الليلة فرح
الليلة فرح
جزاكم الله خير

واسعدكم بالدارين وادخلكم فسيح جناته ورزقكم من حيث لا تحتسبون

اميييين
زهرة سرف
زهرة سرف
بلال بن رباح الحبشي ، هذا الرجل شديد السمرة ، النحيف الناحل ، المفرط الطول الكث الشعر ، لم يكن يسمع كلمات المدح والثناء توجه اليه ، الا ويحني رأسه ويغض طرفه ويقول وعبراته على وجنتيه تسيل انما أنا حبشي000كنت بالأمس عبدا )000 ذهب يوما -رضي الله عنه- يخطب لنفسه ولأخيه زوجتين فقال لأبيهما أنا بلال وهذا أخي ، عبدان من الحبشة ، كنا ضالين فهدانا الله ، وكنا عبدين فأعتقنا الله ، ان تزوجونا فالحمد لله ، وان تمنعونا فالله أكبر )000


نسبه واسلامه

انه حبشي من أمة سوداء ، عبدا لأناس من بني جمح بمكة ، حيث كانت أمه احدى امائهم وجواريهم000ولقد بدأت أنباء محمد تنادي سمعه ، حين أخذ الناس في مكة يتناقلوها ، وحين كان يصغي الى أحاديث سادته وأضيافهم ،وذات يوم يبصر بلال نور الله ، ويسمع في أعماق روحه الخيرة رنينه ، فيذهب الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويسلم 000 ولا يلبث خبر اسلامه أن يذيع ، وتدور الأرض برءوس أسياده من بني جمح ،وتجثم شياطين الأرض فوق صدر أمية بن خلف الذي رأى في اسلام عبد من عبدانهم لطمة جللتهم بالخزي والعار ، ويقول أمية لنفسه 000ان شمس هذا اليوم لن تغرب الا ويغرب معها اسلام هذا العبد الآبق000) 000


العذاب و الحرية

لقد كانوا يخرجون به في الظهيرة التي تتحول الصحراء فيها الى جهنم قاتلة ، فيطرحونه على حصاها الملتهب وهو عريان ، ثم يأتون بحجر متسعر كالحميم ينقله من مكانه بضعة رجال ويلقون به فوقه ، ويصيح به جلادوه اذكر اللات والعزى )000
فيجيبهم أحد000أحد )000
واذا حان الأصيل أقاموه ، وجعلوا في عنقه حبلا ، ثم أمروا صبيانهم أن يطوفوا به جبال مكة وطرقها ، وبلال -رضي الله عنه- لا يقول سوى
أحد000أحد )00 ويذهب اليهم أبوبكر الصديق وهم يعذبونه ، ويصيح بهم : ( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ؟ ؟ ) 000 ثم يصيح في أمية خذ أكثر من ثمنه واتركه حرا )000 وباعوه لأبي بكر الذي حرره من فوره ، وأصبح بلال من الرجال الأحرار 000


غزوة بدر

و بعد هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين الى المدينة ،يشرع الرسول للصلاة آذانها000ويختار بلال -رضي الله عنه- ليكون أول مؤذن للاسلام ، وينشب القتال بين المسلمين وجيش قريش وبلال هناك يصول ويجول في أول غزوة يخوضها الاسلام ، غزوة بدر ، تلك الغزوة التي أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يكون شعارها ( أحد000أحد )000
وبينما المعركة تقترب من نهايتها ، لمح أمية بن خلف ( عبد الرحمن بن عوف ) صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاحتمى به وطلب اليه أن يكون أسيره رجاء أن يخلص بحياته000فلمحه بلال فصاح قائلا رأس الكفر ، أمية بن خلف 000 لا نجوت أن نجا )000ورفع سيفه ليقطف الرأس الذي طالما أثقله الغرور والكبر فصاح به عبدالرحمن بن عوف أي بلال 00 انه أسيري )000ورأى بلال أنه لن يقدر وحده على اقتحام حمى أخيه في الدين فصاح بأعلى صوته في المسلمين يا أنصار الله ، رأس الكفر أمية بن خلف 000 لا نجوت أن نجا )000وأقبلت كوكبة من المسلمين وأحاطت بأمية وابنه ، ولم يستطع عبد الرحمن بن عوف أن يصنع شيئا ، وألقى بلال على جثمان أمية الذي هوى تحت السيوف نظرة طويلة ثم هرول عنه مسرعا وصوته يصيح أحد000أحد )000


يوم الفتح

وعاش بلال مع الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- يشهد معه المشاهـد كلها ، وكان يزداد قربا من قلب الرسـول الذي وصفه بأته ( رجل من أهل الجنة ) 000وجاء فتح مكة ، ودخل الرسول -صلى الله عليه وسلم- الكعبة ومعه بلال ، فأمره أن يؤذن ، ويؤذن بلال فيا لروعة الزمان والمكان والمناسبة 000


بلال من المرابطين

وذهب الرسول -صلى الله عليه وسلم- الى الرفيق الأعلى ، ونهض بأمر المسلمين من بعده أبوبكر الصديق ، وذهب بلال الى الخليفة يقول له يا خليفة رسول الله ، اني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : أفضل عمل المؤمن الجهاد في سبيل الله )000قال له أبو بكر : ( فما تشاء يا بلال ؟) قال أردت أن أرابط في سبيل الله حتى أموت )000قال أبو بكر ومن يؤذن لنا ؟؟)000قال بلال وعيناه تفيضان من الدمع اني لا أؤذن لأحد بعد رسول الله )000قال أبو بكر بل ابق وأذن لنا يا بلال )000قال بلال ان كنت قد أعتقتني لأكون لك فليكن ما تريد ، وان كنت أعتقتني لله فدعني وما أعتقتني له )000قال أبو بكر بل أعتقتك لله يا بلال )000ويختلف الرواة في أنه سافر الى الشام حيث بقي مرابطا ومجاهدا ، ويروي بعضهم أنه قبل رجاء أبي بكر وبقي في المدينة فلما قبض وولى الخلافة عمر ، استأذنه وخرج الى الشام 000


الآذان الأخير

وكان آخر آذان له ،أيام زار الشام أمير المؤمنين عمر-رضي الله عنه- وتوسل المسلمون اليه أن يحمل بلالا على أن يؤذن لهم صلاة واحدة ، ودعا أمير المؤمنين بلالا ، وقد حان وقت الصلاة ورجاه أن يؤذن لها ، وصعد بلال وأذن 000 فبكى الصحابة الذين كانوا أدركوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبلال يؤذن ، بكوا كما لم يبكوا من قبل أبدا ، وكان عمر أشدهم بكاء000


وفاته

ومات بلال في الشام مرابطا في سبيل الله كما أراد ورفاته تحت ثرى دمشق
السعادة لي
السعادة لي
هذه الموضوع للفائدة لنا كلنا اي وحدة تحب تضيف حياها الله


عبدالله بن رواحة
عندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس مستخفيا من كفار قريش مع الوفد القادم من المدينة هناك عند مشترف مكة، يبايع اثني عشر نقيبا من الأنصار بيعة العقبة الأولى، كان هناك عبدالله بن رواحة واحدا من هؤلاء النقباء، حملة الاسلام الى المدينة، والذين مهدّت بيعتهم هذه للهجرة التي كانت بدورها منطلقا رائعا لدين الله، والاسلام..

وعندما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يبايع في العام التالي ثلاثة وسبعين من الأنصار أهل المدينة بيعة العقبة الثانية، كان ابن رواحة العظيم واحدا من النقباء المبايعين...
وبعد هجرة الرسول وأصحابه الى المدينة واستقرارهم بها، كان عبدالله بن رواحة من أكثر الأنصار عملا لنصرة الدين ودعم بنائه، وكان من أكثرهم يقظة لمكايد عبد الله بن أبيّ الذي كان أهل المدينة يتهيئون لتتويجه ملكا عليها قبل أن يهاجر الاسلام اليها، والذي لم تبارح حلقومه مرارة الفرصة الضائعة، فمضى يستعمل دهاءه في الكيد للاسلام. في حين مضى عبدالله بن رواحة يتعقب هذا الدهاء ببصيرةمنيرة، أفسدت على ابن أبيّ أكثر مناوراته، وشلّت حركة دهائه..!!

وكان ابن رواحة رضي الله عنه، كاتبا في بيئة لا عهد لها بالكتابة الا يسيرا..

وكان شاعرا، ينطلق الشعر من بين ثناياه عذبا قويا..

ومنذ أسلم، وضع مقدرته الشعرية في خدمة الاسلام..

وكان الرسول يحب شعره ويستزيده منه..



جلس عليه السلام يوما مع أصحابه، وأقبل عبدالله بن رواحة، فسأله النبي:

" كيف تقول الشعر اذا أردت أن نقول"..؟؟

فأجاب عبدالله:" أنظر في ذاك ثم أقول"..

ومضى على البديهة ينشد:

يا هاشم الخير ان الله فضّلكم

على البريّة فضلا ما له غير

اني تفرّست فيك الخير أعرفه

فراسة خالفتهم في الذي نظروا

ولو سألت أو استنصرت بعضهمو

في حلّ أمرك ما ردّوا ولا نصروا

فثّبت الله ما آتاك من حسن

تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا



فسرّ الرسول ورضي وقال له:

" واياك، فثّبت الله"..

وحين كان الرسول عليه الصلاة والسلام يطوف بالبيت في عمرة القضاء

كان ابن رواحة بين يديه ينشد من رجزه:

يا ربّ لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدّقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينة علينا وثبّت الأقدام ان لاقينا

ان الذين قد بغوا علينا اذا أرادوا فتنة ألبنا

وكان المسلمون يرددون أنشودته الجميلة..

وحزن الشار المكثر، حين تنزل الآية الكريمة:

( والشعراء يتبعهم الغاوون)..

ولكنه يستردّ غبطة نفسه حين تنزل آية أخرى:

( الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وذكروا الله كثيرا، وانتصروا من بعد ما ظلموا..)




**




وحين يضطر الاسلام لخوض القتال دفاعا عن نفسه، يحمل ابن رواحة سيفه في مشاهد بدر وأحد والخندق والحديبية وخيبر جاعلا شعاره دوما هذه الكلمات من شعره وقصيده:

" يا نفس الا تقتلي تموتي"..

وصائحا في المشركين في كل معركة وغزاة:

خلوا بني الكفار عن سبيله

خلوا، فكل الخير في رسوله




**




وجاءت غزوة مؤتة..

وكان عبدالله بن رواحة ثالث الأمراء، كما أسلفنا في الحديث عن زيد وجفعر..

ووقف ابن رواحة رضي الله عنه والجيش يتأهب لمغادرة المدينة..

وقف ينشد ويقول:

لكنني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فرع وتقذف الزبدا

أو طعنة بيدي حرّان مجهرة بحربة تنفد الأحشاء والكبدا

حتى يقال اذا مرّوا على جدثي يا أرشد الله من غاز، وقد رشدا

أجل تلك كانت أمنيته ولا شيء سواها.. ضربة سيف أ، طعنة رمح، تنقله الى عالم الشهداء والظافرين..!!




**




وتحرّك الجيش الى مؤتة، وحين استشرف المسلمون عدوّهم حزروا جيش الروم بمائتي ألف مقاتل، اذ رأوا صفوفا لا آخر لها، وأعداد نفوق الحصر والحساب..!!

ونظر المسلمون الى عددهم القليل، فوجموا.. وقال بعضهم:

" فلنبعث الى رسول الله، نخبره بعدد عدوّنا، فامّا أن يمدّنا بالرجال، وأمّا أن يأمرنا بالزحف فنطيع"..

بيد أن ابن رواحة نهض وسط صفوفهم كالنهار، وقال لهم:

" يا قوم..

انّا والله، ما نقاتل الا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به..

فانطلقوا.. فانما هي احدى الحسنيين، النصر أو الشهادة"...

وهتف المسلمون الأقلون عددا، الأكثرون ايمانا،..

هتفوا قائلين:

"قد والله صدق ابن رواحة"..

ومضى الجيش الى غايته، يلاقي بعدده القليل مائتي ألف، حشدهم الروم للقال الضاري الرهيب...




**




والتقى الجيشان كما ذكرنا من قبل..

وسقط الأمير الأول زيد بن حارثة شهيدا مجيدا..

وتلاه الأمير الثاني جعفر بن ابي طالب حتى أدرك الشهادة في غبطة وعظمة..

وتلاه ثالث الأمراء عبداله بن رواحة فحمل الراية من يمين جعفر.. وكان القتال قد بلغ ضراوته، وكادت القلة المسلمة تتوه في زحام العرمرم اللجب، الذي حشده هرقل..

وحين كان ابن رواحة يقاتل كجندي، كان يصول ويجول في غير تردد ولا مبالاة..

أما الآن، وقد صار أميرا للجيش ومسؤولا عن حياته، فقد بدا أمام ضراوة الروم، وكأنما مرّت به لمسة تردد وتهيّب، لكنه ما لبث أن استجاش كل قوى المخاطرة في نفسه وصاح..



أقسمت يا نفس لتنزلنّه مالي أراك تكرهين الجنّة؟؟

يا نفس الا تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليت

وما تمنّت فقد أعطيت ان تفعلي فعلهما هديت

يعني بهذا صاحبيه الذين سبقاه الى الشهادة: زيدا وجعفر..

"ان تفعلي فعلهما هديت.



انطلق يعصف بالروم عصفا..

ولا كتاب سبق بأن يكون موعده مع الجنة، لظلّ يضرب بسيفه حتى يفني الجموع المقاتلة.. لكن ساعة الرحيل قد دقّت معلنة بدء المسيرة الى الله، فصعد شهيدا..

هوى جسده، فصعدت الى الرفيق الأعلى روحه المستبسلة الطاهرة..

وتحققت أغلى أمانيه:

حتى يقال اذا مرّوا على جدثي

يا أرشد الله من غار، وقد رشدا

نعم يا ابن رواحة..

يا أرشد الله من غاز وقد رشدا..!!




**




وبينما كان القتال يدور فوق أرض البلقاء بالشام، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس مع أصحابه في المدينة، يحادثهم ويحادثونه..

وفجأة والحديث ماض في تهلل وطمأنينة، صمت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسدل جفنيه قليلا.. ثم رفعهما لينطلق من عينيه بريق ساطع يبلله أسى وحنان..!!

وطوفّت نظراته الآسية وجوه أصحابه وقال:

"أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدا.

ثم أخذها جعفر فقاتل بها، حتى قتل شهيدا"..

وصمت قليلا ثم استأنف كلماته قائلا:

" ثم أخذها عبدالله بن رواحة فقاتل بها، حتى قتل شهيدا"..

ثم صمت قليلا وتألقت عيناه بومض متهلل، مطمئن، مشتاق. ثم قال:

" لقد رفعوا الى الجنة"..!!

أيّة رحلة مجيدة كانت..

وأي اتفاق سعيد كان..

لقد خرجوا الى الغزو معا..

وكانت خير تحيّة توجّه لذكراهم الخالدة، كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" لقد رفعوا الى الجنة"..!!
السعادة لي
السعادة لي
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
ام مراد202
ام مراد202
حياكم الرحمن الزبير بن العوام لا يجيء ذكر طلحة الا ويذكر الزبير معه.. ولا يجيء ذكر الزبير الا ويذكر طلحة معه.. فحين كان الرسول عليه الصلاة والسلام يؤاخي بين أصحابه في مكة قبل الهجرة، آخى بين طلحة والزبير. وطالما كان عليه السلام يتحدث عنهما معا.. مثل قوله: " طلحة والزبير جاراي في الجنة". وكلاهما يجتمع مع الرسول في القرابة والنسب. أما طلحة، فيجتمع في نسبه مع الرسول في مرة بن كعب. وأما الزبير، فيلتقي في نسبه مع الرسول في قصّي بن كلاّب كما أن أمه صفية عمة الرسول صلى الله عليه وسلم.. وكل منهما طلحة والزبير كان أكثر الناس شبها بالآخر في مقادير الحياة.. فالتماثل بينهما كبير، في النشأة، في الثراء، في السخاء، في قوة الدين، في روعة الشجاعة، وكلاهما من المسلمين المبكرين باسلامهم... ومن العشرة الذين بشّرهم الرسول بالجنة. ومن أصحاب الشورى الستة الذين وكّل اليهم عمر اختيار الخليفة من بعده. وحتى مصيرهما كان كامل التماثل.. بل كان مصيرا واحدا. ** ولقد أسلم الزبير، اسلاما مبكرا، اذ كان واحدا من السبعة الأوائل الذين سارعوا الى الاسلام، وأسهموا في طليعته المباركة في دار الأرقم.. وكان عمره يومئذ خمس عشر سنة.. وهكذا رزق الهدى والنور والخير صبيا.. ولقد كان فارسا ومقداما منذ صباه. حتى ان المؤرخين ليذكرون أن أول سيف شهر في الاسلام كان سيف الزبير. ففي الأيام الأولى للاسلام، والمسلمون يومئذ قلة يستخفون في دار الأرقم.. سرت اشاعة ذات يوم أن الرسول قتل.. فما كان من الزبير الا أن استلّ سيفه وامتشقه، وسار في شوارع مكة، على حداثة سنه كالاعصار..! ذهب أولا يتبيّن الخبر، معتزما ان ما ألفاه صحيحا أن يعمل سيفه في رقاب قريش كلها حتى يظفر بهم أو يظفروا به.. وفي أعلى مكة لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله ماذا به....؟ فأنهى اليه الزبير النبأ.. فصلى عليه الرسول، ودعا له بالخير، ولسيفه بالغلب. وعلى الرغم من شرف الزبير في قومه فقد حمل حظه من اضطهاد قريش وعذابها. وكان الذي تولى تعذيبه هو عمه.. كان يلفه في حصير، ويدخن عليه بالنار كي تزهق أنفاسه، ويناديه وهو تحت وطأة العذاب:" أكفر برب محمد، أدرأ عنك العذاب". فيجيبه الزبير الذي لم يكن يوم ذاك أكثر من فتى ناشئ، غضّ العظام.. يجيب عمه في تحدّ رهب: " لا.. والله لا أعود لكفر أبدا"... ويهاجر الزبير الى الحبشة، الهجرتين الأولى والثانية، ثم يعود ليشهد المشاهد كلها مع رسول الله. لا تفتقده غزوة ولا معركة. وما أكثر الطعنات التي تلقاها جسده واحتفظ بها بعد اندمال جراحاتها، أوسمة تحكي بطولة الزبير وأمجاده..!! ولنصغ لواحد من الصحابة رأى تلك الأوسمة التي تزدحم على جسده، يحدثنا عنها فيقول: " صحبت الزبير بن العوّام في بعض أسفاره ورأيت جسده، فرأيته مجذّعا بالسيوف، وان في صدره لأمثال العيون الغائرة من الطعن والرمي. فقلت له: والله لقد شهدت بجسمك ما لم أره بأحد قط. فقال لي: أما والله ما منها جراحة الا مع رسول الله وفي سبيل الله".. وفي غزوة أحد بعد أن انقلب جيش قريش راجعا الى مكةو ندبه الرسول هو وأبو بكر لتعقب جيش قريش ومطاردته حتى يروا أن المسلمين قوة فلا يفكروا في الرجوع الى المدينة واستئناف القتال.. وقاد أبو بكر والزبير سبعين من المسلمين، وعلى الرغم من أنهم كانوا يتعقبون جيشا منتصرا فان اللباقة الحربية التي استخدمها الصديق والزبير، جعلت قريشا تظن أنها أساءت تقدير خسائر المسلمين، وجعلتها تحسب أن هذه الطليعة القوية التي أجاد الزبير مع الصديق ابراز قوتها، وما هي الا مقدمة لجيش الرسول الذي يبدو أنه قادم ليشن مطاردة رهيبة فأغذّت قريش سيرها، وأسرعت خطاها الى مكة..!! ويوم اليرموك كان الزبير جيشا وحده.. فحين رأى أكثر المقاتلين الذين كان على رأسهم يتقهقرون أمام جبال الروم الزاحفة، صاح هو" الله أكبر".. واخترق تلك الجبال الزاحفة وحده، ضاربا بسيفه.. ثم قفل راجعا وسط الصفوف الرهيبة ذاتها، وسيف يتوهج في يمينه لا يكبو، ولا يحبو..!! وكان رضي الله عنه شديد الولع بالشهادة، عظيم الغرام بالموت في سبيل الله. وكان يقول: " ان طلحة بن عبيد الله يسمي بنيه بأسماء الأنبياء، وقد علم ألا نبي بعد محمد... واني لأسمي بنيّ بأسماء الشهداء لعلهم يستشهدون".! وهكذا سمى ولده، عبدالله بن الزبير تيمنا بالصحابي الشهيد عبدالله بن جحش. وسمى ولده المنذر، تيمنا بالشهيد المنذر بن عمرو. وسمى عروة تيمنا بالشهيد عروة بن عمرو. وسمى حمزة تيمنا بالشهيد الجليل عم الرسول حمزة بن عبدالمطلب. وسمّى جعفر، تيمنا بالشهيد الكبير جعفر بن أبي طالب. وسمى مصعبا تيمنا بالشهيد مصعب بن عمير. وسمى خالد تيمنا بالصحابي الشهيد خالد بن سعيد.. وهكذا راح يختار لأبنائه أسماء الشهداء. راجيا أن يكونوا يوم تأتيهم آجالهم شهداء. ولقد قيل في تاريخه: " انه ما ولي امارة فط، ولا جباية، ولا خراجا ولا شيئا الا الغزو في سبيل الله". وكانت ميزته كمقاتل، تتمثل في اعتماده التام على نفسه، وفي ثقته التامة بها. فلو كان يشاركه في القتال مائة ألف، لرأيته يقاتل وحده في المعركة.. وكأن مسؤولية القتال والنصر تقع على كاهله وحده. وكان فضيلته كمقاتل، تتمثل في الثبات، وقوة الأعصاب.. رأى مشهد خاله حمزة يوم أحد وقد مثّل المشركون بجثمانه القتيل في قسوة، فوقف أمامه كالطود ضاغطا على أسنانه، وضاغطا على قبضة سيفه، لا يفكر الا في ثأر رهيب سرعان ما جاء الوحي ينهى الرسول والمسلمين عن مجرّد التفكير فيه..!! وحين طال حصار بني قريظة دون أن يستسلموا أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم مع علي ابن أبي طالب، فوقف أمام الحصن المنيع يردد مع علي قوله: " والله لنذوقنّ ما ذاق حمزة، أو لنفتحنّ عليهم حصنهم".. ثم ألقيا بنفسيهما وحيدين داخل الحصن.. وبقوة أعصاب مذهلة، أحكما انزال الرعب في أفئدة المتحصنين داخله وفتحا أبوابه للمسلمين..!! ويوم حنين أبصر مالك بن عوف زعيم هوزان وقائد جيش الشرك في تلك الغزوة.. أبصره بعد هزيمتهم في حنين واقفا وسط فيلق من أصحابه، وبقايا جيشه المنهزم، فاقتحم حشدهم وحده، وشتت شملهم وحده، وأزاحهم عن المكمن الذي كانوا يتربصون فيه ببعض زعماء المسلمين، العائدين من المعركة..!! ** ولقد كان حظه من حب الرسول وتقديره عظيما.. وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يباهي به ويقول: " ان لكل نبي حواريا وحواريي الزبير بن العوّام".. ذلك أنه لم يكن ابن عمته وحسب، ولا زوج أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين، بل كان ذلك الوفي القوي، والشجاع الأبيّ، والجوّاد السخيّ، والبائع نفسه وماله لله رب العالمين: ولقد أجاد حسان بن ثابت وصفه حين قال: أقام على عهد النبي وهديه حواريّه والقول بالفعل يعدل أقام على منهاجه وطريقه يوالي وليّ الحق، والحق أعدل هو الفارس المشهور والبطل الذي يصول، اذا ما كان يوم محجّل له من رسول الله قربى قريبة ومن نصرة الاسلام مجد موثّل فكم كربة ذبّ الزبير بسيفه عن المصطفى، والله يعطي ويجزل ** وكان رفيع الخصال، عظيم الشمائل.. وكانت شجاعته وسخاؤه كفرسي رهان..!! فلقد كان يدير تجارة رابحة ناجحة، وكان ثراؤه عريضا، ولكنه أنفقه في الاسلام حتى مات مدينا..!! وكان توكله على الله منطلق جوده، ومنطلق شجاعته وفدائيته.. حتى وهو يجود بروحه، ويوصي ولده عبدالله بقضاء ديونه قال له: " اذا أعجزك دين، فاستعن بمولاي".. وسال عبدالله: أي مولى تعني..؟ فأجابه: الله، نعم المولى ونعم النصير".. يقول عبدالله فيما بعد: " فوالله ما وقعت في كربة من دينه الا قلت: يا مولى الزبير اقضي دينه، فيقضيه". وفي يوم الجمل، كانت نهاية سيدنا الزبير ومصيره.. فبعد أن رأى الحق نفض يديه من القتال، وتبعه نفر من الذين كانوا يريدون للفتنة دوام الاشتعال، وطعنه القاتل الغادر وهو بين يدي ربه يصلي.. وذهب القاتل الى الامام علي يظن أنه يحمل اليه بشرى حين يسمعه نبأ عدوانه على الزبير، وحين يضع بين يديه سيفه الذي استلبه منه، بعد اقتراف جريمته.. لكن عليّا صاح حين علم أن بالباب قاتل الزبير يستأذن، صاح آمرا بطرده قائلا: " بشّر قاتل ابن صفيّة بالنار".. وحين أدخلوا عليه سيف الزبير، قبّله الامام وأمعن بالبكاء وهو يقول: " سيف طالما والله جلا به صاحبه الكرب عن رسول الله"..!! أهناك تحيّة نوجهها للزبير في ختام حديثنا عنه، أجمل وأجزل من كلمات الامام..؟؟ سلام على الزبير في مماته بعد محياه.. سلام، ثم سلام، على حواري رسول الل
حياكم الرحمن الزبير بن العوام لا يجيء ذكر طلحة الا ويذكر الزبير معه.. ولا يجيء ذكر الزبير...
سبحان الله