نساء فى حياة والدى :
يقول والدى أديب مصر الكبير رحمه الله لمحاورة فى الحديث المنشور بمجلة أسرتى فى 31 يناير 1981
يقول :
يمكن أن أعد خمس نساء :
الأولى : أمى .. وبالرغم من أنها ماتت وأنا أبلغ من العمر سبع سنوات ، إلا أن تأثيرها علىّ كان كبيرا .. وقد ولدت أمى لأب صعيدى غنى ومن أسرة معروفة ، وكان من الأعيان المتنورين ، وهو عبد المنعم التونى .. وكان يملك مساحة كبيرة من الأرض تبلغ 800 فدان ، جعلته يبنى لنفسه قصرا فى أوائل هذا القرن فى قريته اتليدم مركز ملوى مديرية أسيوط ـ وتتبع اليوم محافظة المنيا ـ استورد لها الرخام والزجاج الملون من إيطاليا .
ومع أن أمى لم تكن حاصلة على شهادة دراسية ، إلا أنها كانت متعلمة .. وإليها لاإلى أبى يرجع الفضل فى تعليمى القراءة والكتابة .. ومن الطريف أنها قامت هى نفسها بهذه المهمة ، ولنذكر أن ذلك كان فى عـام 1915 تقريبا ! وعلى لوح من الأردواز ، بدأت أكتب وأحفظ الحروف الهجائية .
وكانت أمى ككل الأمهات فى ذلك العهد ، تتفاءل برؤية مولد الهلال .. ففى أول أيام الشهر الهجرى كانت تصعـد بى إلى سـطح المنـزل الواسـع " بيت الوسية " فى قرية الاكراد ـ حيث تزوجت وولدت أنا ـ وترنو إلى الهلال ، وهى تقرأ بعض سور القرآن .. واضعة يدها على وجهى مقبلة جبينى .. داعية الله أن يقينى شرور الحياة .
والحب الذى كانت تغدقه أمى على أولادها وابنتها .. كانت تغدق مثله على الآخرين .. ويكفى أن أباها الثرى ، حينما كان يرسل اليها هداياه فى المناسبات وغير المناسبات ، وكانت فى حمولة مركب شراعى كبير ، يسير فى النيل فى ترعة الإبراهيمية بين القريتين اللتين تقعان على النهر .. أى اتليدم والاكراد .. كانت أمى توزع أغلب الهدايا على نسوة القرية .. ولذا لم يكن غريبا أن تكون وفاتها ، يومـا حزينا أليما .. بالنسبة إلى النـاس فى الناحية كلها .
وحتى اليوم لاتزال تتراءى لى النسوة المجللات بالسواد ، والنواح الحقيقى الذى يصدر عن عواطف صادقة .. ويقطع القلوب .. مما حفر مظاهرة الحزينة فى أعماقى ، إلى الدرجة التى تجعلنى حتى الآن بعد مضى حوالى ستين سنة ، أبغض الجنازات بغضا شديدا .
والسيدة الثانية فى حياتى .. إحدى شغالات البيت ، وكانت بمثابة المربية ، والتى عرفتنى أن الاهتمام أو الحـب ، لاينبع من داخل الأسرة فحسب ، بل يمكن أن يأتى من الخارج ، ولازلت إلى اليوم ، أذكر ضمتها القوية لى .
والثالثة هى زوجتى .. ابنة عمى .. لقد تزوجت بالطريقة التقليدية القديمة بلاحب .. فعائلتنا الكبيرة كانت تؤمن بزواج الأقارب فى الدرجة الأولى .. وإلى زوجتى وهى متخرجة من الليسيه ، يرجع الفضل فى أننى وجدت الوقت الكافى للكتابة .. فلم تشغلنى بأمور البيت ، كما أنها تولت تربية بنتينا .. ومن ناحية أخرى .. جعلت هذا البيت ، المكان المريح الذى يضمنى .
وابنتاى .. هما اللتان شكلتا " المرأة " الرابعة والخامسة فى حياتى ! وتأثيرهما علىّ مع اشباع عاطفة الأبوة .. إنهما علمتانى الخوف من شدة حرصى عليهما وعلى مستقبلهما ! فأبعدت نفسى عن السياسة والاشتغال بها ، والتعرض للطرد من الوظيفة والسجن والاعتقال والتعذيب !
====================================
" حوار مأخوذ من كتاب للناقد علاء الدين وحيد بعنوان " محمود البدوى " دار سنابل للنشر والتوزيع 2000 ====================================
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
شكرا لكم أيتها الأخوات الكريمات على تعقيبكن الجميل وعلى دعائكن لوالدى رحمه الله .
فقد شغلت المرأة جانبا كبيرا من فكره ، وحظيت ابداعاته بالنصيب الوافر منها .
وسأنقل اليكن الكثير من ابداعاته ، فقد كان يتغلغل ـ بما حباه الله من قوة الملاحظة ـ داخل النفس البشرية ، ويصف أحاسيسها ومشاعرها خطوة خطوة ، ليصل إلى المبررات التىتؤدى إلى النتيجة التى ينتهى اليها .
وأنقل اليكن الآن قصة تدور حول الأم التى تعتنى بوحيدها ، بعد وفاة زوجها وعنوانها " الزلزال " . وقد نقلت لكم من قبل قصة بعنوان " هاجر " الفتاة اليتيمة التى أتى بها والدى من الريف لتعمل فى البيت وكانت فى سن السابعة .
فهيا معا إلى الواحة الأدبية .
فقد شغلت المرأة جانبا كبيرا من فكره ، وحظيت ابداعاته بالنصيب الوافر منها .
وسأنقل اليكن الكثير من ابداعاته ، فقد كان يتغلغل ـ بما حباه الله من قوة الملاحظة ـ داخل النفس البشرية ، ويصف أحاسيسها ومشاعرها خطوة خطوة ، ليصل إلى المبررات التىتؤدى إلى النتيجة التى ينتهى اليها .
وأنقل اليكن الآن قصة تدور حول الأم التى تعتنى بوحيدها ، بعد وفاة زوجها وعنوانها " الزلزال " . وقد نقلت لكم من قبل قصة بعنوان " هاجر " الفتاة اليتيمة التى أتى بها والدى من الريف لتعمل فى البيت وكانت فى سن السابعة .
فهيا معا إلى الواحة الأدبية .
الصفحة الأخيرة
فما خطته يداه من كتب هي العلم النافع بعده