تيارا المحافظة والتحديث في السعودية يتصارعان لتشكيل مستقبل المملكة
بريدة (السعودية): كريغ سميث*
في السعودية التي يحلم بها صالح الرشودي، لن تكون هناك موسيقى غير صوت المؤذن وهو ينادي الناس للصلاة، ولا صور غير تلك التي يلصقها الناس على بطاقاتهم الشخصية ووثائق سفرهم، كما لن يسمح بوجود غير المسلمين باستثناء اولئك الذين تنشأ حاجة لوجودهم المؤقت لملء وظائف محددة.
واذا قلنا ان هذه صورة شبيهة بما كان سائدا في افغانستان ايام حكم طالبان، فان صالح الرشودي لن يختلف في ذلك. فهو قد قال ان طالبان اقتربوا من انشاء دولة اسلامية نموذجية في العالم الحديث. وقال وهو يجلس على سجادة مكتبه هنا في بريدة «كان الطالبانيون مسلمين خالصين».
وظلت المملكة العربية السعودية تهيمن عليها مدرسة اسلامية محافظة، تعرف في الغرب باسم الوهابية. ولكن الرشودي، 43 سنة، ينتمي الى تيار اصولي مغال في توجهاته المحافظة، واذا لم يكن هذا التيار يدعم «الجهاد» الذي اعلنه اسامة بن لادن ضد الولايات المتحدة، فانه على الاقل يتعاطف معه. ومع ان كثيرا من الاميركيين انزعجوا للصيغة المحافظة للاسلام التي تدعمها الدولة السعودية، فان في المملكة تيارا اسلاميا اكثر تطرفا ينتشر وسط بعض مواطنيها.
ويبدو مستحيلا حاليا تقدير الحجم الحقيقي لحركة غلاة المحافظين. ولكن مقابلات عديدة مع عشرات الافراد في السعودية تشير الى ان عددا متزايدا من الناس يرى العالم كما يراه الرشودي. ويقول عدد كبير من الناس ان مقاومتهم وتشددهم يمكن ان يزداد في حالة مهاجمة الولايات المتحدة للعراق.
وكان 15 من الخاطفين الـ19 الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001 مواطنين سعوديين. ويقول كثير من الاسلاميين المتشددين، ان التسامح ازاء الصداقة السعودية ـ الاميركية ضعف اكثر بعد هجمات 11 سبتمبر بسبب الشعور المتزايد بان الولايات المتحدة صارت تعادي الاسلام. وقال الرشودي ان كثيرا من الناس يعتقدون ان الولايات المتحدة جاءت الى المملكة لحماية السعوديين، «ولكنهم يعرفون الآن ان الولايات المتحدة لها هدف استراتيجي». واضاف الرشودي انه مثله مثل كثير من الناس في منطقة الشرق الاوسط، يعتقد ان الولايات المتحدة تستغل النزاع الدائر حاليا مع العراق لمحاصرة العالم الاسلامي عسكريا.
ويعبر الليبراليون السعوديون عن انزعاجهم من ان حركة غلاة المحافظين، التي ظهرت في التسعينات من القرن الماضي، تهدد الحريات الاساسية المحدودة اصلا، وتخلق مناخا يسمح للتطرف بالنمو والتصاعد. ويخشى هؤلاء الليبراليون ان يعرقل هذا التيار، اذا لم يجر احتواؤه، اتجاه تحديث المجتمع السعودي، مما يزيد من الهوة الفاصلة بين السعودية والغرب.
وتعيش البلاد حاليا في عالمين مختلفين، ينتمي احدهما الى القرون الوسطى والآخر الى العصر الحديث. وفي هذا المجتمع ذي الوجهين هناك مطاعم الوجبات السريعة من جانب، وعقوبة حد السيف من جانب آخر. ويمثل تيار غلاة المحافظين ترياقا مضادا قويا للتيار الليبرالي الذي تمثله اغلبية المثقفين ذوي التعليم الغربي.
وقال محسن العواجي «المسلمون المحافظون لديهم حدود معينة لتحمل الضغوط». ويخشى العواجي، وهو من المسلمين المعتدلين، ان تؤدي سياسات الولايات المتحدة المؤيدة لاسرائيل، وتهديداتها للعراق وعداؤها المتنامي للسعودية، الى تقوية التيار الراديكالي الاسلامي. وقال في فندق بالرياض «اذا استمرت اميركا على هذا المنوال، فانني واثق ان دعاة التحديث والاصلاح، الذين يرفعون رايات التعايش، لن يجدوا اية فرصة».
وقال خليل الكردي، رجل الاعمال والمستشار الحكومي «لا يمكنك تحييد الدين في هذه البلاد. ان اكثر السعوديين ليبرالية لن يقبلوا ذلك».
اما سامي النجوي، المهندس والباحث المقيم بجدة والذي دعا الى السماح بالتعددية الاسلامية، فقال «اذا كنت تمثل المدرسة الفكرية الوحيدة في البلاد، فانك بطبيعة الحال تصبح اكثر تطرفا باستمرار. ولا يقود التطرف الا الى مزيد منه».
واضاف النجوي من منزله بجدة وبعض النسمات تهب من البحر الاحمر «اذا نفذ شيء ما واصاب القلب، فانه يؤثر على الجسد كله، بما في ذلك الدماغ». وقال «ان الحجيج الى مكة ينبغي ان يسمعوا اكثر من وجهة نظر واحدة وان يختاروا ما يؤمنون به، وهذا يحقق التوازن للاسلام».
وعندما سئل عن المسلمين الذين يؤمنون بطريقة تختلف عن الآخرين، قال «الاسلام هو الاسلام، ليس هناك اسلامان». وقال عن موقف الولايات المتحدة من الاسلام وكأنه يقرر حقيقة لا شك فيها «الولايات المتحدة ضد الاسلام. انكم تخشون الجهاد حاليا، ولكنكم تكتفون برؤية رد الفعل دون التأمل في الفعل الذي سببه».
* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»

ذات الوشاح الازرق @that_aloshah_alazrk
عضوة جديدة
هذا الموضوع مغلق.
الصفحة الأخيرة
بارك الله فيك ياأخيتي على هذا النقل......