مواهب غائبة عن ميدان العمل

أدركت كبرى المؤسسات العالمية – ومنها “ميكروسوفت” – القدرات المهارية والذهنية الكبيرة لذوي التوحد، وعملت على الاستفادة من مواهب هؤلاء العباقرة المغمورين
وهنا تكون اهمية ادارة الذات

ليست “ميكروسوفت” المؤسسة الأولى التي تحاول معرفة هؤلاء الموظفين ودعمهم، فقد بدأت مؤسسة “البرمجيات الألمانية” برنامجها “التوحد في بيئة العمل” منذ ثلاث سنوات، ووظفت أكثر من مائة شخص، كذلك مؤسسة “فورد” التي أطلقت مبادرة “فورد لأعمال الدمج” بالتعاون مع إحدى جمعيات التوحد في ولاية “ميشيجن” الأمريكية، وكانت المبادرة عبارة عن برنامج تدريبي على احتياجات العمل لمدة تتراوح بين 30 و90 يوماً، حيث تم توظيف المتدربين في فريق الإنتاج بمؤسسة “فورد”.

أما عن تجربة “ميكروسوفت”، فقد بدؤوها منذ عملية الاختيار والاختبارات، فبجانب المقابلات الشخصية التقليدية، تم إجراء محادثات ودية غير رسمية وملاحظة المتقدمين لعدة أيام. ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد، بل بعد أن يتم التوظيف تخصِّص المؤسسة مرشدين لهم، لتعريفهم بالنظام العام للمؤسسة، والحافلات التي ستقلهم إلى مكان العمل، وغير ذلك من الأمور. ولم تقتصر عملية التدريب عليهم وحدهم، بل امتدت إلى المديرين والزملاء لتدريبهم على كيفية التعامل مع الزملاء الجدد من ذوي القدرات الخاصة.

في أبريل عام 2015 تلقت “ميكروسوفت” 700 سيرة ذاتية لخوض البرنامج التجريبي للتوظيف. كانت النتائج الأولية متواضعة، لكنها مبشرة، حيث تم توظيف 16 شخصاً، وأغلبهم حصل على وظائف فنية بما فيها مبرمج، ومحلل بيانات. وحتى الآن، تشهد المؤسسة أن أداء هؤلاء فاق التوقعات، ولم يترك أيٌّ منهم العمل بالمؤسسة.

كثير من ذوي التوحد حصلوا على شهادات جامعية ويتمتعون بقدرات عقلية هائلة، لكن خطوات عملية التوظيف التقليدية ليست في صالحهم، فقد يتعامل معهم مسؤول التوظيف على أنهم يتصرفون بشكل منافٍ للذوق لمجرد عدم وجود تواصل بصري بينهما.

يحكي أحد مهندسي “ميكروسوفت” – وهو من ذوي التوحد – عن تجربة توظيفه قائلاً إنه خلال فترة الاختبار قامت بينه وبين كثير من المتقدمين علاقة صداقة، ولم يكن المناخ تنافسياً، بل كان مريحاً جداً، وكان الجميع في المؤسسة يتسمون بالودِّ ويبتسمون طوال الوقت، مما أعطاه انطباعاً أنهم سعداء بعملهم. وقد شارك في برنامج تدريبي تابع لـ“ميكروسوفت” قبل توظيفه، وخاض تدريباً على المهام الفعلية المطلوبة في العمل، وبعد أن انتهت الاختبارات وفترة التدريب تلقى مكالمة من المؤسسة تخبره بتوظيفه مهندساً، وبراتب يفوق ما كان يتلقاه في السابق.

هناك أكثر من مليار شخص في العالم من ذوي الاحتياجات الخاصة، وترى “ميكروسوفت” أنها كلما نجحت في تمثيل أكبر عدد من سكان الأرض، صارت أكثر قدرة على خدمة الجميع.