نبذة عن حياة الرسول

ملتقى الإيمان

ولادته و رضاعته و نشأته صلى الله عليه وسلم
ولد صلى الله عليه و سلم يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول ، و ذلك عام الفيل ، بعده بخمسين يوماً ، و مات أبوه و هو حمل ، ، و استرضع له في بني سعد ، فأرضعته حليمة السعدية ، و أقام عندها في بني سعد نحواً من أربع سنين ، و شق عن فؤاده هناك ، فردته إلى أمه ، فخرجت به أمه إلى المدينة تزور أخواله بالمدينة ، فتوفيت بالأبواء ، وهي راجعة إلى مكة و له من العمر ست سنين ، وقد روى مسلم في تصحيحه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما مر بالأبواء و هو ذاهب إلى مكة عام الفتح استأذن ربه في زيارة قبر أمه فأذن له ، فبكى وأبكى من حوله و كان معه ألف مقنع ، فلما ماتت أمه حضنته أم أيمن و هي مولاته ، ورثها من أبيه ، وكفله جده عبد المطلب ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من العمر ثماني سنين توفي جده ، و أوصى به إلى عمه أبي طالب ، لأنه كان شقيق فكفله ، وحاطه أتم حياطة ، ونصره حين بعثه الله أعز نصر ، مع أنه كان مستمراً على شركه إلى أن مات ، و خرج به عمه إلى الشام في تجارة و هو ابن ثنتي عشرة سنة ، ثم خرج ثانياً إلى الشام في تجارة لخديجة بنت خويلد رضي الله تعالى عنها مع غلامها ميسرة على سبيل القراض ، فرأى ميسرة ما بهره من شأنه ، فرجع فأخبر سيدته بما رأى ، فرغبت إليه أن يتزوجها ، لما رجت في ذلك من الخير الذي جمعه الله لها ، و فوق ما يخطر ببال بشر ، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم و له خمس وعشرون سنة . وكان الله سبحانه قد صانه و حماه من صغره ، و طهره من دنس الجاهلية و من كل عيب ، و منحه كل خلق جميل حتى لم يكن يعرف بين قومه إلا بالأمين ، لما شاهدوا من طهارته و صدق حديثه و أمانته ، حتى إنه لما بنت قريش الكعبة في سنة خمس و ثلاثين من عمره فوصلوا إلى موضع الحجر الأسود اشتجروا فيمن يضع الحجر موضعه ، فقالت كل قبيلة : نحن نضعها ، ثم اتفقوا على أن يضعه أول داخل عليهم ، فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا : جاء الأمين ، فرضوا به ، فأمر بثوب ، فوضع الحجر في وسطه ، وأمر كل قبيلة أن ترفع بجانب من جوانب الثوب ، ثم أخذا الحجر فوضعه موضعه صلى الله عليه و سلم .

حجه واعتماره صلى الله عليه و سلم
لم يحج صلى الله عليه و سلم بعدما هاجر إلا حجة واحدة ، و هي حجة الإسلام وحجة الوداع ، ، و أما عمره فكن أربعاً : الحديبية التي صد عنها ، و عمرة القضاء بعدها ، ثم عمرة الجعرانة ، ثم عمرته التي مع حجته . و قد حج صلى الله عليه و سلم قبل الهجرة مرة ، و قيل : أكثر . و هو الأظهر ، لأنه كان صلى الله عليه و سلم يخرج ليالي الموسم يدعو الناس إلى الله تعالى ، صلى الله عليه و سلم تسليماً كثيراً دائماً إلى يوم الدين .

عدد غزواته و بعوثه صلى الله عليه وسلم
فروى مسلم من حديث عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي عن أبيه قال : غزا رسول الله صلى الله عليه و سلم تسع عشرة غزوة ، قاتل في ثمان منهن ، وعن زيد بن أرقم قال : غزا رسول الله صلى الله عليه و سلم تسع عشرة غزوة كنت معه في سبع عشرة . و أما محمد بن إسحاق فقال : كانت غزواته التي خرج فيها بنفسه سبعاً وعشرين ، و كانت بعوثه و سراياه ثمانياً و ثلاثين ، و زاد ابن هشام في البعوث على ابن إسحاق ، و الله أعلم .

أولاده صلى الله عليه وسلم
فأما أولاده فذكورهم وإناثهم من خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ، إلا إبراهيم فمن مارية القطبية ، و هم : القاسم ، و به كان يكنى لأنه أكبر أولاده ، ثم زينب ، ثم رقية ، ثم أم كلثوم ، ثم فاطمة . ثم بعد النبوة : عبد الله ، و كلهم مات قبله ، إلا فاطمة رضي الله عنها فإنها توفيت بعده بيسير ..

زوجاته صلى الله عليه وسلم
أول من تزوج صلى الله عليه و سلم خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ، ثم تزوج سودة بنت زمعة القرشية العامرية ، بعد موت خديجة بمكة ، و دخل بها هناك ، ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنه في السنة الثالثة من الهجرة ، ثم أم سلمة ، ثم تزوج زينب بنت جحش في سنة خمس من ذي القعدة ، ثم تزوج جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار المصطلقية ، ثم تزوج صفية بنت حيي بن أخطب الخيبرية رضي الله تعالى عنها ، ثم تزوج أم حبيبة ، ثم تزوج ميمونة بنت الحارث الهلالية ، و قد كان له من السراري اثنتان . و هما : مارية بنت شمعون القبطية ، و أما الثانية فريحانة بنت عمرو ..
خدمه صلى الله عليه وسلم
و قد التزم جماعة من الصحابة رضي الله عنهم بخدمته ، كما كان عبد الله بن مسعود صاحب نعليه ، إذا قام ألبسه إياهما ، و إذا جلس جعلهما في ذراعيه حتى يقوم ، و كان المغيرة بن شعبة سيافاً على رأسه . وعقبة بن عامر صاحب بغلته ، يقود به في الأسفار . و أنس بن مالك ، و ربيعة بن كعب ، وبلال ، و ذو مخبر ..

قصة الفيل
كان سبب قصة أصحاب الفيل أن أبرهة بن الصباح كان عاملاً للنجاشي ملك الحبشة على اليمن ، فرأى الناس يتجهزون أيام الموسم إلى مكة - شرفها الله - فبنى كنيسة بصنعاء ، وكتب إلى النجاشي : إني بنيت لك كنيسة لم يبن مثلها ، ولست منتهياً حتى أصرف إليها حج العرب، فسمع به رجل من بني كنانة ، فدخلها ليلاً ، فلطخ قبلتها بالعذرة ، فقال أبرهة : من الذي اجترأ على هذا ؟ قيل : رجل من أهل ذلك البيت ، سمع بالذي قلت . فحلف أبرهة ليسيرن إلى الكعبة حتى يهدمها ، وكتب إلى النجاشي يخبره بذلك ، فسأله أن يبعث إليه بفيله ، وكان له فيل يقال له : محمود ، لم ير مثله عظماً وجسماً وقوة ، فبعث به إليه ، فخرج أبرهة سائراً إلى مكة ، فسمعت العرب بذلك فعظموه ، ورأوا جهاده حقاً عليهم . فخرج ملك من ملوك اليمن ، يقال له : ذو نفر ، فقاتله ، فهزمه أبرهة وأخذه أسيراً ، فقال : أيها الملك استبقني خيراً لك . فاستحياه وأوثقه . وكان أبرهة رجلاً حليماً ، فسار حتى إذا دنا من بلاد خثعم خرج إليه نفيل بن حبيب الخثعمي ، ومن اجتمع إليه من قبائل العرب ، فقاتلوهم فهزمهم أبرهة ، فأخذ نفيلاً ، فقال له : أيها الملك ، إنني دليلك بأرض العرب ، وهاتان يداي على قومي بالسمع والطاعة ، فاستبقني خيراً لك . فاستبقاه ، وخرج معه يدله على الطريق . فلما مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب في رجال من ثقيف ، فقال له : أيها الملك ! نحن عبيدك ، ونحن نبعث معك من يدلك ، فبعثوا معه بأبي رغال مولى لهم ، فخرج حتى إذا كان بالمغمس مات أبو رغال ، وهو الذي يرجم قبره . وبعث أبرهة رجلاً من الحبشة -يقال له : الأسود بن مفصود- على مقدمة خيله وأمر بالغارة على نعم الناس ، فجمع الأسود إليه أموال الحرم ، وأصاب لعبد المطلب مائتي بعير . ثم بعث رجلاً من حمير إلى أهل مكة ، فقال : أبلغ شريفها أنني لم آت لقتال ، بل جئت لأهدم البيت . فانطلق ، فقال لعبد المطلب ذلك . فقال عبد المطلب : ما لنا به يدان ، سنخلي بينه وبين ما جاء له ، فإن هذا بيت الله وبيت خليله إبراهيم ، فإن يمنعه فهو بيته وحرمه ، وإن يخلي بينه وبين ذلك فوالله ما لنا به من قوة . قال : فانطلق معي إلى الملك -وكان ذو نفر صديقاً لعبد المطلب- فأتاه ، فقال : يا ذا نفر ، هل عندك غناء فيما نزل بنا ؟ فقال : ما غناء رجل أسير لا يأمن أن يقتل بكرة أو عشياً ، ولكن سأبعث إلى أنيس سائس الفيل ، فإنه لي صديق ، فأسأله أن يعظم خطرك عند الملك ، فأرسل إليه ، فقال لأبرهة : إن هذا سيد قريش يستأذن عليك، وقد جاء غير ناصب لك ، ولا مخالف لأمرك ، وأنا أحب أن تأذن له . وكان عبد المطلب رجلاً جسيماً وسيماً ، فلما رآه أبرهة أعظمه وأكرمه ، وكره أن يجلس معه على سريره ، وأن يجلس تحته ، فهبط إلى البساط ، فدعاه فأجلسه معه ، فطلب منه أن يرد عليه مائتي البعير التي أصابها من ماله . فقال أبرهة لترجمانه : قل له : إنك كنت أعجبتني حين رأيتك ، ولقد زهدت فيك . قال : لم ؟ قال : جئت إلى بيت -هو دينك ودين آبائك ، وشرفكم وعصمتكم- لأهدمه ، فلم تكلمني فيه ، وتكلمني في مائتي بعير ؟ قال : أنا رب الإبل ، والبيت له رب يمنعه منك. فقال : ما كان ليمنعه مني . قال : فأنت وذاك . فأمر بإبله فردت عليه ، ثم خرج . وأخبر قريشاً الخبر ، وأمرهم أن يتفرقوا في الشعاب ، ويتحرزوا في رؤوس الجبال ، خوفاً عليهم من معرة الجيش ، ففعلوها . وأتى عبد المطلب البيت ، فأخذ بحلقة الباب ، وجعل يقول :
يا رب لا أرجو لهم سواكا ... يا رب فامنع منهم حماكا
إن عدو البيت من عاداكا ... فامنعهم أن يخربوا قراكا
وقال أيضاً :
لا هم إن المرء يمنع رحله ... وحلاله فامنع حلالك
لا يغلبن صليبهم ومحـ .... ـالهم غدراً محالـك
جروا جموعهم هم والفيـ .... ـل كي يسبـوا عيـالك
إن كنت تـاركهم وكعبتنا ... فأمـر مــا بــدا لــك
ثم توجه في بعض تلك الوجوه مع قومه ، وأصبح أبرهة بالمغمس قد تهيأ للدخول ، وعبأ جيشه ، وهيأ فيله ، فأقبل نفيل إلى الفيل ، فأخذ بإذنه ، فقال : أبرك محمود فإنك في بلد الله الحرام . فبرك الفيل ، فبعثوه فأبى . فوجهوه إلى اليمن ، فقام يهرول ، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى المشرق ففعل ذلك ، فصرفوه إلى الحرم فبرك . وخرج نفيل يشتد حتى صعد الجبل ، فأرسل الله طيراً من قبل البحر ، مع كل طائر ثلاثة أحجار : حجرين في رجليه وحجراً في منقاره ، فلما غشيت القوم أرسلتها عليهم ، فلم تصب تلك الحجارة أحداً إلا هلك ، وليس كل القوم أصابت ، فخرج البقية هاربين يسألون عن نفيل ، ليدلهم على الطريق إلى اليمن، فماج بعضهم في بعض ، يتساقطون بكل طريق ، ويهلكون على كل منهل . وبعث الله على أبرهة داء في جسده، فجعلت تساقط أنامله ، حتى انتهى إلى صنعاء وهو مثل الفرخ ، وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه ثم هلك .
أبو جهل ومعرفة الحق
أخرج البيهقي عن المغيرة بن شعبة قال : إن أول يوم عرفت فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أمشي أنا وأبو جهل بن هشام في بعض أزقة مكة ، إذ لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جهل : يا أبا الحكم ، هلم إلى الله وإلى رسوله أدعوك إلى الله ، فقال أبو جهل : يا محمد ، هل أنت منته عن سب آلهتنا ؟ هل تريد إلا أن تشهد أنك قد بلغت ؟ فنحن نشهد أن قد بلغت فوالله لو أني أعلم أن ما تقول حق لاتبعتك . فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل علي فقال : والله إني لأعلم أن ما يقول حق ولكن يمنعني شيء . إن بني قصي قالوا : فينا الحجابة ، فقلنا : نعم ، ثم قالوا : فينا السقاية ، فقلنا : نعم ، ثم قالوا : فينا الندوة ، فقلنا : نعم ، ثم قالوا : فينا اللواء ، فقلنا : نعم ، ثم أطعموا وأطعمنا حتى إذا تحاكت الركب قالوا : منا نبي ، انا ندرك نحن ذلك ، والله لا أفعل .
شريح يقضي بين على ويهودي
وذلك أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خرج إلى السوق فإذا هو بنصراني يبيع أدرعاً فعرف علي رضي الله عنه الدرع . فقال : هذه درعي ، بيني وبينك قاضي المسلمين ، وكان قاضي المسلمين شريحاً ، كان علي استقضاه . فلما رأى شريح أمير المؤمنين قام من مجلسه وأجلس علياً مكانه وجلس شريح قدامه إلى جنب النصراني . فقال علي : أما يا شريح ، لو كان خصمي مسلماً لقعدت معه ، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تصافحوهم ولا تبدؤوهم بالسلام ، ولا تعودوا مرضاهم ، ولا تصلوا عليهم ، وألجئوهم إلى مضايق الطريق ، وصغروهم كما صغرهم الله ، اقض بيني وبينه يا شريح ، فقال شريح : ما تقول يا أمير المؤمنين ؟ فقال علي : هذه درعي وقعت مني منذ زمان . فقال شريح : ما تقول يا نصراني ؟ فقال النصراني : ما أكذب أمير المؤمنين ، الدرع درعي . فقال شريح : ما أرى أن تخرج من يده فهل من بينة ؟ فقال علي : صدق شريح . فقال النصراني : أما أنا فأشهد أن هذه أحكام الأنبياء ، وأمير المؤمنين يجيء إلي قاضيه وقاضيه يقضيه عليه ، هي والله يا أمير المؤمنين ، درعك . اتبعتك وقد زالت عن جملك الأورق فأخذتها فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . فقال علي : أما إذ أسلمت فهي لك ، وحمله على فرس .

نهاية أبو طالب
عن ابن عباس قال : لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل فقالوا : إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويفعل ويقول ويقول فلو بعثت إليه فنهيته ، فبعث إليه فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل البيت وبينهم وبين أبي طالب قدر مجلس رجل قال : فخشي أبو جهل لعنه الله إن جلس إلى جنب أبي طالب أن يكون أرق له عليه فوثب فجلس في ذلك المجلس ولم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلساً قرب عمه فجلس عند الباب فقال له أبو طالب : أي ابن أخي ، ما لقومك يشكونك ؟ يزعمون أنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول ، قال : وأكثروا عليه من القول وتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( يا عم ، إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب وتؤدي إليهم بها العجم الجزية ) ، ففزعوا لكلمته ، ولقوله ، فقال القوم : كلمة واحدة نعم وأبيك عشراً ، فقالوا : وما هي ؟ وقال أبو طالب : وأيّ كلمة هي يا ابن أخي ؟ قال صلى الله عليه وسلم : ( لا إله إلا الله ) ، فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون أجعل الآلهة إلهاً واحداً ، فنزل قول الله تعالى { وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب - أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب - وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد - ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق - أأنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب } .
لقد جئتكم بالذبح
عن عمرو بن العاص رضي اللّه عنه قال : ما رأيت قريشاً أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم إلا يوماً ائتمروا به وهم جلوس في ظل الكعبة ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم يصلي عند المقام . فقام إليه عقبة بن أبي معيط فجعل رداءه في عنقه ثم جذبه حتى وجب لركبتيه ساقطاً وتصايح الناس فظنوا أنه مقتول . فأقبل أبو بكر رضي اللّه عنه يشتد حتى أخذ بضبعي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من ورائه ويقول : { أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله } . ثم انصرفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحجر ، فقالوا : ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط ، سفه أحلامنا ، وشتم آباءنا وعاب ديننا ، وفرّق جماعتنا ، وسب آلهتنا لقد صبرنا منه على أمر عظيم 0 أو كما قالوا قال : فبينما هم في ذلك إذ طلع عليهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأقبل يمشي حتى استقبل الركن ثم مرّ بهم طائفاً بالبيت . فلما مر بهم غمز وه ببعض ما يقول قال : فعرفت ذلك في وجهه ثم مضى . فلما مر بهم الثانية غمز وه بمثلها فعرفت ذلك في وجهه ثم مضى . فلما مرّ بهم الثالثة فغمز وه بمثلها ، فقال : أتسمعون يا معشر قريش ؟ أما والذي نفس محمد بيده ، لقد جئتكم بالذبح . فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم رجل إلا على رأسه طائر واقع حتى أن أشدهم فيه وضاءة قبل ذلك ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول حتى إنه ليقول : انصرف يا أبا القاسم ، انصرف راشداً . فواللّه ، ما كنت جهولاً . فانصرف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، وتركهم .
سد أفق السماء
عن العباس رضي اللّه عنه قال : كنت يوماً في المسجد فأقبل أبو جهل لعنه اللّه فقال : إن للّه عليَّ إن رأيت محمداً ساجداً أن أطأ على رقبته ، فخرجت على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتى دخلت عليه فأخبرته بقول أبي جهل ، فخرج غصبانا حتى جاء المسجد فعجل أن يدخل من الباب فاقتحم الحائط . فقلت : هذا يوم شر ، فاتزرت ثم اتبعته فدخل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقرأ : { اقرأ باسم ربك الذي خلق } ، فلما بلغ شأن أبي جهل : { كلا أن الإنسان ليطغى } ، فقال إنسان لأبي جهل : يا أبا الحكم ، هذا محمد . فقال أبو جهل : ألا ترون ما أرى ؟ واللّه ، لقد سدّ أفق السماء عليّ . فلما بلغ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم آخر السورة سجد .
اللهم سلط عليه كلبك
عن قتادة قال : تزوج أم كلثوم بنت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عتيبة بن أبي لهب وكانت رقية عند أخيه عتبة بن أبي لهب ، فلم يبن بها حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم . فلما نزل قوله تعالى : { تبَّت يدا أبي لهب } قال أبو لهب لابنيه عتبة وعتيبة : رأسي في رؤوسكما حرام إن لم تطلّقا ابنتي محمد صلى الله عليه وسلم ، وقالت أمهما بنت حرب بن أمية حمالة الحطب : طلِّقاهما يا بني ، فإنهما صبأتا فطلقاهما . ولما طلق عتيبة أم كلثوم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين فارقها فقال : كفرت بدينك ، و فارقت ابنتك ، لا تجيئني ولا أجيئك ، ثم سطا عليه فشق قميص النبي صلى الله عليه وسلم وهو خارج نحو الشام تاجراً . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أما إني أسأل اللّه أن يسلط عليك كلبه ) . فخرج في تجر من قريش حتى نزلوا بمكان يقال له الزرقاء ليلاً فأطاف بهم الأسد تلك الليلة فجعل عتيبة يقول : ويل أمي هذا واللّه آكلي كما قال محمد ، قاتلي ابن أبي كبشة وهو بمكة وأنا الشام ، فناموا ، وجعلوا عتيبة وسطهم . فأقبل السبع يتخطاهم حتى أخذ برأس عتيبة فضغمه ضغمة فقتله ، وخلف عثمان بن عفان بعد رقية على أم كلثوم رضي اللّه عنهما .
قصته صلى الله عليه وسلم مع ثقيف
عن عروة بن الزبير رضي اللّه عنهما قال : مات أبو طالب وازداد من البلاء على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم شدة فعمد إلى ثقيف يرجو أن يؤووه وينصروه ، فوجد ثلاثة نفر منهم سادة ثقيف وهم إخوة : عبد ياليل بن عمرو ، وخبيب بن عمرو ، ومسعود بن عمرو ، فعرض عليهم نفسه وشكا إليهم البلاء وما انتهك قومه منه . فقال أحدهم : أنا أسرق ثياب الكعبة إن كان اللّه بعثك بشيء قط ؟ وقال الآخر : واللّه ، لا أكلمك بعد مجلسك هذا كلمة واحدة أبداً لئن كنت رسولاً لأنت أعظم شرفاً وحقاً من أن أكلمك ، وقال الآخر : أعجز اللّه أن يرسل غيرك ؟ وأفشوا ذلك في ثقيف الذي قال لهم ، واجتمعوا يستهزئون برسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقعدوا له صفين على طريقه ، فقام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من عندهم وقد يئس من خير ثقيف ، فقال لهم : إن فعلتم ما فعلتم فاكتموا عليّ ، وكره رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه عنه فيذئرهم ذلك عليه ، فخرج من عندهم فأخذوا بأيديهم الحجارة فجعل لا يرفع رجله ولا يضعها إلا رضخوها بالحجارة وهم في ذلك يستهزئون ويسخرون . فلما خلص من صفيهم وقدماه تسيلان الدماء عمد إلى حائط من كرومهم ، فأتي ظل حيلة من الكرم فجلس في أصلها مكروباً موجعاً تسيل قدماه الدماء ، فلما اطمأن قال : اللهم ، إليك أشكو ضعف قوتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي إلى من تكلني ، إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري ، إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل عليّ سخطك ، لك العتبي حتى ترضى ، لا حول ولا قوة إلا بك ، فإذا بسحابة تظله فرفع رأسه فإذا فيها جبريل عليه السلام فناداه فقال : إن اللّه قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث اللّه إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ، فناداه ملك الجبال فسلّم عليه ثم قال : يا محمد ، ما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يخرج اللّه عزّ وجلّ من أصلابهم من يعبد اللّه عزّ وجلّ وحده لا يشرك به شيئاً .

عمر يرسل إلى امرأة مغيبة
عن الحسن قال : أرسل عمر بن الخطاب ، رضي اللّه عنه ، إلى امرأة مغيبة كان يدخل عليها فأنكر ذلك ، فأرسل إليها فقيل لها : أجيبي عمر ، فقالت : يا ويلها ، ما لها ولعمر . فبينما هي في الطريق فزعت فضربها الطلق ، فدخلت داراً ، فألقت ولدها : فصاح الصبي صيحتين ثم مات ، فاستشار عمر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأشار عليه بعضهم أن ليس عليك شيء ، إنما أنت دالٍ ومؤدب ، وصمت عليّ رضي اللّه عنه ، فأقبل على عليّ فقال : ما تقول ؟ قال : إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأ رأيهم ، وإن كانوا قالوا في هواك فلم ينصحوا لك ، أرى أن ديته عليك فإنك أنت أفزعتها ، وألقت ولدها في سببك ، فأمر علياً رضي اللّه عنه أن يقسم عقله على قريش يعني يأخذ عقله من قريش لأنه أخطأ .

قم فأقتص منه
عن عطاء قال : كان عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه ، يأمر عماله أن يوافوه بالموسم . فإذا اجتمعوا قال : أيها الناس ، إني لم أبعث عمالي عليكم ليصيبوا من أبشاركم ، ولا من أموالكم ، إنمك بعثتهم ليحجزوا بينكم ، وليقسموا فيئكم بينكم ، فمن فعل به غير ذلك فليقم .فما قام أحد إلا رجل ، قام فقال : يا أمير المؤمنين إن عاملك فلاناً ضربني مائة سوط . قال : فيم ضربته ؟ قم فاقتص منه . فقام عمرو بن العاص رضي اللّه عنه فقال : يا أمير المؤمنين ، إنك إن فعلت هذا يكثر عليك وتكون سنة يأخذ بها من بعدك . فقال : أنا لا أقيد وقد رأيت رسول الّه صلى الله عليه وسلم يقُيد من نفسه . قال : فدعنا لنرضيه . قال : دونكم فأرضوه ، فافتدى منه بمائتي دينار ، كل سوط بدينارين .

ابن الاكرمين
عن أنس رضي اللّه عنه أن رجلاً من أهل مصر أتى عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فقال : يا أمير المؤمنين ، عائذ بك من الظلم ، قال : عذت معاذاً . قال : سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته ، فجعل يضربني بالسوط ويقول : أنا ابن الأكرمين . فكتب عمر إلي عمرو رضي اللّه عنهما يأمره بالقدوم ويقدم بابنه معه . فقدم فقال عمر : أين المصري ؟ خذ السوط فاضرب ، فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر : اضرب ابن الأكرمين . قال أنس : فضرب ، واللّه لقد ضربه ونحن نحب ضربه ، فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه . ثم قال للمصري : ضع على صلعة عمرو . فقال : يا أمير المؤمنين ، إنما ابنه الذي ضربني وقد استقدت منه . فقال عمر لعمرو : مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟ قال : يا أمير المؤمنين ، لم أعلم ولم يأتني .
وأينا لم يهمه
عن يزيد بن أبي منصور قال : بلغ عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أن عامله على البحرين ابن الجارود أو ابن أبي الجارود أتى برجل يقال له : أدرياس ، قامت عليه بينة بمكاتبة عدو المسلمين ، وأنه قد هّم أن يلحق بهم فضرب عنقه وهو يقول : يا عمراه ، يا عمراه ، فكتب عمر ، رضي اللّه عنه ، إلى عامله ذلك فأمره بالقدوم عليه ، فقدم فجلس له عمر ، وبيده حربة . فدخل على عمر فعلى عمر لحيته بالحربة وهو يقول : أدرياس لبيك ، أدرياس لبيك ، وجعل الجارود يقول : يا أمير المؤمنين إنه كاتبهم بعورة المسلمين وهمّ أن يلحق بهم . فقال عمر : قتلته على همّه وأيّنا لم يهمّه لولا أن تكون سنة لقتلتك به .

فليقتص منك
عن جرير أن رجلاً كان مع أبي موسى رضي اللّه عنهما فغنموا مغنماً فأعطاه أبو موسى نصيبه ولم يوفه ، فأبى أن يأخذه إلاّ جميعه فضربه أبو موسى عشرين سوطاً وحلق رأسه ، فجمع شعر وذهب به إلى عمر رضي اللّه عنه . فأخرج شعراً من جيبه فضرب به صدر عمر . قال : ما لك ؟ فذكر قصته . فكتب عمر إلى أبي موسى رضي اللّه عنهما : سلام عليك ، أما بعد ، فإن فلان بن فلان أخبرني بكذا وكذا ، وأني أقسم عليك إن كنت فعلت ما فعلت في ملأ من الناس جلست له في ملأ من الناس فاقتص منك ، وإن كنت فعلت ما فعلت في خلاء فاقعد له في خلاء فليقتص منك ، فلما دفع إليه الكتاب قعد للقصاص . فقال الرجل : قد عفوت عنه للّه .

عمر وجارية
عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال : جاءت جارية إلى عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فقالت : إن سيدي اتهمني فأقعدني على النار حتى احترق فرجي . فقال لها عمر : هل رأى ذلك عليك ؟ قالت : لا . قال : فهل اعترفت له بشيء ؟ قالت : لا ، فقال عمر : عليّ به ، فلما رأى عمر الرجل قال : أتعذب بعذاب اللّه ؟ قال : يا أمير المؤمنين ، اتهمتها في نفسها . قال : أرأيت ذلك عليها ؟ قال : لا . قال : فاعترفت لك به ؟ قال : لا . قال : والذي نفسي بيده لو لم أسمع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا يقاد مملوك من مالكه ، ولا ولد من والده لأقدتها منك ، وضربه مائة سوط ) ، وقال للجارية : اذهبي فأنت حرّة لوجه اللّه ، وأنت مولاة اللّه ورسوله : أشهد لسمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : ( من حرق بالنار أو مثل به فهو حر وهو مولى اللّه ورسوله ) .

وأنت أيضاً
عن يزيد بن أبي مالك قال : كان المسلمون بالجابية وفيهم عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فأتاه رجل من أهل الذمة يخبره أن الناس قد أسرعوا في عنبه . فخرج عمر رضي اللّه عنه حتى لقي رجلاً من أصحابه يحمل ترساً عليه عنب . فقال عمر : وأنت أيضاً ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، أصابتنا مجاعة . فانصرف عمر رضي اللّه عنه وأمر لصاحب الكرم بقيمة عنبه .

عدل عمر
عن إياس بن سلمة عن أبيه قال : مر عمر بن الخطاب رضي اللّه عنهم في السوق ومعه الدرة ، فخفقني بها خفقة فأصاب طرف ثوبي فقال : أمط عن الطريق . فلما كان في العام المقبل لقيني فقال : يا سلمة تريد الحج ؟ فقلت : نعم . فأخذ بيدي فانطلق بي إلى منزله فأعطاني ست مائة درهم وقال : استعن بها على حجك ، واعلم أنها بالخفقة التي خفقتك . قلت : يا أمير المؤمنين ، ما ذكرتها . قال : وأنا ما نسيتها .

{ ولا تجسسوا }
عن عبد الرحمن ابن عوف ، أنه حرس مع عمر بن الخطاب رضي اللّه عنهم ليلة المدينة . فبينما هم يمشون شب لهم سراج في بيت فانطلقوا يؤمونه . فلما دنوا منه إذا باب مجاف على قوم لهم فيه أصوات مرتفعة ولغط . فقال عمر وأخذ بيد عبد الرحمن بن عوف : أتدري بيت من هذا ؟ قال : هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف وهم الآن شرب فما ترى ؟ قال : أرى أن قد أتينا ما نهى اللّه عنه ، قال اللّه : {ولا تَجَسَّسوا } ، فقد تجسسنا فانصرف عنهم عمر .
فقد عصيت الله في ثلاث
عن ثور الكندي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يعس بالمدينة من الليل ، فسمع صوت رجل في بيت يتغنى ، فتسور عليه ، فقال : يا عدو اللّه ، أظننت أن اللّه يسترك ، وأنت في معصية ؟ فقال : وأنت يا أمير المؤمنين ، لا تعجل عليّ إن أكن عصيت اللّه واحدة ، فقد عصيت اللّه في ثلاث ، قال : { وَلاَ تجَسَّسوا } وقد تجسست . وقال { وأتوا البيوت من أَبوابِها } ، وقد تسورت عليّ ودخلت عليّ بغير إذن ، وقال اللّه تعالى : { لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتِكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها } ، قال عمر : فهل عندك من خير إن عفوت عنك ؟ قال : نعم ، فعفا عنه ، وخرج وتركه .

أتعمد إلى ما ستر الله فتبديه
حكى الشعبي أن رجلاً أتى عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فقال : إن لي ابنة كنت وأدتها في الجاهلية فاستخرجناها قبل أن تموت ، فأدركت معنا الإسلام فأسلمت ، فلما أسلمت أصابها حد من حدود اللّه تعالى ، فأخذت الشفرة لتذبح نفسها ، فأدركناها وقد قطعت بعض أوداجها فداويناها ، حتى برئت ، ثم أقبلت بعد بتوبة حسنة وهي تخطب إلى قوم ، فأخبرتهم من شأنها بالذي كان ، فقال عمر : أتعمد إلى ما ستر اللّه فتبديه ؟ واللّه ، لئن أخبرت بشأنها أحداً من الناس لأجعلنك نكالاً لأهل الأمصار ، بل أنكحها نكاح العفيفة المسلمة .
حاطب بن أبي بلتعة
أخرج البخاري عن علي رضي اللّه عنه يقول : بعثني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد رضي اللّه عنهم فقال : «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها ،» فانطلقنا تعادي بنا خيلنا حتى أتينا الروضة ، فإذا نحن بالظعينة ، فقلنا : أخرجي الكتاب ، فقالت : ما معي ، فقلنا : لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب ؟ قال : فأخرجته من عقاصها . فأتينا به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة رضي اللّه عنه إلى ناس بمكة من المشركين ، يخبرهم ببعض أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال : «يا حاطب ، ما هذا ؟ » فقال : يا رسول اللّه ، لا تعجل عليّ إني كنت امرأ ملصقاً في قريش يقول : كنت حليفاً ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت إذا فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يداً يحمون قرابتي ، ولم أفعله ارتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : ( أما أنه قد صدقكم ) ، فقال عمر : يا رسول اللّه ، دعني أضرب عنق هذا المنافق ، فقال : ( إنه قد شهد بدراً ، وما يدريك لعل اللّه قد اطلع على من شهد بدراً فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) .


تبشير أمية بن خلف بمقتله
اخرج البخاري عن عمرو بن ميمون أنه سمع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حدث عن سعد بن معاذ أنه قال كان صديقا لأمية بن خلف وكان أمية إذا مر بالمدينة نزل على سعد وكان سعد إذا مر بمكة نزل على أمية فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انطلق سعد معتمرا فنزل على أمية بمكة فقال لأمية : انظر لي ساعة خلوة لعلي أن أطوف بالبيت فخرج به قريبا من نصف النهار ، فلقيهما أبو جهل فقال : يا أبا صفوان من هذا معك ؟ فقال : هذا سعد ، فقال له أبو جهل : ألا أراك تطوف بمكة آمنا وقد أويتم الصباة وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالما ، فقال له سعد ورفع صوته عليه : أما والله لئن منعتني هذا لأمنعنك ما هو أشد عليك منه طريقك على المدينة ، فقال له أمية : لا ترفع صوتك يا سعد على أبي الحكم سيد أهل الوادي ، فقال سعد : دعنا عنك يا أمية فوالله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنهم قاتلوك ، قال : بمكة ؟ قال : لا أدري ، ففزع لذلك أمية فزعا شديدا فلما رجع أمية إلى أهله ، قال : يا أم صفوان ألم تري ما قال لي سعد ، قالت : وما قال لك ، قال : زعم أن محمدا أخبرهم أنهم قاتلي فقلت له بمكة قال لا أدري ، فقال أمية : والله لا أخرج من مكة ، فلما كان يوم بدر استنفر أبو جهل الناس قال أدركوا عيركم فكره أمية أن يخرج فأتاه أبو جهل فقال : يا أبا صفوان إنك متى ما يراك الناس قد تخلفت وأنت سيد أهل الوادي تخلفوا معك ، فلم يزل به أبو جهل حتى قال : أما إذ غلبتني فوالله لاشترين أجود بعير بمكة ، ثم قال أمية : يا أم صفوان جهزيني ، فقالت له : يا أبا صفوان وقد نسيت ما قال لك أخوك اليثربي قال لا ما أريد أن أجوز معهم إلا قريبا ، فلما خرج أمية أخذ لا ينزل منزلا إلا عقل بعيره فلم يزل بذلك حتى قتله الله عز وجل ببدر .
تنصرت الأشراف من عار لطمة
روي أن جبلة بن الأيهم بن أبي شمر الغساني لما اراد أن يسلم ، كتب الى عمر بن الخطاب يعلمه بذلك ويستأذنه في القدوم عليه ، فسرّ عمر لذلك والمسلمون ، فكتب إليه : أن اقدم ولك مالنا وعليك ما علينا ، فخرج جبلة في خمسمائة فارس ، فلما دنا من المدينة لبس جبلة تاجه وألبس جنوده ثياباً منسوجة من الذهب والفضة ، ودخل المدينة فلم يبق احد إلا خرج ينظر إليه حتى النساء والصبيان ، فلما انتهى الى عمر رحَّب به وأدنى مجلسه ! ثم أراد الحج ، فخرج معه جبلة ، فبينا هو يطوف بالبيت إذ وطئ على إزاره رجل من بني فزارة فحلّه ، فالتفت إليه جبلة مغضباً ، فلطمه فهشم أنفه ، فاستعدى عليه الفزاري عمر بن الخطاب ، فبعث إليه فقال : ما دعاك يا جبلة إلى ان لطمت أخاك هذا الفزاري فهشمت انفه ! فقال : إنه وطئ إزاري فحلّه ؟ ولولا حرمة البيت لضربت عنقه ، فقال له عمر : أما الآن فقد أقررت ، فإما ان ترضيه ، وإلا أقدته منك . قال : أتقيده مني وأنا ملك وهو سوقة ! قال عمر : يا جبلة ، انه قد جمعك وإياه الإسلام ، فما تفضله بشئ إلا بالتقوى والعافية ، قال جبلة : والله لقد رجوت أن أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية ، قال عمر : دع عنك هذا ، فإنك إن لم ترض الرجل أقدته منك ، قال جبلة : إذن أتنصر ، قال : إن تنصرت ضربت عنقك . فقال جبلة : أخّرني إلى غدٍ يا امير المؤمنين . قال : لك ذلك ، ولما كان الليل خرج جبلة وأصحابه من مكة ، وسار إلى القسطنطينية فتنصّر ، ثم ان جبلة طال به العهد في الكفر فتفكر في حاله فجعل يبكي وأنشأ يقول :
تنصرت الأشراف من عار لطمة ...... وما كان فيها لو صبرت لها ضرر
تكنفني منها لجاج ونخوة ...... وبعت لها العين الصحيحة بالعور
فياليت أمي لم تلدني وليتني ...... رجعت إلى القول الذي قال لي عمر
وياليتني أرعى المخاض بقفرة ...... وكنت أسير في ربيعة أو مضر
وياليت لي بالشام أدنى معيشة ...... أجالس قومي ذاهب السمع والبصر

لا أحمد إلا الله
روي ان الحجاج بن يوسف الثقفي أُوتي بقوم ممن خرجوا عليه ، فأمر بهم فضربت أعناقهم ، وأقيمت صلاة المغرب وقد بقي من القوم واحد ، فقال الحجاج لقتيبة بن مسلم : انصرف به معك حتى تغدو به عليّ . فانصرف قتيبة ومعه الاسير ، فلما كانا ببعض الطريق ، قال الأسير لقتيبة : هل لك في خير ؟ قال : وما ذاك ؟ قال : إني والله ما خرجت على المسلمين ، ولا استحللت قتالهم ، ولكن ابتليت بما ترى ، وعندي ودائع واموال ، فهل لك أن تخلي سبيلي حتى آتي أهلي ، وأرد على كل ذي حق حقه ، وأوصي ، ولك علي أن أرجع حتى أضع يدي في يدك ؟ فتعجب منه قتيبة وتضاحك لقوله ، فأعاد الاسير مقالته ، فلم يتمالك قتيبة نفسه إلا ان قال له : أذهب ، فلما توارى الرجل أسقط في يد قتيبة وخاف نقمة الحجاج أن هو سأله عن أسيره الذي دفعه اليه ، فبات قتيبة بأطول ليلة ، فلما كان الصباح إذا بطارق يطرق منزل قتيبة ، ففتح فإذا هو الاسير ، فقال له قتيبة : أرجعت ؟ قال : سبحان الله ! جعلت لك عهد الله عليّ أفاخونك ولا أرجع ، فقال قتيبة : اما والله إن استطعت لأننفعنك ، وأنطلق به الى الحجاج وقص عليه القصة ، فتعجب الحجاج من صدقه وأمانته ، فعفا عنه ووهبه لقتيبة ، فلما خرج به رفع الاسير يده الى السماء وقال : لك الحمد يارب ، وما كلك قتيبة بكلمة ولا شكره ، وانصرف فلما كان بعد ثلاثة أيام جاء وقال لقتيبة : جزاك الله خيراً ، أما والله ما ذهب عني ما صنعت ، ولكن كرهت أن أشرك مع حمد اللله حمد أحد .

خلاف ابو بكر وعمر
روي عن عبد الله بن الزبير أن الأقرع بن حابس قدم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو بكر: يا رسول الله استعمله على قومه ، فقال عمر : لا تستعمله يا رسول الله ، فتكلما عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى ارتفعت أصواتهما ، فقال أبو بكر لعمر : ما أردت إلا خلافي ، فقال : ما أردت خلافك ، قال فنزلت هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } ، قال : فكان عمر بن الخطاب بعد ذلك إذا تكلم عند النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمع كلامه حتى يستفهمه .
فهل أنتم تاركوا لي صاحبي
أخرج البخاري عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال :كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما صاحبكم فقد غامر ، فسلم وقال : إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء ، فأسرعت إليه ثم ندمت ، فسألته أن يغفر لي فأبى علي فأقبلت إليك ، فقال : يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثا ، ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل : أثم أبو بكر ، فقالوا : لا ، فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فسلم فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر حتى أشفق أبو بكر ، فجثا على ركبتيه فقال : يا رسول الله والله أنا كنت أظلم مرتين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت ، وقال أبو بكر صدق ، وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركوا لي صاحبي مرتين فما أوذي بعدها .

اليوم أسبق أبا بكر
عن عمر بن الخطاب قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي ، فقلت : اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما ، فجئت بنصف مالي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أبقيت لأهلك ، قلت :مثله ، قال : فأتى أبو بكر بكل ما عنده ، فقال يا أبا بكر : ما أبقيت لأهلك ، فقال : أبقيت لهم الله ورسوله ، فقلت لا أسابقك إلى شيء أبدا .
0
510

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️