مين عندها بحث عن تربية طفل

النشاط الطلابي والوسائل التعليمية

بنات حبوبات تكفون ساعدوووووني قريبتي في الجامعه طلبو منها بحث عن تربية طفل وهي اول سنه جامعه وماتعرف وين الله حاطها في
وتبغى مساعدتكم تكفون لاتقصرون اللي تعررف اي معلومه لاتقصر
تسليم البحث بعد يومين
تكفووووووون لاتنطشوني في انتظاركم حبوبات
9
5K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

حبيبت قلب برهومي
7 مشاهدات ولا رد
ررررررررفع
حبيبت قلب برهومي
ررررررررررفع
ثلاجة قهوه مهيله
عزيزتي هذا بحث مبسط نسخته لتس عن التنشة الإجتماعية للطفل الجزء الأول ودعواتس الله يحقق لي ماتمنيت
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
إلى طلبة علم النفس الكرام و إلى كل مهتم بهذا المجال أقدم إلى حضراتكم بحث كامل حول التنشئة الإجتماعية الذي جمعته من عدة مراجع موثوقة
أتمنى الإستفادة للجميع ولا تبخلوا علينا بالملاحظة الموضوعية أو معلومات قيمة تضيفونها فالإيميل تحت تصرفكم
والله المستعان
الطالب : فارس بن الشيخ الحسين
كلية علم النفس - جامعة منتوري - قسنطينة







التنشئة الإجتماعية






فهرس المحتويات:

المقدمة
الفصل الأول
1. تعريف مفهوم التنشئة الإجتماعية
2. أهداف التنشئة الإجتماعية

الفصل الثاني :

نظريات التنشئة الإجتماعية .
التنشئة العقلية والروحية والنفسية للطفل.

الفصل الثالث :

1. أشكال التنشئة الإجتماعية.
2. مؤسسات التنشئة الإجتماعية .


: المقدمة
إن سلامة المجتمع وقوة بنيانه ومدى تقدمه وإزدهاره وتماسكه مرتبط بسلامة الصحة النفسية والإجتماعية لأفراده ، فالفرد داخل المجتمع هو صانع المستقبل وهو المحور والمركز والهدف والغاية المنشودة ، أما ما حول هذا الفرد من إنجازات وتخطيطات ليست أكثر من تقدير لمدى فعالية هذا الفرد، ولهذا فإن المجتمع الواعي هو الذي يضع نصب عينه قبل إهتماماته بالإنجازات والمشاريع المادية الفرد كأساس لإزدهاره وتقدمه الإجتماعي.
وحتى يكون هذا الفرد عضوا بارزا في تحقيق التقدم الإجتماعي لا بد الإهتمام بتنشئته الإجتماعية ، التي إهتمت بها الدراسات النفسية والإجتماعية إهتماما بالغا شكلا ومضمونا، وهذا لأهميتها في تشكيل شخصية الفرد الصالح الفعال فعالية إيجابية في المجتمع لا فردا خاملا عاجزا، فالتنشئة إذا من أدق العمليات وأخطرها شأنا في حياة الفرد لأنها الدعامة الأولى التي ترتكز عليها مقومات الشخصيته.
والتنشئة كعملية مستمرة لا تقتصر فقط على مرحلة عمرية محددة وإنما تمتد من الطفولة، فالمراهقة، فالرشد وصولا إلى الشيخوخة ولهذا فهي عملية حساسة لا يمكن تجاوزها في أي مرحلة لأن لكل مرحلة تنشئة خاصة تختلف في مضمونها وجوهرها عن سابقتها، ولا يكاد يخلوا أي نظام إجتماعي صغيرا كان أم كبيرا وأي مؤسسة رسمية أو غير رسمية من هذه العملية ولكنها تختلف من واحدة إلى أخرى بأسلوبها لا بهدفها ومن أبرز مؤسسات التنشئة الإجتماعية نجد الأسرة، التي تعتبر البيئة الإجتماعية الأولى التي ينشأ فيها الفرد وتبنى فيها الشخصية الإجتماعية بإعتبارها المجال الحيوي الأمثل للتنشئة الإجتماعية والقاعدة الأساسية في إشباع مختلف حاجات الفرد المادية منها والمعنوية بطريقة تساير فيها المعاير الإجتماعية والقيم الدينية والأخلاقية وذلك من خلال إتباع الوالدين مجموعة من الأساليب في إشباع حاجات الأبناء وخصوصا في فترة المراهقة .
تعريف مفهوم التنشئة الإجتماعية

التعريف اللغوي: جاء في لسان العرب لإبن منظور كلمة التنشئة من الفعل نشأ، ينشأ ،نشوءا ونشاءا بمعنى ربا وشب (1)

الإتجاهات الاساسية في دراسة التنشئة الإجتماعية:

لقد تنوعت وإختلفت دراسة التنشئة الإجتماعية حسب دارسيها من علماء النفس وإجتماع وعلماء النفس الإجتماعي والأنتروبولوجيا …إلخ ، الأمرالذي أدى إلى ظهور إتجاهات عدة لكل منها رؤية ومنظور خاص لمفهوم التنشئة الإجتماعية.
*1 الإتجاه النفسي :
يؤكد أنصار هذا الإتجاه من علماء النفس على أن شخصية الفرد تتكون وتتشكل في السنوات الأولى
فقط من حياته أما ما يتعرض له الفرد فيما بعد من تأثيرات فإنها تبقى ثانوية بالنسبة لما يكون قد
تعرض له في مرحلة الطفولة، فعناصر شخصية الفرد تعود إلى المرحلة الطفولة وما يتعرض له الفرد من خبرات إيجابية أو سلبية، فالطفل يولد ولديه مجموعة من الغرائز والنزوات، والتي يحاول إشباعها والتي قد تهدد إستقرار المجتمع، ولقد عرف علماء النفس مفهوم التنشئة الإجتماعية بأنها: " العملية التي يستطيع بمقتضاها الأفراد المنشئين إجتماعيا عن كبح نزواتهم وتنظيمها وفق متطلبات المجتمع ونظامه الإجتماعي السائد ويكون سلوكهم هذا مناقضا لسلوك الأفراد غير المنشئين إجتماعيا، والذين تؤدي أنانيتهم في إشباع نزواتهم للإضرار بالآخرين وبسلامة المجتمع (2)
ويرى أبو النيل أن التنشئة الإجتماعية هي " العملية التي يتم من خلالها التوفيق بين رغبات ودوافع الفرد الخاصة، وبين إهتمامات الآخرين والتي تكون ممثلة في البناء الثقافي الذي يعيش فيه الفرد والإستخدام المألوف للأساليب الشائعة في المجتمع ، كالمحافظة على المواعيد وهذه الأشياء ضرورية إذا ما كان على الفرد أن يحيا في وئام مع نفسه ومع الآخرين في المجتمع.
وبهذا نجد أن وظيفة التنشئة الإجتماعية من وجهة نظر علماء النفس، تحقيق التوازن بين نزوات الفردورغبات المجتمع بحيث يمكن تهذيب هذه النزوات وتحويلها إلى سلوكات مقبولة إجتماعيا ولا يكون هذا إلا مع بداية الطفولة، ولذلك وضعوا العيد من النظريات التي تحاول تفسير كيفية تشكيل الشخصية مثل نظريات سيغموند فرويد وجروج ميد …إلخ.


*2 الإتجاه الإجتماعي:
يذهب علماء الإجتماع في تعريفهم لمفهوم التنشئة الإجتماعية إلى الإهتمام بالنظم الإجتماعية والتي من شأنها أن تحول الإنسان تلك المادة العضوية إلى فرد إجتماعي قادر على التفاعل والإندماج بيسر مع أفراد المجتمع ،فالتنشئة الإجتماعية حسب المفهوم الإجتماعي ماهي إلا " تدريب الأفراد على أدوارهم المستقبلية ، ليكونوا أعضاء فاعلين في المجتمع، وتلقنهم للقيم الإجتماعية والعادات والتقاليد والعرف السائد في المجتمع لتحقيق التوافق بين الأفراد وبين المعايير والقوانين الإجتماعية، مما يؤدي إلى خلق نوع من التضامن والتماسك في المجتمع" .(1)

ولقد عرفها فيليب ماير بأنها " عملية يقصد بها طبع المهارات والإتجاهات الضرورية التي تساعدعلى أداء الأدوار الإجتماعية في المواقف المختلفة."

ويذهب مختار حمزة في قوله بأنها " عملية تعلم وتعليم وتربية تقوم على التفاعل الإجتماعي وتهدف إلى إكساب الفرد طفلا، فمراهقا، فراشدا، فشيخا سلوكا ومعايير وإتجاهات مناسبة لأدوار إجتماعية معينة وتيسر له الإندماج، وأن الفرد في تفاعله مع أفردا الجماعة يأخذ ويعطي فيما يختص بالمعايير والأدوار الإجتماعية والإتجاهات النفسية والشخصية الناتجة في النهاية هي نتيجة لهذا التفاعل."

ويقول أبو النيل أن " التنشئة الإجتماعية تشمل كافة الأساليب التي يتلقاها الفرد من الأسرة خاصة الوالدين والمحيطين به من أجل بناء شخصية نامية متوافقة جسميا ونفسيا وإجتماعيا وذلك في مواقف كثيرة منها اللعب والغذاء والتعاون والتنافس والصراع مع الآخرين في كافة مواقف الحياة …."(2)

إن التنشئة الإجتماعية بهذا المفهوم تعني عملية تعليم الفرد منذ نعومة أظافره عادات وأعراف وتقاليد المجتمع أو الجماعة التي يحيا بداخلها حتى يستطيع التكيف مع أفرادها من خلال ممارسته لأنماط من المعايير والقيم المقبولة إجتماعيا والتي تجعل الفرد فاعلا إجتماعيا داخل أسرته ومجتمعه، وهي تحدث من خلال وجود التفاعل بين الأفراد، هذا التفاعل الذي يعتبر جوهر العملية التنشيئية . "


*3 الإتجاه الأنثروبولوجي :
يرى العلماء في الإتجاه الأنتروبولوجي أنه من أهم خصائص المجتمعات الإنسانية قدرتها على حفظ الثقافة ونقلها من جيل لآخر عن طريق التنشئة الإجتماعية التي تعتبر الوعاء الأول الذي من خلالها يستطيع المجتمع الحفاظ على ثقافته، ويرى سعيد فرح من خلال هذا الإتجاه التنشئة الإجتماعية بأنها " عملية تهدف إلى إدماج عناصر الثقافة في نسق الشخصية وهي مستمرة ، تبدأ من الميلاد داخل الاسرة وتستمر في المدرسة وتتأثر بجماعات الرفاق ونسق المهنة ومن ثم تستمر عملية التنشئة بإتساع دائرة التفاعل وهي تسعى لتحقيق التكامل والتوحد مع العناصر الثقافية والإجتماعية (1)

إن التنشئة الإجتماعية عند الإنتروبولوجيين عملية إمتصاص من طرف الطفل لثقافة المجتمع الذي يحيا فيه، فالفرد يكتسب ثقافة مجتمعه من خلال المواقف الإجتماعية المختلفة التي يتعرض لها أثناء الطفولة وهذه المواقف تختلف من مجتمع لآخر بإختلاف الثقافة السائدة كما أن أساليب التنشئة تختلف بإختلاف الثقافات، وثقافة المجتمع هي التي تحدد أساليب التنشئة الإجتماعية المتبعة.
ويرى بعض علماء الأنتروبولوجيا مثل فرانز بواس(Franz Boas) و روث بنيدكت(Ruth Benedict) و مرجريت ميد(Margaret Mead) أنه ليس هناك عمليات تعلم لنقل الثقافة إلى الفرد، فالطفل يكتسب ثقافة المجتمع بشكل تلقائي من خلال أساليب الثواب والعقاب التي يتعرض لها الفرد في مرحلة الطفولة . (2)
كما يرى البعض أن إستدماج الطفل لثقافة المجتمع هو العنصر الأساسي للتنشئة الإجتماعية ونجد تالكوت و شليز يذهبان إلى أن العنصر الأساسي من الثقافة هو قيم المجتمع.

نستخلص من التعاريف المختلفة لمفهوم التنشئة الإجتماعية أنها تتركز على ثلاث جوانب :
* يتمثل الجانب الأول على أن التنشئة عملية تقتصر على مرحلة الطفولة، وأن كل ما يتعرض له الفرد من خبرات ومواقف يبقى راسخا في شخصيته طوال حياته كما أنها تعمل على التوفيق بين دافع الفرد وغرائزه وبين قيم المجتمع ليحدث التكيف .
* ويتمثل الجانب الثاني في كون التنشئة الإجتماعية عملية مستمرة طوال الحياة، يتحول الفرد من خلالها من كائن بيولوجي إلى فرد إجتماعي عن طريق التفاعل الإجتماعي ( التأثير والتأثر ) ليستطيع
التكيف والإندماج بكل يسر مع أفراد المجتمع، كما يتعلم الفرد الأدوار المناسبة ويستطيع من خلال التنشئة الإجتماعية فهم توقعات الآخرين والإرتباط بالجماعة التي ينتمي إليها .
*أما الجانب الثالث والآخير فيوضح أنه كنتيجة للتنشئة الإجتماعية تصبح عناصر البناء الإجتماعي والثقافي جزءا مندمجا في بنية شخصية الفرد ، فالنتشئة هي إستدماج لثقافة المجتمع في شخصية الفرد ليصبح عضوا نافعا داخل جماعاته.
من خلال هذه الجوانب يمكننا القول أن التنشئة الإجتماعية عبارة عن تكامل بين هذه الجوانب الثلاثة ،إذ لا نستطيع التحدث عن جانب دون الإشارة إلى الجانب الآخر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فالتنشئة مزيج بين ماهو نفسي وإجتماعي وأنتروبولوجي …إلخ. ويمكننا أن نعتمد على هذا التمازج أو التكامل في وضع تعريف إجرائي لمفهوم التنشئة الإجتماعية.

التعريف الإجرائي لمفهوم التنشئة الإجتماعية :
هي عملية تحويل الفرد من كائن بيولوجي إلى فرد إجتماعي عن طريق التفاعل الإجتماعي، ليكتسب بذلك سلوكا ومعايير وقيم وإتجاهات تدخل في بناء شخصيته لتسهل له الإندماج في الحياة الإجتماعية وهي بذلك مستمرة تبدأ بالطفولة، فالمراهقة فالرشد وتنتهي البشيخوخة وتشتمل على كافة الأساليب التنشيئية التي تلعب دورا مهما في بناء شخصية الفرد أو إختلالها من جميع الجوانب النفسية والإجتماعية .
إن التنشئة الإجتماعية بهذا المفهوم إذا تعتبر عملية جوهرية في حياة البشر، فهي عملية تفاعل تتم بين الفرد بما لديه من إستعدادات وراثية وبيئته الإجتماعية ليتم النمو التدريجي لشخصيته من جهة وإندماجه في المجتمع من جهة أخرى ضمن إطار ثقافي يؤمن به ويتمسك بمحتواه، حيث كلما إرتقى الفرد وتقدمت وسائل الحضارة لديه إحتاج لتنشئة أكثر. وهي أساسية لأنها لا تنتهي بإنتهاء مرحلة الطفولة فحسب، بل هي مستمرة إلى غاية الشيخوخة، كما أنها تشتمل على كافة الأساليب التي من شأنها أن تعمل أو لا تعمل على بناء شخصية الفرد .



أهداف التنشئة الإجتماعية :
ويمكننا أن نقف هنا على مجموعة من الأهداف التي تسعى التنشئة الإجتماعية لتحقيقها ومن بينها
1/ إن الفرد لا يولد إجتماعيا، ولذا فإنه من خلال التنشئة يمكنه إكتساب الصفة الإجتماعية، والحفاظ على فطرته السليمة وإبراز جوانب إنسانيته الحقة، إن التنشئة تهدف إلى إكساب الفرد أو تحويله من كائن بيولوجي إلى كائن آدمي السلوك والتصرفات، كما يتحول الفرد من طفل يعتمد على غيره غير قادر على تلبية حاجاته الأساسية إلى فرد يدرك معنى المسؤولية الإجتماعية .
2/ تهدف التنشئة إلى غرس ثقافة المجتمع في شخصية الفرد ، فالعلاقة وثيقة وتبادلية بين الثقافة و التنشئة ، فكل منها يؤثر ويتأثر بالآخر ، ولعل من أبرز وظائف النتشئة الإجتماعية قدرتها على حفظ ثقافة المجتمع ونقلها من جيل لآخر، ولما كان الفرد يولد وهو مزود بمجموعة من القدرات والصفات الوراثية التي تحدد شكله الخارجي والمهارات العقلية، فالتنشئة الإجتماعية هي التي تهذب هذه القدرات والمهارات فإما أن تدفعها إلى الأمام عن طريق تنميتها وإستغلالها أحسن إستغلال لصالح الفرد نفسه ولصالح المجتمعه، وإما أن تشدها إلى الوراء فتعيقها عن التقدم فتصبح معول هدم بدل لبنة بناء ، حيث يكتسب الفرد قيم جماعته فيعرف معنى الصواب والخطأ، الحلال والحرام …. فتتكون بذلك نظرته للحياة وللمجتمع .
3/ تعمل التنشئة الإجتماعية السليمة على تنشئة الفرد على ضبط سلوكه،وإشباع حاجاته بطريقة تساير القيم الدينية والأعراف الإجتماعية حيث تعلمه كيفية كف دوافعه غير المرغوبة أو الحد منها، ومما يجدر ذكره أن القدر الأكبر من عملية التنشئة الإجتماعية يتمثل في إقامة حواجز وضوابط في مواجهة الإشباع المباشر للدوافع الفطرية كالدافع الجنسي ودوافع المقاتلة والعدوان، وهي ضوابط لا بد منها لقيام مجتمع سوي وبقائه ولهذا فإن هذه الضوابط توجد داخل كل المجتمعات حتى الأكثر بدائية .
4/ تعلم العقيدة والقيم والآداب الإجتماعية والأخلاقية وتكوين الإتجهات المعترف بها داخل المجتمع وقيمه بصفة عامة، وذلك حتى يستطيع الفرد إختيار إستجاباته للمثيرات في المواقف المختلفة التي يتعرض لها يوميا، كما تعمل التنشئة الإجتماعية على تعليم الفرد أدواره الإجتماعية والتي يشغلها الافراد باختلاف الجنس والسن، فدور المرأة مختلف عن دور الرجل ودور الطفل مختلف عن دور الرجل الناضج وتجدر الإشارة إلى أن الأدوار الإجتماعية تختلف أهميتها بإختلاف المجتمع كذلك…
5/ غرس عوامل ضبط داخلية للسلوك وتلك التي يحتويها الضمير و تصبح جزءاً أساسياً، لذا فإن مكونات الضمير إذا كانت من الأنواع الإيجابية فإن هذا الضمير يوصف بأنه حي، وأفضل أسلوب لإقامة نسق الضمير في ذات الطفل أن يكون الأبوين قدوة لأبنائهما حيث ينبغي ألا يأتي أحدهما أو كلاهما بنمط سلوكي مخالف للقيم الدينية و الآداب الاجتماعية(1)
هذه إذا على العموم أهم الأهداف التي تسعى التنشئة الإجتماعية لتحقيقها.

ويمكن القول إذا أن التنشئة الإجتماعية عملية معقدة متشعبة الأهداف والمرامي تستهدف مهام كثيرة وتحاول بمختلف الوسائل تحقيق ما تصبوا إليه ويبقى محتوى ومضمون عملية التنشئة

الإجتماعية يختلف من مجتمع إلى آخر وتكون الشخصية الفردية كمعطى من المعطيات ذات أنماط مختلفة باختلاف تلك الثقافات التي تحدد مضمون التنشئة الإجتماعية .

الفصل الثاني:

نظريات التنشئة الإجتماعية :
تحتل النظرية العلمية مكانة متميزة في أي بحث علمي سواء كان هذا البحث يدخل في ضمن الدراسات العلمية أو الإجتماعية وتعرف النظرية على أنها " نسق فكري إستنباطي متسق حول ظاهرة أو مجموعة من الظواهر المتجانسة يحوي إطار تصوريا ومفاهيم وقضايا نظرية توضح العلاقات بين الواقع وتنظيمها بطريقة دالة وذات معنى، كما أنها ذات بعد إمبريقي بمعنى إعتمادها على الواقع ومعطياته وذات توجيه تنبؤي يساعد على تفهم مستقبل الظاهرة ولو من خلال تعميمات إحمالية .
إنطلقا من هذا التعريف وإذا ما حاولنا تطبيق هذا الأمر على موضوع التنشئة الإجتماعية نجد بأنها عرفت إسهاما كبيرا من طرف العلماء والباحثين من حيث تعدد الآراء حول تعريفها وأبعادها وحدودها وبدايتها ونهايتها …إلخ. وسنتناول فيما يلي أبرز النظريات التي حاولت تفسير عملية التنشئة الإجتماعية .
1. نظرية التحليل النفسي :
يتزعم هذه النظرية سيغموند فرويد حيث يرى أن جذور هذه التنشئة الإجتماعية عند الأفراد تكمن فيما يسميه بالأنا الأعلى الذي يتطور عند الفرد بدءا من الطفولة نتيجة تقمصه دور والده الذي هو من نفس جنسه فهو يرى أن الطفل يولد بالهو أي يمثل مجموعة من الدوافع الغرائزية وهم الطفل الوحيد إشباعها ولكنه أثناء نموه يتعرض سواء من طرف والديه عادة أو غيرهم من القائمين في المجتمع أن يقفوا في طريق إشباعه لهذه الغرائز في محاولة لتطبيعه وتنشئته على قبول قوانين المجتمعه ومساعدته على تحقيق التقبل الإجتماعي والإندماج بيسر في مجتمع الراشدين ونتيجة لعملية الضبط هذه يتحول جزء من الهو إلى مايسميه فرويد بالأنا الأعلى وهو ما يسمى بالضمير، هذا الأخير الذي يعمل على إخضاع مطالب اللذة للتحكم وفق معايير المجتمع ويرى فرويد أن كل ما يجده الفرد في الأنا صعبا للتحقيق يكبت ويحول إلى ما يسميه فرويد اللاشعور والتي تجد لها تعبيرا في الأحلام والشرود إضافة إلى ما تسببه من متاعب كثيرة ومشكلات عقلية وإجتماعية ونفسية.
إن عملية التنشئة الإجتماعية أو التطبيع الإجتماعي عند فرويد هي عملية نمو و تطور فهي عملية نمو حتمية وأساسية متداخلة فيما بينها وذات تأثير بالغ في شخصية الفرد مستقبلا، ومن أهم هذه المراحل :
* المرحلة الفمية : وتبدأ هذه المرحلة من الولادة حتى النصف الثاني من السنة الأولى، فشخصية الطفل ونمط علاقاته تتحدد بمدى تعلقه بأمه وبمدى إشباعه لحاجاته الفمية من رضاعة وفطام وفي هذا الصدد يقول إيرين بوسلين(Erin Bouslan )" إن الطفولة التي يجد فيها الطفل رعاية وإشباعا لشؤونه سوف تعطي الطفل إحساسا بالطمأنينة المريحة في العالم الذي يحيط به بحيث يراه مكانا آمنا يعيش فيه وليس مكانا باردا أو مكانا معاديا لا بد أن يحمي نفسه منه "
* المرحلة الشرجية : وتقع هذه المرحلة بين العام الثاني والثالث من عمر الطفل فيها المتعة واللذة ، نتيجة تعلمه ضبط الإخراج ويحظى في هذه المرحلة بحب وقبول والديه ، وتلعب التنشئة الأسرية في هذه المرحلة دورا مهما من حيث درجة التأثير على شخصية الطفل ونموه الإجتماعي ونوع علاقاته مع الآخرين .
*المرحلة القضيبية : وتغطي هذه المرحلة العام الرابع والخامس من عمر الطفل ، حيث نجده يهتم بأعضائه التناسلية بإعتبارها مصدرا للإشباع واللذة، والظاهرة الرئيسة في هذه المرحلة هي عقدة أوديب حيث يرتبط الذكر بأمه راغبا في الإستئثار التام بحبها. أما البنت فترتبط إرتباطا قويا بأبيها وتحس بالغيرة والعدوانية إتجاه أمها . وعلى أي حال فإن كل من الذكر والأنثى يكبت مشاعره نحو والده من الجنس الآخر خوفا من العقاب وفقدان الحب
* مرحلة الكمون : وفي هذه المرحلة يتعلق الطفل بالوالد " إبن ، أب " " بنت ، أم " وبالتالي فإنه يتقمص دور أحد الوالدين ، كما يمتص بعض المعايير التي يؤكدان عليها، ومن خلال هذا التقمص ينشأ الضمير" الأنا الأعلى" وبالتالي نجد أن الشخصية تتطور تدريجيا من الهو إلى الأنا ثم إلى الأنا الأعلى ( الضمير) والذي يعد بمثابة مراقب للسلوك .
* المرحلة الجنسية التناسلية : والتي تبدأ مع مرحلة البلوغ فقد يواجه المراهق في هذه المرحلة ظروفا غير مواتية ومحبطة في حياته، تدفع به إلى النكوص والإرتداد إلى الإعتماد الزائد أو أية صورة من صور الإشباع ، وقد تؤدي الدوافع الجنسية المتبعة إلى التصادم مع معايير السلوك عند الأنا العليا مؤدية إلى صراع داخلي شديد.
من خلال ما سبق ذكره نجد أن نظرية التحليل النفسي، ترى أن التنشئة الإجتماعية تتضمن إكتساب الطفل لمعايير وسلوك والديه وعن طريق أساليب التنشئة الإجتماعية كالثواب والعقاب يتكون لدى الطفل الضبط الداخلي أو الضمير الموجه لسلوك الطفل ثم الفرد فيما بعد، وبذلك يعتبر التقليد إذا من أبرز أساليب التنشئة الأسرية في نظر فرويد. (1)



(1) رابح حروش. أساليب التنشئة الأسرية وإنعكاساتها على المراهق.رسالة ماجيستير.قسم علم الإجتماع. بباتنة.
2. نظرية التعلم الإجتماعي :
يعتبر التعلم القاعدة الأساسية لنظرية التعلم الإجتماعي، ويعتبر الإنسان الذي كرمه الله سبحانه وتعالى من أقدر المخلوقات على التعلم وأكثر حاجة إليه وذلك لما للتعلم من فائدة في حياته، باعتباره عملية دائمة ومستمرة وخاصة في عملية التنشئة الإجتماعية،التي ينظر إليها أصحاب هذه النظرية على أنها ذلك الجانب من التعلم الذي يهتم بالسلوك الإجتماعي عند الفرد ، فهي عملية تعلم ( اي تنشئة إجتماعية ) لأنها تتضمن تغيرا وتعويدا في السلوك وذلك نتيجة التعرض لممارسات معينة وخبرات، كما أن مؤسسات التنشئة الإجتماعية تستخدم أثناء عملية التنشئة الإجتماعية بعض الوسائل والأساليب في تحقيق التعلم سواء كان بقصد أو بدون قصد.
وحسب هذه النظرية، فإن التنشئة الإجتماعية عبارة عن " نمط تعليمي يساعد الفرد على القيام بأدواره الإجتماعية ،كما أن التطور الإجتماعي حسب وجهة نظر هذه النظرية يتم بالطريقة نفسها التي كان فيها تعلم المهارات الأخرى، ويعطي أصحاب هذه النظرية أهمية كبرى للتعزيز في عملية التعلم الإجتماعي أمثال دولارد(Dolard) و ميلر(Miler) بحيث يذهبان إلى أن السلوك الفردي يتدعم أو يتغير تبعا لنمط التعزيز في تقوية السلوك، أما باندورا (Bandora)و ولتزر(Walter) فالبرغم من موافقتهما على مبدأ التعزيز في تقوية السلوك إلا أنهما يشيران إلى أن التعزيز وحده لا يعتبر كافيا لتفسير التعلم أو تفسير بعض السلوكات التي تظهر فجأة لدى الطفل، ويعتمد مفهوم نموذج التعلم بالملاحظة على إفتراض مفاده أن الإنسان ككائن إجتماعي يتأثر باتجاهات الآخرين ومشاعرهم وتصر فاتهم وسلوكهم ، وينطوي هذا الإفتراض على أهمية تربوية بالغة، آخذين بعين الإعتبار أن التعليم بمفهومه الأساسي عملية إجتماعية .
ويرى باندور " أن الناس يطورون آراءهم حول أنواع السلوك التي سوف توصلهم إلى أهدافهم ويعتمد قبول أو عدم قبول آرائهم على النتائج التي تتمخض على هذا السلوك عن طريق الثواب والعقاب ، معنى هذا أن هناك الكثير من تعلم السلوك يحدث عن طريق ملاحظة سلوك الآخرين ونتائج أفعالهم وإنطلاقا من هذا ، فإن الفرد لا يتعلم نماذج السلوك فقط بل قواعد السلوك أيضا، ويقترح هذا العالم ثلاثة مراحل لتعلم بالملاحظة وهي :
* تعلم سلوكات جديدة : يستطيع الطفل تعلم سلوك أو سلوكات جديدة عن طريق النموذج الموجود أمامه فعندما يقوم فرد ما باستجابة جديدة لم تكن من قبل في حصيلة ملاحظته فإنه يحاول تقليدها غير أن باندور يأكد على أن الملاحظ لا يتأثر بالنماذج الحقيقية الملاحظة أمامه فقط بل يؤكد على أن التمثيلات الصورية الموجودة في الصحافة والتلفاز والسنما تقوم مقام النموذج الحقيقي كذلك.
* الكف والتحرير : ومفادها أن عملية الملاحظة قد تؤدي بالطفل إلى الكف والتحرير عن بعض السلوكات أو الإستجابات وتجنبها وخاصة إذا واجه نموذج صاحب السلوك عواقب ونتائج سلبية غير مرغوب فيها من جراء إنغماسه في هذا السلوك، وقد تؤدي عملية ملاحظة السلوك أيضا إلى تحرير بعض الإستجابات المكفوفة أو المقيدة وخاصة عندما تكون نتائج السلوك إيجابية وبالتالي فهي تدفع بالطفل إلى إيتيانها والقيام بها إذا ما إقتضت الضرورة .

* التسهيل : تؤدي عملية التسهيل إلى تسهيل ظهور بعض النماذج السلوكية ، أو الإستجابات التي قد تقع في حصيلة الملاحظ السلوكية، التي تعلمها على نحو مسبق، إلا أنه لم تسمح له الفرصة لإستخدامها بمعنى أن السلوك النموذج يساعد الملاحظ على تذكر إستجابات مشابهة " فالطفل الذي تعلم بعض الإستجابات التعاونية ولم يمارسها يمكن أن يؤديها عندما يلاحظ بعض الأطفال منهمكين في سلوك تعاوني وتختلف عملية التسهيل السلوك عن عملية تحريره، فالتسهيل يتناول الإستجابات المتعلمة غير المكفوفة ، أما تحرير السلوك فيتناول الإستجابات المقيدة أو المكفوفة التي تقف منها التنشئة الإجتماعية موقفا سلبيا، فيعمل على تحريرها بسبب ملاحظته نموذج يؤدي مثل هذه الإستجابات دون أن يصيبه سوء .

3. نظرية الدور الإجتماعي :
يقصد بالدور الإجتماعي لدى رالف لينتون " أن المكانة عبارة عن مجموعة الحقوق والواجبات، وبأن الدور هو المظهر الديناميكي للمكانة، فالسير على هذه الحقوق والواجبات معناه القيام بالدور، ويشمل الدور عند لينتون الإتجاهات والقيم والسلوك التي يمليها المجتمع على كل الاشخاص الذين يشغلون مركزا معينا .
في حين يعرف كوتول الدور بأنه : " سلسلة إستجابات شرطية متوافقة داخليا لأحد أطراف الموقف الإجتماعي، تمثل نمط التنبيه في سلسلة إستجابات الآخرين الشرطية المتوافقة داخليا بنفس المستوى في هذا الموقف. "
وعليه يمكن القول وفق هذه النظرية أن الدور ثمرة تفاعل الذات والغير، وأن الإتجاهات نحو الذات هي أساس فكرة الدور، وتكتسب عن طريق التنشئة الإجتماعية وتتأثر تأثرا كبيرا بالمعايير الثقافية السائدة ، كما تتأثر بخبرة الشخص الذاتية ، ولهذا حاولت نظرية الدور تفهم السلوك الإنساني بالصورة المعقدة التي كون عليها باعتبار أن السلوك الإجتماعي يشمل عناصر حضارية وإجتماعية وشخصية.
يكتسب الأطفال الأدوار الإجتماعية المختلفة من خلال علاقات مع أفردا لهم مغزى خاص بالنسبة لحياة الطفل : ( الأم والأب والإخوة )
إن عملية إكتساب الأدوار الإجتماعية بصفة عامة ليست مسألة معرفية فقط، بل هي إر تباط عاطفي يوفر عوامل التعلم الإجتماعي وإكتساب الأدوار الإجتماعية من خلال ثلاثة طرق هي :
* التعاطف مع الأفراد ذوي الأهمية وهم المحيطين بالطفل، وتعني قدرة الطفل على أن يتصور مشاعر أو أحاسيس شخص ما في موقف معين
* دوافع الطفل وبواعثه على التعلم .. فالطفل يحرص على التصرف وفق ما يتوقعه أبواه ويجتنب ما لا يقبلانه.
* إحساس الطفل بالأمن والطمأنينة وهذا الشعور يجعل الطفل أكثر جرأة في محاولة تجريب الأدوار الإجتماعية المختلفة ، وخاصة في مجال اللعب.
وعليه فإن لكل فرد دور يعد بمثابة مركز إجتماعي يتناسب مع الأداء الذي يقوم به . يكتسب الطفل مركزه ويتعلم دوره من خلال تفاعله مع الآخرين وخاصة الأشخاص المهمين في حياته، الذين يرتبط
بهم إرتباطا عاطفيا.




التنشئة العقلية والنفسية والروحية للطفل …

أجيال المستقبل أمانة عظيمة في أعناقنا فمع تطور الحياة المدنية للإنسان، وتشابك العلاقات، وتعدّد أنواع التفاعل والتأثير الاجتماعي والثقافي، تعددت العوامل والوسائل المؤثرة في تربية الإنسان، وتوجيه سلوكه، وصياغة شخصيته و تكمن الخطورة في هذا الإنهماك الرهيب في قضايا التنمية المعاصرة وعدم الإهتمام الكافي بمشاكل الأجيال القادمة خاصة موضوع التربية والتنشئة الذي يعد ساحة مترامية الأطراف يصعب إستقصاء أبعادها في هذه العجالة لذلك كان العزاء الوحيد في مناقشتها هو تسليط الضوء على أبرز ملامحها ومظاهرها .
* التنشئة العقلية :
من الأسماء المميزة لطبيعة الإنسان ما عرفه به علماء المنطق بأنه " حيوان ناطق " أي أنه مفكر ذو عقل وتدبير وحيلة، فلم يتبوأ أعلى قمة في شرف الوجود إلا بما أودع الله فيه وخصه به من العقل والقوة المفكرة وهي ميزة ميزه الله بها عن سائر الحيوانات وصيرته سيدا لها.
والقرآن يؤكد أن التعقل هي مقدرة فكرية يتميز بها الإنسان من سائر كائنات هذا العالم : " وَلَقَد كَرَّمْنا
بَني آدَمَ وحَمَلْناهُم في البَرِّ والبَحْرِ وَرَزَقْناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُم عَلى كَثير مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً " الإسراء / 70





ومن خصائص العقل : التأمل في الأمور , وتقليبها على جميع الوجوه , واستخراج الأسرار , و إستكناه البواطن , وربط النتائج بالمقدمات , وإدراك الحكم . والعقول تتفاوت في الإدراك والتأمل والتأني لبلوغ درجة الحكمة و النضج والإرشاد, ومن خصائصه أيضا العلم، بل هو مظهره و خاصته , بسببه أسجد الله ملائكته لآدم , وبه يرفع درجاتهم , وجعل أهل معرفته وخشيته العلماء .
والقرآن معجزة كلامية للعقل والتدبر وهو مجال تتبارى فيه العقول والأفهام على طول الدهور والعصور وهناك 750 آية كونية يوجه الله فيها النظر إلى عظمة مخلوقاته وعجائب كائناته وما أكثر ما ذكر في القرآن التذكر والاعتبار والتفكر: (( أ فلا يتدبرون القرآن ))
فالقرآن كتاب العقل والإسلام دين التفكير , وإن تنشئة العقول وتربيتها على قوة المدارك من الإسلام لأنها عماد نهضة الأمم ومحور عزها ومجدها وكرامتها , فيجب الإكثار منها و فتح الطريق أمامها وتوفير لها امكانات البحث والدرس فقد كفل الإسلام حرية التفكير وأعطى الضمانات لاحترام كل ما هو وليد التفكير الصحيح والمنطق السليم .
رغم أن إستنارة الكائن البشري بهدي العقل قد أثبتت إيجابيتها على مر العصور بشأن تفاعل الإنسان مع الجانب المادي من هذا العالم , إلا أن الإتكال على العقل وحده عملية لا تخلو من مخاطر ؛ لأنه ذو طبيعة جدلية وطالما وجه الأمور وجة تغلب عليها المادة ، فالمجالات المادية هي التي أثبت فيها العقل تفوقه . وقد نبه الغزالي وابن خلدون إلى مغبة الاتكال على العقل في الأمور الغيبية ( الميتافيزيقا ) .
يقول علماء النفس أن الأهل هم المعلم الأول للطفل يتعلم منهم السلوك واللغة والخبرات والمعارف , ويتعلم منهم كيف يكون التعلم والاختبار وحل المشكلات , ومن الأهل يحدد الطفل موقفه إما ان يصبح محبا للتعلم وتحصيله والإقبال عليه , أو يكون كارها له غير آبه به … وكم يكون جميلا لو توصلنا إلى منهج ملائم ومناسب نسير عليه للوصول الى هذه الغاية ويصلح لكل الآباء وكل الأطفال , ولكن يبدو انه ليس من السهولة بمكان ان نجد نظاما يصلح لكل الناس في كل زمان ومكان . ولعل من أهم الملاحظات لتنشئة الطفل عقليا كما يراها علماء النفس :
1) الرضاعة الطبيعية والاهتمام بالتغذية والصحة لأن العقل السليم في الجسم السليم .
2) حنان الأم وعطفها من المنبهات التي تنمي قدراته العقلية فلابد من إشباعها لينشأ نشأة فيها اطمئنان وأمن وسعادة .
3) يحتاج الطفل إلى أسرة متآلفة ليعيش حياة هانئة , تنمي عنده عامل الثقة بنفسه , وبقدراته , فيصبح إذا ما كبر وبلغ سن النضج مواطنا صالحا ذا قدرة وكفاية في التعامل مع متطلبات الحياة .
4) تعويده على النظام و إنضباط الوقت ، وترتيب سلّم الأولويات ، وعدم خرقه حتى يكون أمرا ذاتيا ينبع من ذواتهم لأن ذلك يعلمه الإلتزام والصبر .
وقد أشارأحد الباحثين إلى أن الحزم المقرون بالمودة يؤدي الى رفع كفاياتهم مما يجعلهم قادرين على تحمل المسئولية , وإن إستخدام العقل والمنطق وحدهما دون أن يصاحبهما الحزم يوحي للطفل بأننا غير جادين في ما نقول او نعمل فيلجأ إلى التحلل من تبعاته تجاهنا .
5) التشجيع والمديح ولا نسرف أو نبالغ فيهما .
6) تجنب لغة الانتقاص والاستهزاء والتجريح والتحقير وتفضيل الآخرين عليه .
7) إن إصرار الآباء على ان يكون الطفل هو الفائز الأول لأمر له خطورته ويجلب المشاكل للآباء والأبناء , فعلينا أن نعود ه كيف يتعامل مع النجاح وكيف يتعامل مع الفشل ما دامت طبيعة الحياة تقتضي ان يكون فيها الرابح والخاسر و الناجح والفاشل .
اختيار الألعاب المناسبة لقدراته فلا تكون سهلة مملة ولا صعبة معجزة .
9) تعليمه الإصغاء للآخرين ومشاركتهم في الأعمال الهادفة .
10) تعويدة إحترام الكبار وأنهم مصدر للمعلومات و المعارف .
11) تعويد الطفل على السؤال والاستيضاح والإجابة عليها أولا بأول .
12) تعليمه آداب الحوار والمناقشة .
13) لا تمنع الطفل من حضور مجالس الكبار .
14) على كل عائلة أن تتيح للأطفال أن يشاركوا في التخطيط الإجتماعي للمستقبل خصوصا فيما يهمهم من شئون , ولا بأس أن تبقى الكلمة العليا في كل ذلك للأبوين .
15) إن الأب المتشدد في رعاية أبنائه متأثر بالأسلوب الذي نشأ وتربى عليه فيتصف بالقسوة والخشونة وقلما يسمح لطفله بحرية الحركة أو إبداء الرأي معتقدا أن بإمكانه أن يجر الحصان إلى نبع الماء وغاب عنه إنه إن فعل فليس بمقدوره أن يجبره على أن يشرب ؛ وهذا سيؤدي بالطفل عاجلا أو آجلا إن يرفع في وجهه راية العصيان والتمرد .
16) إذا كان المجتمع يرغب في خلق قادة في مختلف ميادين الحياة فلا بد ان يكون فيه مجلس لرعاية الطفولة وتنمية قدراتها وملكاتها وكل ما له علاقة بحياة الطفولة الآنية والمستقبلة باعتبارهم بناة المستقبل وعماده .
* التنشئة الروحية والنفسية :
الإنسان كائن عجيب خلقه الله مزدوج الطبيعة، فيه عنصر مادي طيني، وعنصر روحي سماوي، فإن عنصر الطين يشده إلى الأرض وما ترمز إليه من ومشرب وملبس ومسكن ومنكح و شهوات وملذات وغرائز، في حين أن عنصر الروح يدفعه إلى الرقي في مدارج السمو الروحي، والتحليق في سماء المثل والقيم.
ومن الضروري خلق التوازن بين الجسم والروح، كي لا يطغى جانب على حساب آخر، إذ لو طغى الجانب المادي على الجانب الروحي فإن ذلك يهبط بالإنسان إلى مستوى البهائم أو أضل سبيلاً . ولو طغى الجانب الروحي على المادي فسيؤدي به إلى الرهبنة والتصوف والإنعزال عن الحياة، ومن ثم ترك القيام بمسؤولية عمارة الأرض، وبناء الحضارة وإدارة الحياة .
قاعدة الإسلام التي يقوم عليها كل بنائه هي حماية الإنسان من الخوف والفزع والإضطراب وكل ما يحد حريته وإنسانيته والحرص على حقوقه المشروعة في الأمن و السكينة والطمأنينة وليس هذا بالمطلب الهين . فالعواطف والإنفعالات تصاحب الإنسان طيلة حياته , فمن منا لم يفرح ولم يغضب ولم يحزن ولم يكره ولم يحب ؟ ومن منا لم يشعر بالإرتياح أحيانا و بالضيق والقلق ؟ فهي ظاهرة عادية , بل وصحية أحيانا . فالشخص الذي لا يغضب إذا أهين أو انتهكت حرمة عرضه أو دينه أو رسوله أو وطنه يعد شخصا متبلدا , والذي لا يفرح لفرح أهله ولا يحزن لحزنهم يعد مريضا . ولا نبالغ إذا قلنا أن تحريك المشاعر والوجدان يستخدم الآن لتحريك السلوك تحريكا ايجابيا أو سلبيا وهذا واضح لدى الثوار والقادة لإذكاء روح المقاومة وتثوير الجماهير .
ولأن الكائن البشري وحدة : فكر وروح وعمل ؛ فالتفكير العقلي لابد أن يكون له إنعكاسات على الجانب النفسي والإجتماعي للفرد والمجتمع , والمسلمون لا تنقصهم القوة الروحية والعاطفية بل يمتازون بها والمتصفح لكتاب الله يجده مليئاً بالانفعالات , فسورة يوسف مثلا فيها كثير من الانفعالات النفسية كالحزن والخوف والفرح والبكاء ولا تكاد تخلو سورة من القرآن إلا ونجد فيها صورا إنفعالية بأسلوب لغوي رائع .
يرى البعض أن الفرد يستجيب لعواطفه وأحاسيسه فتظهر على ملامحه الخارجية كالغضب والخوف والفرح والحزن والقلق والإرتياح … ويرى آخرون ان الإنفعالات دوافع تحرك سلوك الفرد فالغضب يحرك سلوك الشدة والقوة، والقلق يدفع للتوتر والخوف إلى الهروب والسرعة … وقد يستخدم الفرد الإنفعال كرد فعل للتكيف مع البيئة أو الموقف فالفرد الذي يواجه أحوالا سيئة وظروف صعبة يجلس يندب حظه ويعيش حياته حزينا مكتئبا وقد يشعر بالغضب من المجتمع كله .
لقد أكّدت الدراسات والأبحاث أنّ الصحّة النفسية هي مصدر سعادة الإنسان واستقرار المجتمع وحفظ النظام فيه. فالمجتمع الذي يتمتّع أفراده بالصحّة النفسية، وبالسلوك السوي يبني نظاماً اجتماعياً تندر فيه الجريمة والإنحطاط والمشاكل والأزمات السياسية، القتصادية والأمنية ، ويسلم من السلوكية العدوانية. وقد أصبح من المسلم به أن عددا من الأمراض البدنية يرجع لأسباب نفسية ووجدانية , وأن التوتر والإضطراب الإنفعالي يعمل ضد العلاج الطبي الناجح فيفقد الشخص قدرته الذاتية على إستعادة صحته وللحفاظ على الإستقرار النفسي والعاطفي، يوصي الأطباء وعلماء النفس باتباع توجيهات تذكر منها للمثال لا الحصر ما يلي :
1) مدّ جسور الصلة بين الطفل وخالقه من خلال الذكر والصلاة وقراءة القرآن ؛ فالقرآن الكريم أثر عظيم في تحقيق الأمن النفسي،ولن تتحقق السعادة الحقيقية للإنسان إلا في شعوره بالأمن والأمان .
2) أن يستشعر الطفل وجود الله فيما حوله من حقائق وأشياء ومخلوقات سيملأ ساحة نفسه أمنا , يقول الدكتور كامل يعقوب : " والحقيقة التي لامستها في حياتي - كطبيب - أن أوفر الناس حظا من هدوء النفس هم أكثر نصيبا من قوة الإيمان .. وأشدهم تعلقا بأهداب الدين " .
3) التمتع بالصحة البدنية .
4) تجنب أخذهم بأساليب الكبت والتخويف، وأتح لهم إشباع غرائزهم المختلفة باللعب البريء تحت إشرافك، وكرس لهم بعضا من وقتك كل يوم لإرشادهم وليشعروا بعاطفة الأبوة الحانية.
5) إختيار المهنة المناسبة التي يحقق الطفل فيها ذاته ويثبت فيها كيانه ووجوده .
6) الأسرة واستقرارها , فهو بحاجة إلى أسرة تنمي فيه الفضائل وحسن الخلق والإيمان .
7) علمه ممارسة الإسترخاء والتخيّل الذهني والرياضة والهواية ، فإنّ ذلك ممّا يحدّ من توتره الجسمي والنفسي .
جنبه الضغوط ليكون سعيدا غير قلق ولا خائف ولا مضطرب .
9) درّبه على الرفق وضبط النفس عند الانفعال ، فما دخل الرفق على شيء إلاّ زانه .
10) مساعدة الطفل في حل المشكلات المحيطة به .
11) ممارسة الهوايات المحببة إليه ليبعد عن نفسه الضيق والملل .
12) الاستمتاع بكل ما هو جميل في ملكوت الله وتجنب كل ما هو رديء وسيء .
13) تغيير الروتين اليومي من فترة إلى أخرى فقد تأتي الضغوط الداخلية من جرّاء الضجر والرتابة

والملل ، ولذا فإنّ التغيير الايجابي البسيط ربّما يحوّل سيمفونية حياته الرتيبة إلى نغمات عذبة ودافئة
ومسلية .
14) تلبية رغبات الطفل من حب وعطف وحنان ليشعر بالأمن والسعادة والاطمئنان .
15) من المهم أن يقتنع الطفل ويتأكد أن أهله يحبونه بشكل دائم ومستمر فلا يجد في أقوالهم وتصرفاتهم ما يجعله يشك في ذلك .

إنتهى الجزء الأول. إنتقل إلى الجزء الثاني " أنظر إلى الإدراجات" الله المستعان .
ثلاجة قهوه مهيله
التنشءة الإجتماعية الجزء الثاني
كتبهابن الشيخ الحسين فارس ، في 7 فبراير 2008 الساعة: 09:42 ص



الفصل الرابع :

أشكال التنشئة الإجتماعية :
تأخد التنشئة الإجتماعية شكلين رئيسيين هما :
1 . التنشئة الإجتماعية المقصودة:

ويتم هذا النمط من التنشئة في كل من الأسرة والمدرسة فالأسرة تعلم أبناءها اللغة، وآداب الحديث،
والسلوك، وفق نظامها الثقافي و معاييرها وإتجاهاتها، وتحدد لهم الطرق والأساليب والأدوات التي تتصل بهضم هذه الثقافة وقيمها و معاييرها، كما أن التعلم المدرسي في مختلف مراحله يكون تعليما مقصودا ، له أهدافه وطرقه وأساليبه ونظمه ومناهجه التي تتصل بتربية الفرد وتنشئتهم بطريقة معينة.

2. التنشئة الإجتماعية غير المقصودة :
ويتم هذا النمط من التنشئة من خلال المسجد ووسائل الإعلام والإذاعة والتلفزيون والسنما والمسرح ..وغيرها من المؤسسات التي تسهم في عمليات التنشئة من خلال الأدوار التالية :
* يتعلم الفرد المهارات والمعاني والأفكار عن طريق إكتسابه المعايير الإجتماعية التي تتختلف باختلاف هذه المؤسسات .
* تكسب الفرد الإتجاهات والعادات المتصلة بالحب والكره ، والنجاح والفشل واللعب والتعاون وتحمل المسؤولية .
* تكسب الفرد العادات المتصلة بالعمل والإنتاج والإستهلاك وغير ذالك من أنواع السلوك والإتجاهات والمعايير والمراكز والأدوار الإجتماعية . (1)

مؤسسات التنشئة الإجتماعية :
عن طريق الوسائل أو المؤسسات تتم التنشئة الإجتماعية، فالطفل الذي يولد ، يولد في أسرة تعد الجماعة الأولى التي يتعلم فيها الطفل لغته التي تسمى بحق لغة الأم، وعاداته وتقاليده وقيمه .عن طريق هذه الأسرة بين أحضان الأم تبدأ عملية التنشئة الإجتماعية فيتعلق الطفل بأمه ثم تتدرج به الحياة فيتعلق بأبيه وإخوته وذويه، ثم يستقل إلى حد ما عن أسرته لينتظم في مدرسته، وتتطور تنشأته الإجتماعية من البيت إلى المجتمع عن طريق تلك المدرسة وما تهيئه للطفل من جماعات أخرى تسير به قدما في مدارج تلك التنشئة .

1/ دور الاسرة في التنشئة الإجتماعية :
الأسرة الحديثة هي الأسرة الصغيرة التي تتكون من زوجين وأبنائهما وهي المدرسة الأساسية لكل طفل، لأن ما يتعلم فيها يبقى معه طوال حياته. وعن طريقها يكتسب قيمه الإجتماعية ومعايير سلوكه.
وتعد الأسرة بلا منازع الجماعة الأولية التي تكسب النشىء الجديد خصائصه الإجتماعية الأساسية . أي هي الوسيلة الرئيسة للتنشئة.
ويتأثر الطفل في تنشئته الإجتماعية بالمستوى الإقتصادي والإجتماعي لأسرته ويأثر ذلك المستوى على تحقيق مطالبه. ويختلف أثر تلك التنشئة أيضا تبعا لجنس الطفل. فالأسرة لا تعامل الذكور من الأطفال كما تعامل الإناث.
ويختلف سلوك الأب والأم قبل ولادة الطفل عن سلوكهما بعد ولادته، وبذلك تصبح عملية التنشئة الإجتماعية عملية متبادلة أي عملية تأثير وتأثر. وأن سلوك الوالدين إتجاه الطفل له أثر كبير على تنشئته الإجتماعية
* دور الأم في التنشئة : لقد أعطت مختلف أدبيات علم النفس والإجتماع والتربية وحتى الأدب أولوية وأهمية كبيرة لدور الأم في تنشئة أطفالها ، باعتبارها النموذج والقدوة التي يحتذي به الطفل منذ الصغر من حيث إكتسابه لسلوك أمه منذ البدايات الأولى لحياته ولعله الأمر الذي دفع بالشاعر إلى القول
الأم مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعبا طيب الأعراق
وتكمن أهمية الأم بعتبارها الوحيدة الملازمة لطفلها من الولادة إلى أن يكبر ويبلغ السن التي تؤهله ليكون فردا من أفراد المجتمع.
إن الأم بالنسبة لصغيرها تمثل رمزا للحب والحنان والعطاء غير محدود، فهي المسؤولة عن كل صغيرة وكبيرة تخص أبناءها ولا يبقى حكرا على مرحلة الطفولة بل يستمر إلى حدود المراهقة، لا سيما هذه الأخيرة حيث كثيرا ما يلجأ الأبناء على إختلاف جنسهم ومشاكلهم ومتطلباتهم إلى صدر الأم في مرحلة يكون الأب متمركزا حول ذاته فارضا نوع من الهيبة والإحترام وفي بعض الأحيان يمارس نوعا من التسلط يجعل الأبناء بطريقة غير مباشرة يفرون منه . إن هذه الفترة تجعلنا نستنتج أن أسلوب معاملة الأب في كثيرا من الأحيان هي التي تجعل الأبناء كبارا و صغارا يفرون و يبتعدون عنه وتبقى بذلك العلاقة أحادية الجانب بين الأبناء والأم وبذلك فهي علاقة تشوبها النقص داخل الاسرة .
* دور الاب في التنشئة : إن دور الأب في التنشئة لا يقل أهمية على دور الأم، فدور الأم يبرز كثيرا في الشهور والسنين الأولى من حياة الطفل وقد أدت هذه الأهمية لدور الأم إلى النظر بأن دور الأب هو دور ثانوي، فالأب وإن لم يبرز دوره في المراحل الأولى للطفل فإنه يتضح جليا بطريقة غير مباشرة من حيث توفير المتطلبات المادية وإحتياجات الطفل من حليب وغذاء وكساء وحماية …الخ، وهذه الأشياء تساعد الطفل على النمو جسديا مضافا إليه حنان الأم .

والتربية الاخلاقية والروحية، والتربية الاجتماعية، وتحقيق النمو المعرفي، وأخيراً التربية المهنية.
وفي إطار هذا التنوع الوظيفي للمدرسة يمكن لنا في سياق هذا الفصل ان نعمل على استعراض ثلاثة وظائف أساسية للعملية التربوية في المدرسة وهي:
أ) الوظيفة السياسية. ب) الوظيفة الاقتصادية. ج) الوظيفة الثقافية.
الوظيفة السياسية للمدرسة:*
يرسم كل مجتمع السياسية التي يرتضيها لنفسه، والتي تحقق له غاياته وأهدافه في مختلف مجالات الحياة وميادينها. والسياسة هي أداة المجتمع في توجيه الطاقات والفعاليات المجتمعية نحو أهداف منشودة ومحددة، وهي بالتالي معنية بتحقيق التوازن بين جوانب الحياة الاجتماعية ومؤسساتها المختلفة.
وتقوم بين مؤسسة المدرسة، والمؤسسة السياسية، علاقات جدلية عميقة وجوهرية. فالمؤسسة السياسية معنية بتحديد أهداف التربية وغاياتها وبتحديد استراتيجيات العمل المدرسي ومناهجه، لتحقيق أغراض سياسية اجتماعية قريبة او بعيدة المدى. وغالباً ما ينظر الى المدرسة بوصفها حلقة وسيطة بين العائلة والدولة، لتحقيق الغايات الاجتماعية التي حددها المجتمع لنفسه.
وتبين القراءة التاريخية لعمل المدرسة ووظيفتها بوضوح، أن عمل المدرسة ومهمتها تتغاير بتغاير أنظمة الحكم القائمة والأيديولوجيات السائدة. لقد تحولت المدرسة الى أداة في يد الدولة الماركسية لتحقيق أغراض واستراتيجيات و ايديولوجيات السياسة الماركسية.

وعلى خلاف ذلك تحولت المدرس في المانيا النازية، الى جهاز سياسي يهدف الى تكريس مبادئ النازية، وكان عليها ان تقوم بمهمة تذويب وصهر كافة الثقافات الاجتماعية للشعب الألماني في بوتقة الانتماء الى القومية الألمانية المتعالية.
أما في المجتمعات الليبرالية فإن المدرسة تسعى الى تعزيز قيم الليبرالية الاقتصادية، ومفاهيم الحرية الشخصية، وتكريس العقلية العلمية. وهناك نماذج أخرى متعددة ففي سوريا على سبيل المثال تسعى السياسة التربوية الى تعزيز الانتماء القومي، والأصالة القومية، وتؤكد على أهمية استرجاع الأرض العربية المغتصبة في فلسيطن، او في أي مكان آخر.
فالسياسات التربوية القائمة، لأي من البلدان، تحدد للمدرسة وظائفها ومهماتها وأدواها، وتصوغ لها مناهجها بما ينسجم مع التوجهات السياسية الكبرى للمجتمع المعني. ويتم ذلك كله عبر منظومة من الخطط والاستراتيجيات المتكاملة والموجهة فالسياسة التربوية لمجتمع ما تحدد في إطار سياسته العامة. وتسعى هذه السياسات، في جملة ما تسعى اليه الى تعزيز الايديولوجيات الاجتماعية السائدة وتحقيق الوحدة السياسية للمجتمع. ومن أهم الأدوار السياسية التي تلعبها المدرسة هي:-
1- التأكيد على الوحدة القومية للمجتمع.
2- ضمان الوحدة السياسية.
3- تكريس الايدولوجيا السائدة.
4- المحافظة على بنية المجتمع الطبقية.
5- تحقيق الوحدة الثقافية والفكرية.
الوظيفة الاقتصادية :*
يكمن العامل الاقتصادي في اصل نشوء المدرسة، وخاصة في مرحلة الثورة الصناعية الأولى، التي تطلبت وجود يد عاملة ماهرة قادرة على استخدام التكنولوجيا الحديثة المتطورة. وكان على المدرسة في هذه المرحلة ان تلبي حاجات الصناعة النامية من اليد العاملة المؤهلة. وما تزال المدرسة تسعى الى تلبية احتياجات التكنولوجيا الحديثة من فنيين، وخبراء، وعلماء، وأيد عاملة، لقد بدأت المدرسة ترتبط تدريجيا، وعلى نحو عميق مع المؤسسات الاقتصادية الإنتاجية، ويتجسد ذلك المدارس الفنية والمهنية، التي تتصل بشكل مباشر بعجلة الإنتاج الصناعي المتطور. وغني عن البيان ان المدرسة تلعب دورا هاما في زيادة الدخل القومي، وتحقيق النمو الاقتصادي في البلدان المتطورة النامية على حد سواء. وفي هذا الصدد تشير" دراسة دونيزون التي اجريت في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1962، أن 23% من نسب النمو الاقتصادي، في الولايات المتحدة الأمريكية، يعود الى تطور التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية.

الوظيفة الثقافية للمدرسة :*
تعد الوظيفة الثقافية من أهم الوظائف التي تتولاها المؤسسات المدرسية. فالمدرسة تسعى الى تحقيق التواصل والتجانس الثقافيين في إطار المجتمع الواسع. وتأخذ وظيفة المدرسة الثقافية أهمية متزايدة وملحة كلما ازدادت حدة التناقضات الثقافية والاجتماعية، بين الثقافات الفرعية القائمة في إطار المجتمع الواحد: كالتناقضات الاجتماعية، والعرقية، والجغرافية، وهي التناقضات التي يمكن ان تشكل عامل كبح يعيق تحقيق وحدة المجتمع السياسية، ومدى تواصلة الثقافي وتفاعله الاقتصادي. وقد تجلت أهمية هذه المسالة في مرحلة نشوء وتكون الأسواق القومية في أوروبا في مرحلة الثورات البرجوازية، وهي الثورات التي اقتضت وجود ثقافة واحدة لمجتمع اقتصادي واحد. ولقد لعبت المدرسة، وما تزال تلعب، دورا يتميز بالأهمية في تعزيز لغة التواصل القومي بين جميع أفراد المجتمع وتحقيق الوحدة الثقافية عبر تحقيق التجانس في الأفكار والمعتقدات، والتقاليد والتصورات السائدة في المجتمع الواحدة.


التعاون بين الأسرة والمدرسة:
هناك العديد من المبررات لضرورة التعاون بين الآسرة والمدرسة فى مجال تربية الطفل نذكر منها مايلى:
1-أن التعاون بين هاتين المؤسستين يحقق درجة مقبولة من الفهم المتبادل لدور كل منهما فى مجال تربية الطفل والناشئة ،مما يؤدى إلى زيادة التنسيق وعدم التعارض بينهما ، إذ كثير ما يؤدى التعارض والتناقض فى أدوارهما إلى تكوين صراع نفسي لدى التلميذ
2-أن التعاون بين هاتين المؤسستين يؤدى إلى التخلص من غالبية المشكلات التى قد يواجهها التلاميذ وبخاصة مسألة الغياب عن المدرسة ،أو الفشل فى الامتحانات ،وغيره ، والتى قد تتسبب التسرب الدراسي ، وفى هذا زيادة فى الفاقد التعليمى
3-أن التعاون بين هاتين المؤسستين يؤدى إلى زيادة فهم المدرسة لأوضاع التلاميذ الاجتماعية والاقتصادية والنفسية ،وبالتالي مساعدته على تخطى المشكلات التى قد تواجههم فى هذا المجال، وعلى التكيف مع المجتمع والمدرسة
4-أن التعاون بين هاتين المؤسستين يعطى الفرصة لتوضيح مواقفهما على نحو أفضل فيما يتعلق بتكثيف الواجبات البيتية التى قد يلجأ إليها المعلمين ، والتى قد لا تترك للتلميذ فرصة لنشاطات أخرى غير الدراسة ، ورغبة بعض الأباء فى ترك بعض من وقت أبنائهم للقيام بنشاطات أخرى غير الدراسة إن التنسيق بين المدرسة والبيت فى هذا المجال يؤدى الى راحة التلميذ النفسية وزيادة تحصيلة الدراسى وإلى زيادة حبه للمدرسة وانتمائه إليها
5-إن التعاون بين هاتين المؤسستين يساعد على التلاقح بين ثقافتيهما ، مما يؤدى إلى ارتقاء تطلعات كل منهما إلى مستوى متطلبات العصر الحاضر، بما يحمله من تغيرات ومستجدات قد يقف منها بعض الأباء والمعلمين موقف الرافض لخوفهم من التجديد ،أو موقف المشجع سعيا منهم إلى الحداثة
6-ان التعاون بينهما يجعل خطة العمل التربوي مشتركه بينهما فى ضوء اعتماد أهداف مشتركه توجه العملية التربوية فيهما


المدرسة والمجتمع:
تعتبر المدرسة صورة مصغرة للمجتمع ،وبما ان ثقافة المجتمع قد تشعبت وتعقدت ومتطلبات الحياة قد تزايدت ، فإن كثيرا من الرجال والنساء وحتى الأطفال وجدوا أنفسهم يغادرون منازلهم يوميا للعمل فى المصانع والمصالح التجارية والوظائف الحكومية وغيرها من الوظائف ، وما نتج عنه من شطر العائلة وانقسامها وتشتت الصغار فى العائلة ، وغير ذلك وأشياء أخرى جعلت المجتمع يعزز دور المدرسة ويرفع من قيمتها ، وينصبها وكيلة ونائبة عنه ، تقوم بتنشئة الأجيال وتطبيعهم بطباع المجتمع المعقد0
لقد تبين أن قوة المجتمع واستمراره لاتعتمد فقط على القراءة والكتابة وتعلم العلوم والفنون والإعداد لمعترك الحياة ، إنما يعتمد ذلك الاستمرار وتلك القوة فى البناء الأجتماعى على السلوكيات والاتجاهات والقيم التى تغرسها المدرسة فى الناشئة لخدمة الوطن والمجتمع، والانتماء إليها والتضحية فى سبيلها واحترام العادات والتقاليد والنظم والتعليمات التى يرتضيها المجتمع واحترام أخلاقيات الجماعة
إن المدرسة مطالبة بأن تعمل على التكيف الاجتماعي والثقافي للنشء، ليصبح هؤلاء الأفراد أعضاء عاملين ناجحين ومشاركين فى نهضة مجتمعهم، وهى مطالة كذلك بتوسيع دائرة معارفهم وثقافتهم ليستطيعوا القيام بالأدوار التى تنتظرهم فى الحياة العامه

3/ دور وسائل الإعلام في التنشئة الإجتماعية :
تعددت الأبحاث التي تحاول إكتشاف أثر وسائل الإعلام في التنشئة الإجتماعية ، ومن أهم تلك الوسائل التي شملتها الابحاث المعاصرة : الإذاعة والتلفزيون والأفلام السنمائية والكتب والمجلات …
وقد دلت نتائج أغلب الأبحاث الحديثة على أن الأطفال يقلدون ما يشاهدون من عنف و عدوان في القصص السنمائية والتلفزيونية. وأن مواقف القلق التي تعتمد عليها أحيانا بعض تلك القصص في جلب الإنتباه تثير في نفوس الأطفال أنواعا غريبة من القلق قد يتطور بعضها إلى القلق العصابي المرضي.
ومن الآثار الواضحة لوسائل الإعلام على التنشئة الإجتماعية للإطفال، إشاعة سلوك اللامبالاة وتشويهها للقيم التي نعتمد عليها في تربية جيل المستقبل، إذ كثيرا ما نشاهد أبطال القصص السنمائية والتلفزيونية يحتسون الخمر ويدمنون الشراب في مواجهتهم للمواقف العصيبة التي تمر بها أحداث القصة أو يعتدون على غيرهم أو يقتلون آخرين . وتلك نماذج شريرة وخطيرة نقدمها للناشئة في مواقف العاطفة المتأججة والشهوات المنطلقة من عقالها التي تبعث بكل ما يواجهها من قيم ومعايير وتقاليد.
هذا ولا شك إنه إذا أحسن توجيه وسائل الإعلام فإنها تستطيع أن تصبح أداة فعالة قوية في إرساء القواعد الخلقية والدينة في مجتمع فاضل. وتستطيع أيضا هذه الوسائل أن تسمو بالعقل لتخرج أحسن ما به من تفكير وإبتكار وخيال خصب منتج.


ويؤكد كل من لين و كروس إلى أن الشخص المفضل لدى الأطفال الذكور والإناث في سن الثانية إلى الرابعة هو الأب ، حيث يفضل هؤلاء الأطفال اللعب معه . ويشير بيل إلى أن الأب يلعب دورا هاما في نمو الطفل في مرحلة ما قبل المدرسة.
من خلال هذه الدراسة وغيرها نستنتج أن علاقة الأب بأبناءه ذات أهمية ، وإنما يختلف نوعا ما عن دور الأم . فالأب يعتير سند الأم في التنشئة ولا تستطيع وحدها تعويض أبنائها النقص الذي ينشأ عن تغيبه لأن كل منهما له الدور المنوط به.

*أثر سيطرة أحد الوالدين على التنشئة الإجتماعية :
لسيطرة أحد الوالدين أثر مباشر على نوع الدور الذي يسلكه الطفل في حياته الراهنة والمقبلة . فإذا كان الأب مسيطرا فإن ذلك ينحو بالذكور من الأطفال إلى تقمص دور الأب وبذلك يميلون في سلوكهم إلى النمط الذكري الرجولي. وإذا كانت الأم هي المسيطرة فإن ذلك يؤدي بالأطفال الذكور في الأغلب والأعم إلى السلوك العصابي بل والذهاني أحيانا. وعلى عكس ذلك و إلى حد ما بالنسبة لسلوك الإناث من الأطفال . والولد يقلد الأب لأن الأب هو النموذج الصالح كما يرتضيه له المجتمع، والبنت تقلد الأم لأن الأم هي النموذج الصالح كما يرتضيها لها المجتمع.
وعندما تتعارض سيطرة الأب مع سيطرة الأم ، يواجه الطفل صراعا في إختيار الدور الذي يقلده. وقد ينحرف سلوكه على مسالك لا سوية، وخير نموذج للعلاقات الوالدية الصالحة للتنشئة الإجتماعية السوية هو الذي يشيع في جو الأسرة نوعا من التكامل بين سلوك الأب وسلوك الأم بحيث ينتهي إلى تدعيم المناخ الديمقراطي المناسب لتنشئة أطفال الجيل المقبل.


2/ دور المدرسة في التنشئة الإجتماعية :
تعد المدرسة بحق الوكالة الاجتماعية الثانية، بعد الأسرة، للقيام بوظيفة التنشئة الاجتماعية للأطفال، والأجيال الشابة. حيث تقوم المدرسة بإعداد الأجيال الجديدة روحيا ومعرفيا وسلوكيا وبدنيا وأخلاقيا ومهنياً، وذلك من اجل ان تحقق للافراد اكتساب عضوية الجماعة والمساهمة في نشاطات الحياة الاجتماعية المختلفة. وتعمل المدرسة، اليوم على تحقيق عدد كبير من المهام التربوية. ومن بين هذه المهام التي تقوم بها يمكن ان نذكر على سبيل المثال، وليس الحصر، جملة من الوظائف أبرزها: تحقيق التربية الفنية، والتي تتمثل في الموسيقى والرسم والأنشطة الفنية الأخرى، ثم التربية البدنية،

والتربية الاخلاقية والروحية، والتربية الاجتماعية، وتحقيق النمو المعرفي، وأخيراً التربية المهنية.
وفي إطار هذا التنوع الوظيفي للمدرسة يمكن لنا في سياق هذا الفصل ان نعمل على استعراض ثلاثة وظائف أساسية للعملية التربوية في المدرسة وهي:
أ) الوظيفة السياسية. ب) الوظيفة الاقتصادية. ج) الوظيفة الثقافية.
الوظيفة السياسية للمدرسة:*
يرسم كل مجتمع السياسية التي يرتضيها لنفسه، والتي تحقق له غاياته وأهدافه في مختلف مجالات الحياة وميادينها. والسياسة هي أداة المجتمع في توجيه الطاقات والفعاليات المجتمعية نحو أهداف منشودة ومحددة، وهي بالتالي معنية بتحقيق التوازن بين جوانب الحياة الاجتماعية ومؤسساتها المختلفة.
وتقوم بين مؤسسة المدرسة، والمؤسسة السياسية، علاقات جدلية عميقة وجوهرية. فالمؤسسة السياسية معنية بتحديد أهداف التربية وغاياتها وبتحديد استراتيجيات العمل المدرسي ومناهجه، لتحقيق أغراض سياسية اجتماعية قريبة او بعيدة المدى. وغالباً ما ينظر الى المدرسة بوصفها حلقة وسيطة بين العائلة والدولة، لتحقيق الغايات الاجتماعية التي حددها المجتمع لنفسه.
وتبين القراءة التاريخية لعمل المدرسة ووظيفتها بوضوح، أن عمل المدرسة ومهمتها تتغاير بتغاير أنظمة الحكم القائمة والأيديولوجيات السائدة. لقد تحولت المدرسة الى أداة في يد الدولة الماركسية لتحقيق أغراض واستراتيجيات و ايديولوجيات السياسة الماركسية.

وعلى خلاف ذلك تحولت المدرس في المانيا النازية، الى جهاز سياسي يهدف الى تكريس مبادئ النازية، وكان عليها ان تقوم بمهمة تذويب وصهر كافة الثقافات الاجتماعية للشعب الألماني في بوتقة الانتماء الى القومية الألمانية المتعالية.
أما في المجتمعات الليبرالية فإن المدرسة تسعى الى تعزيز قيم الليبرالية الاقتصادية، ومفاهيم الحرية الشخصية، وتكريس العقلية العلمية. وهناك نماذج أخرى متعددة ففي سوريا على سبيل المثال تسعى السياسة التربوية الى تعزيز الانتماء القومي، والأصالة القومية، وتؤكد على أهمية استرجاع الأرض العربية المغتصبة في فلسيطن، او في أي مكان آخر.
فالسياسات التربوية القائمة، لأي من البلدان، تحدد للمدرسة وظائفها ومهماتها وأدواها، وتصوغ لها مناهجها بما ينسجم مع التوجهات السياسية الكبرى للمجتمع المعني. ويتم ذلك كله عبر منظومة من الخطط والاستراتيجيات المتكاملة والموجهة فالسياسة التربوية لمجتمع ما تحدد في إطار سياسته العامة. وتسعى هذه السياسات، في جملة ما تسعى اليه الى تعزيز الايديولوجيات الاجتماعية السائدة وتحقيق الوحدة السياسية للمجتمع. ومن أهم الأدوار السياسية التي تلعبها المدرسة هي:-
1- التأكيد على الوحدة القومية للمجتمع.
2- ضمان الوحدة السياسية.
3- تكريس الايدولوجيا السائدة.
4- المحافظة على بنية المجتمع الطبقية.
5- تحقيق الوحدة الثقافية والفكرية.
الوظيفة الاقتصادية :*
يكمن العامل الاقتصادي في اصل نشوء المدرسة، وخاصة في مرحلة الثورة الصناعية الأولى، التي تطلبت وجود يد عاملة ماهرة قادرة على استخدام التكنولوجيا الحديثة المتطورة. وكان على المدرسة في هذه المرحلة ان تلبي حاجات الصناعة النامية من اليد العاملة المؤهلة. وما تزال المدرسة تسعى الى تلبية احتياجات التكنولوجيا الحديثة من فنيين، وخبراء، وعلماء، وأيد عاملة، لقد بدأت المدرسة ترتبط تدريجيا، وعلى نحو عميق مع المؤسسات الاقتصادية الإنتاجية، ويتجسد ذلك المدارس الفنية والمهنية، التي تتصل بشكل مباشر بعجلة الإنتاج الصناعي المتطور. وغني عن البيان ان المدرسة تلعب دورا هاما في زيادة الدخل القومي، وتحقيق النمو الاقتصادي في البلدان المتطورة النامية على حد سواء. وفي هذا الصدد تشير" دراسة دونيزون التي اجريت في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1962، أن 23% من نسب النمو الاقتصادي، في الولايات المتحدة الأمريكية، يعود الى تطور التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية.

الوظيفة الثقافية للمدرسة :*
تعد الوظيفة الثقافية من أهم الوظائف التي تتولاها المؤسسات المدرسية. فالمدرسة تسعى الى تحقيق التواصل والتجانس الثقافيين في إطار المجتمع الواسع. وتأخذ وظيفة المدرسة الثقافية أهمية متزايدة وملحة كلما ازدادت حدة التناقضات الثقافية والاجتماعية، بين الثقافات الفرعية القائمة في إطار المجتمع الواحد: كالتناقضات الاجتماعية، والعرقية، والجغرافية، وهي التناقضات التي يمكن ان تشكل عامل كبح يعيق تحقيق وحدة المجتمع السياسية، ومدى تواصلة الثقافي وتفاعله الاقتصادي. وقد تجلت أهمية هذه المسالة في مرحلة نشوء وتكون الأسواق القومية في أوروبا في مرحلة الثورات البرجوازية، وهي الثورات التي اقتضت وجود ثقافة واحدة لمجتمع اقتصادي واحد. ولقد لعبت المدرسة، وما تزال تلعب، دورا يتميز بالأهمية في تعزيز لغة التواصل القومي بين جميع أفراد المجتمع وتحقيق الوحدة الثقافية عبر تحقيق التجانس في الأفكار والمعتقدات، والتقاليد والتصورات السائدة في المجتمع الواحدة.


التعاون بين الأسرة والمدرسة:
هناك العديد من المبررات لضرورة التعاون بين الآسرة والمدرسة فى مجال تربية الطفل نذكر منها مايلى:
1-أن التعاون بين هاتين المؤسستين يحقق درجة مقبولة من الفهم المتبادل لدور كل منهما فى مجال تربية الطفل والناشئة ،مما يؤدى إلى زيادة التنسيق وعدم التعارض بينهما ، إذ كثير ما يؤدى التعارض والتناقض فى أدوارهما إلى تكوين صراع نفسي لدى التلميذ
2-أن التعاون بين هاتين المؤسستين يؤدى إلى التخلص من غالبية المشكلات التى قد يواجهها التلاميذ وبخاصة مسألة الغياب عن المدرسة ،أو الفشل فى الامتحانات ،وغيره ، والتى قد تتسبب التسرب الدراسي ، وفى هذا زيادة فى الفاقد التعليمى
3-أن التعاون بين هاتين المؤسستين يؤدى إلى زيادة فهم المدرسة لأوضاع التلاميذ الاجتماعية والاقتصادية والنفسية ،وبالتالي مساعدته على تخطى المشكلات التى قد تواجههم فى هذا المجال، وعلى التكيف مع المجتمع والمدرسة
4-أن التعاون بين هاتين المؤسستين يعطى الفرصة لتوضيح مواقفهما على نحو أفضل فيما يتعلق بتكثيف الواجبات البيتية التى قد يلجأ إليها المعلمين ، والتى قد لا تترك للتلميذ فرصة لنشاطات أخرى غير الدراسة ، ورغبة بعض الأباء فى ترك بعض من وقت أبنائهم للقيام بنشاطات أخرى غير الدراسة إن التنسيق بين المدرسة والبيت فى هذا المجال يؤدى الى راحة التلميذ النفسية وزيادة تحصيلة الدراسى وإلى زيادة حبه للمدرسة وانتمائه إليها
5-إن التعاون بين هاتين المؤسستين يساعد على التلاقح بين ثقافتيهما ، مما يؤدى إلى ارتقاء تطلعات كل منهما إلى مستوى متطلبات العصر الحاضر، بما يحمله من تغيرات ومستجدات قد يقف منها بعض الأباء والمعلمين موقف الرافض لخوفهم من التجديد ،أو موقف المشجع سعيا منهم إلى الحداثة
6-ان التعاون بينهما يجعل خطة العمل التربوي مشتركه بينهما فى ضوء اعتماد أهداف مشتركه توجه العملية التربوية فيهما


المدرسة والمجتمع:
تعتبر المدرسة صورة مصغرة للمجتمع ،وبما ان ثقافة المجتمع قد تشعبت وتعقدت ومتطلبات الحياة قد تزايدت ، فإن كثيرا من الرجال والنساء وحتى الأطفال وجدوا أنفسهم يغادرون منازلهم يوميا للعمل فى المصانع والمصالح التجارية والوظائف الحكومية وغيرها من الوظائف ، وما نتج عنه من شطر العائلة وانقسامها وتشتت الصغار فى العائلة ، وغير ذلك وأشياء أخرى جعلت المجتمع يعزز دور المدرسة ويرفع من قيمتها ، وينصبها وكيلة ونائبة عنه ، تقوم بتنشئة الأجيال وتطبيعهم بطباع المجتمع المعقد0
لقد تبين أن قوة المجتمع واستمراره لاتعتمد فقط على القراءة والكتابة وتعلم العلوم والفنون والإعداد لمعترك الحياة ، إنما يعتمد ذلك الاستمرار وتلك القوة فى البناء الأجتماعى على السلوكيات والاتجاهات والقيم التى تغرسها المدرسة فى الناشئة لخدمة الوطن والمجتمع، والانتماء إليها والتضحية فى سبيلها واحترام العادات والتقاليد والنظم والتعليمات التى يرتضيها المجتمع واحترام أخلاقيات الجماعة
إن المدرسة مطالبة بأن تعمل على التكيف الاجتماعي والثقافي للنشء، ليصبح هؤلاء الأفراد أعضاء عاملين ناجحين ومشاركين فى نهضة مجتمعهم، وهى مطالة كذلك بتوسيع دائرة معارفهم وثقافتهم ليستطيعوا القيام بالأدوار التى تنتظرهم فى الحياة العامه

3/ دور وسائل الإعلام في التنشئة الإجتماعية :
تعددت الأبحاث التي تحاول إكتشاف أثر وسائل الإعلام في التنشئة الإجتماعية ، ومن أهم تلك الوسائل التي شملتها الابحاث المعاصرة : الإذاعة والتلفزيون والأفلام السنمائية والكتب والمجلات …
وقد دلت نتائج أغلب الأبحاث الحديثة على أن الأطفال يقلدون ما يشاهدون من عنف و عدوان في القصص السنمائية والتلفزيونية. وأن مواقف القلق التي تعتمد عليها أحيانا بعض تلك القصص في جلب الإنتباه تثير في نفوس الأطفال أنواعا غريبة من القلق قد يتطور بعضها إلى القلق العصابي المرضي.
ومن الآثار الواضحة لوسائل الإعلام على التنشئة الإجتماعية للإطفال، إشاعة سلوك اللامبالاة وتشويهها للقيم التي نعتمد عليها في تربية جيل المستقبل، إذ كثيرا ما نشاهد أبطال القصص السنمائية والتلفزيونية يحتسون الخمر ويدمنون الشراب في مواجهتهم للمواقف العصيبة التي تمر بها أحداث القصة أو يعتدون على غيرهم أو يقتلون آخرين . وتلك نماذج شريرة وخطيرة نقدمها للناشئة في مواقف العاطفة المتأججة والشهوات المنطلقة من عقالها التي تبعث بكل ما يواجهها من قيم ومعايير وتقاليد.
هذا ولا شك إنه إذا أحسن توجيه وسائل الإعلام فإنها تستطيع أن تصبح أداة فعالة قوية في إرساء القواعد الخلقية والدينة في مجتمع فاضل. وتستطيع أيضا هذه الوسائل أن تسمو بالعقل لتخرج أحسن ما به من تفكير وإبتكار وخيال خصب منتج.




المراجع

: الكتب

* إبن المنظور . أبو الفضل جمال الدين . لسان العرب. بيروت : دارالطباعة والنشر . ج3.
1997
* سلوى عبد المجيد الخطيب . نظرة معاصرة في علم الإجتماع المعاصر. القاهرة : مطبعة النيل للطباعة والنشر والتوزيع . 2002
*محمد محمد نعيمة . التنشئة الإجتماعية وسمات الشخصية . الإسكندرية : دار الثقافة العلمية للطباعة والنشر والتوزيع. 2002
* حسين أحمد عبد الله آل درويش القطيف.مقال في التنشئة العقلية والنفسية والروحية للطفل. جامعة الملك فيصل . المملكة العربية السعودية.
*د. فؤاد البهي السيد. علم النفس الإجتماعي. دار الكتب الحديث .ط 2 . الكويت

المجلات الإلكترونية :

مجلة شبكة النبأ المعلوماتية . التنشئة الإجتماعية وأهدافها . مؤسسة المستقبل للثقافة والإعلام في
www.annabaa.org لبنان.

الرسائل الجامعية:

* أحمد بوذراع . علاقة الاسرة والتنشئة الإجتماعية بالعنف المدرسي. رسالة ماجيستير.كلية العلوم الإجتماعية والإنسانية.قسم علم الإجتماع جامعة الحاج لخضر .باتنة .2004/2005
* رابح حروش. أساليب التنشئة الأسرية وإنعكاساتها على المراهق.رسالة ماجيستير.كلية العلوم الإجتماعية والإنسانية.قسم علم الإجتماع. بباتنة.2004/2005

ثلاجة قهوه مهيله
دور الأسرة العربية في مجال التنشئة الإجتماعية في ظل العولمة د. محمد شومان
تعتبر الأسرة هي الوحدة الاجتماعية الأولى التي ينشأ فيها الطفل ويتفاعل مع أعضائها، وبالتالي فهي تؤثر على النمو الشخصي في مراحله الأولى سابقة بذلك أي جماعة أخرى حيث تعد المسؤولة عن بناء الشخصية الاجتماعية والثقافية، بل ان تأثيرها ينفذ إلى أعماق شخصية الفرد ويمسها في مجموعها.
واذا كانت الأسرة هي النواة الأولى لعملية التنشئة الاجتماعية والتي تتولى تنشئة أطفالها أو أفرادها في مراحلهم العمرية المختلفة فهذا لا يعني انها المؤسسة الوحيدة التي تتولى عملية التنشئة الاجتماعية فهذه العملية تتم من خلال عدة مؤسسات كالأسرة والمدرسة والرفاق والمسجد ووسائل الاعلام، وبالتالي فهي العملية التي يتم من خلالها تعليم وتدريب الفرد لأداء الأدوار المنوطة به اجتماعياً واقتصادياً وانتاجياً على مستوى الأسرة والمجتمع.
فالمؤسسات التعليمية تقوم بوظيفة التربية والصقل الاجتماعي نيابة عن الأسرة والمؤسسات الاجتماعية المتنوعة لها دور كبير في عمليات الضبط الاجتماعي والرقابة والتنشئة الاجتماعية والمؤسسات الاقتصادية صناعية وزراعية وتجارية تقوم بجوانب هامة من الوظيفة الاقتصادية التي أصبحت الأسرة الانسانية تعجز عن القيام بها.
والمؤسسات الاجتماعية هي هيئات شكلت لتعبر عن ارادة المجتمع أو الجماعات التي نشأت فيه لمقابلة حاجاتها، فالمؤسسة الاجتماعية تمثل جهود الأفراد والجماعات المنظمة لمقابلة حاجات الانسان سواء أكانت هذه الحاجات مادية أم معنوية، والتي تظهر نتيجة للظروف والعوامل الاجتماعية الموجودة في البيئة، وفي اطار الحضارة الاسلامية انشئت مؤسسات للرعاية عن طريق الوقف لأغراض الرعاية التعليمية والاجتماعية والصحية وانشئت الجوامع والمدارس والمستشفيات والملاجئ لاغاثة المحتاجين، ويمكن القول ان الاسلام جعل منظمته الأولى المسجد الجامع .
وإذا كانت الأسرة ليست هي المؤسسة الاجتماعية المسؤولة عن التنشئة الاجتماعية اذ أصبح هناك العديد من المؤسسات الاجتماعية الأخرى التي تشارك في هذه العملية إلا أنها تظل الأكثر أهمية وتأثيراً خاصة في سنوات الطفولة، ولا شك ان دور الأسرة في التنشئة الاجتماعية اكتسب أهمية مضاعفة بالنظر إلى عمليات التغير الاجتماعي المتسارع التي شهدتها وما تزال الاقطار العربية، ثم ما تطرحه العولمة على الأمة العربية من فرص وتحديات جديرة بالتأمل والدراسة, وبقدر ما كانت عمليات التنمية والتغيير الاجتماعي تطرح على الأسرة مشاكل وتحديات تتعلق بتكوينها وتماسكها، ودورها في عملية التنشئة بقدر ما كانت هذه المشاكل والتحديات تبرز دور الأسرة العربية، وتؤكد أهمية الأدوار التقليدية التي يجب أن تقوم بها الأسرة العربية.
وفي عصر العولمة واللامركزية وما شهده العالم من تطورات هائلة في مجال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والسماوات المفتوحة أصبح العالم أشبه بقرية صغيرة وأصبحت الدول النامية تواجه اشكالية التعايش والتفاعل مع هذا العالم المتغير، من خلال تعليم وتأهيل الانسان القادر على التفاعل الايجابي والتعامل الواعي مع هذه التطورات ومحاولة تحقيق العدالة الصعبة التي تقتضي التعامل مع تحديات العولمة، وفي الوقت ذاته الحفاظ على الهوية الثقافية لهذه المجتمعات.
والواقع ان القضايا والاشكاليات التي تطرحها العولمة على عملية التنشئة الاجتماعية ودور الأسرة والمؤسسات الاجتماعية المختلفة لم تلق الاهتمام الكافي من البحث والدراسة، فمن الثابت ان العولمة تسهم في زيادة التباعد والتفاوت الاجتماعي الاقتصادي والتعليمي والمعرفي بين الناس، كما ان الآثار الاقتصادية المصاحبة للعولمة قد تدفع الحكومات في العالم الثالث إلى خصخصة بعض مؤسسات التنشئة الاجتماعية كالاعلام والتعليم أو على الأقل بعض المدارس والجامعات، وبالتالي تحجيم الرؤى التربوية، وفوق كل شيء تحديد رؤية الأهداف التربوية، اذ تصبح الأهداف الانسانية والثقافية والاجتماعية للتعليم على وجه الخصوص ثانوية بالنسبة للمعايير ذات الطابع الاقتصادي.
ومثل هذه التحولات اضافة إلى انفجار ثورة الاعلام والمعلومات والتدفق الحر للأخبار والمعلومات والصور والرموز عبر الحدود، سيؤدي إلى اضعاف بعض الأدوار التي كانت تقوم بها الدولة والأسرة في عملية التنشئة الاجتماعية، من هنا تبدو أهمية الاهتمام ببحث ودراسة أبعاد ووسائل دعم وتطوير دور الأسرة في عملية التنشئة الاجتماعية في ظل العولمة.
أولاً: التدفق الاعلامي وثورة المعلومات:
انتشر استخدام التلفزيون في البلاد العربية، بل بات يمثل وسيلة اساسية للترفيه والتثقيف والتعلم والتنشئة الاجتماعية بين السواد الأعظم من الأسر العربية، وقد تعرض كثير من الدراسات العربية للآثار الايجابية والسلبية للتلفزيون على التنشئة الاجتماعية بعامة، وعلى دور الأسرة في عملية التنشئة الاجتماعية، والتفاعل الاجتماعي داخل الأسرة، وتشير اشد التقديرات حذراً إلى أن أطفال ما قبل المدرسة في أمريكا يمضون أكثر من ثلث ساعات يقظتهم في مشاهدة التلفزيون 15 ورغم عدم وجود احصاءات مماثلة في البلاد العربية إلا ان كل الدلائل قد ترجح ان الاطفال العرب لا يختلفون عن الأطفال الأمريكيين في ساعات المشاهدة، خاصة مع تعدد وتنوع قنوات البث التليفزيوني، ووجود حوالي 51 قناة فضائية عربية، إلى جانب عشرات القنوات المحلية والاجنبية.
والشاهد ان العولمة تطرح وسائل جديدة واشكالا ومضامين اعلامية جديدة على الأسرة العربية، فقد اتاحت تكنولوجيا الاتصال امكانية تعرض الأسرة العربية للبث المباشر عبر الأقمار الصناعية، وازدحمت السماوات بالفضائيات العربية والأجنبية والتي تبث برامج ومضامين واعلانات مغايرة للثقافة العربية ولقواعد السلوك والأخلاق السائدة.
ولا تتوافر احصاءات عن عدد الأسر العربية التي تستقبل البث الفضائي، لكن كل المؤشرات ترجح ان هناك زيادة مطردة في عدد هذه الأسر وذلك نتيجة رخص تكنولوجيا استقبال البث الفضائي، كذلك توجد مؤثرات عن الزيادة المستمرة في اعداد الأسر التي تمتلك أجهزة كمبيوتر وتشترك في خدمة الانترنت، ويقدر حالياً عدد العرب المشتركين في خدمة الانترنت بحوالي 2 مليون مشترك.
ورغم ما يتيحه التدفق الاعلامي والمعلوماتي لافراد الأسرة العربية من فرص للتعرف على العالم الخارجي والتعلم واكتساب خبرات جديدة، إلا أن هناك عددا من المخاطر والتحديات ترتبط اساساً بأن أغلب ما يبث عبر الفضائيات العربية والأجنبية هي برامج ومضامين واعلانات مستوردة من الخارج، كذلك فان العاب الاطفال الالكترونية مستوردة، والثابت ان البرامج والمضامين وألعاب الأطفال المستوردة تتوافر فيها عناصر الجودة الفنية والابهار مما يجعلها تحظى بنسب مشاهدة مرتفعة اذا ما قورنت بالبرامج المنتجة محلياً أو عربياً لكن البرامج والمضامين المستوردة تحفل بالعنف والاثارة والجريمة، الأمر الذي يعني ان الأطفال داخل الأسرة العربية يتعرضون خلال ساعات المشاهدة لافكار وقيم وتقاليد بعيدة عن الواقع العربي والثقافة العربية، مما ينتج عنه نوع من الازدواجية والتناقص بين واقعهم المعاش وبين الواقع المتخيل أو المنقول لهم عبر شاشات التليفزيون ومن قنوات عربية أو أجنبية.
ولا شك أن فيض الأفكار والصور والرموز المرتبطة بثقافات غير عربية والذي يصل للصغار عبر التليفزيون لن يدعم من عملية التنشئة الاجتماعية التي يقوم بها الوالدان، بل سيمثل عوامل تهديد وخطر.
على مستوى آخر فان كثرة استخدام الأطفال للتليفزيون والفيديو سواء للمشاهدة أو اللعب تؤدي إلى ضعف التفاعل الاجتماعي بين الطفل ووالديه، بل بين الطفل نفسه واخوانه واخواته، وطوال العقدين الماضيين تراكمت الأدلة على وجود علاقة بين المشاهد التلفزيونية والتحصيل الدراسي، فكلما زادت مشاهدة الأطفال للتليفزيون، انخفض تحصيلهم الدراسي، كما كان للتليفزيون تأثير سلبي على تبادل الأحاديث والتفاعل بين أفراد الأسرة، ولعب التليفزيون دوراً مهماً في تفكيك الأسرة الأمريكية من خلال تأثيره في العلاقات الأسرة، وتسهيله انسحاب الأبوين من القيام بدور فعال في التنشئة الاجتماعية لاطفالهم، وفي حلوله محل الطقوس الأسرية والمناسب الخاصة.
وربما يختلف تأثير استخدام الكمبيوتر والانترنت عن التليفزيون أو الفيديو فألعاب وبرامج الكمبيوتر معظمها مستوردة، وتعتمد على صور ورموز ودلالات تنتمي للثقافة العربية، كما تفيض بالعنف وتعلي من شأن القوة، ومن قيم الاستهلاك والروح الفردية كذلك الحال بالنسبة لمواقع شبكة الانترنيت، والتي ينتشر فيها كثير من المواقع الاباحية، كما تقدم فيضا من المعلومات والآراء والأفكار المفيدة وغير المفيدة والتي قد لا تتفق وأسس ومقومات الثقافة العربية الإسلامية.
وكانت البحوث التي أجريت على تأثير استخدام الأطفال والمراهقين في الولايات المتحدة لشبكة الانترنت قد توصلت إلى انهم يكتسبون مهارات جديدة في استخدام الكمبيوتر والتعامل مع التكنولوجيا، واقامة علاقات مع الآخرين، والتعامل مع الواقع الافتراضي، والقدرة على التخيل، والبحث عن المعلومات والحصول عليها في وقت قصير، بالاضافة إلى تطوير قدرة الأطفال والمراهقين على التعبير عن مشاعرهم من خلال الكتابة، واستحداث تعبيرات ونحت مصطلحات جديدة في المقابل رصدت الأبحاث الكثير من السلبيات الناجمة عن استخدام الأطفال والمراهقين للانترنيت لساعات طويلة اهمها اضعاف التفاعل الاجتماعي، والميل إلى العزلة عن بقية أفراد الأسرة، فكثرة وتعود استخدام الانترنيت افرزت ظاهرة مدمني الانترنيت الذين لا يستطيعون الاستغناء عن الانترنيت، ويدركون الواقع الفعلي ويتعاملون معه من خلال الصور والأدوار التخيلية التي تفرضها عليهم شبكة الانترنت، والأهم من ذلك ان الاطفال والمراهقين يطلعون على معلومات وصور اباحية لا تتناسب ونموهم العضوي والعقلي والعاطفي، وهو ما يشكل صدمة شعورية تتطلب رعاية تربوية ونفسية خاصة.
ثانياً: ثقافة الاستهلاك ونشر القيم الفردية:
اذا كانت العولمة كعملية تاريخية تعتمد أساساً على اقتصاديات السوق وتدويل الأسواق وحرية انتقال عوامل الانتاج والمعلومات فانه من الطبيعي ان تحتل ثقافة الاستهلاك والقيم الفردية مكانة بارزة ضمن عملية العولمة، بل يصبح الاستهلاك والقيم الفردية آليات مهمة في عملية العولمة.
في هذا السياق يرى عالم اللغة الامريكي نعوم تشومسكي ان العولمة هي التوسع في التعدي على القوميات من خلال شركات عملاقة ومستبدة يحكمها أولاً الاهتمام بالربح وتشكيل الجمهور وفق نمط خاص، حيث يدمن الجمهور اسلوب حياة قائماً على حاجات مصطنعة، مع تجزئة الجمهور، وفصل كل فرد عن الآخر، حيث لا يدخل الجمهور الساحة السياسية، ويزعج أو يهدد نظام القوى أو السيطرة في المجتمع.
لقد انتقل اقتصاد العولمة من الانتاج الصناعي الثقيل إلى انتاج السلع والخدمات الاستهلاكية، وفي السنوات الأخيرة ازداد ارتباط السلع الاستهلاكية، وفي السنوات العشر الأخيرة ازداد ارتباط السلع الاستهلاكية الصلبة بالتكنولوجيا اللينة وثيقة الصلة بالمعلومات والترفيه واسلوب الحياة، وتظهر فيها منتجات تجعل الحد الفاصل بين السلع والخدمات غير واضح، والاقتصاد الرأسمالي القديم الذي تصنع فيه المنتجات وتباع من أجل الربح تلبية لطلب المستهلكين,, يستسلم الآن شيئاً فشيئاً لاقتصاد رأسمالي ما بعد حداثي تصنع فيه الحاجات تلبية لطلب المنتجين الذين يجعلون منتجاتهم لا وسيط دونها قابلة للتسويق من خلال الترويج والتغليف والاعلان.
وقد تفوقت الشركات الأمريكية في مجال انتاج وترويج السلع الاستهلاكية ونجحت في اقتحام اسواق عديدة حول العالم، وأصبحت سلاسل المطاعم الأمريكية والمشروبات والسجائر وغيرها من آليات ثقافة الاستهلاك حيث ارتبطت برموز وصور ومعان للتفوق والرفاهية والمتعة، وقد لعب الاعلان دوراً بالغ الأهمية في نشر وتدويل ثقافة الاستهلاك، واعلاء قيم الفردية، والبحث عن المتعة من خلال الاستهلاك، ونجح الاعلان الذي اعتمد على قوة ونفوذ وسائل الاعلام المعولم في الوصول إلى اغلبية سكان المعمورة من مختلف الطبقات والثقافات، وصارت السلع الاستهلاكية وأسماء وعلامات الشركات الكبرى متعددة الجنسيات جزءاً من الثقافة المتداولة بين البشر رغم اختلاف اللغات والثقافات، لقد فرض الاعلان نوعاً من الهيمنة على الأسواق العالمية، وعلى المستهلكين من خلال توحيد وتنميط الأذواق، وخلق اجماع زائف على استهلاك سلع وخدمات قد لا يكون الفرد أو المجتمع في حاجة إليها، أو قد لا تتفق مع احتياجاته واوضاعه المعيشية، بل ولا تتفق وأولويات المجتمع.
في الوقت ذاته ادت ثقافة الاستهلاك وبريق الاعلانات إلى تسليع القيم والأفكار والمعاني والمشاعر من خلال الاحتفاء المبالغ فيه بأهمية الرموز والعلامات المادية، وخلق نوع من الارتهان الزائف بين الحصول على سلعة أو استهلاك سلعة أو خدمة وبين تحقيق السعادة أو الحرية أو حتى الحصول على الحب.
ان انتشار ثقافة الاستهلاك، عبر آلية الاعلان وحب التملك والمحاكاة وتقليد الآخرين تتجسد في الواقع العربي فيما يخلق ضغوطاً اقتصادية وثقافية على معظم الأسر العربية حتى الميسورة منها حيث تظهر رغبات واحتياجات مصطنعة أو غير ضرورية إلا انها تتحول عبر آلية الاعلان وتفشي قيم الاستهلاك والرغبة في تقليد الآخرين إلى احتياجات ومطالب يرفعها الصغار داخل الأسرة مما يرهق كاهل الأبوين مادياً أو معنوياً، والاشكالية هنا إلى أن الفهم الاستهلاكي لا نهاية له، وبالتالي فانه يخلق ضغوطاً اقتصادية مستمرة، الأمر الذي قد يثير توترات في عملية التنشئة الاجتماعية وفي العلاقة بين الوالدين والصغار، من هنا ضرورة أن يحرص الوالدان على مناقشة الأبناء بشأن جدوى ومصداقية الاعلانات، وجدوى السلعة أو الخدمة التي يرغبون في الحصول عليها، مع تعليم الصغار قيم القناعة والرشد في الاستهلاك والاكتفاء، والقدرة على الاستغناء والأهم ان يكون سلوك الوالدين الاستهلاكي قدوة ونموذجا يحتذى أمام الصغار.
ثالثاً: تهديد الهوية القومية:
من المتفق عليه بين الباحثين ان العولمة بأبعادها المختلفة تعتمد على تجاوز الحدود السياسية وتجاوز الثقافات والهويات القومية واضعاف سلطة الدولة الوطنية واعلاء شأن اقتصاد السوق، ومثل هذه الأوضاع لا تعني تحقيق نوع من العالمية أو وحدة النوع البشري، بل على العكس قد تقود إلى هيمنة الثقافة الغربية، خاصة في ظل هيمنة واحتكار الدول الغربية والشركات متعددة الجنسية الغربية المنشأ على انتاج وسائل الاعلام، ووكالات الأنباء والصور، وشبكات الاتصالا والمعلومات، وفي ظل عجز وتبعية وسائل الاعلام العربية، واعتمادها المتزايد على وسائل الاعلام الغربية وعلى برامج ومضامين غربية.
على أن أخطر التحديات هو ما قد تتعرض له المكونات الاساسية للثقافة العربية متمثلة في الاسلام واللغة العربية والوعي التاريخي بالذات والآخر، فمن الثابت ان عولمة الاعلام تعتمد على اللغة الانجليزية، كما ان صورة العرب والمسلمين في الاعلام الغربي المهيمن على الساحة الدولية لا تعبر عن الواقع، بالاضافة إلى أن الاعلام الغربي يتعامل مع العرب بحكم علاقات الاستعمار والتبعية كاقطار متفرقة لا كأمة واحدة.
ومع ذلك فان التدفق الاعلامي والمعلوماتي من الشمال إلى الجنوب، وسطوة وبريق الاعلانات ونشر ثقافة الاستهلاك قد يوفر للمواطن العربي مصادر عديدة للمعلومات، ويفتح امامه الطريق للتفاعل الحر مع ما يجري في العالم، لكن في المقابل هناك مخاطر التغريب وتهديد اللغة العربية، وطمس الهوية العربية، وقطع الصلة بين الأنباء وتراث امتهم وتاريخها العريق، ولا شك ان الحفاظ على الهوية العربية والخصوصية الحضارية للأمة العربية هي من المهام الأساسية التي يجب أن تقوم بها مؤسسات التنشئة الاجتماعية بوسائل جديدة تتمشى مع ظروف ومتطلبات القرن الواحد والعشرين، وفي الوقت نفسه تكون قادرة على الاستجابة الواعية للآثار الملتبسة للعولمة سواء كانت فرصاً ام تحديات وتهديات، ان التربية العربية امام هذا الواقع ليس مهمتها تكوين جيل يتغنى بثقافته العربية الاسلامية أو يجيد حفظ اصولها ومتونها، بل مهمتها تكوين فكر نقدي حر، قادر على أن يترجم الثقافة العربية الاسلامية إلى لغة العصر، وبالتالي بناء مركب ثقافي جديد قادر على ان يترجم الثقافة العربية الاسلامية إلى لغة العصر.
والاسرة العربية يجب الا تدع مهمة الحفاظ على الهوية القومية وتنميتها للمدرسة وحدها، بل من الضروري ان تشارك فيها بفاعلية، وبوعي بحيث يكون الالتزام بتعاليم الاسلام والاعتزاز باللغة العربية والتراث العربي جزءاً أصيلاً من الحياة اليومية داخل الأسرة يلتزم به الجميع قولاً وفعلاً، ويتخذوا من هذا الالتزام وقواعده معايير أساسية لتقييم الثقافات الأجنبية الوافدة والتفاعل معها، ذلك ان الهوية الثقافية كما تقرر الخطة الشاملة للثقافة العربية ليست مركباً جامداً من الخصائص والقيم والتقاليد، ولكنها مجموعة من المشاعر والأفعال ومن السمات التاريخية والأبعاد الفكرية والفنية والروحية، ومن معطيات السلوك الحية النامية تغني بالحوار وبالتطور وبالأخذ والعطاء والابداع الذاتي، فهي تتجدد وتعيد خلق ذاتها في اطار خصائصها لانها في حركة داخلية مستمرة وتتغذى بالموروثات العريقة للمجتمع، وبالقدرات الداخلية الابداعية فيه، كما تتغذى بالاسهامات الخارجية عن طريق الاستيعاب والتحوير والتمثل.
رابعاً: مخاطر الجريمة المنظمة:
لعل أحد أبرز ملامح العولمة هو زيادة وسرعة تبادل عوامل الانتاج بين الأسواق، في هذا السياق ظهر أحد أهم تعريفات العولمة باعتبارها تكثيفا للعلاقات الاجتماعية على مستوى العالم بطرق تجعل الاحداث تتشكل بفعل الأحداث التي تقع على مسافة بعيدة والعكس صحيح، وفي هذا الاطار ازدادات قوة الشركات متعددة الجنسيات، بينما تقلصت سلطة الدولة القومية.
وكان من الطبيعي في ظل هذه الأوضاع ان تنشط الجريمة المنظمة عابرة الحدود وتتخذ اشكالاً جديدة، وتعتمد على وسائل تتناسب مع آثار وتداعيات العولمة، لقد استغلت عصابات المافيا الدولية حالة الفوضى والاضطراب في بعض مناطق العالم، وانطلقت تعمل بحرية وتوسع دائرة اعمالها تحت شعارات العولمة والتجارة الحرة، وتحصد عصابات المافيا مئات المليارات من الدولارات القذرة من الاتجار بالمخدرات والسلاح والعمولات والتهريب والدعارة والتزييف وغسيل الأموال وسرقة السيارات وتجارة وتهريب التكنولوجيا وسرقة واعادة بيع المؤلفات الفكرية علاوة على الاتجار غير المشروع في الاعضاء البشرية والاتجار غير المشروع في المواد النووية، وجرائم الحاسوب، ومع ذلك توجد صعوبة بالغة في تسجيل احصاءات الجريمة المنظمة، وهو ما دعا الدول المشاركة في المؤتمر الوزاري المعني بالجريمة المنظمة بالتوصية بأن تقوم كل دولة ب***** مكتب خاص Clearing House يتولى مسؤولية تلقي المعلومات والبيانات الكافية والضرورية عن الجريمة المنظمة.
ولا يتسع المجال للتعرض تفصيلاً للأنشطة الاجرامية التقليدية والمستحدثة لعصابات الجريمة المنظمة، لكن تكفي الاشارة إلى أن بعض انشطة هذه العصابات تمثل تهديدات قائمة للأسرة العربية، والصد تحديداً الجماعات الارهابية وعصابات الاتجار بالمخدرات والجنس، خاصة الاتجار بالجنس عبر شبكة الانترنت وشبكات الاتصال الدولي، والتي تستهدف الاطفال عرضة للاغراءات الرخيصة والأساليب غير المباشرة التي تتبعها عصابات الجريمة المنظمة وشركاؤها المحليون.
ولا شك ان تفعيل دور الأسرة العربية في خفض الطلب على المخدرات والوقاية منها، وكذلك الوقاية من المخدرات، ومن اغراءات الجنس التخيلي عبر الانترنيت والهاتف وغيرها من جرائم الانترنت اصبح ضرورة ملحة، وقد أثبتت البحوث والدراسات ان أهم اسباب تعاطي او ادمان الابناء للمخدرات تتمثل في وجود تاريخ للتعاطي أو الإدمان داخل الأسرة، والانهيار الأسري نتيجة الطلاق أو الهجر بين الأبوين أو وقوع خلافات شديدة واستمرارها بشكل مزمن واختلال الانضباط في الأسرة وضعف الوازع الديني، وصحبة أقران متعاطين أو مدمنين، وتدخين السجائر قبل بلوغ سن 12 سنة، والظروف السيئة في بية العمل، وأخيراً سجل سيىء في العمل أو في المدرسة.
ومن تأمل هذه الأسباب يمكن وضع ارشادات أو مقترحات أمام الأبوين لمتابعة الأبناء وسد منافذ الاغراء ونقاط الضعف التي قد تؤدي بهم إلى التورط في المخدرات أو أي انحرافات أخرى، شرط أن يعي الأبوان بمركزية وأهمية دورهما، وبضرورة ان يتم الاشراف والتوجيه بأساليب تربوية تعتمد الحوار والنقاش بدلاً من أسلوب التلقين.