نداء آخر طراز

الملتقى العام

اللجنة العربية لحقوق الإنسان

ARAB COMMISSION FOR HUMAN RIGHTS

COMMISSION ARABE DES DROITS HUMAINS


رسالة إلى المرأة المغربية

حقوق المرأة مقياس تقدم البشرية



أخواتنا في المملكة المغربية

يدور النقاش حول وضعكن وحقوقكن في هذا البلد الذي يشهد تغييرات حيوية وهامة في تاريخه المعاصر تشدّ كل المدافعين عن حقوق الإنسان لتتبع ما يجري باهتمام كبير. إننا في اللجنة العربية لحقوق الإنسان نحيي كل الخطوات الإيجابية التي شهدتها المملكة المغربية مؤخرا ونؤيد مواجهة المناضلات للتيار الذي يناهض أي تغيير في وضعها. ففي الوقت الذي يظهر فيه للعيان الطريق المسدود للتجربة الأصولية في السودان ومآسي التطرف الديني في أفغانستان، نشهد اليوم تراجع التيار المتزمت والمحافظ في إيران أمام صوت الشبيبة والنساء الداعي للإصلاح والتغيير وإدخال الديمقراطية في المعادلة السياسية والاجتماعية في هذا البلد.

وإن كنا كمدافعين عن حقوق الإنسان والمرأة قد حددنا معسكرنا، إلا أننا نحرص كل الحرص على السلام الأهلي في المغرب والحوار الديمقراطي بين أبنائه وكسب كل النساء المؤمنات لقضية الحرية والكرامة الإنسانية. ولعل هذه الرسالة تذكّر ببعض المعطيات الدينية والتاريخية.

مع ظهور الإسلام، حصلت المرأة على حقوق أساسية وشاركت في الحياة العامة والنقاشات الدينية كافة. لم يكن مبدأ الفصل والعزل بين الجنسين من مبادئ تنظيم العلاقة بين المرأة والرجل في عهد النبي محمد، خاصة وأن نشأة الدين قد انطبعت بكون أول من اعتنقه امرأة (خديجة بنت خويلد) وأول من قضت نحبها تحت التعذيب من أجل الدين الجديد أيضا امرأة (سمية بنت عمار).

مع الهجرة إلى يثرب (المدينة) عرف مسلمو مكة تقاليدا أكثر ليبرالية فيها. يروي مسلم في صحيحه عن عمر " كنا معشر قريش، قوما نغلب النساء. فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم. فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم". وهناك عشرات الروايات حول عمل المرأة ومشاركتها النقاش والحياة العامة. ولنا أن نتساءل: من يستطيع أن يتصور، مع الخطاب الأصولي عن الحريم في المجتمع الإسلامي الأول، أن هناك عددا من أوائل المسلمين أعرب عن رغبته في الزواج من نساء يمارسن البغاء وتطلّب وقف هذا الحدث آية قرآنية ؟

لقد توجهت إحدى المناضلات المسلمات إلى النبي تسأله عن قضية المساواة كموفدة عن بني جنسها: "أنا وافدة النساء إليك، إن الله قد بعثك إلى الرجال والنساء كافة فآمنا بك وبإلهك، وإننا معشر النساء محصورات مقصورات قواعد في بيوتكم، وحاملات أولادكم، وأنتم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمعة والجماعة، وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحج بعد الحج وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله ، وإن أحدكم إذا خرج حاجا أو معتمرا أو مجاهدا حفظنا لكم أموالكم وغزلنا لكم أثوابكم وربينا لكم أولادكم، أفنشارككم في الأجر والثواب؟" وحول الآية القرآنية التي تسمح للنبي محمد بالزواج ممن شاء لم تمتنع عائشة عن أن تقول: "أرى ربك يسارع لك في هواك" ؟

شاركت النساء في النضال السري والهجرة، وبعضهن كأم سليم في القتال، وغيرهن آسيات (ممرضات) للمقاتلين. كن يتابعن أحكام القرآن بل وألفاظه. واستجوبت أم سلمه زوجها النبي بعد آيات غاب ذكر النساء عنها: " فما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال ؟" تقول خولة بنت قيس في وصف روح الحقبة النبوية: " كنا نكون في عهد النبي وأبو بكر وصدر من خلافة عمر في المسجد نسوة قد تحاللن وربما غزلنا وربما عالج بعضنا فيه الخوص، فقال عمر لأردتكن حرائر فأخرجنا منه إلا أنا كنا نشهد الصلوات في الوقت".

لقد قادت المرأة العربية اتجاهات سياسية كما كان حال عائشة بنت أبي بكر وغزالة الخارجية وناضلت للسلم كما فعلت سكينة بنت الحسين بن علي التي حولت مجلسها مركزا للأدب والشعر والعلوم. وحملت فترة الازدهار العباسي أفكارا أساسية حول انعتاق المرأة ومشاركتها في الحياة العامة. ينتقد المعري بشكل حاد تعدد الزوجات كما ويرفض مبدأ التعدد أيضا الإسماعيليون والقرامطة والموحدون الدروز. ويؤكد الجاحظ مبدأ المساواة بين الجنسين بالقول: " لسنا نقول ولا يقول أحد ممن يعقل أن النساء فوق الرجال أو دونهم بطبقة أو طبقتين أو بأكثر، ولكنا رأينا أناسا يزرون عليهن أشد الزراية ويحقروهن أشد الاحتقار ويبخسوهن أكثر حقوقهن".

دافع ابن رشد وابن عربي كلاهما عن حقوق المرأة وكرامتها فقال الأول "لا تدعنا حالنا الاجتماعية نبصر كل ما يوجد في إمكانيات المرأة، ويظهر أنهن لم يخلقن لغير الولادة وإرضاع الأولاد، وقد قضت هذه الحالة من العبودية فيهن على قدرة القيام بجلائل الأعمال، ولذا فإننا لا نرى بيننا امرأة مزينة بفضائل خلقية، وتمر حياتهن كما تمر حياة النباتات، وهن في كفالة أزواجهن أنفسهم، ومن هنا أتى أيضا البؤس الذي يلتهم مدننا، وذلك أن عدد النساء فيها ضعف عدد الرجال، ولا يستطعن كسب الحاجة بعملهن". وقال ابن عربي في حديثه عن الإنسان الكامل جامعا فيه بين المرأة والرجل سواء بسواء "فكلامنا إذا في صورة الكامل من الرجال والنساء فإن الإنسانية تجمع الذكر والأنثى والذكورية والأنوثية إنما هما عرضان ليستا من حقائق الإنسانية". ورغم مطالبة ابن رشد بالتجديد في الدين وإصرار ابن عربي على ضرورة تواكب الأحكام مع الزمان والمكان - وفي ذلك يقول "اعلم أن الحكيم الكامل المحقق المتمكن هو الذي يعامل كل حال ووقت بما يليق به ولا يخلط"- لم يأخذ بعلمهما ومعارفهما أبناء الشرق واستفاد منهما رواد الإصلاح في الغرب. مما حمل مشعل المعارف بعيدا عن العالم الإسلامي.

لقد ترافقت عصور الانحطاط بظلم المرأة وتهميشها وتغييبها عن الحياة العامة بكل ما رافق ذلك من تراجع في الفكر والاجتهاد والعلوم والمكانة الحضارية للعرب والمسلمين. ومع بداية الإصلاح والنهضة ذكّر عبد القادر الجزائري بأن فصل النصوص عن الزمان قد أفقد الناس حاسة التاريخ والتغيير وهو القائل: " إن نتائج الأفكار لا تقف عند حد، وتصرفات العقول؛ لا نهاية لها. لأن العالم المعنوي؛ واسع كالبحر الزاخر. والفيض الإلهي ليس له انقطاع، ولا آخر، ولا مستبعد، أن يدخر الله لبعض المتأخرين، ما لم يعطه لكثير من المتقدمين. فقول القائل: ما ترك الأول للآخر شيئا؛ خطأ. والقول الصحيح؛ هو : كم ترك الأول للآخر".

لقد عاد الحديث عن حقوق المرأة يأخذ حقه عبر نساء ورجال لم يعد بوسعهم قبول الاستبداد باسم الإسلام والسكوت عن التخلف والظلم باسم الدين. وقدم العالم العربي قاسم أمين ومحمد عبده وهدى الشعراوي ونظيرة زين الدين والطاهر حداد وغيرهم من رموز التجديد المدافعين عن حقوق المرأة في المجتمعات الإسلامية. واليوم، لم يعد يتمسك بالقراءة الاختزالية للقرآن والإسلام إلا تيار محدود من الحركة الإسلامية السياسية في وقت يشهد فيه الفكر الإسلامي المعاصر مناقشات هامة تعيد النظر في جملة المفاهيم القديمة للحكم والقضاء وعلاقات الجنسين وعلاقات الأجيال. فها هو رئيس الجمهورية الإسلامية في إيران الدكتور محمد خاتمي يقول (بعد قرابة عقدين على خطاب منغلق على نفسه دافع عنه الاتجاه المحافظ في إيران): "التراث، كما هي الحضارة، شأن بشري يستحق التغيير وإن آمنا بأبعاد ثابتة في مجال حياة الإنسان المعنوية والعقلية والإرادية، فإنه يجب القول، بأن جانبا مهما، إن لم نقل جميعه، مما نصطلح عليه بالتراث، هو نتاج بشري متأثر بالظروف الاجتماعية والتاريخية للمجتمعات، وبالتالي فهو عرضة للتغيير وليس مقدسا وخالدا". ونجد العديد من قيادات الحركة الإسلامية تسعى لبناء الجسور مع حركة حقوق الإنسان في بلدانهم، بعد أن أدركوا في التجربة والحياة عقم الخطاب الإيديولوجي المتزمت وضرورة الإصلاح للإسلام والمسلمين والمسلمات. فمن الضروري أن تصل رياح الإصلاح هذه إلى المغرب، الذي أعطى باستمرار قمما في الفقه والفلسفة واغتنى من كل مشارب المعرفة وأغنى التقدم الحضاري داخل العالم العربي وخارجه.

إننا نتوجه إلى كل الأخوات المغربيات (وكل الأخوة المغاربة أيضا) لدعم كل تحرك من أجل حقوق المرأة. فهذه الحقوق ليست شرقية ولا غربية، بل هي الأساس لأي مجتمع لإعادة التوازن الداخلي لعلاقات الجنسين فيه بحيث تقوم على أساس الكرامة. هذه الكرامة التي نصت عليها الأديان والتيارات الفكرية الكبرى للمرأة والرجل كلاهما. إنها لفرصة تاريخية أن تكتشف المرأة المسلمة، من أي تيار أتت، أنها في كل حق تناله المرأة، إنما تعود بذلك إلى مسرح الحياة والتاريخ لتكون طرفا أساسيا في صنعه والمشاركة فيه. وأن هذه الفرصة التاريخية لا يمكن أن تتعارض مع الإيمان الذي كرّم بني آدم من ذكر وأنثى.







مالاكوف في 13/3/2000

اللجنة العربية لحقوق الإنسان
2
443

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

سميرة زيدان
سميرة زيدان
ما رأيكم اخواتي بهذا النداء ؟
اترك الجواب والملاحظات للجميع للتعليق
ام اليزيد
ام اليزيد
اريد ان اصحح بعض الأخطاء
هذه المقالة صادرة من اللجنة العربية لدمار الإنسان وليست لحقوق الإنسان
قاتلهم الله كيف يصورون الأمور على هواهم
ويؤرخون التاريخ مع ميولهم ورغباتهم









اخت سميرة
مواضيعك داهادفة بارك الله فيك
اتمنى الا تنقطع ابدا