نحو جو أسري هادئ

الأسرة والمجتمع

يلاحظ أن الإنسان كلما كان أفقه واسعا ونظرته بعيدة، وتفكيره ناضجا، لم ينظر إلى المرأة من جهة واحدة أو كما يقال من بعد واحد. وإنما ينظر إليها نظرة تكاملية من جميع الزوايا.

وفي ذلك سبب للتآلف والتقارب والود والرحمة والصفح والعفو. روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ أَوْ قَالَ غَيْرَهُ "

فهنا يرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تلك النظرة البعيدة المدى النظرة العادلة التي لا تتنكر للحسنات، ولا تطوي ملفات الإيجابيات، نظرة القسط والتوسط والتعقل، نظرة واعية متكاملة واسعة تدرك جميع الجوانب، فمتى نظر الرجل إلى زوجته من هذا البعد تقلصت عنده السلبيات، وتوسعت عنده نقاط القوة وغلبت على نقاط الضعف والنقص، وانغمرت السيئات في بحار الحسنات، فتمتع بحياة أسرية هادئة.

وبعكسه صاحب النظرة الآحادية الحادة التي لا تنظر إلا الجوانب السلبية، ونقاط الضعف، وأوجه التقصير، فيتحول إلى العدسة المكبرة التي تعظم الخطأ وتقلل من الصواب، فيعيش حياة القلق والنكد.

والمرأة العاقلة الواعية الراغبة في حياة أسرية هادئة تحاول وتجاهد نفسها على أن تتمثل بهذه الصفات التي أشار إليها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:

روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ قَالَ الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ وَلا تُخَالِفُهُ فِيمَا يَكْرَهُ فِي نَفْسِهَا وَلا فِي مَالِهِ "

وروى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ "

ففي هذين الحديثين يبرز لنا كمال المرأة وتوازن شخصيتها:

1ـ فهي تسره إذا نظر وهذا بمعنى العناية في الجمال وحسن المظهر، وهذه أشياء مستلزمة لكل إنسان وهي فطرة فطر عليها الرجل والمرأة على حد سواء.

2ـ وتطيعه إذا أمر: فهي موافقة للرجل وتوافقها معه في جميع أحواله، فملائمة المرأة للرجل وانسجامها معه ومعرفتها بطبع زوجها وتكيفها له من أقوى أسباب السعادة الزوجية وهو من أبرز جوانب المرأة.

3ـ بعدها عن مواطن الريب ومواضع التهم، وفي هذا أمان لقلب زوجها وبعدا للشك فيها، وحماية لها من القلوب المريضة وهذا أصل أركان المرأة المثالية. فلا تخلو برجل غير محرم لها، ولا تخضع له بالقول، ولا تتكلم معه في غير ضرورة، ولا تطيل معه الحديث.

4ـ ليست مسرفة في طعامها وشرابها ولباسها، وليست متكلفة لزوجها ما لا يطيق، وليست تقليدية تابعة في مؤخرة الركب همها ماذا لبست فلانة واشترت علانة. بل تعتبر نفسها راعية ومحافظة على مال زوجها.

5ـ تضفي حنانها على أولادها فتكسب البيت كلها حنانا، فليست شتامة لأولادها ولا غليظة همها الدعاء عليهم، ولا مضيعة لتربيتهم، ولا تترك أولادها للخدم أو الشارع مقابل أن ترتاح من شغبهم وأذاهم، فهي راعية في البيت وحق على الراعي العناية برعيته: " والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها " وقد جعل الإسلام لها مقابل أتعابها ورعايتها ثلاثة حقوق على الأبناء، بينما فاز الأب بنصيب واحد.

ومن صفات المرأة الفاعلة الواعية الراغبة في جو أسري هادئ:

6ـ ليست أنانة ومتمارضة فلا تكثر الشكوى ولا تتمارض من كل عارض أو وعكة خفيفة، فالزوج لا يرغب أن يعيش في مستشفى، ولا يتطلع عند رجوعه من البيت إلى امرأة تزيد من همه وغمه، وإنما يتطلع إلى زوجة يسكن إليها ويفضي عندها همه وأتعابه.

7ـ ليست منانة تذكر كل حسناته وما فعلته وتجير بعض مصالحها وأعمالها الشخصية بأنها من أجل زوجها. فإن صنعت طعاما تريده قالت: من أجلك فعلته، وإن لبست ثوبا ترغبه، قالت: لأجلك لبست ….

8ـ بعيدة عن الروتين والجمود على حال واحدة.

إن تغيير الروتين في المنزل من أسباب تنقية الأجواء وتحسينها سواء كان ذلك في أثاث المنزل، أو في اللباس، أوالعادات في الأكل والشرب، فمرة موقع الدولاب هنا ومرة هناك، ومرة غرفة النوم في زاوية ومرة في أخرى وهكذا، فهي امرأة متجددة دائما.

9ـ ليس للفراغ إليها سبيل، فلا تعيش في كوكبة من الخدم، بل تقوم بأعمال بيتها بنفسها، وأين الفراغ لمثل هذه وكيف سبيله إليها؟ إذ أن الفراغ والكسل من أكبر أسباب الركود في العلاقات الزوجية، ومن دواعي الشيطان في التذكير بالحقوق المضاعة وتضخيمها، ومن المعلوم أن من طبيعة الإنسان العمل " وليس في الطبيعة ولا في الشريعة وقوف البتة، فإما إلى تقدم وإلا إلى تأخر، وإما إلى الأمام وإما إلى الخلف، وإما إلى العلو وإما إلى النزول " فمن لم يشغل نفسه بالخير شغلته نفسه بالشر، فإذا قضت المرأة وقتها في تدبير بيتها، وتربية أولادها، دون مساعد أو بديل عنها، صفا جو الأسر، وارتفعت عنه المشاكل والخلافات، فليس هناك وقت للمحادثة مع الصديقة، وليس هناك فرصة للمجالسة مع زميلة، وليس هناك ساعات للتفكير والتخيلات ووساوس الشيطان.

10ـ تتمثل عمليا قول ابن عمر: " البر شيء هين وجه طليق وكلام لين " فهي بشوشة طليقة الوجه حلوة الخطاب والحديث، لا يعرف التعبيس له طريقا إليها، ولا الخشونة سبيل عليها.

11ـ يقال في الحكمة: إن وراء كل عظيم امرأة، وأيضا يقال وراء كل رجل متعثر امرأة، إن المرأة الواعية هي التي تجدد من حياة زوجها وتبعث الهمة والثقة والطمأنينة في قلبه، وتحثه على الإقدام على الخير وترغبه فيه وتقف بجانبه، كما قالت خديجة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: " كلا لا يخزيك الله أبدا "

12ـ كلما حقق زوجها هدفا تفتح له أفاقا أخرى وهدفا آخر ليرتقي في تحقيقه، وتقف بجانبه حتى يتحقق هدفه، وتبث فيه روح الحماسة والأمل، كما وقفت خديجة رضي الله عنها، ووقفت زوجات المهاجرين إلى أرض الحبشة مع أزواجهن مؤيدات ومشجعات وباعثات للأمل.

ومن البلاء تباين الأهداف والهمم فيما بين الرجل والمرأة فبينما أحدهما همته رفيعة عالية إذا بالآخر همته دنيئة ساقطة، همة في الثريا وهمة في الثرى.

13ـ تتفهم الرجل وتحاول التكيف معه، وتحسن الاستماع إليه، فهي تدرك بأنه لا يمكن التوافق والتماثل في جميع الصفات بين أي رجل وامرأة، فلابد من التنازل وتخطي العقبات وتجاوز الهنات وعدم المحاسبة على الصغير والقطمير.

فهي مرنة مع زوجها داخل في حسابها جميع الطوارئ مستعدة للتكيف معها، فإن نقل إلى مكان انتقلت معه، وإن لم يستطع البقاء في منزل ارتحلت معه، غير متشبثة ببلد، ولا متمسكة بمكان.

تقول إحدى النساء الغربيات التي دأبت على الترحال مع زوجها: " تعلمت أن أحتمل وأقدر ما يفعله أناس يختلفون عني مشارب وتفكيرا.. وتعلمت أن أتغاضى عن المنغصات اليومية التي بدت تافهة بالقياس إلى الحاجات الأساسية التي ظننت أنني افتقدتها، بتشتيت بيتي.. وتعلمت أن البيت السعيد لا يقوم على أثاث منسق، وأدوات مرصوصة وإنما البيت السعيد هو وليد الحب، والفهم، والدفء , والقدرة على استخلاص أقصى المتعة من كل موقف طارئ.. وأكثر من هذا أنني خرجت بعقيدة ثابتة هي أن السعادة والنجاح لا دخل لهما بارتفاع مستوى المعيشة وتوفر الرفاهية "

14ـ كتومة لا تفشي له سرا، حديثها مع زوجها لا يتعدى حيطان حجرتها، تصتصغر أولئك النسوة اللاتي حديث زوجها عند كل الناس في العطاء والمنع، والفرح والحزن، وهذا من أقبح الصفات.

تنحي فاجلسي مني بعيدا أراح الله منك العالمينا

أغربالا إذا استودعت سرا وكانونا على المتحدثينا

حياتك ـ ما علمت ـ حياة سوء وموتك قد يسر الصالحينا





أسلوب حل الخلافات الزوجية:

ومع تلك الصفات الجميلة في الرجل والمرأة، تبقى الطبيعة البشرية، في الغضب وتكدر الخواطر، والأخطاء غير المقصودة، ووساوس الشيطان، وشياطين الإنس والجن المتربصين بكل بيت سعيد هادئ، وفوق ذلك الحياة الدنيا الدنية التي من طبيعتها التعب والنكد، قال تعالى: {لقد خلقنا الإنسان في كبد}.

فينبغي على الزوجين أن يأخذا هذه المسائل بالحسبان، وأن يتعاملا معها بتعقل ووعي وهدوء وحسن ظن وأن ينظر نظرة واقعية إلى الخلافات الزوجية إذ أنها من الممكن أن تكون عاملا من عوامل الحوار والتفاهم إذا أحسن التعامل معها.

والأسلوب الذي يتبعه الزوجان في مواجهة الخلاف إما أن يقضي عليه أو يضخمه ويوسع نطاقه، وقبل الدخول في حل الخلافات يحسن التنبه إلى هذه الضوابط:

أولا: لاشك أن للكلمات الحادة، والعبارات العنيفة، والكلمات غير الموزونة والمحسوبة، لها صدى يتردد باستمرار حتى بعد انتهاء الخلاف، علاوة على الصدمات والجروح العاطفية التي تتراكم في النفوس، لهذا ينبغي البعد عن الكلام الفاحش، والحط من النسب أو الجاه أو المكانة، أو سب الأسرة والأهل والأقارب.

ثانيا: لزوم الصمت والسكوت على الخلاف حل سلبي مؤقت للخلاف، إذا سرعان ما يثور البركان عند دواعيه. وعند أدنى اصطدام.

فكبت المشكلة في الصدور بداية العقد النفسية وضيق الصدر المتأزم بالمشكلة ، فإما أن تتناسى وتترك ويعفى عنها ويرضى الطرفان بذلك، وإما تطرح للحل.

ولابد أن تكون التسوية شاملة لجميع ما يتخالج في النفس، وأن تكون عن رضا وطيب خاطر.

ثالثا: البعد عن أساليب التي قد تكسب الجولة فيها وينتصر أحد الطرفين على الآخر، لكنها تعمق الخلاف وتجذره: مثل أساليب التهكم والسخرية، أو التعالي والغرور.

روى أبو داود والترمذي وأحمد عَنْ أَبِي جُرَيٍّ جَابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ رَأَيْتُ رَجُلاً يَصْدُرُ النَّاسُ عَنْ رَأْيِهِ لا يَقُولُ شَيْئًا إِلا صَدَرُوا عَنْهُ قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ … اعْهَدْ إِلَيَّ قَالَ لا تَسُبَّنَّ أَحَدًا قَالَ فَمَا سَبَبْتُ بَعْدَهُ حُرًّا وَلا عَبْدًا وَلا بَعِيرًا وَلا شَاةً قَالَ وَلا تَحْقِرَنَّ شَيْئًا مِنَ الْمَعْرُوفِ وَأَنْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ وَأَنْتَ مُنْبَسِطٌ إِلَيْهِ وَجْهُكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَعْرُوفِ وَارْفَعْ إِزَارَكَ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ فَإِنْ أَبَيْتَ فَإِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الإِزَارِ فَإِنَّهَا مِنَ الْمَخِيلَةِ وَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمَخِيلَةَ وَإِنِ امْرُؤٌ شَتَمَكَ وَعَيَّرَكَ بِمَا يَعْلَمُ فِيكَ فَلا تُعَيِّرْهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ فَإِنَّمَا وَبَالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ "

وروى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمْرٍو رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: " لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاحِشًا وَلا مُتَفَحِّشًا وَكَانَ يَقُولُ إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاقًا "

وروى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ يَهُودَ أَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكُمْ فَقَالَتْ عَائِشَةُ عَلَيْكُمْ وَلَعَنَكُمُ اللَّهُ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ قَالَ مَهْلاً يَا عَائِشَةُ عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ وَالْفُحْشَ قَالَتْ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا قَالَ أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ وَلا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ.

وروى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبَّابًا وَلا فَحَّاشًا وَلا لَعَّانًا كَانَ يَقُولُ لأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتِبَةِ مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ.

وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ.

روى الترمذي عَنْ أَبِي إِسْحَقَ قَال سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيَّ يَقُولُ سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلا مُتَفَحِّشًا وَلا صَخَّابًا فِي الأَسْوَاقِ وَلا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ بْنُ عَبْدٍ وَيُقَالُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدٍ.

وقول أنس خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي يوما لشيء فعلته لم فعلته؟ ولا لشيء تركته لما تركته "

رابعا: معرفة أثر الخلاف وشدة وطئته على الطرفين: فلا شك أن اختلاف المرأة مع شخص تحبه وتقدره وتدلي عليه، يسبب لها كثيرا من الإرباك والقلق والانزعاج، وبخاصة إذا كانت ذات طبيعة حساسة.

خامسا: البعد عن التعالي بالنسب أو المال أو الجمال أو الثقافة، فإن هذا من أكبر أسباب فصم العلاقات بين الزوجين. قال صلى الله عليه وسلم " الكبر بطر الحق وغمط الناس " أي رد الحق واحتقار الناس.

وروى مسلم عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلا يَبْغِ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ"

سادسا: عدم اتخاذ القرار إلا بعد دراسته، فلا يصلح أن يقول الزوج في أمر من الأمور لا. أو نعم. وهو لم يدرس الموضوع ولم يعلم خلفياته، ولم يقدر المصالح والمفاسد فيه، وهذا المتعجل سبيله دائما التردد وتغيير القرار بعد الإلحاح، فتصبح كل الطلبات لا تأتي إلى بعد مشادة، وتعالي الأصوات في النقاش.

أو أنه يعرف خطأ قراره، وسوء تصرفه، وضعف تقديره للأمور فيلجأ إلى اللجاجة والمخاصمة.


الخطوات العملية في حل الخلافات الزوجية

فإذا ما وقع خلاف ـ وهذا أمر حتمي إلا ما شاء الله ـ فينبغي اتباع الخطوات التالية:

1ـ تفهم الأمر هل هو خلاف أم أنه سوء فهم فقط، فالتعبير عن حقيقة مقصد كل واحد منهما وعما يضايقه بشكل واضح ومباشر يساعد على إزالة سوء الفهم، فربما أنه لمن يكن هناك خلاف حقيقي وإنما سوء في الفهم، كأن يخاطب أحدهما الآخر بكنية أو يناديه باسم يقصد بذلك احترامه وتقديره، فيفهم المقابل أن هذا من باب الازدراء والاحتقار.

2ـ تحديد موضع النزاع والتركيز عليه، وعدم الخروج عنه بذكر أخطاء أو تجاوزات سابقة، أو فتح ملفات قديمة، ففي هذا توسيع لنطاق الخلاف.

3ـ أن يتحدث كل واحد منهما عن المشكلة حسب فهمه لها، ولا يجعل فهمه صوابا غير قابل للخطأ أو أنه حقيقة مسلمة لا تقبل الحوار ولا النقاش. فإن هذا قتل للحل في مهده، حيث أنه قد يكون فهمه هذا مبنيا على أوهام وسوء ظن، ومن أساسيات الحوار أن تجعل فهمك صوابا قابل للخطأ، وفهم غيرك خطأ قابل للصواب.

4ـ يحسن تقديم بين يدي الحوار ذكر نقاط الاتفاق فطرح الحسنات والإيجابيات والفضائل عند النقاش مما يرقق القلب ويبعد الشيطان ويقرب وجهات النظر وييسر التنازل عن كثير مما في النفوس. قال تعالى: { ولا تنسوا الفضل بينكم } فإذا قال أحدهما للآخر أنا لا أنسى فضلك في كذا وكذا، ولم يغب عن بالي تلك الإيجابيات عندك، ولن أتنكر لنقاط الاتفاق فيما بيننا. فإن هذا حري بالتنازل عن كثير مما يدور في نفس المحاور.

5ـ لا تجعل الحقوق ماثلة دائما أمام العين، وأخطر من ذلك تضخيم تلك الحقوق، أو جعل حقوقا ليست واجبة في قنوات الواجب فتتأصل في النفس ويتم المطالب بها.

6ـ إدراك كل الجانبين حق الآخر ووظيفته وحدود مسؤولياته.

7ـ الاعتراف بالخطأ عند استبانته وعدم اللجاجة فيه، وأن يكون عند الجانبين من الشجاعة والثقة بالنفس ما يحمله على ذلك. وينبغي للطرف الآخر شكره على ذلك وأن يثني عليه لاعترافه بالخطأ (فالاعتراف بالخطأ خير من التمادي في الباطل ) والاعتراف بالخطأ طريق الصواب.

فلا يستعمل هذا الاعتراف أداة ضغط بل يعتبره من الجوانب المشرقة المضيئة في العلاقات الزوجية يوضع في سجل الحسنات والفضائل التي يجب ذكرها والتنويه بها.

بعض الناس يجعل الاعتراف بالخطأ في سجل السيئات فكلما حدثت مشادة، أو سوء فهم، قال الزوج أو الزوجة للآخر: تذكر المشادة الفلانية لما اعترفت أنك مخطئ فيها وتبين صواب قولي وسلامة تصرفي! وهذا مما يحمل الآخر على عدم الاعتراف مرة ثانية واللجوء إلى اللجاجة والمراء والمخاصمة ومحاولة الانتصار بحق أو باطل.

8ـ الصبر على الطبائع المتأصلة في المرأة مثل الغيرة. كما قال صلى الله عليه وسلم " غارت أمكم " وليكن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في تقدير الظروف والأحوال ومعرفة طبائع النفوس وما لا يمكن التغلب عليه.

روى البخاري عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ فَجَمَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِلَقَ الصَّحْفَةِ ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ وَيَقُولُ غَارَتْ أُمُّكُمْ ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ * وفي رواية للنسائي قال: " كلوا غارت أمكم"

روى النسائي وأبو داود والترمذي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا رَأَيْتُ صَانِعَةَ طَعَامٍ مِثْلَ صَفِيَّةَ أَهْدَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَاءً فِيهِ طَعَامٌ فَمَا مَلَكْتُ نَفْسِي أَنْ كَسَرْتُهُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَفَّارَتِهِ فَقَالَ إِنَاءٌ كَإِنَاءٍ وَطَعَامٌ كَطَعَامٍ *

9ـ الرضا بما قسم الله تعالى فإن رأت خيراً حمدت، وإن رأت غير ذلك قالت كل الرجال هكذا. وأن يعلم الرجل أنه ليس هو الوحيد في مثل هذه المشاكل واختلاف وجهات النظر.

10ـ لا يبادر في حل الخلاف وقت الغضب وإنما يتريث فيه حتى تهدأ النفوس وتبرد الأعصاب. فإن الحل في مثل هذه الحال كثيرا ما يكون متشنجا بعيدا عن الصواب.

ويحسن أن يسجل العلاج الذي يراه وهو غضبان، فإذا هدأت الأعصاب يسجل الحل الذي يراه لتلك المشكلة، ثم يقارن بين الأمرين فسيجد بينهما بونا شاسعا، وأن تقديره أثناء الغضب بعيد كل البعد عن معالجة القضية بل يزيدها تعقيدا.

11ـ ضرورة التنازل عن بعض الحقوق فإنه من الصعب جدا حل الخلاف إذا تشبث كل الطرفين بحقوقه.

12ـ دائما نتحدث عن بعض المهارات ومنها مهارة كسب الآخرين، والزوجان أحوج الناس إلى هذه المهارات.

13ـ ضرورة التكيف مع جميع الظروف والأحوال، وأن يكون هادئا، غير متهور ولا متعجل، ولا متأفف ولا متضجر. فالهدوء وعدم التعجل والتهور من أفضل مناخات الرؤية الصحيحة والنظرة الصائبة للمشكلة.

14ـ يجب أن يعلم ويستيقن الزوجان بأن المال ليس سبب للسعادة، وليس النجاح في الدور والقصور والسير أمام الخدم والحشم، إنما النجاح في الحياة الهادئة السليمة من القلق البعيدة من الطمع.

ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقي هو السعيد

15ـ غض الطرف عن الهفوة والزلة والخطأ غير المقصود.

من ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلا أن تعد معايبه

من الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط

16ـ تقدير حجم الخطأ وعدم تضخيمه، ويعالج بقدره ولا يزاد عليه ويتمادى فيه فلا يتعدى الحدود المعقولة في معالجة الخطأ. انظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد من بعض زوجاته خطأ ومخالفة فيعالجها في لحظات ولا يبقى لها أثرا بعد ذلك، لا كمن يطيل أمد الغضب والهجر أياما في أمر لا يستحق كل هذا.
2
636

هذا الموضوع مغلق.

أم معاذ و جهاد
أخي جسوم فعلا .. التنازل والحوار هما لبنتان أساسيتان لحل الخلافات ...




أما الإلتزام بشرع الله وسنة نبيه .. فهو الوقاية المثلى لهذه الخلافات ...
أم هاجر2002
أم هاجر2002
مشكور اخى جسوم على النصائح المفيدة جدا وفعلا لو عرف كل طرف واجباته واتمها على اكمل وجه بتسير الحياة بهدوء وسكينة