في حوار خاص بالجزيرة نت
نادية ياسين: النظام يئس من التفاوض مع العدل والإحسان
حاورها: الحسن السرات-الرباط 13-12-2006
نبدأ بوضع الأستاذة نادية ياسين في جماعة العدل والإحسان، ، فأنت كريمة الشيخ عبد السلام ياسين مؤسس الجماعة وزعيمها الروحي كما يقال، هل هذا الوضع هو الذي يخول لك مكانة متميزة في الجماعة حتى يكون صوتك أعلى وأقوى أم أن الشورى والديمقراطية والانتخاب هي السر في هذا؟
بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة على خير المرسلين.
إنتمائي لوالدي انتماء و الحمد لله متعدد الأبعاد. ربما لعب نسبي الطيني دورا في وضعيتي داخل الجماعة وهذا ليس عيبا( كما يريد السؤال أن يبرزه) ما دام لا يوظف لأغراض شخصية وما دام وسيلة لإرساء مفاهيم قد يصعب تناولها إذا لم يتوفر عنصر الثقة والمحبة. فمسؤوليتي التي أقتسمها مع أربع نساء على الصعيد الوطني هي مسؤولية تحسيسية تهم قراءة تجديدية لقضية المرأة أكثر منها مسؤولية تنظيمية. والجدير بالذكر أن لدي إخوة وأخوات حفظهم الله أعضاء عاديين داخل الجماعة. السبب الذي جعلت الجماعة تسند لي مثل هذه المسؤولية راجع بالأساس إلى انسجامها مع خطابها الذي يقدم المرأة على أنها صاحبة حقوق في المشاركة الفعلية و الفعالة خاصة إن ثبت أن لديها بعض القدرات. السؤال إذا هو لماذا بعض الصحافة لا تهتم إلا بالوجوه البارزة ولا تعير اهتماما لظاهرة المشاركة الفعلية للمرأة داخل صف يفضل البعض أن ينعته بشتى الاتهامات. التقرير الأخير لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية PNUD حول وضع المرأة في العالم العربي يؤكد أن المشاركة الفعلية للنساء توجد داخل الحركات الإسلامية. و هذا الإقرار جاء رغم الإسلاموفوبية العالمية السائدة لأن الشمس لا تغطى بالغربال وهذا دليل على أن الموضوعية توجب مقاربات متحررة من الكليشيهات و الاعتراف بوجود دينامية حقيقية داخل الحركات الإسلامية تفتقدها مؤسسات تدعي الحداثة و التقدمية . أنا لست سوى الشجرة التي تخفي الغابة، إذ عدد المسؤولات في القطاع النسائي يعد بالمئات. وصوتي في الجماعة لا يتجاوز المدى الذي تحدده ممارسة الشورى بعيدا عن المحسوبية، فلست آمرة ناهية ولا أميرة مدللة ستخلف أباها كما تتصور بعض العقول المشروطة بنماذج موروثة لا تستطيع أن تخرج عنها.
مرت الجماعة بأزمة كبيرة عقب قومة 2006 التي انبت على رؤى وأحلام للأعضاء، وتردد أن الجماعة تتنبأ بالخلافة الإسلامية في هذه السنة. الآن، مع اقتراب نهاية 2006، من تابع موقفك شعر بأنك كنت محرجة شيئا ما وحاولت التوفيق بين ما يمكن اعتباره "ثقافة المبشرات" وثقافتك العصرية؟ هل ما تزال الجماعة تشيع بين أعضائها هذه المبشرات حسب التعبير المتداول، أم أنها تجاوزت ذلك، وكيف؟
أعي أنك، أستاذي الكريم، تطرح علي هذا السؤال من باب إتاحتي الفرصة لمناقشة مفاهيم منهجية ولإبراز أزمة الرأي العام المغربي الذي عانى من لوكها من طرف جهات مشبوهة تماما. و لعلك من النخبة المثقفة التي تستطيع أن تدرك أن كل مفهوم عميق التحليل لا يمكن إلا أن تقوضه المقاربة السطحية غير المتخصصة خاصة إن كانت فعلا غير بريء أخد شكل الحملة الممنهجة المدعمة بوسائل مادية ضخمة لا يمكن أن تنم إلا عن ارتزاق صارخ. فلا الجماعة تعاني من أزمة و لا أنا أعاني من ازدواجية الشخصية كما يحلو للبعض أن يعتقد لطمأنة نفسه. الإسلام هويتي حتى النخاع وهذا معناه أنني لا أستحي أبدا من الجانب الغيبي في ديني ولا أجد أي حرج تجاهه. الإسلام لا يمثل حضارة و لا ثقافة ولكنه أولا و قبل كل شيء إيمان بالغيب. فإن كان العدل طرد من طرف حكامنا، فالغيب طرد بسبب نحلة الغالب المادي المستعمر.
لقد أحيينا في إطار استعادة هذين البعدين سُنّة قص الرؤى التي أعارها علماء المسلمين اهتماما بالغا و أقاموا علوما مرتبطة بها. لقد أحيينا هذه السُنّة ولا نعطيها إلا الحجم الذي حدده المعلم الأول صلى الله عليه و سلم. نستبشر بها و لا نتعلق بها .
لم نروج أبدا لرؤى 2006 فما ذنبنا إن كان الطرف الذي وظف هذا البعد في تربيتنا للاستهزاء بنا و التنقيص منا دون أن يضرب حسابا للثقافة الشعبية التي بقيت قريبة من هذه المعاني فتعلقت بهذه المبشرات لشدة معاناتها من واقع تحلم بالخلاص منه.
انقلب إذا السحر على الساحر! و2006 لم تنتهي بعد !
وأيا كان، فمشروعنا التغييري بدأ مند عقود و سيستمر لعقود أو ربما لقرون بإذن الله. و نحن على عكس الكثير ممن يتواكلون على معجزة ما، نؤمن بالله و كتبه و رسله و نتوكل عليه لكي يعطينا طول النفس والصبر على الأذى المتنوع و الاستمرار في مناهضة الزور و الباطل و ظلم الجهل و اليأس.
تحرص الجماعة على العذرية أو الطهرانية السياسية بالامتناع عن المشاركة في الحياة السياسية في المؤسسات الحالية، هذا على الرغم من مرور عقود من الزمن على وجود الجماعة، فإلى متى ستبقى الجماعة على هذا الموقف؟ وهل سيقضي الأعضاء حياتهم كلها في محاضن التربية؟ وما قيمة تربية لا ينتفع بها المغاربة ولا يبرهن الواقع على جدواها في قلب الميدان؟
الجماعة جماعة دعوة و هذا يقتضي منها أن لا تخوض في الماء العكر و أن لا تسقط في براثين السياسة السياسوية. فلن تشارك الجماعة إلا إذا توفرت ضمانات لمشاركة حقيقية و ليس توظيفا في مسرحية أو سجنا في دوامة. أما مشروعنا التربوي فسيبقى قائما بقيام الدهر إن شاء الله إذ الإنسان هو لبنة أي مشروع مجتمعي وأساس كل مجتمع إنساني التربية. ربما ستنتقل هذه التربية التي يفتقدها المواطن المغربي من محاضننا إلى نطاق رسمي، و تتحول برامجنا من الحقل الضيق للمجالس إلى مجال التعليم العام الذي يحتاج إلى ثورة شاملة تجعل الإنسان محورا و هدفا و ليس بقرة حلوبا أونعجة يستفاد من صوتها في حفل الديمقراطية المزيفة. وحتى و نحن في إطار ضيق (لم نختره على أي حال وإنما فرض علينا) فإن المغرب استفاد من تلك المحاضن التي لولاها لرأيت العنف و الغضب سائدين في وطننا الحبيب . الجماعة تقوم بخدمة عمومية لا يقوم بها أي إطار رسمي باحتضانها آلاف الشباب تبعث فيهم الأمل و تلقنهم الإيجابية وتربيهم على الفكر الناقد و القلب الرحيم و الأخلاق الراقية على عكس التربية الوطنية التي تحتقر العقول وتعمل على التبليد الممنهج الذي لا يمكن إلا أن يجعل من شبابنا المتذمر زبونا من الطراز الممتاز للقراءات المتطرفة و الميل إلى الانتقام و الانفجار . لمذا إذا لا نعتبر أي عمل إيجابيا إلا إذا كان تحت لواء النظام؟
للجماعة موقف من الملكية وإمارة المؤمنين يتميز بالرفض وعدم الاعتراف، هل ما يزال هذا الموقف قائما؟ وما الثمن الذي دفعته الجماعة عن هذا الموقف؟ ألا ترون أن الجماعة تشذ عن مواقف المغاربة بهذا الخصوص؟
من سأل المغاربة حتى يحكم على موقفنا بالشذوذ أو عدمه؟ ثم لو سُئِل المغاربة فهل وُفِّرت لهم الثقافة السياسية الكافية، وهل رُفِع عنهم ثقل الذاكرة الدفينة و الحديثة الموشومة بالرعب و الاضطهاد؟
إن همنا هو رفع الظلم ليس فقط عن المغاربة، و لكن عن الإسلام الذي شوّه المسارُ السياسي للمسلمين ، عالميتًَه. فتوظيف النصوص و الاستيلاء على الحكم بالسيف حد من إقناع الغير بعدل الإسلام. لقد غرقنا في تناقضاتنا الذاتية وأرسى الحكم المستبد قواعد اللعبة بتوظيف الرسالة لصالح الحكم و الحكام في حين أن الحكم جُعِل لخدمة الرسالة. آن الأوان أن نوعي الأمة المنهكة المستنزفة بأسباب هونها لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس. و إن كان بعض العلماء سكتوا للحفاظ على قوة أو "بيضة" الأمة آنذاك، فلم يعد هذا العذر قائما اليوم ما دامت الأمة في الحضيض. و إحياء الأمة لن يكون إلا بإيقاظ القلوب بذكر الله، وإرساء فهم متماسك للذات، ورفع حرج القداسة التي ألصقت بوظائف ومفاهيم هي في الأصل مشروطة باختيار القاعدة.
جهادنا جهاد النفس ثم جهاد الكلمة الحرة المتماسكة أيا كان الثمن و من يريد الرخاء فهناك خيارالإنخراط في حركات تضمن له راحة البال و السير المطمئن .أما الجماعة فلا ينتمي إليها إلا من لا يهمه دفع الثمن لسلعة تستحقه. ألا إن سلعة الله غالية ومن أحب الأعمال إلى الله تحرير رقاب غير واعية برقها.
كشف الدكتور عبد الكبيرالعلوي المدغري وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السابق عن وجود مفاوضات سابقة مع الجماعة انتهت إلى توقيع والدك على وثيقة بنبذ العنف والاعتراف بالملكية والعمل من خلال حزب سياسي, هل لك علم بهذا، ولماذا توقفت المفاوضات؟
حاول النظام غير ما مرة أن يتفاوض مع الجماعة و لكني غير مؤهلة لإعطائك تفاصيل هذه المحاولات، فهذا من مؤهلات الأخ فتح الله أرسلان . غير أني أستطيع أن أؤكد لك عدم توقيع أي وثيقة من هذا النوع وأتحدى المدغري وغيره بنشرها. لقد يئس المخزن من إمكانية أي مفاوضة معنا لأننا لسنا متعطشين للمشاركة ولكننا حاملي مبادئ لا يمكن أن نتخلى عليها بتوقيع وثيقة بيع و شراء. يئس النظام من المفاوضات و لم يعد له ولشتى الخصوم إلا خيار الإشاعات و تسويد الصورة.
تعرضت ندية ياسين لمحاكمة لم تنته فصولها، واتهمت بأنها مست بالمقدسات، ومنعت من السفر عدة مرات ومن المشاركة في أشغال مؤتمر حول النسوانية الإسلامية باليونيسكو، هل ندية ياسين مزعجة وخطيرة إلى هذا الحد؟ لماذا لم تواجه مواقفها وأفكارها بمواقف وأفكار مضادة بدل المحاكمات؟ لماذا المحاكمة؟
لأننا ننتمي إلى عالم لا ينتمي الحوار إلى تقاليده السياسية. الكلمة الحرة لها وقع الزلزال في حضارة " أطع و اصمت" و هذه ردة سياسية بدأت مع الأمويين و استفحلت في الأمة ومن واجبنا العمل على تجاوزها وإحياء مبدأ حرية التعبير الذي يجسده بامتياز موقف سيدنا علي رضي الله عنه حين حاور بكل تحضُّر أحد الخوارج الذي أعلن له في الملإ عدم اعترافه بخلافته. المحاكمة تندرج في سياق هذه الردة وهي تجلي آني لفلسفة قديمة لحكام الجبر، ثم إن حللناها على ضوء حاضر واقعنا المغربي فهي دليل على تذبذب في اتخاذ القرارات وعلى شيخوخة مستشرية في النظام، فما أصبح تصريحي قضية إلا بسبب قرار وخيار بليد للمخزن!
adl wa ihsan @adl_wa_ihsan
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
morayya
•
la ilaha illa lah,tbarkellah 3lik yal hbiba lehla ykhatik twa7achtek bezzaaaaaaaf
الصفحة الأخيرة