
{فاعلم أنه لا إله إلا الله} فينبغي للمسلمين أن يعرفوا أسماء الله وتفسيرها فيعظموا الله حق عظمته، ولو أراد رجل أن يتزوج إلى رجل أو يزوجه أو يعامله طلب أن يعرف اسمه واسم أبيه وجده، وسأل عن صغير أمره وكبيره، فالله الذي خلقنا ورزقنا -ونحن نرجوا رحمته ونخاف سخطه- أولى أن نعرف أسماءه ونعرف تفسيرها".
"حقيقة الإيمان: أن يعرف الرب الذي يؤمن به، ويبذل جهده في معرفة أسمائه وصفاته، حتى يبلغ درجة اليقين، وبحسب معرفته بربه يكون إيمانه، فكلما ازداد معرفة بربه ازداد إيمانه وكلما نقص، نقص، وأقرب طريق يوصله إلى ذلك،
الله جل جلاله .. "دال على جميع الأسماء الحسنى، والصفات العليا، فإنه دال على إلهيته المتضمنة لثبوت صفات الإلهية له، مع نفي أضدادها عنه، ولهذا يضيف الله تعالى سائر الأسماء الحسنى إلى هذا الاسم العظيم، كقوله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى} ويقال: الرحمن والرحيم والعزيز والحكيم من أسماء الله، ولا يقال: الله من أسماء الرحمن ونحو ذلك فعلم أن اسمه (الله) مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى، دال عليها بالإجمال، والأسماء الحسنى تفصيل وتبيين لصفات الإلهية التي اشتق منها اسم (الله)، واسم الله دال على كونه مألوها معبودا تألهه الخلائق محبة وتعظيما وخضوعا وفزعا"
الرب: "هو المربي جميع عباده بالتدبير وأصناف النعم، وأخص من هذا تربيته لأصفيائه بإصلاح قلوبهم وأرواحهم وأخلاقهم".
وتربيته تعالى لخلقه نوعان: عامة وخاصة:
فأما العامة: فهي خلقه سبحانه للمخلوقين، ورزقهم، وهدايتهم لما فيه مصالحهم، التي فيها بقاؤهم في الدنيا.
وأما تربيته الخاصة: فهي تربيته لأوليائه بالإيمان، وتوفيقهم له، وتكميله لهم، ودفع الصوارف عنهم، والعوائق الحائلة بينهم وبينه، وحقيقتها: تربية التوفيق لكل خير، والعصمة عن كل شر. ولعل هذا المعنى هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب، فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة.
إذا تتبعت اسم (الرب) في القرآن وجدته قد ارتبط بخمسة أسماء من أسماء الله الحسنى فقط، وهي: (الرحمن، الرحيم، الغفور، الغفار، العزيز)
الواحد الأحد: فهو "الذي توحد بجميع الكمالات، وتفرد بكل كمال، ومجد، وحمد، وحكمة، ورحمة، وغيرها من صفات الكمال فليس له فيها مثيل ولا نظير، فهو الأحد في حياته، وقيوميته، وعلمه، وجلاله، وجماله، وغيرها من صفاته، موصوف بغاية الكمال، فيجب على العبيد توحيده: اعتقادا، وقولا، وعملا، بأن يعترفوا بكماله المطلق، وتفرده بالوحدانية، ويفردوه بأنواع العبادة".
لن تحتاج إلى عناء لتتأمل شيئا من معاني وآثار اسم الله: (الرحمن) فقط تأمل قوله تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء} فإيجادك، ورزقك، وصحتك، وتسخير المخلوقات لك، ولباسك، ونومك، وجوارحك، وغير ذلك، كلها من آثار هذا الاسم (الرحمن) جل جلاله، فرحم الله عبدا ترجم شكره إلى عمل.
الرحمن: "من أعطى اسم الرحمن حقه، عرف أنه متضمن لإرسال الرسل وإنزال الكتب أعظم من تضمنه إنزال الغيث، وإنبات الكلأ، وإخراج الحب، فاقتضاء الرحمة لما تحصل به حياة القلوب والأرواح أعظم من اقتضائها لما تحصل به حياة الأبدان".
الرحيم: ورد في (123) موضعا، أكثرها مقترن باسم الله (الغفور)، وهو أخص من (الرحمن) فالرحيم متعلق بالمرحوم، بخلاف الرحمن فهو متعلق بصفة الرحمة الواسعة، وليتضح هذا المعنى تأمل الآيتين التاليتين.
تأمل قوله تعالى: {وكان بالمؤمنين رحيما}، و{إنه بهم رؤوف رحيم} فقد تعلق اسم الله (الرحيم) بالمرحومين -وهم المؤمنون- ولم يأت في النصوص أبدا قوله: (رحمن بهم) لأن اسم الرحمن يشمل البر والفاجر والمسلم والكافر والإنسان والحيوان.
الملك جل جلاله.. وليس في الوجود ملك ينفذ أمره في كل ما يريد إلا (الملك) سبحانه، فله النهي والتصرف بقوله وأمره، تم ملكه بكمال غناه عن خلقه، أما ملوك الأرض فلا يستغنون عن مستشارين وأعوان، تأمل: {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير}
من مظاهر كمال ملك (الملك جل جلاله):
- أنه هو الذي يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء، فلم يدم لأحد ملك ولن يدوم إلا ملكه سبحانه.
- أن أي ملك مهما اتسع ملكه لا يستطيع أن يملك نفسه ملكا تاما، ولقد عبر عن ذلك أحد زعماء أوروبا حين قال -بعد انتصاره في الحرب العالمية-: "ملكنا العالم ولم نملك أنفسنا"
القدوس جل جلاله: المتصف بالكمال، المنزه عن كل نقص وعيب، حتى ولو كان كمالا في حق المخلوق، فالنوم -مثلا-كمال في حق المخلوق لكنه نقص في حق الخالق، ولهذا ورد في الحديث الجمع بين "السبوح والقدوس" أي: المنزه عن كل نقص، المطهر من كل ما لا يليق بجلاله.
من معاني القدوس جل جلاله: ذو البركة والفضل، ومنه: {ادخلوا الأرض المقدسة} أي: المباركة.
ومن آثار "القدوس": أن يكون أولياؤه قديسين -أي مباركين-كما جاء في الإنجيل: أن النبي الخاتم يفتح مكة بعشرة آلاف من القديسين.
السلام جل جلاله:
كثيرون يعلمون أن معنى (السلام) السالم في ذاته وأسمائه وصفاته من كل نقص وعيب، وأنه الذي يسلم عباده، ومع ذلك تتعجب ممن يرددون هذا الاسم ثم تتحول حياتهم إلى حرب لا تهدأ مع الأقربين والأبعدين، وعلى كافة المستويات النفسية والسلوكية والفكرية والأسرية.
من آثار الإيمان باسم الله (السلام):
- سلامة أقوال المؤمنين وأفعالهم من الفحش والبذاءة: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا: سلاما}.
- ربنا سلام يحب السلام، وسيلقى أولياءه في جنته بالسلام، ورسول السلام يقول: "أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم".
(المؤمن) جل جلاله: ومعنى هذا الاسم يدور على معان منها:
1- المصدق لرسله وأنبيائه فيما بلغوا عنه، الذي يقيم لهم الشواهد على صدقهم.
2- الذي أمن خلقه من أن يظلمهم.
3- الذي يؤمن خوف عبده الذي لجأ إليه بصدق في كشف كربته، ويؤمنهم يوم الفزع الأكبر.
(الوارث) جل جلاله: الباقي بعد فناء خلقه، والمسترد أملاكهم بعد موتهم، ومن أعظم آثار الإيمان بهذا الاسم:
1) الاجتهاد في العمل الصالح المؤدي للجنة التي لا يورثها الله إلا للمتقين.
2) أن الباطل مهما انتفش، فإلى زهوق، وسيورث الله عباده المتقين أرضه ليقام عليها حكم الله: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون}.
(الرزاق) جل جلاله .. هل رأيت نملة تسحب حبة إلى بيتها؟ أو طائرا يجوب الفضاء وفي فمه قطعة من طعام؟ أو جنينا في بطن أمه؟ من الذي رزقها كلها؟
أما إذا اطمأن قلبك بذكره، أو نزلت عليك سكينة عند مصيبة، أو أنعم عليك ربك بالرضا بمر القضاء .. فهذا رزق القلوب، وهو البحر لا ساحل له!
(الحي) جل جلاله: وإذا قرن باسمه (القيوم) فهو الاسم الأعظم في قول بعض العلماء، ومن آثار الإيمان بهذا الاسم:
- التوكل الصادق: {وتوكل على الحي الذي لا يموت}.
- تعظيم الله وإجلاله حينما يتذكر العبد كمال خالقه بكمال حياته، ويدرك نقصه وضعفه حين يعلم أن الخلق كلهم سيموتون، فسبحان الحي الذي لا يموت.
(القيوم) جل جلاله: الذي قام بنفسه فلم يحتج إلى أحد، ولا قيام لغيره إلا به.
وإذا ضممت هذا الاسم إلى اسمه (الحي) تبين أن الحي جامع لصفات ذاته و(القيوم) جامع لصفات أفعاله، ومن آثار الإيمان به:
- التبرؤ من الحول والقوة والافتقار الدائم له سبحانه.
- الجمع بين الاسمين (الحي القيوم) له أثر خاص في إجابة الدعوات وكشف الكربات.
(الأول) جل جلاله، وقد فسره صلى الله عليه وسلم بقوله: "أنت الأول فليس قبلك شيء"، يقول ابن القيم: "فمنه سبحانه الإعداد ومنه الإمداد، وفضله سابق على الوسائل، والوسائل من مجرد فضله وجوده، فمن نزل اسمه الأَول على هذا المعنى أَوجب له فقرا خاصا، وعبودية خاصة"
(الآخر) جل جلاله: وقد فسره صلى الله عليه وسلم بقوله: "وأنت الآخر، فليس بعدك شيء" فهو الباقي بعد فناء الخلق، "والتعلق بالآخر تعلق بالحي الذي لا يموت ولا يزول، فالمتعلق به حقيق أَن لا ينقطع، بخلاف المتعلق بغيره مما له آخر يفنى به، وهذا مما يوجب الاضطرار إلى عبودية الله، ودوام الافتقار إليه، فإليه تنتهي الأسباب، فليس وراء الله شيء يقصد أو يعبد".
(الظاهر) جل جلاله: وقد فسره صلى الله عليه وسلم بقوله: "وأنت الظاهر، فليس فوقك شيء" فلا شيء أعلى منه.
والتعبد بهذا الاسم "يجمع القلب على المعبود، ويجعل له ربا يقصده في حوائجه، وملجأ يلجأ إليه، فإذا استقر ذلك في قلبه، وعرف ربه باسمه الظاهر: استقامت له عبوديته، وصار له معقل وموئل يلجأ إليه ويهرب إليه كل وقت إليه"
(الباطن) جل جلاله: وقد فسره صلى الله عليه وسلم بقوله: "وأنت الباطن فليس دونك شيء، فلا يخفى عليه شيء من بواطن الأمور وإن دقت، "فمن تيقن إحاطته بالعوالم، وقرب العبيد منه، وظهور البواطن له، وبدو السرائر، وأنه لا شيء بينه وبينها، فإنه سيعامل ربه بهذا المقتضى، ويطهر سريرته، ويزكى باطنه.
الكبير: الذي صغر دون جلاله كل كبير، فلا شيء أعظم منه، وإذا أردت أن تعرف مكانة هذا الاسم من الشريعة، فتأمل حب الله تعالى لهذا الذكر العظيم: (الله أكبر) وكم هي المواطن التي شرع فيها الذكر؟ حتى سمى بعض النصارى -كما قال ابن تيمية- عيد المسلمين (عيد الله أكبر ) لظهور التكبير فيه، وليس هذا لأحد من الأمم أهل الكتاب ولا غيرهم غير المسلمين، فلنكبر الله قولا وعملا.
(العظيم) جل جلاله: ألم يستوقفك كثرة ورود هذا الاسم في أدعية نبيك صلى الله عليه وسلم؟
إن تأمل معناه ليورث في النفس:
1- خضوعا واستكانة وتذللا لعظمة الله! تأمل في أركان وواجبات وأذكار الصلاة! فستجدها تدور على تعظيم العظيم.
2- تعظيما لشعائر الله كالصلاة والحج وسائر الشعائر ولو كانت من السنن كالعيدين.
3- تعظيما لحرمات الله وحدوده.
(المتكبر) جل جلاله: المتعالي والمتكبر على عتاة خلقه إذا نازعوه العظمة فيقصمهم، فمن فقه معنى هذا الاسم، أورثه ذلك:
- التواضع لله، والانكسار بين يديه.
- الانقياد للشرع، والإذعان للحق.
- كل متكبر جبار من الخلق فسيقصمه المتكبر جل وعلا، وهذا يورث التواضع للعباد، وإلا فسيرى المتكبرون يوم القيامة كأمثال الذر يطأهم الناس.
(العلي، الأعلى، المتعال) جل جلاله: أسماء يفسر بعضها بعضا، ويستشعر المؤمن وهو يتدبر معانيها:
- علو الله تعالى بذاته وأسمائه وصفاته.
- الخضوع والإخبات لهذا العلي العظيم.
- الحذر من العلو في الأرض بغير الحق.
- تنزيه الله تعالى عن كل ذم ألحقه به الظالمون، تعالى الله عن ذلك علو كبيرا.
ما السر في اقتران اسم الله (القدوس) باسم (الملك) في القرآن والسنة؟!
"لعل السر في ذلك: أن من صفات هذا الملك أنه قدوس، وهذا إشارة إلى أنه سبحانه مع كونه ملكا مدبرا متصرفا في كل شيء، فهو قدوس منزه عما يعتري الملوك من النقائص، التي أشهرها الاستبداد والظلم والاسترسال مع الهوى والمحاباة".
(اللطيف) جل جلاله: الذي يوصل رحمته لخلقه بالطرق الخفية، فيلطف بهم من حيث لا يعلمون، ويسبب لهم مصالحهم من حيث لا يحتسبون، ولا يخفى عليه شيء من أعمالهم.
وإذا أردت أن ترى شيئا من آثار هذا الاسم العظيم، فتأمل خاتمة قصة يوسف: {إن ربي لطيف لما يشاء} أي: "يوصل بره وإحسانه إلى العبد من حيث لا يشعر، ويوصله إلى المنازل الرفيعة من أمور يكرهها".
(الحكيم) جل جلاله .. أتقن كل شيء خلقه وشرعه .. فلا يخلق شيئا عبثا، ولا يشرع شيئا سدى ..
وفي أقدار الله أسرار وأسرار ..
تأمل -مثلا-: أين تربى موسى عليه السلام؟ ثم كيف انتهت قصته مع فرعون؟
تدبرها وغيرها من القصص ..
تجدها كلها ناطقة بحكمة أحكم الحاكمين.
(السميع) جل جلاله .. الذي تمدح بسعة سمعه من فوق سبع سماوات لخبر امرأة جاءت تجادل في زوجها، وعائشة في ناحية الحجرة لا تسمع!
السميع الذي أجاب دعوة يوسف: {فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم}
فيا كل مهموم!
ويا كل مكروب!
ربك يحب أن يسمع دعاءك وشكواك ..
فارفعها .. فإنما هي (كن) ويأتي الفرج.
{ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} "فإن كل اسم له في القلب الخاضع لله، المؤمن به، أثر وحال، لا يحصل العبد في هذه الدار ولا في دار القرار أجل وأعظم منها، فنسأله تعالى أن يمن علينا بمعرفته ومحبته والإنابة إليه"
اسأل الله ان يجعلها بميزان حسناتك