نحو أمومة مثالية

الأمومة والطفل

نحو أمومة مثالية
نسعى جميعاً لكي نكون أمهات مثاليات، فما هي صورة الأم المثالية في أذهاننا؟
كثيرات هنّ الأمهات اللواتي يعتقدن أنه من الواجب تجنيب أولادهن متاعب الحياة كافّة والعمل على راحتهم منذ الصباح حتى آخر الليل، وشيئاً فشيئاً تتحول حياة الأمهات إلى سلسلة من الإرهاق المتواصل، وتتحول الأم إلى مدبّرة منزل لا تجد حتى الوقت الكافي لمتابعة النمو النفسي لشخصيات أولادها، ولكن ما هي الحصيلة؟ نفاجأ بعد مرور السنين بأننا صنعنا من أولادنا أشخاصاً اتّكاليين، فاشلين، غير قادرين على تحمل المسؤولية وغالباً أنانيين، فهل هذا هو ما نريد؟
السؤال هو إذاً كيف نحقق التوازن؟ كيف نبني الشخصية السليمة المتوازنة القادرة على تحمل المسؤولية من جانب والخالية من العقد من جانب آخر؟
المفتاح الأساسي هو أن الأم هي الشخص الأول الذي تقع على عاتقه اكساب الطفل المهارات مهما كانت بسيطة لأنها سوف تتحول فيما بعد إلى إبداع وتكسب الطفل ثقة في النفس.
فكيف أكسب طفلي المهارات؟
أولاً: التدرّج:
يجب البدء بتعليم الطفل كيف يقوم باحتياجاته الخاصّة ثم التدرّج في صعوبة المهام مع زيادة عمر الطفل. عن طريق إرهاف الحواس نعرف ما هي الأمور التي يستطيع أطفالنا القيام بها، لأن الطفل لن يقول لا أعرف بل سيتهرب من القيام بالعمل عندها يجب تدريبه عملياً كيف يقوم بالعمل.
ثانياً: لا بدّ من التدريب العملي:
لن نصل إلى نتيجة مُرضية عن طريق إصدار الأوامر للطفل، فإعطاء التوجيهات أمر يتقنه الجميع. فالخطوة الأولى هي تدريب الطفل عملياً على القيام بالمهمة. فمثلاً لا نقول له اربط حذاءك بل نريه عملياً كيف يقوم بذلك ثم نشاهده وهو يقوم بالربط وإن كلفنا ذلك تكرار المحاولة عدة مرات ونشرح له سبب الخطأ في كل مرة. قد يقال أليس من الأسهل لي لو ربطت حذاءه في كل مرة (مثلاً) على أن أتكبد كل هذا العناء؟ الجواب طبعاً نعم إذا كان الهدف هو أنا أو الحذاء ولكن الهدف هو الرقي بأطفالنا نفسياً وعملياُ.
ثالثاً: حذار من تأنيب الطفل في مرحلة التعلّم:
مرحلة التدريب تحتاج إلى صبر بالغ لأن الطفل لن يقوم بأي أمر بشكل ناجح من المرة الأولى، ولكن لا يجوز تأنيب الطفل إذا فشل في مرحلة من مراحل اكتساب أي مهارة لأن التأنيب والتوبيخ سوف يولّد الفشل واليأس في نفس الطفل وكما اتفقنا ليس ما يهمنا هو انجاز العمل لأنني يمكن أن أنجزه بنفسي بشكل أسرع وإنما المهم اكساب الطفل مهارات الحياة التي سيواجهها بمفرده عاجلاً أو آجلاً، ولأن التأنيب إنّما يكون من أجل ذنب متعمّد ومن المؤكّد أن الطفل ليس مقصراً وإنما قد يكون التقصير في طريقة التدريب نفسها فلكل طفل الطريقة التي تناسب شخصيته في التدريب.
رابعاً: صياغة سبب الخطأ بعبارات دقيقة وواضحة:
عندما يفشل الطفل في القيام بمهمة ما فيجب أن نوضح له أسباب القصور في طريقته ونعود لنريه الطريقة الصحيحية عملياً إذا لزم الأمر. فمثلاً: عندما لا تعرف الطفلة كيف ترتب سريرها لا نقول لها (أنت غير مرتبة أو أنت خرقاء لا تعرفين كيف ترتبين سريرك بعد) بل نوضح بالتفاصيل ما سبب هذه النتيجة كأن يكون اللحاف غير مستوياً من أحد الجوانب أو الشراشف غير مشدودة كما ينبغي...الخ.
أي ينبغي التركيز على الخطأ وليس مهاجمة شخصية الطفل لأنها لن تصلح ما فسد من العمل بل ستفسد ما صلح من شخصية الطفل.
لنتأمل معاً طريقة تعليم النبي صلوات الله وسلامه عليه لعمر بن أبي سلمة كيفية تناول الطعام:
روى البخاري ومسلم عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال: كنت غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصفحة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام سمّ الله وكل بيمينك وكل ممّا يليك.
في أحد أيّام الربيع كان مدربٌ للتنس يعلّم تلميذاً فنّ ضرب كرة التنس، وبينما كان التلميذ يكرر قذف الكرة في الهواء ثم ضربها بمضرب التنس، كان المدرب يركّز انتباهه على كل جزء من حركات التلميذ وطريقة تحريك جسمه. ولم ينتقده المدرب أبداً. وإنّما كان يعطيه ملاحظاته بعد كل ضربة حول وضعية المضرب، وارتفاع الكرة عند قذفها في الهواء وزاوية انحراف المضرب عند ضرب الكرة، وحركة الطالب بعد ضرب الكرة.
ولا بد في لعبة التنس من سقوط الكرة في منطقة محددة على أرض الملعب حتى تعتبر الضربة ناجحة. ومع ذلك من المفاجئ أن المدرب لم ينظر أبداً أين كانت تسقط الكرة بعد أن يضربها التلميذ. وبدلاً من ذلك فقد كان كل اهتمام المدرب وكل اقتراحاته منصبّة على تحسين كل خطوة أو حركة من لعب التلميذ. لقد كان المدرب متأكداً من أنّه عندما يتعلّم التلميذ مهارة كل جزء من الضرب على حدة فإنه يستطيع أن يضمّ هذه الأجزاء إلى بعضها، وستقع الكرة بالتالي في المكان المناسب.
خامساً: إيجاز الكلام وتجنّب اللّحن الرتيب في الكلام:
عند التعبير عن الفكرة الواحدة بأكثر من جملة يملّ الطفل من السّماع ولا ينصاع للأوامر. فمثلاً عندما يترك الطفل ملابسه على السرير لا نقول له (كم مرة قلت لك لا تترك ملابسك على السرير أنت تبعث الفوضى في المنزل تعبت من الجري وراءك وترتيب أمورك) بل يكفي أن نقول مثلاُ( علّق ملابسك) فنوفّر الوقت واللّغو والتفسيرات المملّة.
يقول تعالى: سورة المؤمنون (1-4).

سادساً: تعزيز السلوك الإيجابي:
من الأمور الضرورية هي تشجيع الطفل عندما يقوم بإنجاز ما ومكافأته بعبارات تعزّز ثقته بنفسه، فمن الأهداف الأساسية للعملية التعليمية تنمية حسّ السعادة عند المتعلّم، والتي تأتي من شعوره بالإنجاز الذاتي وشعوره بالقدرة على العطاء، وشعوره بامتلاك زمام نفسه وانضباطه وشعوره بالثقة بقدراته واحترامه لنفسه.
سابعاً: الكثير من الصبر:
إن التريث والمصابرة والانتظار هي خصال تتّسق مع سنن الكون القائمة ونظمه، فالزرع لا ينبت ساعة البذر، ولا ينضج ساعة النبت، بل لابدّ من المكث شهوراً حتى يجتنى الحصاد المنشود، والجنين يظلّ في بطن أمّه شهوراً حتى يستوي خلقه.
قال تعالى:. سورة العصر

المراجع:
محاضرة جدد حياتك مع طفل إيجابي للمدرّبة ميساء صبّاغ
الذكاء العاطفي والصّحة العاطفية د. مأمون المبيض
العقل فوق العاطفة د. كريستين باديسكي، د. دينيس غرينبرغر، ترجمة د. مأمون المبيض
خلق المسلم محمد الغزالي
0
357

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️