وشكرا لكاتبة الموضوع جزاك الله كل خير
==============================

الحمد لله الذي قدّر لي أن أعيش بعيدة عن أميّ وهي أحب إنسان إلى قلبي ,الحمد لله الذي قدّر لي أن أعيش بعيدة عن أبي وهو أعظم إنسان في حياتي ,الحمد لله الذي قدّر لي أن أعيش بعيدة عن أخواتي وهم أغلى الناس عندي,
الحمد الذي قدّر لي أن أن أعيش في الغربة.....
سبحان الله ,هذه الغربة التي كنت أظنها يوما ما ملاذا لحريتي :للسهر في المراقص ,للهروب من التقاليد والعادات وترديد جملتي التي لطالما حفظها كل من حولي {أريد أن أعيش}
كانت كل علاقتي بالله هو صوم رمضان والصلوات الخمس ,وكنت بذلك أعتبر نفسي مؤدية لحق الله عليّ,كنت أعتبر نفسي في أمان مادمت أصلّي وغيرى لا.
جئت إلى الغربة فرحة وإذا بي حزينة لفراق أهلي وأصحابي,وأصبحت كل ملذات الحياة لا تغنيني عن حضن أمي.
إلى أن جاء يوم أراد فيه زوجي أن يرفّه عنّي قليلا,فأخذني الى مكان أول مرّة في حياتي أرى ما بداخله.
هو عبارة عن ما يسمونه اليوم بالمول,كبير جدا بحيث أنكم تتوهون فيه عند رغبتكم بالخروج,وكان كل ما يحتاجه المرء لمنزله.
وعندما مررت بطابق الأثاث ,رأيت ما أذهلني وجعل فمّي مفتوح دون إرادة ,أسرّة وأرائك من أروع ما يكون,أول مرة في حياتي أراها وكان طبعا ثمنها بألاف الدولارات.
وقتها فقط عرفت كم هو الإنسان ظلوم {إنّ الإنسان لظلوم كفار}
كم هو الإنسان ضعيف ,لا حول له ولا قوة,وترقرقت عيناي بالدموع لأني تذكرت هذه الآيات الكريمة
{ هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون }
{ أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا }
ولم أحسّ بنفسي إلا وأنا أردّد {يالله ما أجملها ولكن الجنة أجمل وأحسن,ولكن الجنة أجمل وأحسن}
هذه الحادثة كانت كأنها البداية بالنسبة لي ,رسمت هدفا لحياتي الضائعة,هدفا لهذه الدنيا الفانية ألا وهي الجنة :كيف أدخل الجنة؟
يستطيع آخر أن يتسائل كيف لهذا المول أن يغير من حياة إنسان والمئات كل يوم يزورونه وربما أحسن منه وأروع؟
أقول هو هداية الله سبحانه{ لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم }هناك تلاوات خاشعة تخشع لها قلوب بعض وتدمع أعينهم وغيرهم لا.إنها هداية الرحمن.
قررت أن أغير حياتي ,وأصبحت أخاف من أن أموت في أيّ لحظة وأنا بدون حجاب,فتحجبت.
وحمدت الله عز وجل على غربتي ,على وحدتي ,أن أكون مع نفسي وبعيدة عن العيون المندهشة وربما المستهزئة من الذين كانوا حولي والاسئلة التافهة:كيف؟ومتى؟ولماذا؟......
وهنا بغرتي لم يتفاجئ أحد بحجابي ,ولم يسألني أحد ,ورحمة الله كانت أكبر وأوسع حيث أنّ لي صديقة أجنبية ,يوم عرفت بحجابي وقد تزامن ذلك مع يوم ميلادي أتت إليّ وبيدها هدية ,فتحتها وإذا بها حجاب أسود.
يا الله كم فرحت وكم حمدته سبحانه على نعمته وهدايته,
وهذه الغربة أو بالأحرى الوحدة أصبحت كنزا لا يفنى من الأوقات التي يستطيع المرء أن يفنيها في طاعة الله عز وجلّ.
لم تعد هناك التجمعات النسائية والتي عنوانها (تعالوا نحكي ونتدخل في حياة الناس ونقطع أعراضهم)
أصبح لديّ كمُّ هائل من الساعات التي أقضيها في آنتظار عودة زوجي وأبنائي وقررت أن تكون هذه طاعات مادام لا يوجد أحد يقاطعني أو يلهيني.
وقلت مشاكلي مع زوجي بسبب التلفزيون وعاهدت نفسي أن أنقطع عن المسلسلات والتي كانت تتعدى العشر في اليوم الواحد وأصبحت أنا زوجي عوضا عن السهر على فيلم منحطّ داعي لفساد الأخلاق, بتنا نتابع برنامجا دينيا نستفيدوا منه ونزدادوا علما ويعلمنا كيف نربي أولادنا تربية إسلامية في بلد أوروبي.
وكم فرحتي الآن عند ترديد إبنتي وإبني اللذان لا تتعدى أعمارهما الخمس والأربعة سنوات بسم الله الرحمن الرّحيم قبل فعل كل شيء ,والحمد لله عند الآنتهاء من الطعام او العطس.
وكم فرحتي عندما تشتغل أغنية بالسيارة في الرّاديو ويصرخان ماما بابا الغناء حرام ولا يسكتان إلا ّإذا اغلقناها
الحمد لله الذي قدّر لي أن أعيش في الغربة.
لم أعد أردّد ما هذا الملل!فلديّ الكثير لأتعلمه:حفظ القران الكريم,حفظ الأربعون النووية,تفريغ المحاضرات الدينية,كما أني تعلمت الفوتوشوب على النت وقمت بعدة تواقيع دينية ودعوية ,والآن الحمد لك يا رب أتعلم الفلاش لأقوم إن شاء الله بفلاشات دعوية.
الحمد لله الذي قدّر لي أن أعيش في الغربة.
فالغربة نعمة من نعم الله ينعم بها على من يشاء من عباده فآغتنميها أختي الكريمة في التقرب إلى الله وتعلم ما ينفعك وينفع الإسلام والمسلمين.
آغتنميها حبيبتي في الجهاد الأصغر ,جهاد النفس وكل من حولك عاصين لله إذا كنت في بلد غربي.
آغتنميها في تربية أولادك تربية إسلامية فها هو النجاح وهذه هي الغنيمة.
وأدعي أختي الحبيبة لك ولزوجك ولأولادك بالهداية ولأبويك بالرحمة كما ربياك صغيرا وللمسلمين الأحياء منهم والأموات ولفلسطين والعراق ولبنان والسودان وكل المسلمين في الغرب والمستضعفين.
اللهم صلّي وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

و فعلاً بعضنا أصبح أفضل في الغربة.. ارتحنا من كلام الناس
ارتحنا من همزاتهم على ما نفعله مع أن ما نفعله هو الصحيح و ما يفعلونه هو الخاطئ
كم أتضايق عندما أكون في زيارة لبلدي و ينتقد البعض تربيتي لابني و يصفونني بالمتزمتة
كم أتضايق عندما نجلس جميعاً و يبدأ الحديث عن التوافه من المغنين و الممثلين
أشياء كثيرة ارتحنا منها في الغربة
شكراً للكاتبة السرية على المقال الرائع
جزاك الله خيراً و أعانك على تربية أطفالك كما يحب الله و يرضى