جزاك الله كل خير غاليتي كاتبة الموضوع
=====================
على كنبتي الزرقاء , أسندت ظهري المتعب , أتأمل تلك السفوح الخضراء التي تطل عليها شرفة منزلي الصيفي
يااااه ..رائحة القهوة مع عطر الياسمين والجوري المخملي أعبقت جنبات الشرفة ..

الحمد لله .. هذا أجمل وأحلى مكان حلمت به ورسمته في مخيليتي سنين طويلة , أيام حنيني لبلدي وشوقي لبيتنا الدافيء الجميل ..
"إنه أحمد.. سيصلون بعد ساعة تقريبا .. هل الغداء جاهز؟ " سألني زوجي
"نعم أيها الحبيب , لقد أمضيت يومي كله أحضر أنا وحبيبتي لين طعام عشاءنا المفضل "
اقترب مني طائر غريب الشكل , عذب الصوت .. توقف على القرب مني , ينظر إلي باستغراب ودهشة ..
" أتذكريني ..!!
أتذكرين يوم لقائنا الأول في شقتك الصغيرة في نيويورك .!! أتذكرين كيف كان صوتي يبكيك ويذكرك بالاحباب ..!!
ما أشبه اليوم بالبارحة .. ها أنت تسمعين تغريدي مرات ومرات ولكنه يطربك رغم تذكيره لك بأيام وحدتك وغربتك ..!!"
" نعم .. صحيح أيها الطائر .. ما اسمك ..؟؟
نعم نعم تذكرت , لقد اعتدت على تسميتك بطائر أيار .. أول مرة سمعتك فيها كانت في أيار أيام كانت الشمس تفعل فعلها مذيبة أكوام الثلوج على جنبات الطريق ..
لقد اعتدت سماع صوتك المميز في أول أيام الربيع ..
لم اكن أعلم ان السنين ستمضي بسرعة . ليتني أستأنست بصوتك الشجي كما افعل الآن ..ولكن لا بأس .
ها انت ترافقني في شقتي مرة أخرى ولكن بظروف مبهجة , حيث لا غربة ولا وحدة .."
"ألا زالت شكواك من غياب زوجك الطويل في عمله " أردف الطائر
"سبحان مغير الاحوال .. هاهو قد أمن حياته , وأكمل مشواره , ووظف أناس ينوبون عنه . ونمضي الآن سويا بقية حياتنا .."
هبت نسمة باردة , ناولتني فرح الحلوة سترتي القطنية المزركشة بالأحمر والأورانج والأصفر , اشتريته من محل للقطنيات والمعاطف الخفيفة الخريفية ,
احتفظت بهذه السترة هذه السنوات الطويلة ليبقى لي ذكرى من نيوجرسي ..
رمقت السماء بعيوني فإذا غيمات تشرين تلف السماء في الافق , أخذتني في رحلة بعيدة يوم كنت في تاكسي متوجهة لجامعتي وقت الظهيرة , كانت عيوني في السماء محدقة طول الوقت بجمال وبهاء هذه الغيوم الناصعة وكأنها أسرة بيضاء تحمل في طياتها السلام والشفاء ..
" لقد وصلوا " ناداني زوجي .." قومي لاستقبالهم"
"أهلا أهلا يا احمد ويا سارة .. حماكما الله ورعاكما .. أين أبوكما "
"إنه يجلب بعض الأغراض من السيارة كما أوصيته "
جلسنا سويا . تسابقت فرح وأحمد إلى حضني .. ولم يبقى لسارة سوى حضن جدها ..
بدأنا نحكي قصصا وحكايات وذكريات قديمة عن طفولة أبيهم وأعمامهم في ربوع امريكا ..
" نعم أبوكما كان لا يتحدث بالعربية إلا قسرا " قال زوجي مبتسما ..
"كان يقلب المذكر مؤنثا والمؤنت مذكرا تماما كما تفعلان انتما الآن "
ضحكا وضحكنا جميعا ..
الحمد لله .. الحمد لله ..
قلتها من اعماقي ..
فها أنا أجني ثمار ما زرعت
وكما صبرت نلت
وكما ربيت جنيت ..
فاللهم لك الحمد والمنة ..
و بدأت أفكر من منكن لديها بنت إسمها لين و عاشت في نيويورك :)
خاطرة جميلة أقرب ما تكون إلى الحلم منها إلى الواقع و كأنها تسلي نفسها بهذه الأحلام لتستطيع أن تصارع الغربة و تمني نفسها بأن النتيجة ستكون مرضية و ستعيش الحياة التي تتمناها قريباً
و لكن دعيني أقول لك, عيشي اليوم و لا تغرقي كثيراً في الأحلام فتنالين ما ناله صاحب جرة العسل عندما منى نفسه ببيع الجرة و شراء الخراف بثمنها ثم بيع الخراف و شراء الأبقار ثم شراء بيت كبير و الزواج و الحصول على أطفال يلعبون و يصرخون في البيت فيقوم لتأدبيهم و يرفع عليهم العصا... و إذ به من شدة استغراقه في الأحلام رفع العصا على الجرة و كسرها فانهارت أحلامه مع انسكاب العسل على الأرض
سقت لك هذه القصة لا لتتوقفي عن الأحلام و لكن لتعيشي اليوم الذي سينقضي سريعاً و لن تستطيعي تعويضه أبداً
و أسلوبك ما شاء الله غاية في الروعة :)