مجاااااهدة @mgaaaaahd
الوسام الفضي
نحن قوم حتفنا تحت ظلال السيوف
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على جميع الأديان، وأمدّه بملائكة السماء تقاتل بين يديه مقاتلة الفرسان، ونصره بريح الصبا تحارب عنه أهل الزيغ والعدوان، وأقام له جنوداً من المهاجرين والأنصار تقاتل معه بالسيف والسهم والسنان، وتصاول بين يديه في ميادين السباق تصاول الأقران وتبذل في نصرته من نفوسها وأموالها نفائس الأثمان تسليماً للمبيع الذي جرى عقده على أيدي الصادق المصدوق والتزم للبائع الضمان ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن).
".
و لتبيان الصواب طمعاً في الأجر والثواب وذباً عن أعراض المجاهدين، الذي يبيت الواحد منهم وسلاحه له ضجيعاً ويصبح ومعترك الحرب الضروس له ربيعاً، يلبي داعي الموت سامعاً له مطيعاً، يجتهد في إخلاص كل أسير ومكروب، ويبيد بيده رأس الكفر وأئمة الطاغوت.
لمّا رأيت الجهاد في هذا الزمان قد درست آثاره فلا ترى، وخرس لسان النفير اليهم فلا نجد إلا من طوى بساط نشاطه عنه أو تركه لكثرة المثبطين من بني جلدتنا الذين يتحدثون بألسنتنا بل بعضهم يتفيهق بليِ اعناق النصوص لتخدم تثبيطه للأمة عن الجهاد مستدلاً تارة بالآيات وتارة بالأحاديث وتارة بأقوال السلف رضوان الله عليهم.
ولعظم فتنة المثبطين ولبسهم الحق بالباطل، وبإتقان شبههم يمكن لأهل الإيمان ان ينخدعوا بقولهم لذا حذرالله خير الناس بعد الأنبياء منهم وفضحهم بقوله سبحانه ( لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم ). يخاطب الله بهذه الآية صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فيهم سماعون للمثبطين، ليس لضعف إيمانهم ولكن لأن المثبطين أصحاب منزلة في أقوامهم أخفت بواطنهم فالمثبطون عن الجهاد يجلبون بخيلهم ورجلهم وبكل ما أوتوا من قدرة على ذلك ليمنعوا العبد من الجهاد وبالتالي يمنعون الأمة من السير على طريق العزة.
ولقد سطرلنا القرآن من مواقف العزة، ما تذهل له العقول، يتجلى ذلك بموقف من كانوا سحرة لفرعون حينما هددهم بالقتل والصلب والهلاك بعدما أعلنوا ايمانهم فقال ( فلأقطعن ايديكم وارجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى) فأجابوا بعزة المؤمن ( قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضى هذه الحياة الدنيا). نعم والله إن هذا ليس من الهلكة في شيء بل هو النصر العظيم والثبات على المبادئ حتى الممات. وهاهم أصحاب الأخدود قد ساومهم أهل الكفر على أمرين أحلاهما مر: أما الرجوع عن توحيد الله أو الموت حرقاً بالنار، فلم تكن نار الدنيا لترجعهم عما هم عليه، فتهافتوا في النار كأنهم جراد بإقدام وفداءُ لم يرعبهم منظر النيران.
و في بيعة العقبة وقف العباس بن عبادة رضي الله عنه وقال لأصحابه :" هل تدروت على ما تبايعون هذا الرجل؟ (يعني محمد عليه الصلاة والسلام) قالوا: نعم قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس، فإن كنتم ترون أنكم اذا نهكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتلاً أسلمتموه، فمن الآن فهو والله خزي الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكت الأموال وقتل الأشراف فخذوه فهو والله خير الدنيا والآخرة.
قالوا(واسمع ايها المحب ما قالوا): فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف".
وقال أسعد بن زرارة رضي الله عنه:" إن اخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف فإما أنتم تصبرون على ذلك فخذوه وأجركم على الله واما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم عند الله".
لقد بايع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمداً على هلكت الأموال والأولاد والأشراف وعلى مفارقة العرب ومقاطعتهم كافة (وهو ما يسمى اليوم بالحصار الإقتصادي) ولذلك مدحهم الله في القرآن الكريم على صنيعهم هذا وسماهم أنصاراً لنصرهم هذا الدين بالنفس والمال والولد.
لقد فهم السلف الصالح أن لهذا الدين تبعات وهي في نظر البعض مهالك، فمنذ أن أشرق نور الإسلام قال ورقة بن نوفل لنبينا صل الله عليه وسلم إنه لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي واوذي واخرج من دياره.
فهذه التبعات والمهالك: من قتل النفس والولد ومفارقة الديار والأوطان لأجل الله ورسوله هي في منظور الشرع عقد مع الله ثوابه الجنة.
قال تعالى: ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة). الآية
وقال تعالى: ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد).
ومعنى يشري: أي يبيع
وهذه الآية قد اختلف العلماء في سبب نزولها فقال بعضهم: إنها نزلت في صهيب الرومي رضي الله عنه عندما أقبل مهاجراً الى المدينة، فتبعه نفر من قريش فنزل عن راحلته وانتشل ما في كنانته وأخذ قوسه وقال: لقد علمتم أني من أرماكم، وأيم الله لا تصلون إليّ حتى أرميكم بكل سهم في كنانتي ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء، ثم افعلوا ما شئتم قالوا: لا نتركك تذهب عنا غنياً وقد جئتنا صعلوكاً، ولكن دلنا على مالك بمكة ونخلي عنك وعاهدوه على ذلك ففعل، فلما قدم على رسول الله صل الله عليه وسلم نزلت
( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) الآية فقال له رسول الله صل الله عليه وسلم :" ربح البيع أبا يحيى".
وقال ابن كثير في تفسيره: وأما الأكثرون، فحملوا ذلك على أنها نزلت في كل مجاهد في سبيل الله كما قال تعالى: ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة". أ. هـ.
وقد روى ابن أبي شيبة عن محمد بن سيرين قال: جاءت كتيبة من قبل المشرق من كتائب الكفار، فلقيهم رجل من الأنصار، فحمل عليهم، فخرق الصف، حتى خرج، ثم كرّ راجعاً، فصنع مثل ذلك مرتين أو ثلاثاً، فإذا سعد بن هشام يذكر ذلك لأبي هريرة، فتلا هذه الآية ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله).
وعن المغيرة بن شعبة قال: كنا في غزاة فتقدم رجل فقاتل حتى قتل فقالوا: ألقى هذا بيده الى التهلكة، فَكُتِبَ فيه الى عمر، فكتب عمر ليس كما قالوا، هو من الذين قال الله فيهم: فذكر الآية.
ولقد سَأَل محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه يوماً عن المفلس من هو؟ فقال الصحابة المفلس من لا درهم له ولا دينار، فبين لهم صلى الله عليه وسلم المفهوم الحقيقي للإفلاس بمنظور الشرع قائلاً: المفلس من أمتى من يأتي يوم القيامة وقد شتم هذا وسفك دم هذا وضرب هذا..
ولو سألنا اليوم عن ( التهلكة ما تعريفها؟ لبادر الأفاكون الأدعياء بالقول: التهلكة أن تذهب الى أرض الجهاد أو أن ترمي بنفسك بين الكفار كما يفعل اليوم في العراق فنقول لهؤلاء أن الشرع الحنيف وضح لنا المعنى الصحيح للتهلكة على لسان نبينا قال صلى الله عليه وسلم:" إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلّط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا الى دينكم".
ومعنى الحديث: أن الناس إذا تركوا الجهاد وأقبلوا على دنياهم وقعوا في التهلكة، فتسلط عليهم العدو لعدم تأهبهم له ورضاهم بما هم فيه من متاع الدنيا، فأولاهم العدو ذلاً وهواناً لا يتخلصون منه حتى يرجعوا الى ما هو واجب عليهم من جهاد الكفار والإغلاظ عليهم واقامة الدين ونصرة الإسلام وأهله واعلاء كلمة الله واذلال الكفر وأهله.
فدلّ هذا على أن ترك الجهاد والإعراض عنه والركون الى الدنيا مهلكة عظيمة قد تخرج صاحبها من الدين وكفى به اثماً مبيناً.
وقال صلى الله عليه وسلم:" ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب".
والعذاب هو التهلكة في منظور الشرع.
فبدّل الذين ظلمو ا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: الجهاد في العراق لدفع العدو الصائل يورث التهلكة والعذاب ( فإنا لله وانا اليه راجعون وحسبنا الله ونعم الوكيل) فقلّ أن تجد من هؤلاء الادعياء أحداً الا وقد استولت عليه الذلة لمن يرى أن رزقه يأتي من جهته واستعبده الطمع والخوف من فواته أو نقصانه، فبدل وغير ولبس على الناس.
واسمع أيها المحب الى البراء بن عازب رضي الله عنه وقد سئله رجل:" إن حملت على العدو وحدي فقتلوني أكنت ألقيت بيدي الى التهلكة قال لا، قال الله لرسوله( فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك).
وسأل آخر البراء عن قوله تعالى( ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة) : أهو الرجل يحمل على الكتيبة وهم ألف، والسيف بيده؟ قال : لا ولكنه الرجل يصيب الذنب فيلقي بيده ويقول: لا توبة لي؟.
وعن أبي عمران قال:" كنا بمدينة الروم فأخرجوا إلينا صفاً عظيماً من الروم فخرج اليهم من المسلمين مثلهم وأكثر، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل بينهم، فصاح الناس وقالوا: سبحان الله يلقي بيده الى التهلكة فقام أبو ايوب فقال: أيها الناس انكم لتؤولون هذا التأويل وانما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لما أعزّ الله الإسلام وكثر ناصروه فقال بعضنا لبعض: لو أقمنا في أموالنا واصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله تعالى على نبيه ما يردّ علينا ما قلنا ( وأنفقو في سبيل الله ولا تلقوا بأيدكم الى التهلكة). وكانت التهلكة الإقامة على الأموال واصلاحها وتركنا الغزو.
فما زال أبو ايوب شاخصاً في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم.
وبوب عليه البيهقي في سننه: باب جواز انفراد الرجل والرجال بالغزو في بلاد العدو استدلالاً بجواز التقدم على الجماعة وان كان الأغلب أنها ستقتله.
فإنتبه أيها المحب الى قول أبي ايوب: فأنزل الله على نبيه ما يردّ علينا ما قلنا.
وفي قصة أصحاب بئر معونة وقد تخلف عنهم رجل من الأنصار لحاجة له فرأى الطير عكوفاً على مقتلة أصحابه فقال لعمرو بن امية سأقدم على هؤلاء العدو فيقتلونني ولا أتخلف عن مشهد قتل فيه أصحابنا، ففعل فرجع عمرو فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فيه قولاً حسناً ولم ينكر فعله. وفي البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رهطاً من أصحابه عيناً وكانوا عشرة، فنفر لهم بنو لحيان قريباً من مائتي رجل كلهم رام فاقتصوا آثارهم وأحاطوا بهم وطلبوا منهم أن ينزلوا على العهد والميثاق ولا يقتلوا منهم أحد، قال عاصم أمير السرية: أما انا فوالله لا انزل في ذمة كافر، فرموهم بالنبل فقتلوا عاصماً في سبعة، فنزل اليهم ثلاثة رهط على العهد والميثاق فلما استمكنوا منهم أوثقوهم فقال رجل من الثلاثة هذا أول الغدر لا أصحبكم إن لي في هؤلاء لأسوة يريد القتلى فقتلوه). قال الشوكاني في النيل: لم ينقل أن النبي أنكر ما وقع من الثلاثة المذكورين من الدخول تحت أسر الكفار، ولا أنكر ما وقع من السبعة المقتولين من الإصرار على الإمتناع من الأسر، ولو كان ما وقع من إحدى الطائفتين غير جائز لأخبر صلى الله عليه وسلم أصحابه بعدم جوازه وأنكره فدل ترك الإنكار على أن يجوز لمن لا طاقة له بعدوه أن يمتنع من الأسر وأن يستأسر. أ.هـ
وقال القاسم بن مغيرة أحد أئمة التابعين في قوله ( ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة) قال التهلكة ترك النفقة في سبيل الله ولو حمل الرجل على عشرة آلاف لم يكن بذلك بأس. وقال مجاهد :" اذا رأيت العدو فإنهد ( أي: إنهض) فإنما نزلت هذه الآية في النفقة".
وفي الصحيحين عن يزيد بن أبي عبيد قال:"قلت لسلمة بن الأكوع على أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية؟ قال على الموت".
ومن المعلوم أن أهل مكة كانو أضعاف أضعاف المسلمين، وهم مدججون بالسلاح، وأما المسلمون فكانوا قلة وليس معهم من سلاحهم إلا السيف، فسميت هذه البيعة بيعة الموت ولم تسم كما في عرفنا اليوم بيعة القاء النفس في التهلكة.
وقال أنس بن النضر يوم أحد - لما بلغه هزيمة المسلمين ومقتل رسول الله – لأصحابه قوموا فموتوا على مامات عليه. قال ابن حجر في ذكر فوائد قصة انس: ان طلب الشهادة في الجهاد لا يتناوله النهي عن الإلقاء الى التهلكة.
وقال صلى الله عليه وسلم:" يأتي على الناس زمان أحسن الناس فيهم رجل آخذ بعنان فرسه في سبيل الله كلما سمع بهيعة استوى على متنه ثم طلب الموت مظانه".
وفي الحديث عن الثلاثة الذين يضحك من فعلهم الرب: منهم رجل انكشفت فئة فقاتل وراءها بنفسه فإما أن يقتل واما أن ينصره الله ويكفيه". وفيه أيضاً أن ثابت بن قيس قال لأصحابه يوم اليمامة وقد انهزموا: ما هكذا كنا نفعل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بئس ما عودتم اقرانكم. وكان ثابت قد حنط نفسه وتجهز للعدو فحمل عليهم فقاتل حتى قتل. قال المهلب وغيره: في الحديث جواز استهلاك النفس في الجهاد وترك الأخذ بالرخصة والتهيئة للموت بالتحنط والتكفن.ا.هـ
وفيه ان المعارك الفاصلة التي تحدد مصير الأمة يجوز فيها بل يجب استهلاك الأنفس والأموال لحسم المعركة لصالح الأمة كما فعل صلاح الدين الأيوبي رحمه الله عندما حرّق قرية بأكملها لما أراد أهل الصليب الاستلاء عليها لفتح بيت المقدس، وكانت هذه القرية قريبة من بيت المقدس وذات موقع استراتيجي وكما أشار عليه بعضهم بهدم قلعة عكا لئلا يغلب عليها الصليبييون ثم ندم بعد ذلك على عدم هدمها.
وفي الحديث أيضاً: عجب ربنا من رجلين منهم رجل غزا في سبيل الله فأنهزم أصحابه وعلم ما عليه في الإنهزام وماله في الرجوع، فرجع حتى يهريق دمه فيقول الله: انظروا الى عبدي رجع رجاء فيما عندي وشفقة مما عندي حتى يهريق دمه".
فماذا يقول هؤلاء الأدعياء أمام قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن أعجب أنواع التضحية والفداء ما ذكر من قصة بسر بن ارطأة وكان قد غزا الروم فجعلت ساقته ( أي- مؤخرة الجيش)لا تزال تصاب، فيكمن لهم الكمين، فيصاب الكمين، فلما رأى ذلك تخلف في مائة من جيشه، فانفرد يوماً في بعض أودية الروم، فإذا براذين ( أي-الخيل) مربوطة نحو ثلاثين، والكنيسة الى جانبهم فيها فرسان تلك البراذين الذين كانوا يعقبونه في ساقته، فنزل عن فرسه فربطه ثم دخل الكنيسة فأغلق عليه وعليهم بابها، فجعلت الروم تعجب من إغلاقه، فما استقلوا الى رماحهم حتى صرع منهم ثلاثة، وفقده أصحابه فطلبوه فعرفوا فرسه وسمعوا الجلبة في الكنيسة فأتوها فقلعوا بعض السقف ونزلوا عليهم، وبسر ممسك طائفة من أمعائه بيده والسيف بيده اليمنى، فلما تمكن أصحابه من الكنيسة سقط بسر مغشياً عليه، فأسروا منهم وقتلوا، فأقبلت عليهم الأسارى فقالوا: ننشدكم الله من هذا؟ قالوا: بسر بن أرطأة فقالوا: والله ما ولدت النساء مثله ، فعمدوا الى أمعائه فردوه في جوفه ولم ينخرق من شيئ ثم عصبوه بعمائمهم وحملوه ثم خاطوه فسلم وعوفي".
وأعظم من فعل بسر ما فعله البراء بن مالك يوم اليمامة فإنه احتمل في ترس على الرماح وألقي على العدو داخل الحصن فقاتل وحده فقتل منهم عشرة وفتح الباب، وجرح يومئذ بضعا! وثمانين جرحاً ولم ينكر عليه أحد من الصحابة رضي الله عنهم.
وذكر القرطبي وغيره قالوا: خرج ملك الروم من القسطنطينية في ست مائة ألف، فكانوا لا يدركهم الطرف ولا يحصرهم العدد بل كتائب متواصلة، وعساكر متزاحمة كالجبال الشوامخ، وقد أعدوا من السلاح والآلات لفتح الحصون ما يعجز الوصف عنها، واقتسموا ممالك المسلمين فجعلوا لكل مائة ألف قطراً، العجم والعراق لملك، وديار مضر وديار ربيعة لملك ، ومصر والمغرب لملك والحجاز واليمن لملك فاضطربت ممالك الإسلام، واشتد وجلهم، وكثر جزعهم وهرب بعضهم من بين أيديهم وأخلو لهم البلاد.وكان الملك ألب ارسلان يومئذ قد جمع وجوه مملكته وقال: قد علمتم ما نزل بالمسلمين فما رأيكم؟ قالوا: رأينا لرأيك تبع وهذه الجموع لا قبل لأحد بها، قال الأمير: وأين المفر؟ لم يبق إلا الموت فموتوا كراماً أحسن. قالوا: أما اذا سمحت بنفسك فنفوسنا لك الفداء، فعزفزا على ملاقاتهم، فأجمع الأمير أمره وقال: نلقاهم بعد الزوال فإن اليوم يوم جمعه و لا يبقى على وجه الأرض منبر إلا دعوا لنا بالنصر، فإصطف المشركون عشرين صفاً، كل صف لا يرى طرفاه، ثم قال الأمير: بسم الله وعلى بركة الله احملوا معي ولا يضرب احدمنكم بسيف ولا يرمي بسهم الا أن أفعل، وحمل وحملوا معه حملة واحدة فرقوا صفوف المشركين صفاً بعد صف لا يقف لهم شيء حتى انتهوا الى سرادق الملك فاحاطوا به وهو لا يظن أن أحداً يصل إليه، فما شعر حتى قبضوا عليه وقتلوا كل من كان حوله، وقطعوا رأساً ورفعوها على رمح وصاحوا قتل الملك، فولوا منهزمين لا يلون على شيء.
وقد بوب أسلافنا على هذه الآثار باب: في فضل انغماس الرجل الشجيع أو الجماعة القليلة في العدو الكثير رغبة في الشهادة ونكاية في العدو.
وقال العلماء: إن قصّر الجميع عن الغزو، غزى العبد بنفسه إن قدر وإلا جهز غازياً قال ابن النحاس في مشارع الأشواق: فإن دهم العدو ولم يتمكنوا من الإجتماع والتأهب للقتال، فمن وقف عليه كافر أو كفار، وعلم انه يقتل إن استسلم، فعليه أن يتحرك ويدفع عن نفسه بما أمكنه وان كان يجوز ان يقتلوه او يأسروه وإن امتنع عن الاستسلام قتل جاز ان يستسلم وقتالهم أفضل، ولو علمت المرأة انها لو استسلمت امتدت الأيدي اليها لزمها الدفع وان كانت تقتل، لأن من اكره على الزنا لا تحل له المطاوعة لدفع القتل". فماذا على الرجل ان امتنع من الإستسلام وأخذ بالعزيمة حتى قتل أفيعقل أن يقال قد ألقى بنفسه في التهلكة لعدم استسلامه أو يقال ان المرأة قد تسببت بقتل نفسها لإمتناعها، والله إن هذا من أعظم الجهاد ولهم أسوة بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وقد تقدم نبذة من مواقفهم وبطولاتهم.
وقالوا:" يكره الغزو بغير إذن الإمام أو الأمير المنصوب من جهته ولا يحرم لأنه ليس فيه أكثر من التغريز بالنفس وهو جائز في الحهاد."
وقالوا:" يستثنى من الكراهية ما لو عطل الإمام الغزو وأقبل هو وجنوده على أمور الدنيا وغير ذلك، مما يشاهد في هذه الأعصار والأمصار فإنه لا تتوجه الكراهية لمن يريد الغزو من واحد أو جماعة حينئذ لأنهم قائمون بالفرض المعطل."
فكيف يتجرأ هؤلاء على القول بحرمة الجهاد، وقد قعد القاعدون وتقاعس المتقاعسون، وتخلف المتخلفون، ولم يكتفوا بذلك بل عطلوه ووصفوا أهله بأشنع الأوصاف، وفي المقابل مدحوا القاعدين والمتاجرين بأموال الأمة ومقدسانها فلا حول ولا قوة الا بالله.
وأحسنهم من يقول:" لا جهاد الا مع خليفة أو امام".
وليسمع هؤلاء الى قول الإمام ابن قدامة في المغني:" وإن عُدم الإمام لم يؤخر الجهاد لأن مصلحته تفوت بتأخيره".
وهذا كله في جهاد الطلب وهو فرض كفاية اذا قام به البعض سقط عن الآخرين فإن تركه الجميع اثم من لا عذر له.
وقال بعضهم:" عمّ الإثم الجميع، وقد أشار بينا صلى الله عليه وسلم لهذا المعنى بقوله: ( ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب).
وأما إن دخل الكفار بلدة لنا أو أطلوا عليها ونزلوا بابها قاصدين أهلها، وهم مِثلا أهلها أو أقل من مثليهم صار الجهاد حينئذ فرض عين فيخرج العبد بغير إذن السيد والمرأة بغير اذن الزوج إن كان فيها قوة دفع، وكذلك يخرج الولد بغير إذن صاحب الدين. وهذا جميعه مذهب مالك وابي حنيفة والشافعي وأحمد.
قال الماوردي:" قتال الدفع فرض على كل مطيق".
فيجب المسير الى البلد الذي نزل به العدو إن لم يكن في أهل ذلك البلد ومن يليهم كفاية، فإن خرج اليهم من تحصل به الكفاية سقط الحرج عن الباقين وفاتهم الأجر العظيم والثواب الجزيل.
ولو كان في أهل تلك البقعة التي نزل بها العدو كثرة فخرج منهم من فيه كفاية فالأصح وجوب المساعدة على الباقين ومن كان في مكان فنزل العدو منه دون مسافة القصر تعين فرض القتال عليه لتعينه على أهل البلدة التي نزل بها العدو.
وأما الذي فوق مسافة القصر وان كان فيمن دونهم كفاية لا تجب المساعدة. وقال بعضهم:" تجب على الأقربين فالأقربين بلا ضبط حتى يبلغ الخبر بأن الكفار قد دفعوا وأخرجوا وليس لأهل البلد ثم الأقربين فالأقربين اذا قدروا على القتال أن يلبثوا الى لحوق الآخرين ولا يشترط وجود المركوب فيمن دون مسافة القصر، وفيمن على مسافة القصر فيما فوقها قولان: الإشتراط
والثاني: لا يشترط لشدة الخطب وعظم البلوى، فالعدو جاء بحده وحديده لتدمير البلاد وإذلال العباد ومحوا الشريعة وطمس الملة، قال تعالى: ( يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون ) فلا عذر لأحد اليوم في التخلف عن الجهاد لتعينه فالذي قام بالواجب لا يقال له ألقى بنفسه في المهالك بل المتخلف.
والقاعد هو أحق بهذا الوصف من غيره فمثله كمثل رجل دهمه وقت الصلاة فاختار أن يحفر بئراً للفقراء حتى خرج وقت الصلاة المفروضة عليه، فترك عبادة الوقت وهي الصلاة لعبادة أخرى فكان مخطئاً آثماً وهو يحسب أنه يحسن صنعاً.
والله تعالى أعلم.
أللهم أنا نسألك شهادة ننال بها أعلى رتب الزلفى لديك فأنت ذو الفضل والإنعام وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
انتهى المقصود
منقول مع بعض التصرف
4
671
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
*^* الـــراكـــده *^*
•
بارك الله فيك وجزاك كل خير
الصفحة الأخيرة