موقف وعبر

نظرتُ بين سطوره؛ فإذا كلماته تعيدني لسنوات خلت من عمري وكأنها الأمس القريب، كنت وقتها أدرس في مرحلتي الأساسية ، حين كان للعلم سطوته، وللمعلم وقاره وتقديره وهيبته، معلوماته لا ترد، وكلامه لا يصد.


بدأ معلم الفيزياء في شرحه، وفجأة حرف بوصلة شرحه ، ذاكرا قصة جديدة من قصصه العجيبة: هل تعلمن أيتها الطالبات أن جسد نبيكن كاد أن يسرق ذات مرة! وأن السارق نصراني كان كافرا يتظاهر. بالإسلام !!!

أخذت المعلومة -وقتها - كما هي، دون أدنى اعتراض ! فقد سلمت عقلي لأستاذي القدير، فعقلي لم يدخل مرحلة نقد المعلومة وتمحيصها بعد، بل هو في مرحلة تقبل أي جديد مع تقديسي لمكانة المعلم الذي لا يخطئ في معلوماته - من وجهة نظري وقتها -

أنهيت تعليمي الثانوي وما زالت هذه المعلومة معشعشة في رأسي لكن بتفكير ناقد، فما عدت أتشرب كل وارد دون تمحيص، فبدأ الشك يتسرب ؛ وكثرة النقد تطل برأسها وتشويشها على تفكيري.

تزعزعت الثقة في المعلومة بعد استعراض سريع لحال الأستاذ صاحب القصة، فوجدته من الكارهين للمتدينين ، فنقضت القصة جملة وتفصيلا، "فالرجل غايته التشويه" هكذا قلت - وهو كذلك - والقصة كاذبة - وهذه نتيجة خاطئة متسرعة -

لكني آثرت على اتباع خطى العدل والإنصاف، فبحثت عن القصة ، فما يدريك لعلها تكون حقيقية.


كم كان من الصعوبة بمكان البحث عنها في الكتب؛ ندرة لها ، وقلة علم ومعرفة بمكان القصة، ليكون بحثي عنها عبر النت، ومن أول بحث كانت المفاجأة:
لقد كانت القصة حقيقة وصحيحة، وليست مرة واحدة بل مرات!!

فمن عشم النصارى بسرقة جثمانه الطاهر (صلى الله عليه وسلم) قاموا بزرع جاسوسين في المسجد النبوي يظهر عليهما آثار الصلاح و طول العبادة ، عرفا بالكرم وحسن الخلق، وتوزيع الصدقات، ومساعدة المحتاجين، وما هما إلا نصرانيين كانا يعدان العدة لسرقة جثمان النبي صلى الله عليه وسلم عبر نفق تم حفره تحت المسجد، ثم ينقل إلى أوروبا للمتاجرة به؛ لكن الله قيض له الأمير الصالح، *نور الدين زنكي* ، في رؤيا جعلها الله سببا لإنقاذ جثمان النبي صلى الله عليه وسلم من السرقة.


هنا توقفت لبرهة من الزمن واستعدت دروسا من حياتي ، لأخبرها أن الحقيقة لا تُخفى إلى الأبد ، وأن عقلي لا يملكه أحد، وأن الحق يحتاج بحثا وتعب، وأن الخيانة والجاسوسية لا يسلم منها أحد، إن باع شرفه وضميره ودينه للشيطان.



طيييييييييييف