كان حزنها على فراق جدتي عميقاً غائراً .. ولكن إيمانها بقضاء الله منحها صبراً بهر الجميع .
فاجأتنا أمي الحبيبة بعد ذلك بكلمات مرتجلة , فصيحة , معبرة عن شيء من جرحها النازف , والمؤثر أنها أنشأتها وحفظتها عن ظهر قلب , وتملك القدرة على استرجاعها بدقة متناهية .
وقد رأيت وضعها بين أيديكم لمعرفة آرائكم في مضمونها , والدعاء لغاليتان بالرحمة ...
*
*
*
يا دار أمي الحبيبة .. ما بك حزينة.. كئيبة .. مظلمة ؟!!
ما هذا يا دار .. هل هو فراق الأحبة والخلان
أم حزينٌ على صاحبتك يا دار ؟!!
أم وفاء منك بالحب والعرفان ..
أم بينكما عهدٌ وميثاق أنت وصاحبتك يا دار ؟
يا دار أمي الحبيبة ..
أم لك قلب مثل قلبي يتفجر بين ألأضلعي .. أنا لا أسمعهُ ؟
أم لك دموع مثل دموعي .. وأنا لا أراها ؟
ما هذا التماثل يا رباه .. بين الجماد والإنسان !!
أم هل روح أمي تمثل نورها بالدار
فغابا معاً يا دار ....
كانت بك أمي .. كالعروس في ليلة عرسها ..
مسرورة تستقبل أحبتها ..
أو كملكة متوجة على عرشها ..
تأمر .. وينفذ أمرها ..
أو كحورية مبتسمة بثغرها الوضاء
والغلمان من حولها ...
ينتظرون أمرها ..
وأبناؤها من حولها
يريدون رضا الله ثم رضاها ..
يداها ممدودتان بالعطاء
تنفق بسخاء .. ذات اليمين .. وذات الشمال
لا تدخر لها شيئاً للزمان ..
هذه أمي يا دار ..
كنت بها مشرقة أنوارك بكل الحجرات ..
أبوابك مشرعة للداخل والخارج
ما بين أبناءٍ .. وأحفادٍ .. وأرحامٍ .. وجيران
كلٌ يريد الزيارة .. لصاحبتك يا دار ...
هل علينا شهر كريم ونحن ما بين صلاةٍ .. وصيامٍ .. وقنوت
نرفع أكفنا للرحمن .. أن يبقيها لنا مدى الأعوام ..
مر علينا يومان من الأعياد .. ونحن ما بين الرجاء واليأس ..
.. كان لسان حالها يقول رويداً رويداً .. تمهلوا يا أحبتي حانت ساعة الوداع ...
ودعوني .. وشيعوني .. واستودعوني الرحمن ..
رحماك بها يارب ..
استودعناك أماً حبيبةً .. حنوناً .. طيبةً
كفلق الصبح بيوم عيده ..
فوسع لها في قبرها مداد الأبصار
وأبدلها داراً خيراً من دارها ..
وأهلاً خيراً من أهلها ..
و جيراناً خيراً من جيرانها ..
وأجعل جنة الفردوس سكناها
التي عرشها سقف الرحمن ..
وأجمعنا بها يا رباه
تحت عرشك يا رحمن ...
هذه أمي يا دار ...
كنت بها كأشجار الربيع المورقة ..
والفراش يحوم بين أغصانها ..
أصبحت بعدها يا دار
كأشجار الخريف .. والعواصف تكسر أغصانها ...
أمي الحبيبة ....
سلامٌ لكِ وسلامٌ عليكِ
بكل يمينٍ صافحت يميني ...
سلامٌ لكِ وسلامٌ عليكِ
بكل نبضة قلبٍ نبضت بفرح أو أشجان
سلامٌ لكِ وسلامٌ عليكِ
بكل دمعة عين ذرفت بفرح أو أحزان
سلامٌ لكِ وسلامٌ عليكِ
من روحي إلى روحك
لأن عيني لا تراكِ وعينكِ لا تراني
سلامٌ لكِ يا _ عائشة _ في قلوبنا
سلامٌ لك يا غاليتي يا أمي الحبيبة
(( رحماك بها يا ربي رحماك ))
.
.
.