
انتصف الليل
مازلت امضي في انهاء مشروع لعملي
رشفت ماتبقى من قهوتي
رمقت المزيد من المشاريع أعلى مكتبي
أوراق إحدى الأبحاث توزعت فوق سريري
أما وراء الباب ذاك الجدار اللعين
الذي يذكرني بأن علي أن لا أتوقف
يوما تلو الآخر
اطلاقا.

أغمضت عينَي بضعة ثوان
وبت أعمل مجددا
ملأت فنجاني المزيد من القهوة
رشفت القليل
ضممت فنجاني بكلتا يدي
وأقربته باحثة عن رائحة بن القهوة
لكن بعد كل تلك الساعات
باتت قهوتي خاليه من أي رائحه
ومن أي طعم.
لم أهتم.
لاني بكل بساطه لا استسيغ القهوة التركيه
ولن أستسيغها يوما
لكني اصر على تناولها

هدوء تام
يتخلله صوت ارتطام الملابس المبلله كي تجف
داخل مجففة الملابس في الدور السفلي
أكره الهدوء
لأنه يعني انعدام الحياة
حقيقة أرفض أن أستسلم لها
قمت بتشغيل جهازي الحاسوب علني أشعر بالحياة
عندما أدير إحدى محطات الإذاعه
وأضيف القليل من الضوضاء
تسمرت أمام شاشة حاسوبي
ودون شعور مددت يدي كي اتناول المزيد من القهوة
فنجان قهوتي خالي
لم استطع ملأوه فلقد انتهت كل القهوة التي حضرتها عند منتصف الليل
خرجت من غرفتي دون شعور وقمت بتحضير المزيد
رائحة حبيبات البن الطازجه
انتشرت في الدور العلوي
ملأت فنجاني
ارتديت حجابي
وفتحت باب الشرفه
كان البرد قارصاً ولكنها ليلة هادئه
تساقطت حبيبات الثلج وهي تغطي ماتبقى من ملامح حديقة منزلنا الصغير
تجمدت أناملي
ضممت فنجاني كي أتدفأ
ورشفت قليلا من قهوتي الدافئه
وقفت أمام سور الشرفه
هتفت لأختي صغيرتي وهي تلعب بكرة السله
لوحت بيدها كي أتابعها
عبس والدي وهو يتذوق تفاح حديقتنا الحامض
لكنه استمر بقطف ماتبقى من التفاح
هتف لنا: كفو عن النداء أنا قادم
رمقتني والدتي بنظرة وهي تتنهد
فلقد انتقل أبي من شجرة التفاح الى مدللته
قهقهت ضاحكه عندما استائت والدتي من شجرة الصنوبر
لأنها حبيبة والدي منذ عقد سنين
وما أن يعتني بها
تسرق والدي لساعات من الزمن
غمزتني والدتي ورشفت قهوته عقابا لتأخيره
تبسمت ورشفت المزيد من قهوتي
لأجد اختي الكبرى تتابع ملاكها الصغير
وهي تتعثر في خطواتها الأولى
على الرغم أنها تعلمت المشي
إلا أنها تتعمد التعثر كي تضحك أخي عبد الله
رشفت المزيد من قهوتي
فتح باب الشرفه
سحبت أختي الوسطى كرسيا لتشاركنا القهوة
وضعت كرسيها عند باب الشرفه
فهي لاتتسع لجميعنا
شرفتنا صغيره
لكنها مليئة بأطراف الحديث الذي تبادلناه لسنين عدة
نظرت الى فنجاني
لم يكن فارغا فحسب
بل تجمد ماتبقى منه
تناسيت أني بمفردي
فلن أستطيع أن ارشف قهوة والدي
تناسيت أنها ليلة مثلجة
وأنها الثالثه بعد منتصف الليل
من ليلة الاربعاء
وليس صباح نهاية الأسبوع كما وددت
لكن على الرغم من
الهدوء
السكينه
في تمام الثالثه فجرا
باتت مشاعري في عراك شديد
تتذكر ضوضاء العائله
تعتصر شوقاً لأحبائي

بدأت حبيبات الثلج تصفعني
واحده تلو الأخرى
توقظني من حلمي الوردي
وتذكرني علي أن أعود داخل المنزل
اقفلت باب الشرفه
ملأت فنجان قهوتي
وذهبت الى غرفتي
لأجد أمامي
على شاشة حاسوبي
ماتركت
صورة لعائلتي يتناولون قهوتهم
في شرفة المنزل
تحت شمس مشرقه
بجانب أشجار النخيل
وعطر الفل والرياحين
وبأسفلها
كُتب:
فنجان قهوتك محفوظ!
ولن أسمح لأحد أن يتناوله
سارعي بالقدوم ياحبيبه

لا أستسيغ القهوة التركيه
ولن أستسيغها يوماً
لكن من يلومني إن أدمنتها؟؟