حتى لو ورقة فيها إسمي..خليني...أنا حبيبك...خليني بخيالك...ما ضل فيني اشي غير إحساسك...لو نسيتيني خلص...رح اتلاشى...
فقدتك...
أنا من صدمة غيابك عجزت أحدّد إحساسي ..
ما بين الشك والريبه وبين الظن والخيبه ..
أحسب إني على بالك طريت و حضرتك ناسي ..
ضميرك ماصحى توّه و لآ حـسّسك تأنيبه ؟
مثل مالجرح بغيابك احسّه يسرق انفاسي ..
تجاهلت بسمة كل صوت بقلبها و عقلها....
طلعت بالصور على الحديقة...فتحت منقل الشوي...رمت كل الصور و إلهام بتساعدها..
حطت عليهم مادة سريعة الاشتعال...
مسكت القداحة..رمتها..و بلشت تنزل ببطئ قدام عيونها... لحتى وصلت على الصور و الذكريات....شبت النار....اشتعلت...بكل الصور و الإطارات...
خلها في القلب ... لا تسال كثير
رحت لا ترجع لي .. وكمل غياب
وأنتهى مابيننا الحب الكبير
ولا لقينا للسؤال أصلن جواب
أنت في راحه .. وأنا بعدك بخير
وانقفل مابيننا .. للحب باب!
--
قررت بسمة ما توقف حياتها عند ذكرياتها...هي بين مفترق طرق...يا بتضل تلوم حالها على ذنب مش من فعلها...يا بتكمل...
سكرت باب البيت...و اخدت شنتتها...إلهام حملت كيس صغير و لحقتها..كان تقيل عليها شوي...
طلعوا من باب البيت...
فجأة نط قدامهم المعلم حمّاد....
صرخوا التنتين...وقع الكيس من إلهام...
حماد بيتطلع على إلهام بعيون بتطلع شرار...
- بتضحكي علي؟ ولك بتضحكي على حمّاد؟ تعالوا هوووون!!!
تجمدوا بمكانهم من الخوف...
تخبت إلهام ورا بسمة، حمّاد حاطط الشر بعيونه...و بيقرب باتجاههم...
اتطلعت بسمة حواليها...بتعرف لو إنها صرخت ما حدا رح يجي لإنه حوالين البيت فاضي، حاولت تستجمع قوتها و تعمل أي إشي...كانت خايفة من إنه يقدر ياخد إلهام معه،
- هلأ بصرخ بصوت عالي و بخلي الجيران يطلعولك...
اتطلع حواليه بنظرة لؤم و خبث، ابتسم..
- الجيران؟! يا جيران...وينكم...تعالوا...
تحولت ابتسامته لعصبية...
- وجهك بدي أكسره يا حيوانة...و إلهام أنا بعرف حسابي معها...تعالوا جاي....
قرب بخطوات بطيئة و بحذر عليهم و هم بيرجعوا لورا...
سحبت بسمة إلهام من إيديها و ركضوا...ركض وراهم...إلهام بتصرخ...
انقطع نفس بسمة من الخوف ووقعت...و المعلم حماد صار على بعد خطوات منهم...
صرخت بسمة بصوت مرعوب،
- إلهام...أركضي...أهربي...لا توقفي...
حاولت توقف بسرعة على رجليها و تدور على اشي تضربه فيه بس ما لقيت...هجمت على حماد وركضت باتجاهه حتى تشغله، بس قوتها بالمقارنة مع حجمه ما رح تعمل إشي...ضربها بإيده ضربه وحدة على راسها، طارت بالهوا و نزلت على الأرض...
إلهام ركضت و هي بتصرخ مرعوبة و مفزوعة...
آخر إشي شافته بسمة هو إيد حماد بتمسك بإلهام و بترفعها من أواعيها...أخدها...اختفت إلهام، و اسودت الدنيا بعيون بسمة...
- لا،...للا...تاخد....إلهام...إلها...
--
سمعت أم بسمة صوت بكا و صراخ من غرفة بنتها...ركضت و فتحت الباب، لقيت بسمة منهارة
- ليش هيك عاملين فيني؟! ليش رابطيني؟! اتركوني....ليش هييييك؟! مامااااااا.......بااااااباااااااااا
- اهدي حبيبتي، إهدي...اهدي هلأ بحكيلك شو في...اهدي...
- ما بدييييي.....اتركيني، فكوني،....
دخل أبوها و حاول يثبتها بهدوء...
- بس بابا، بس حبيبتي، إهدي عشان أحكيلك شو مالك، إهدي...
انخنقت بسمة بدموعها...
- ليش بابا؟ ليش يا ماما؟! شو مالي؟! أنا صرت مجنونة حتى هيك تعملوا؟...
- لا حبيبتي، بعيد الشر عنك...بس الضربة اللي على راسك كانت قوية، صارلك أكتر من 3 أسابيع بتغيبي عن الوعي و لما تصحي...بتكسري كل شي حواليكي، و بتإذي حالك...وبترجعي تغيبي عن الوعي لفترات طويلة....
3 أسابيع؟! من شو الضربة؟ و مين ضربني؟!....
دارت الأحداث بمخيلتها...
- إلهام!؟....إلهام.... ماما...وين...وينها....وين إلهام....
صابت بسمة حالة هستيرية....صارت تتشنج...و تصرخ...
- تركتوها لحالها؟...هاد اللي كنتوا بدكم ياه؟! تركتوتها بالشارع؟! اااااخ يا ربي...حرام عليكم....
ساعة..مرت و بسمة بتبكي، و تقريبا رجعت للوعي الكامل...و أبوها طلع من الغرفة...ما قدر يتحمل...
- ليش يا ماما...ليش ما دورتوا عليها؟! ليش تركتوها....طيب حماد بلغتوا عنه؟!
- معلش يا بنتي، كنا مشغولين فيكي...إنتي مش من زمان هون طول الوقت كنتي بالمستشفى...و حماد الزفت ما إله أي أثر الشرطة بتدور عليه من يومها...إحنا ما بنعرف إصلا إلا اسمه الاول و انتي كاينة طافية كاميرات المراقبة ببيتك...
- طيب فكيني يا ماما...بترجاكي...فكيني...
انهارت بسمة مرة تانية بس سيطرت على حالها، كانت تحكي و بترجف...
- مشان الله فكيني، حبيبتي...ما رح اعمل إشي...
ترددت إمها شوي و حن قلبها...
-بس...
- ولا بس و لا شي...لا تخافي ما رح أعمل إشي...
قربت منها مع أنها عارفة إنه بنتها عنيدة و رح تندم...بس ما في إشي رح يمنعها من إنها تعمل اللي في بالها لو قررت تكسر و تخرب...فكتها..
هديت بسمة شوي...حكت ايدها مكان الربط...اتطلعت على حالها، حست بوجع ببطنها...حطت ايدها مكان الوجع...مغص رهيب كانه في سكين ببطنها...
نزلت أمها راسها للأرض و بكيت، فهمت بسمة إنه بالفترة الماضية...صار فيها إشي...رفعت راس إمها بإيدها...و اتطلعت بعيونها...
ماما؟! شو عملتوا فيني؟! شو صار؟! قولي...
انخنقت أمها..مش قادرة تحكيلها إشي...
- قولي؟! شو صاير؟! أنا صار معي مضاعفات؟! عم تعطوني علاج؟! الرحم عندي فيه إشي؟!
- الرحم، حاليا...مش موجود يا بنتي...
انفجرت أمها من الزعل و الحزن...
- كنتي مريضة كتير و صار معك مضاعفات و كنا رح نخسرك...كنا رح نخسرك يا بنتي..و أنا اللي أخدت القرار...مش متحملة أشوفك بتضيعي من إيدي...
نزلت دموع بسمة بغزارة و هي بتحاول تستوعب الموقف...حست بانهيار كامل لحياتها...حست إنه كل إشي بعالمها خرب، كل شي بحياتها انتهى...
فجأة...رفعت راسها و ركبتها موجة جنون قوية...ركضت برا الغرفة...خبطت بالتلفزيون...وقع و انكسر...كملت طريقها و إمها بتصرخ...أبوها انتبه و حاول يركض وراها بس ما قدر...صار ينادي على الحارس، بسمة لسا بتركض وبرغم تعبها إلا إنه في فكرة تملكتها...لازم تلاقي إلهام...و تنتقم من حماد...بسببه صار معها مضاعفات..بسببه صابتها نوبات من الجنون...
طلعت برا البيت و ضلت تركض، حافية...عطشانة...وصلت أول الشارع...الناس بيتطلعوا عليها باستغراب...
--
- راحت بنتي...راحت...يا ربي...لا تخليني أفقدها يا رب...
-حكيت مع الشرطة...وحكيت مع كل الناس...رح ننزل ندور عليها كلنا...
فتحت بسمة الباب...و اليأس مبين على ملامحها...اتطلعت بأبوها و أمها..اتفاجئوا....قربت عليهم...بكيت...ضمتهم...ضموها بقوة بدون ما يحكوا معها ولا إشي...
- بابا..ماما...مهما كان وضعي سيء...بدي أتعالج، ودوني على مصحة نفسية...ودوني على أي مكان...بدي أتعالج...أنا تعبانة...أنا مرهقة و مش حاسة بأي إشي...خلص إعملوا فيني أي شي، ما ضل عندي إشي اعمله بحياتي...أنا انتهيت...
طلع قدامها هادي...
شافته، لو حكت هلأ معه رح تكمل، بس هي محتاجته...خليهم يقولوا عني مجنونة..خليهم يقولوا شو ما بدهم..
قرب منها هادي...ضمها...بكيت على كتفه...
- وينك يا هادي، أنا ضعت و انتهيت، ليش هيك غبت عني كل هالفترة...طيب أنا اللي حكيتلك ما بدي ياك صح، و أنا اللي حرقت صورنا بس إنت بتصدق؟ شفت؟! ما رح أصير أم...
ضمته بقوة و شدت عليه و هو ساكت...
أبوها و امها شافوها كيف ضمت حالها، و عرفوا إنه الوضع صار سيء لدرجة إنهم لازم يعترفوا بالموضوع...لازم ياخدوا إجراء قاسي...
المرض النفسي إشي واقعي، و بيشبه تماما المرض الجسدي...و ثقافتنا فيها تشوهات، مش غلط الإنسان يسمح للطب النفسي بالتدخل بحياته لو اتطلب الامر...
--
وصلت بسمة مع أبوها و امها على المصحة النفسية...
بسمة لابسة بيجاما و نضارات شمسية...
هادي ماشي وراها و ما بيحكي معها ولا اشي...
السواق حامل شنتة صغيرة،
- متأكدة يا بنتي إنك حابة تدخلي المصحة؟!
- متاكدة، ما ضل حلول...
- الله معك يا بابا...ديري بالك ع حالك بنتي...
- لاتخاقوا علي...انا قوية...
انفتح الباب الاوتوماتيكي...دخلت منه بسمة...قبل ما يسكر بلحظة شافت هادي واقف برا..عمللها بايده اشارة الوداع...سكر الباب..
لطالما أردتك لي روحا أسكنها حتى ترجع الروح لخالقها، و اليوم عادت الروح و أصبحت أنا بلا مأوى...أنا المشردة التي تقف خارج أسوار قلبك، سأنساك يا هادي، ليس لأنني توقفت عن حبك...بل لأنني أردت أن أكون أنت في غيابك...أردت أن أعود لرشدي، أردت ان تكون ذكراك واقعية...سأنساك فما أوصَلتَني إليهْ لَن يَكونَ عَدلاً! اليَوْمَ لاحَ طَيفُك أمَامي، فأخبَرتُه أنَ اللّقاءَ قريب...
اليوم أخبرك بأن موعدنا كبرهة بين الشروق و المغيب...أحبك هادي...
--
مر يومين على دخول بسمة للمصحة، الاطباء قرروا بعد التحاليل و الفحوصات إنه سبب الانفصام و النوبات هو ورم صغير غير سرطاني بالمخ، نتيجة الضغوط و الصدمات اللي تعرضتلها، و العملية هي أنسب قرار و بعدها ممكن ترجع بسمة إلى حدا ما طبيعية برغم إنها رح تمر بفترة علاج طويلة....بسمة كانت مستسلمة و لا بتسأل عن أي شي...كانت تردد كلمة وحدة (عالجوني)، الخيار التاني كان إنهم يتركوها تتعالج بالأدوية و ممكن يخاطروا بتوسع الورم...
--
- ممكن أوصيكم بشي؟!
- لا تقولي هيك يا بنتي...بعيد الشر عن قلبك...بترجاكي لا تقولي ولا شي...بمجرد ما رح تطلعي رح تكون الأمور كلها بخير...
- بس بدي إزا صار إشي معي...تلاقوا إلهام...و تعطوها بيتي و تدرسوها...بعرف إنه ما رح يأثر عليكم هالقرار بشي...
- يروح البيت و اللي فيه مش سائلة..بدي إنتي تكوني بخير...بوعدك إني رح اخلي كل الناس تدور عليها و رح نجيبها...إنتي إطلعي بخير و سلامة وبنروح إحنا كلنا ندور عليها...
--
- طولت جوا...خايفة يكون صارلها إشي...
- توكلي على الله، بنتنا قوية..رح تطلع..و رح تتحسن...
طلع الدكتور من غرفة العلميات و معه ممرضة...
- الحمدلله، بنتكم بخير...بس بدها راحة يا جماعة و إهم إشي ما تحاولوا تحكولها أي شي يذكرها بالماضي لإنه الأعصاب بحالة تأهب حاليا و مخها رح يدور على القطعة الناقصة...
- الحمدلله ولا يهمك دكتور، حاضر...ما رح نذكرها بإشي...
- استنوا شوي لبين ما تصحصح...اتركوها ساعة زمن...
--
دخلت أم بسمة و أبوها لعندها...
- الحمدلله على السلامة يا بنتي..
- الحمدلله إنك بخير...
اتطلعت فيهم بسمة بنظرة غريبة...راسها ملفوف...
- شكرا...بس إنتو مين؟! أنا بعرفكم إشي؟؟!
انصدمت إمها...و فهمت إنه اللي صار مش سهل...بسمة فقدت ذاكرتها...طلعت تركض لعند الدكتور...
- دكتور مشان الله احكيلي إنها ما فقدت الذاكرة للأبد...
- إحنا حكينا من الأول إنه العملية خطرة...الذاكرة ممكن ترجعلها و ممكن لأ...إحنا عملنا اللي علينا...
--
الكل استسلم للواقع...بسمة فاقدة الذاكرة و رح تتعلم من أول وجديد و رح تعيش...ربنا أعطاها نعمة إنها تنسى كل شي...و رح ترجع طبيعية مع الزمن...
بسمة رجعت تهتم بحالها...نسيت كل شي درسته...صارت إهتماماتها مختلفة...المسلسلات الهندية بطلت تعنيلها اشي...صارت تحس بسخافة لو شافت مشهد هندي...زادت ابتساماتها...و هداك الشب اللي رح يموت عليها مش عاطيته عين...عمل كل شي عشان يقدر يحكي معها بس هي بتبتسم و بتعمل حالها مش شايفته و هو بيتحرقص...كانت تحس إنه في إشي بحياتها ضايع...أهلها اخفوا عنها الماضي...و هي مش حابة تعرف أي شي صار معها...هي ممنونة لأشعة الشمس اللي بتطلع عليها و هي نايمة على عشب الحديقة...ممنونة لأنه أبوها و أمها حواليها...ممنونة لإنها بتوقف تحت المطر و الدنيا برد...
--
ضوت الإشارة حمرا...بسمة بالمقعد الخلفي و السواق مركز على الطريق...مستعد ليمشي...السيارة فخمة...فخمة كتير...
فجأة إيد صغيرة...خبطت على شباك السيارة...ارتعبت بسمة...فتحت الشباك شوي...ونزلت نضاراتها...
شافت بنت أوعيها وسخة...شكلها مضروبة و معذبة...عيونها ماتت فيها الحياة...
- اشتري مني خالتو جوعانة...
سكتت إلهام...شافت بسمة...مباشرة إلهام عيونها دمعت..حست بشعور غريب...
بسمة ابتسمت بحنية...
- ليش زعلانة يا قمر؟! خدي حبيبتي...خدي خمس دنانير و اشتري أحلى عشا ولا يهمك...
وقف الحكي بتم إلهام...حست بحزن كبير، حست إنه بسمة تخلت عنها، الامل الأخير اللي تعلقت فيه إنه بيوم ترجع بسمة و تاخدها بحضنها راح...حست إنه بسمة انكرت إنه بيوم صار بينهم حكي...
فتحت الإشارة...السواق سكر شباك بسمة من عنده...مشي بسرعة حتى قبل ما تكمل بسمة كلامها مع إلهام...
وقفت إلهام بنص الشارع..بتشوف سيارة إلهام بتبعد عنها...بكيت...نادت بصوت عالي سمعه كل الشارع....
(بسمااااااااااااااااااااااا)
السيارة ضلت ماشية...
(بسمااااااااااااااااااااااا)
.
.
.
.
.
.
.
- كأني سمعت البنت بتنادي علي؟!! إرجعلها عمو...شكلها بتعرفني؟! إرجعلها...
- يا ست بسمة هدول شحادين و يمكن عرفت إسمك من أي مكان...بلاش نرجعلها...
- معلش عمو...ارجعلها خليني أشوف شو بدها حرام...
إلهام شافت السيارة وقفت و بلشت ترجع...صارت تركض باتجاهها...
فتحت بسمة باب السيارة...مستغربة..نزلت منها...
اتصل السواق على أم بسمة و خبرها شو عم بيصير...ضلت معه على التلفون...
- إنتي ناديتي علي؟!
نطت إلهام ما قدرت تحكي..هجمت على بسمة و عانقتها بخوف و اشتياق..الحضن الحقيقي اللي اخدته بحياتها كان من بسمة...
-بسمة..حبيبتي...خديني...خديني أنا استنيتك...صارلي زمان بستنى..ما بدي اشحد ولا أوقف على إشارة...خديني يا بسمة...مشان الله لا تتركيني...انتي مو عارفتيني؟!
بسمة دمعت بدون ما تعرف شو القصة..حست بوجع براسها...
- إنتي مين؟!
قبل ما تجاوبها...
نزل السواق...
- إنتي إلهام؟؟
انصدمت بسمة...
- كيف عرفت إسمها عمو؟؟!
اعطى السواق التلفون لبسمة...سمعت من إمها كلمات بسيطة...خافت...
أمها حكتلها تجيب هاي البنت الشحادة معها...
- ما بعرف ليش...بس ماما بتحكيلي بدها تشوفك..بدها ياكي تيجي معي على البيت...بتقدري؟!
- اه...رح آجي...خديني...خديني معك...
طلعت إلهام بالسيارة بالمقعد الخلفي...قعدت جمب بسمة...اتطلعت فيها...
بسمة ربطتلها حزام الامان...مشيت السيارة...السواق خبر إلهام ما تحكي إشي لبين ما توصل على البيت...
انعكست الشمس على عيون إلهام...بدون ما تحس بسمة مدت إيدها بحينة و خبت عيون إلهام عن الشمس...
-خدي نضارتي الشمسية...
ابتسمت إلهام...اتطلعت على الإشارة اللي وراها...مكان ما وقفت تبيع...مكان ما وقفت تشحد من لما وعيت على الدنيا...
اتطلعت على بسمة...مسكت ايدها...و غمضت عيونها...تمنت ما تكون حلم.
النهايه
Noufahmad @noufahmad
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
ليا ٩٩
•
😔 يا الله المرض النفسي مرعب صاحبتي عندها ثنائي القطب ودخلت الصحة النفسية للمرة الرابعة هذي الفترة بسبب ضغط الدوام والدراسة عن بعد وهي ما تتحمل أصلا مصابة فيه من عشر سنوات والله بكتني القصة تخيلتها قدامي ،، تكره الصحة النفسية مرة مرة لكن الأمر لله من قبل ومن بعد من جد ( من بات منكم معافى في بدنه آمن في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بما فيها) أكثروا من الصلاة على النبي ودعوا لزميلتي معكم وكل مريض اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين
الصفحة الأخيرة