أم عبدالرحمن علي
الغرفة قليلة الاثاث ..ولكن طرازها رفيع ... سرير صغير ذو نفرين وتسريحة صغيرة ودولاب له بابان ...اثاث بسيط لكن شكله بديع وصناعته باهرة ...وعلى اليمين من دولاب الملابس وفي الزواية صندوق اثري كبيربنفس لون الغرفة الداكن ...مغطى بسجادة جميلة الالوان ..محبوكة باليد ,,,ازاحتها "هيا " لتري "مها "...هذه السجادة ..من تركيا ,,,منذ 20 سنه اهداها لنا صديقنا التركي "رفعت" رحمه الله ...ولازالت رائحتها تذكرني بابي خالد رحمه الله ..وبرفعت وزوجته"منيرة..واولاده ..وتركيا الجميلة ...وجبالها الشامخة وسهولها الخضراء... اخذتها "مها" تقلب فيها ...وتتامل طريقة صنعها ...في حين كانت حماتها ..تفتح الصندوق الاثري ... لتخرج هيا صندوق صغير قديم ولكن جميل مطعم باحجار فضية وفيروزية الالون ...كان هذا الصندوق يحوي البوم لمصر واول بيت لهيا واهل هيا المصرية . ..الصور وان كانت بالابيض والاسود الا انها تعكس في نفس "هيا" حياة كانت ملونة بالوان الفرح والبهجة .. واخذت هيا تري كنتها تلك الهدايا التذكارية ومناسباتها ...تحكي وتبتسم ...تتحدث وتتذكر...تسترجع فتتعجب .. ـ وماذا بعد مصر يا خالة ... تابعت هيا .وهي تهز راسها مع ابتسامة ساخرة من ذكريات كانت يوما مؤلمة.: ـ ذهبت لاهلي لقضاء اجازة ..قبل ان انتقل لدولة افريقية اخرى ...سمعت انها لن تكن كمصر ..وبالفعل كانت "اكرا" مختلفة تماما ...وحملي الثاني مختلف تماما ...كانت غانا من الدول الافريقية الفقيرة التي يكثر فيها الفقر والمرض والجهل ...وان كنا نحن العائلات الدبلوماسية نعيش في ظروف احسن الا ان التفاعل والتمازج كان صعبا في ذلك البلد ,,,سواء من حيث التعامل واللغة و نظام المعيشة كله ...بالاضافة الى ان فترة خملي بالتؤامين كانت صعبة جدا ...وزادت الامور تغقدا لاشتعال رحى الانقلابات الثورية تلك الفترة وتاثيرها علينا ...وبعد الولادة في ظروف معيشية صعبة اصبحت مهمتي صعبة وازاد حمل المسؤولية على كاهلي ...وانتابتني نوبات من البكاء والعصبية ...حاولت ان اصبر وان اتاقلم مع تلك الحياة المختلفة ...ولكن ...بعد سنة حزمت حقائبي لقضاء الاجازة وودعت كل ما في "اكرا" عازمة على عدم العودة .... ـ اوووه يا خالتي .... ثم ماذا؟؟ ـ في الرياض تقلبت الاحوال ....جئت اهلي نحيلة الجسد منهكة القوى ..شاحبة الوجه ..حزينة الملامح ...وشئيا فشئيا...عادت الحياة تدب الي ...ساعدني حميع اهلي في رعاية اطفالي ...اهتمت والدتي بتغذيتنا جميعا ..انخرطت في الزيارات والجلسات والسمرات ...وعاد "حمد" وحيدا الى "غانا" حسب اختياري ... توالت الايام ...وانصرمت الاشهر ...ثم تدفقت مشاعر الحنين والشوق ,,,شوقي لزوجي واشتياقه واحتياجه لنا ,,,وكذا كثر سؤال الاطفال عن والدهم ...ومتى يجئ ؟؟....خاصة خالد ... وكان ابو خالد في كل اتصال يسالني :هل انا على استعداد للعودة ؟؟..ومع نيرات صوته احس بالتضجر من وضعه بدوني وبدون اطفال ...ومن شوقه لنا ...وكنت تارة اقول له : نعم مستعدة ...وتارة اخرى اتردد وارفض ... ولكن كان لابد لي من جلسة مع نفسي ..ولابد لي من قرار حاسم ...وفي ذات يوم واجهت نفسي وخيرتها ...نعم خيرتها بين : حياة مع زوج طبيعة عمله تقتضي ان يكون متنقلا بين البلدان والاقطار في ارجاء المعمورة ...لن اعرف ولا اطفالي خلالها حياة استقرار بين وطن واهل واقارب ...لن يكون لي بيتا املكه ولا مكانا انتسب اليه ..وفي كل مرة سانتقل لمكان جديد وشعب جديد ولغة جديدة وحياة كل ما فيها جديد...ساقضي هذه الحياة ما بين الحل والترحال ... وبين حياة اعيش فيها مع اطفالي بين امي وابي واخواني واخواتي وكل اقاربي في وطني الذي ولدت وترعرت فيه ..وفي بيت هو بيتي منذ زمن طويل ..املك فيه جناحا كاملا ..و تتوفر فيه اغلب احتياجاتي دون من ولا اذى ...ولكنها حياة لن تكون بزوج ذي دين اصيل وخلق كريم ...ولن نكون باب حنون ومرب مثالي لاولادي ... بعد تلك الحسابات التي لم تطل اخترت حياة التنقل والاسفار مع زوجي واولادي وايقنت ان هذا نصيبي وحظي ..و اخذت قرارا مع نفسي ان ارضى بهذا النصيب واتكيف معه واتعايش مع هذا النمط من المعيشة واجاهد في اسعاد نفسي وزوجي واولادي ....وان لااعود مطلقا للتضجر والتعب و الغضب من هذا اللون من المعيشة وبعد ان اتخذت قراري ...تغيرت روحي ...واصبحت بعدها "طائرا حرا سعيدا" انتشلت نفسي من قيود الزمان والمكان والناس والاشياء ...واصبحت احط في كل مكان بكل خفة اتجول ما فيه ..اشاهد.. اسمع ..التقط.. اتعلم.. اعيش برهه يسيرة ثم انتقل وهكذا ........ والان بعد اكثر من 35 سنة ...اصبح العالم هو وطني ...افهم اكثر اللغات وان لم اتكلم بها ...اعاشر البشر بكل سهولة وبساطة ...لم يثقل كاهلي منزل واثاث وناس وو ...بل اعيش خفيفة وفي قلبي ايضا خفة الروح وثراء التجارب ...والان لا اطيق الاستقرار في مكان لثلاثة اشهر متوالية ...بل اصبخت فعلا "الطائر الطليق
الغرفة قليلة الاثاث ..ولكن طرازها رفيع ... سرير صغير ذو نفرين وتسريحة صغيرة ودولاب له بابان...
هذا هو المفروض تشعر به كل مغتربة ان تكون كالطائر الطليق خصوصا إن كانت الظروف حتمت على زوجها كثرة التنقل والترحال

جزيت خيرا موضوع جميل وقصة مفيدة
ريحانة التميمي
كتابه رائعه وسرد قصصي جميل والاهم انك صورتي الكنه وكانها صديقه بارك الله فيك تمنيت ان القصة لم تنتهي
lolia
lolia
كتابه رائعه وسرد قصصي جميل والاهم انك صورتي الكنه وكانها صديقه بارك الله فيك تمنيت ان القصة لم تنتهي
كتابه رائعه وسرد قصصي جميل والاهم انك صورتي الكنه وكانها صديقه بارك الله فيك تمنيت ان القصة لم...
ماشاء الله رائعة جدا اضيف صوتي الى صوت الحبيبتين عرو س وشام فانت فعلا تستحقين لاجائزة
الأميرة الدمشقية
رائعة جدا
محجبه
محجبه
ماشاء الله قصة جميلة استمتعت بقرائتها وفيها الكثير من العبر

بارك الله فيك