السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
،
،
،
،
،
الهمسة الأولى :
احمد الله سبحانه وتعالى أن بلغك رمضان , فكثير ممن كانوا معنا في رمضان الماضي قد غيبهم الموت ,
فاحمد الله واشكره أن منّ عليك لتكون ممن يتقرب إليه بفعل الطاعات , وجمع الحسنات , في هذا الشهر المبارك ..
الهمسة الثانية :
ليكن رمضان فرصة لك , ودورة تدريبية في الابتعاد عن المعاصي وعن ما يغضب الله جل وعلا , وأعلنها صراحة ,
واصرخ بها في وجه الشيطان , وداعاً للمعاصي والسيئات , وداعاً لكل ما يُبعِد عن الله جل وعلا ,
وأبشر بتوفيق الله لك , وتسديده إياك , عسى ربي أن يهديني وإياك سواء السبيل ..
الهمسة الثالثة :
رمضان شهر القرآن , فأوصيك بتدبر معانيه , وفهم آياته , واحرص على قراءته والتلذذ بتلاوته ,
وليكن لك ورد يومي تقرأه بتمعن وتدبر , وأوصيك بكتاب ( زبدة التفاسير ) فإنه خير معين لك بعد الله على ذلك ..
الهمسة الرابعة :
إياك أن تكون ممن جعل نهار رمضان نوماً وغفلة , وليله سهراً على معصية الله سبحانه وتعالى ,
واحرص على أن تملأ نهارك بالذكر وتلاوة القرآن , وليلك بالصلاة والقيام ..
الهمسة الخامسة :
أوصيك بكثرة الإنفاق في رمضان ، وخصوصاً إذا كنت ممن منّ الله عليه بكثرة المال , فلا تنسَ إخوتك
الذين يعانون الفقر والجوع , فليس لهم بعد الله إلا المتصدقين أمثالك , فلا تبخل عليهم ,
وأدعْ الله أن يبارك في مالك ورزقك ..
الهمسة السادسة :
إياك أن تكون ممن يفطر على سخط الله وغضبه , وذلك بشرب الدخان أو متابعة ما يعرض في القنوات
من برامج ساقطة تستهزئ بالله وبرسوله , ولا يخفى على أمثالك جرم ذلك ,
قال الله تعالى : { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره } ..
الهمسة السابعة :
أوصيك بالإكثار من الدعاء , واحرص على ذلك وأنت صائم , فقد أخبرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم
أن للصائم دعوة لا ترد , فلا تنس نفسك , ولا تنس إخوانك المسلمين في المشارق والمغارب , وما يدريك
لعل دعوة صادقة تخرج من قلبك المنكسِر ينصر الله بها الدين وأهله , فلا تتردد ..
الهمسة الثامنة :
ليكن من أهدافك في رمضان زيارة بيت الله الحرام , وأداء العمرة , وزيارة مسجد رسول الله صلى الله
عليه وسلم , فعمرة في رمضان تعدل حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم , فلا تفرط في هذه المكرمة العظيمة ,
وبادر على ذلك , وأتمنى لك التوفيق ..
الهمسة التاسعة :
أذكرك بأن لله سبحانه وتعالى في كل ليلة عتقاء من النار لمن أتم الصيام , وأدى القيام , وأكثر من
الحسنات , وتزود من الطاعات , فلا تغفل عن ذلك , واحرص على أن تكون ممن منحه الله هذه
الجائزة العظيمة , جعلني الله وإياك من عتقائه من النار ..
الهمسة العاشرة :
أوصيك بكثرة حضور مجالس الذكر , فإنها مراتع المؤمنين , ومحط الصالحين , يكفيك أن الله جل وعلا
يذكرك ويثني عليك في الملأ الأعلى , ثم تقوم وقد غُفِرت ذنوبك بإذن الله ,
فأكثر من الحضور , وداوم على ذلك ..
الهمسة الحاديه عشر :
من الملحوظات على بعض الصائمين : تَبَرُّمُهُم من قدوم شهر رمضان ، وتمنيهم سرعة انقضائه ،
فلا تراهم يفرحون بقدومه ، ولا يخطر ببالهم فضائله وبركاته ..
بل يستقبلونه بتوجع ، وتحسر ، فكأن الواحد منهم يمنّ على الله وعلى الناس بالصيام ..
ومن كانت هذه حاله تراه سريع الغضب ، كثير السخط لأدنى سبب ، فلا يتحمل أدنى كلام ، أو مفاوضة ..
وهذا الصنيع معاكس لحكمة الصيام ، منافٍ لهدي السلف الكرام ؛ فقد كانوا يفرحون بمقدم رمضان ،
بل كانوا يصومون في غير رمضان أياماً في الأسبوع ، أو أياماً في الشهر يهذبون بها أنفسهم ، ويتقربون بها
إلى ربهم ، ويتدربون على أعباء حمل الرسالة ، وتحقيق الحياة الكريمة الطيبة ..
فأين حال أولئك المتبرمين من الشهر من حال سلفنا الصالح الذين طهروا مشارق الأرض ومغاربها من
الشرك والظلم تطهيراً ، وعمروها بالإيمان والعدل تعميراً
فحري بالمسلم أن يستقبل شهر رمضان بكل فرح وشوق ، وأن يعقد العزم على صيامه وقيامه
وملئه بالأعمال الصالحة ، فإن أدرك الشهر وأتمَّه أُعِين على فعل ما عزم به ، وإن وافَته المنية كُتب له الأجر
بالنية ( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) يونس : 58
( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )
النساء : من ال100..
الهمسة الثانية عشر :
يلاحظ على بعض الصائمين : أنهم يصومون عن تقليد و مسايرة ، فلا يرون في الصيام أكثر من هذا المعنى ..
ولا ريب في خطأ هؤلاء ، وقلة فقههم لمعنى الصيام ؛ فواجب عليهم أن يصوموا عن إيمان واحتساب ،
وتعظيم لشعائر الله ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق عليه
( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه ) ..
ولهذا تجد الصائم عن إيمان بالله وخشية وتعظيم له ، واحتساب للأجر عنده ؛ تجده راضياً مرضياً
مطمئن النفس ، منشرح الصدر ، مسروراً بصيامه ، شاكراً لربه الذي فسح له في عمره حتى بلَّغه صيام
هذا الشهر ، فلا ترى من نفسه اضطراباً ، ولا في خلقه كزازة ،ولا في صدره ضيقاً أو حرجاً
بل تجده من أوسع الناس أفقاً ، وأشرحهم صدراً ، وأقواهم روحاً ، وأحسنهم خلقاً ..
الهمسة الثالثة عشر :
يلاحظ على بعض الصائمين : قلة حرصهم على تطبيق السنة حال الإفطار ، فتراهم لا يبالون بالبداءة
بالرطب أو التمر أو الماء ، فتراهم يؤثرون غيرها عليها مع وجودها أمامهم ..
وهذا – وإن كان مجزئاً – مخالف للسنة ، فالسنة أن يفطر الصائم على رطب ، أو تمر ؛ فإن لم يجد
حسا حسوات من ماء ؛ كما جاء ذلك عند الإمام أحمد ، وأبو داود والترمذي ..
هذا وللبداءة بالرطب أو التمر والماء أثر عجيب ، وبركات كثيرة , وتأثير على القلوب وتزكيتها ,
يدرك ذلك المتَّبِعون المقتدون الموفقون , مع ما في ذلك من الفائدة الطيبة الصحية ؛ حيث ذكر الأطباء
أن الجسم يمتص الموادَّ السكرية في مدة خمس دقائق ، فتزول أعراض نقص السكر والماء ؛ لأن سكر الدم
ينخفض أثناء الصوم ، فيؤدي إلى الشعور بالجوع والتوتر أحياناً ، وسرعان ما يزول بتناول الرطب أو التمر ..
الهمسة الرابعة عشر :
يلاحظ على بعض الصائمين :تأخير الفطر بلا عذر ، وهذا مخالف للسنة ؛ إذ السنة تعجيله ،
ولا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ، وأخروا السحور كما قال - صلى الله عليه وسلم -
في الحديث المتفق عليه ..
فإذا أخر الناس الفطر كان ذلك دليلاً على زوال الخير عنهم ؛ لأنهم تركوا السنة التي تعود عليهم
بالنفع الديني وهو المتابعة ، والدنيوي الذي هو حفظ أجسامهم بالطعام والشراب التي تتوق إليه أنفسهم ..
ثم إن أحب عباد الله إليه أعجلهم فطراً كما جاء في صحيح ابن خزيمة ، وسنن الترمذي ..
ثم إن في تعجيل الفطر تمييزاً لوقت العبادة عن غيره ، قال - صلى الله عليه وسلم - :
( إذا أقبل الليل من ههنا ، وأدبر النهار من ههنا فقد أفطر الصائم ) (رواه البخاري ومسلم ) ..
فذلك هو قت الإفطار الذي لا ينبغي لأحد تأخيره عنه ، بل يعاب بذلك التأخير ..
فعلى الصائم أن يستحضر هذا المعنى ، وأن يبادر إلى الإفطار إذا تحقق غروب الشمس ، ليحصل على فضيلة
الاتباع ، وليدرك صلاة المغرب مع الجماعة ..
الهمسة الخامسة عشر :
البعض من الصائمين من يذهب إلى البيت الحرام طيلة الشهر ، أو نصفه ، أو أقل ، ويدع أهله وأولاده
بلا حسيب ولا رقيب ، فيؤدي بذلك مندوباً ويترك مفروضاً ..
ومنهم من يصطحب معه أهله ، وأولاده إلى البيت الحرام ، فيعتكف في المسجد أياماً ، ويدع
أهله وأولاده يتجولون في الأسواق في مكة ، متعرضين للفتنة ومعرضين غيرهم لها ، مضيعين للفرائض
غير مبالين بحرمة المكان والزمان ؛ فأولى لأولئك الأولياء ، ثم أولى أن يرعوا من تحت أيديهم ، ولو أدى
بهم ذلك إلى ترك العمرة والاعتكاف ..
ومن الملحوظات على بعض الصائمين: أنهم يُغْفِلون تدريب أولادهم على الصيام ، بل ربما منعوهم وهم
قادرون ، بل ربما منعوا البنت بحجة أنها صغيرة لم تبلغ بعد , مع أنها ربما تكون قد بلغت ، فعلامات البلوغ
كثيرة وليست مقتصرة على السن فحسب ..
الهمسة السادسة عشر :
من أخطاء بعض الصائمين : تفويته صلاة العشاء ؛ لأجل إدراك الصلاة مع قارئ مجيد والأولى لهذا
أن يبكر بالمجيء ، وإذا خشي فوات صلاة العشاء فليصلِّها في أقرب مسجد ؛ فهي أوجب وأفرض من صلاة
التراويح ، بل إن صلاة التراويح نافلة في حقه ..
الهمسة السابعه عشر :
يلاحظ على بعض الصائمات: أنها تخرج إلى المسجد ؛ لأداء صلاة العشاء ، والتراويح متعطرة
متجملة مبدية بعض زينتها ، فتكون بذلك عرضة لفتنة المسلمين في أشرف البقاع ، وأشرف الأزمنة ؛
فواجب على المسلمة إذا أرادت الخروج إلى المسجد أن تخرج تَفِلةً بعيدة من الزينة والفتنة ..
الهمسة الثامنه عشر :
يلاحظ على بعض المسلمات في هذا الشهر الكريم: أن الواحدة منهن تذهب إلى المسجد لأداء
صلاة التراويح ، وربما أتى بعضهن والإمام يصلي العشاء أو التراويح فلا تدخل معه بل تنفرد وحدها
وتأتي بتحية المسجد , وربما أتى بعضهن والإمام يصلي التراويح ، وهي لم تصل العشاء فتدخل معه
وتكمل الصلاة وتنصرف دون أن تؤدي صلاة العشاء ..
كل هذه الأمور جهل وخطأ ، فعلى المرأة إذا دخلت والإمام يصلي وقد فاتها شيء من الصلاة
أن تدخل مع الإمام ، وبعد أن يسلم الإمام تقوم هي وتأتي بما فاتها ..
وإذا دخلت المسجد والصلاة مقامة أو تقام فعليها أن تدخل في الصلاة ، ولا يجوز لها أن تشرع في أداء
تحية المسجد ؛ لأنه إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ..
أما إذا حضرت والصلاة لم تقم بعد ؛ فلا تجلس حتى تؤدي ركعتي تحية المسجد ..
وإذا دخلت والإمام قد شرع في صلاة التراويح وهي لم تصل العشاء ؛ فلتدخل معه بنية صلاة
العشاء ، فإذا سلم قامت وأتت بباقي الركعات ..
الهمسة التاسعة عشر :
يلاحظ على بعض النسوة – أيضاً – أنهن يكثرن الكلام داخل المسجد , وربما رفعن الأصوات ،
وآذين من بجوارهن ,وأشغلنهن عن الذكر ، أو الدعاء ، أو قراءة القرآن ، أو سماع المواعظ ..
فعلى المرأة إذا حضرت إلى المسجد أن تلزم الأدب ، والسكينة ، والحياء ، وأن تشغل نفسها بما ينفعها ..
الهمسة العشرون :
لصلاة الجماعة فوائد عظيمة لاتخفى عليكم ومنها :
أنها تجددُ الإيمان ، وتحيي القلوب ، وتشرحُ الصدر ، وتملأ النفس بالسرور والسعادة الأبدية ،
وفيها مفارقة للمنافقين ، وسبب للمودة والألفة والترابط بين المسلمين ، والمحافظ على الصلاة يكون
له عهد عند الله أن يدخله الجنة ، ويكون له نور وبرهان يوم القيامة ،
وصِلةٌ بين العبد وربه ، وتكفيرٌ للخطايا والسيئات ..
الهمسة 21 :
الصلاة فيها الطمأنينة والراحة وقرة العين في الدنيا والآخرة ، وفيها إعانة للمسلم على أمور
دينه ودنياه ، وفيها الفلاح والنجاح والظفر والفوز في الدنيا والآخرة و التوسعة في الرزق ، وهي
طهارة للنفس وفيها الثبات للمؤمن في الدنيا والآخرة ، وفيها الحفظ والأمان للعبد في الدنيا والآخرة ،
وفيها حصول معية الله جل وعلا للمصلي ، وفيها نيل محبة الله تعالى ..
الهمسة 22 :
لا عذر لك بالتخلف عن الجماعة ، واعزم النية من الآن بأن تُصلي في أقرب بيت من
بيوت الرحمن ، وأحمد الله على أن منّ عليك بنعمة الصحة والعافية في الروح والبدن، وأعلم
بأن هناك الكثير ممن هم أخوةٌ لنا ينامون على الأسرة البيضاء ، ويتمنون أن يغبرون أقدامهم
بالذهاب إلى بيت من بيوت الله ، ليسجدوا ويرغموا أنوفهم ويتذللوا للواحد الأحد ، ولكن
أقعدهم المرض ، وحال بينهم وبين ما يشتهون ، فأحمد الله على ما أنت فيه من النعمة ، وجاهد
النفس والهوى ، وتُب إلى الله من اليوم ، وإياك إياك من التهاون في أي أمر من أمور الله مهما كلفك
الأمر وأولها الصلاة لأنها أول ما سيحاسب عليها العبد يوم القيامة ، وليكن شعارنا ( إلا الصلاة ) ..
الهمسه 23 :
مما يشرح الصدر قراءة الجمال في خلق ذي الجلال والإكرام ، والتمتع بالنظر في الكون ،
هذا الكتاب المفتوح ، فالله يقول في خلقه : ﴿فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾ ،
ويقول : ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ﴾ ،
ويقول : ﴿قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ ..
إن من أخبار الكون ، ما يدلك على حكمة وعظمة
﴿الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ ..
قال الشاعر :
وكتابي الفضاء أقرأ فيه *** صورا ما قرأتها في كتابي
قراءة في الشمس اللامعة ، والنجوم الساطعة ، في النهر, في الجدول , في التل , في الشجرة ,
في الثمرة , في الضياء , في الهواء , في الماء ,
وفي كل شيء له ايه *** تدل على أنه الواحد
يقول إيليا أبو ماضي :
أيها الشاكي وما بـــك داء *** كيف تغدو إذا غدوت عليلا
أترى الشوك في الورود وتعمى *** أن ترى فوقه الندى إكـليلا
والــذي نـفسه بغير جمـال *** لا يرى في الوجود شيئا جميلا
*
*
الهمسة 24 :
" كلا ، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا ؛ إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ،
وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق " ..
بهذه الكلمات العظيمة تثبت أم المؤمنين خديجة قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حدثها
بشأن المَلك الذي نزل عليه بغار حراء ، حيث قال لها معبرًا عن خشيته :
" لقد خشيتُ على نفسي " ..
وكان دور المرأة والزوجة الصالحة هو تخفيف حدة الضنك التي لحقت بنبي
الرحمة صلى الله عليه وسلم جراء هذه المقابلة الشديدة الصعبة مع " جبريل " ،
وتؤكد له عناية الله به ، مدللة على خصال كريمة يتصف بها المصطفى ،
وسلوكيات طيبة يمارسها في مجتمعه ..
فهي توضح له بكل صراحة أن الله لن يخزيه لعلة واحدة ، هي أنه مواظب
على جملة من العبادات الاجتماعية , فلن يخزي الله من وصل الرحم، وصدق الحديث ،
وحمل الكَل ، وأكرم الضيف ، وأعان على نوائب الدهر
إنها تتحدث إلى زوجها كطبيبة نفوس ، وكفيلسوفة فكر، وكعالمة في سنن
الله ونواميسه في الخليقة ..
إنها بكلماتها تلك تسبق ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، والآفات والهلكات ..."
..
هذا القلب الكبير الذي يحمل كُل هذا الخير للناس لا يخزيه الله ، لن يصل الحُزن
إلى قلبه ، ولن يصل الخوف من الناس إلى وجدانه ، بل ستنعم حياته ، وينعم قلبه ،
ويزهو ويفرح ، وينجلي غبار الضنك عن رأسه ..
" كلا " ..
لن يحزن قلبك ، ما دام يحمل الخير للناس ..
" أبشر" ..
سيندمل الجرح ، ويزول الوجع ، وستمضي في طريق الحياة بهذا القلب الخيّر،
يفيض منه النور إلى البشر، وتسرج به قلوبًا غلفًا، وعيونًا عميا ، وآذانًا صما ..
" فوالله لا يخزيك الله أبدا " ..
لست أنت بالوجه الذي يرده الله ، ولست أنت بالعبد الذي يتخلى عنه ربه ،
فأنت عبد أكرمت عباده ، أشبعت جوعتهم ، وأذهبت ظمأتهم ، وكسوت عورتهم ،
ومسحت على رأس اليتيم ، فكنت الأب ، وعفوت عمن أساء إليك فكنت الأم :
وإذا رحمت فأنت أمٌّ أو أب هذان في الدنيا هما الرحماء
لا يخزيك .. ولم ولن يخزيك الله أبدًا.. فانعم بحياتك
" إنك لتصل الرحم "
فمن قطعك وصلته ، تغني القريب الفقير، وتقوّي القريب الضعيف ، أنت سند أهلك ،
ووتد أقاربك ، لم يسمعوا منك إلا كل خير، ولم يروا منك إلا كل صلاح .. أنت لكبيرهم
ابن ، ولصغيرهم أب ، ولصاحبهم أخ ..
" تصدق الحديث "
لا تكذب أبدًا ، لا تغش أبدًا ، لا تزور شهادة ، ولا تدلس مقالة ، لم يُعهد عليك كذبة
واحدة في حياتك ، ولم تتلطخ لحظة واحدة في براثن الكذب ..
" تحمل الكَل "
وهو العاجز، لا تُعينه وفقط ، بل تحمله ولا تحمله فقط ، بل تحمله وحاجته
لا ينزل عنك إلا وقد قضيت مسألته ، ورحمت ذلته ، وأسعدت قلبه ..
" تقري الضيف "
ما أكرم الناس إذا نزلوا بدارك وما أعظمهم إذا حلوا بحضرتك أوقدت القدور،
وجهزت النمارق ، وقضيت الحاجات ، فإن بات الضيف بدارك بات آمنًا عزيزًا،
وإن انصرف فمُكرم مسرور..
" تعين على نوائب الدهر"
فمصائب الأيام كثيرة ، وجراح الواقع كبيرة ، فيأتيك طالب العون فتعينه على نائبته ،
ويأتيك المكروب فتعينه على كربته.. أنت الظَهر للبائسين ، فأنت لجراحهم طبيب ،
وأنت ليتمهم أب ..
والصدّيق كذلك
و" أبو بكر" تلميذه العظيم يسير على شرعته ، ويمارس صنعته ، ويُبتلى ،
فيخرج مهاجرًا نحو أرض الحبشة ، حتى إذا بلغ ( برك الغماد ) لقيه " ابن الدغنة "
وهو سيد ( القارة ) فقال : " أين تريد يا أبا بكر "
فقال أبو بكر: " أخرجني قومي ، فأريد أن أسيح في الأرض ، فأعبد ربي " ..
فقال ابن الدغنة : " فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ، ولا يُخرج مثله ، إنك تكسب
المعدوم ، وتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق ،
وأنا لك جار، فارجع فاعبد ربك ببلدك..
فأصحاب هذه الصنائع الخيرية ما كان الله ليخزيهم ، وما كان ليكلهم إلى
بعيد كافر، أو إلى قريب ظالم ، هم أحق بالتمكين ، وأولى بسعادة الدنيا والآخرة ،
وكان حقًّا على الله أن يسخر لهم أمثال " ابن الدغنة "..
ينصرهم ويؤازرهم ، حتى ينعم صناع الخير في ظلال الله ..
فاصنع خيرًا.. يسعد قلبك ، ولا يخزيك الله ..
الهمسة 25:
المتأمل في الخطاب القرآني يلحظ أن قضية بناء المنهج ، وقضية بناء المعمار
الفكري للإنسان المسلم قضية أساسية ، يتجلى ذلك في أن القرآن والسنة النبوية -
من حيث أنها مبينة وشارحة له - قد عنيا ببناء الكليات ، فركزا على بناء العقيدة
قبل أن يتجها إلى تنزيل الأحكام التفصيلية للشريعة المفصلة ، وفي هذه
الأحكام نبها إلى المقاصد الكبرى ، وجعلا الأحكام التفصيلية المفصلة معللة
لإثارة الانتباه إلى الكليات والمقاصد الكبرى للدين ..
وفي مجال الأخلاق نبها إلى مكارم الأخلاق وأصولها ، وأثارا الانتباه إلى اشتقاق
كثير من فروع الأخلاق من تلك الأصول الكلية ، كما نبها على أن الإيمان شعب
مرتبه من حيث الأولوية من الأدنى إلى الأعلى ..
وهذا التنبيه إلى الأولويات ومراتب الأعمال هو الذي استنبط منه الفقهاء الأحكام
الفقهية المعروفة، التي تتدرج من الوجوب إلى الندب والاستحباب إلى الإباحة ثم
الكراهة والتحريم ، وفي الواجبات استنبطوا منه التمييز بين واجبات فردية عينية ،
وأخرى كفائية ، وفي الواجبات بين واجبات وقتية ، أو واجبات على الفور،
وواجبات على الاسترخاء إلى غير ذلك من التفصيلات التي ليس المجال هنا
مجال تفصيل فيها , وهو ما استنبط منه بعض العلماء والمفكرين الإسلاميين
المعاصرين ما اصطلح عليه اليوم بفقه الأولويات ..
غير أن الفقه الإسلامي - إن كان أقرب العلوم الإسلامية إلى المصدرين
الأولين الأساسين للشريعة : أي القرآن والسنة - لم يكن دوما في تعامله مع هذين
المصدرين محكوما بمنطقهما الداخلي ( كلياتهما ومقاصدهما ) ، بل وجدنا أنه -
ومن خلال تفاعله مع معطيات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية - كان
يمتص أحيانا جانبا من جوانب الثقافة الاجتماعية , وإذا كان هذا الامتصاص
يتم أحيانا بطريقة إيجابية وواعية من خلال اعتبار المصلحة المرسلة والعرف ،
فإنه كان يتم أحيانا أخرى بطريقة سلبية خاصة حين غلب التقليد وتعطلت ملكة
الاجتهاد في العصور المتأخرة ..
الرؤية الإسلامية التقدمية
لا يجادل أحد في أن الإسلام قد كرم المرأة وحررها تحريرا حقيقيا لم يُسبق إليه ،
ولم يأت زمان بمثله ، لكن لا أحد يمكنه أن ينفي أن الممارسة الاجتماعية
لم تساير في الغالب الأعم تلك الرؤية الإسلامية التقدمية. وتشير حادثة وقعت
في وقت مبكر من الإسلام إلى علاقة بعض الأحكام الفقهية الخاصة بالمرأة
بالثقافة الاجتماعية ..
الواقعة المذكورة جاءت في سياق حديث لعمر بن الخطاب عند نزول بعض
آيات سوره التحريم حيث يقول عمر: '' كنا معشر قريش قوما نغلب النساء ،
فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم ، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم ،
قال : وكان منزلي في دار أُميَّة بن زيد بالعوالي ، فغضبت يوما على امرأتي ،
فإذا هي تراجعني ، فأنكرت أن تراجعني ، فقالت : ما تنكر أن أراجعك فواللّه
إن أزواج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليراجعنه ، وتهجره إحداهن اليوم إلى
الليل ، قال : فانطلقت فدخلت على حفصة ، فقلت :
أتراجعين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قالت : نعم ، قلت :
وتهجره إحداكنّ اليوم إلى الليل قالت : نعم " ..
ففي هذه الرواية إشارتان : الإشارة الأولى : هي التفاوت الاجتماعي بين مجتمع
مكة ، ومجتمع المدينة في النظر إلى المرأة ، وطريقة التعامل معها ،
إلى درجة أن عمر، المنحدر من قريش كان ينظر إلى تلك العلاقة من منظور
الغلبة ، فالقرشيون كانوا يغلبون النساء ويستكثرون عليهن مراجعة أزواجهن ،
على عكس ما كانت عليه نساء الأنصار، وتأمل كيف استنكر عمر بمنطق
الثقافة القرشية ذلك على اعتبار أنها غلبة من النساء للرجال ..
أما الإشارة الثانية : وهي كيف أن الإسلام من خلال سيرة نبيه محمد صلى
الله عليه وسلم في نسائه قد مال إلى منطق تكريم المرأة ، وإعادة الاعتبار
إليها وجعل منها ذاتا مستقلة ، لها أن تعبر بحرية عن رأيها ، ولو تعلق الأمر
بسيد البرية محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم يمل إلى منطق الغلبة الذي
تحدث عنه عمر قبل أن يتبين له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
له سلوك آخر مع نسائه يميل إلى منطق الأنصار..
غير أننا بالابتعاد تدريجيا عن عصر الرسالة سنجد أن الفقه الإسلامي ذاته
وكثيرا من أحكامه - ستتأثر بمنطق الثقافة الاجتماعية السائد آنذاك ،
وليس بالمنطق التحريري الذي جاء به الإسلام ..
نتأمل ذلك مثلا في بعض الأحكام الفقهيةالخاصة بشأن المرأة ، ونأخذ على سبيل
المثال تأكيد بعض الاجتهادات الفقهية أن صوت المرأة عورة ،
في الوقت الذي يقرأ المؤمنون في سوره المجادلة بوضوح عن تلك المرأة
التي جاءت تجادل رسول الله ، وتشتكي إلى الله ، وتتحاور مع رسول الله ،
وكيف أن الله قد سمع الحوار الذي دار بينهما ، وفي الوقت الذي نجد
فيه أمرا واضحا للنساء بأن يشاركن ويتكلمن ؛ لكن باحترام الضوابط
الشرعية كما في قوله تعالى : { وقلن قولا معروفا } ..
الهمسة 26 :
مهما رأتك الأعين ضئيلاً ، لن يصعب عليك بلوغ ما تريد ، مهما بدا لك
مستحيلاً ، فقط كن ذا عزيمة ، وإرادة ، وإصرار،
ومن قبلهم الإيمان .. تمامًا مثل هذا الطائر..
نووور البدر @nooor_albdr
محررة فضية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️