فيضٌ وعِطرْ

فيضٌ وعِطرْ @fyd_oaatr

فريق الإدارة والمحتوى

نساء في القرآن~ آسيا بنت مزاحم ~

الأسرة والمجتمع

....



نساء تركن بصمات إيمانية ..
على جدار الزمن ..
لم يمحها كر الدهر وتعاقب الفصول ..
ولم تجرِ عليها ذاكرة النسيان ..
كيف ..؟! وقد حُفرت سطورها في القرآن المجيد ..؟!
إن سيرهن الناصعة باقية .. مابقي الدهر ..
تخبر عنهن ..!
وتُقرئ ..إنهن في سماء الإيمان نجوم لوامع ..
لايخبو لهن ضوء أبداً .

::
هي .. آسيا بنت مزاحم بن عبيد بن الريان بن الوليد..
كانت امرأة فائقة الجمال عريقة النسب ..
خطب ودها الكثيرون .. لكن قدر لها أن تكون زوجة لفرعون مصر ومليكها ..
وأحبها فرعون حباً جماً وغمرها برغد العيش ..
ولكن حياتها بعد العيش المنعم لم تلبث أن انقلبت رأساً على عقب ..
وذلك حين استجابت لدعوة موسى ، وآمنت بالله تعالى وثبتت على إيمانها
فذاقت من يومها من صنوف العذاب مايفت العضد ويفل الحديد ..
لكنها صبرت .. واحتملت في سبيل الله ..وقاومت المغريات ..
وكانت دعواها ومرادها الجزاء الاخروي :
( رب ابن لي عندك بيتا في الجنة )...
وقد كان ..
فصارت آسيا .. إحدى سيدات الجنة الأربع اللاتي خصصن بالذكر ..
فما هي قصة. آسيا .. ؟؟
لنبدأ .. من البداية ..::
في يوم لطيف رخي الأنسام .. جلست الملكة السعيدة ..
في حديقة القصر المطلة على النيل .. تحيطها الجواري والخدم ..
الكل يسارع إلى خدمتها .. وتلبية رغباتها .. والترويح عنها ..
لكنها كانت ذلك اليوم ساهمة شاردة ..لاتلقى بالاً لماحولها ..
فكرة ما شغلتها فصارت تحدث نفسها :
ماجدوى كل مايحيطني من نعيم .. لاتحضى بمثله غيري من النساء
وأنا محرومة من إنجاب ولدٍ أضمه بين ذراعي ..؟!
حتى أفقر النساء أسعد حالاً ، وأفضل مني .. فواحسرتاه ..!!
وأتبعت التحسر بتنهيدة فرت من بين ضلوعها ..
ودمعة مسروقة أوشكت أن تكشف سريرتها ..
أجرت عليها أناملها لتخفيها ..
وما لبث أن انتشلها من شرودها هتاف :
:

مولاتي ..! مولاتي ..!

هتفت وصيفة آسيا مشيرة إلى مجرى النيل الممتد أمام الحديقة الغناء
: ماالأمر ..؟. لم تشيرين إلى النهر ؟!
: مولاتي أرى صندوقاً جرفه الموج إلى جانب الضفة عالق بين الأعشاب
فهل تحب مولاتي أن نستطلع خبره ..؟
انتاب آسيا فضول من نوع ما وتحرك في صدرها إحساس غريب ..
: مري الخدم بإحضاره حالاً ، ولنرى مافيه .. قلبي يحدثني بأمر ..!
...
كشف غطاء الصندوق عن مفاجأة لم تخطر على بال أحد . .
طفل حديث الولادة جميل المحيا أسرت نظرته وابتسامته قلب آسيا ..
فتعلّقت به في الحال ..!!::
نبذة مختصرة ~
حلم فرعون ..
حلم ملك مصر يوماً أن غلاماً سيلد في بني إسرائيل ..
وأن موته سيكون على يد هذا الغلام عندما يكبر ..
فتشاءم من حلمه .. وغضب غضباً شديداً ..!
ثم أمر بتتبع أخبار الحوامل من بني إسرائيل ..
فأيما امرأة تلد ذكراً .. يقتل في لحظته .. !! ونفذ الأمر ..!
وقد كان بنو إسرائيل في الأساس مضطهدين مهانين
من قبل فرعون وأتباعه .. فزادت عليهم وطأة الظلم والهوان ..!
:
وبإيحاء من الله تعالى صنعت ام موسى صندوقاً من خشب أودعت فيه طفلها الوليد .. موسى وأغلقته وأسلمته لرعاية الله في قلب النيل ..
وطلبت من أخته أن تتبع آثاره ..
فشاهدت الجواري ينتشلنه ..
وأبصرت امرأة فرعون وهي تضمه إلى صدرها وتقبله ..
فعادت بالبشارة إلى أمها التي أوصتها بالعودة لتتبّع أخبار أخيها.
...
وقد أكرم الله تعالى أم موسى بأن أصبحت مرضعته ..
فبات أمام عينها ، وبين أحضانها ..
محفوظاً بأمر الله .
:
ونعود إلى آسيا ...
حملت الملكة الصغير الطفل وهرعت إلى فرعون متوسلة مناشدة إياه
أن لايقتله ويدعه لها لتربيه، فقد هوى قلبها لمرآه ...
كانت آسيا محبوبة فرعون التي لايرد لها طلباً ..
قال تعالى :
{ وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ }
فقال لها فرعون :
أما لك فنعم، وأما لي فلا. أي: لا حاجة لي به.
وهكذا أراد الله .. وإن أراد الله أمراً .. فلا راد لحكمه .
ونشأ موسى رغما عن فرعون في قصره ..
ليكبر ويحقق ماأراد الله تعالى ..
::
:موسى والرسالة ~
شبّ موسى فتى قوياً شديد الساعد نصيراً للحق ..
شهد بأم عينيه بغي فرعون وتجبره وبطشه ببني إسرائيل ..
وتعرض لمواقف تصادم فيها مع الباطل ،
ووقف فيها إلى جانب الضعفاء وقتل خطأً وهو يتعرض لموقف انتصار
ثم فر هارباً من انتقام فرعون .. متجهاً إلى مدين
وهناك .. كانت له قصة انتهت بزواجه من ابنة شعيب ..
ثم بعد سنين طوال قفل مع اهله عائداً إلى مصرعبر صحراء سيناء الشاسعة!
وفي طريق عودته ، وفي ليلة ظلماء ، في الطريق الموحش ..
وعند جبل الطور .. اختاره الله تعالى ليبلغ رسالة التوحيد..
وأيده بالمعجزات .. !
أرسله ليبين لفرعون طريق الحق لعله يذكر أو يخشى..
وكان تبليغ موسى الرسالة في حوار خالد بديع ..
من كلمات القرآن الموجزة الشاملة ..!
نعودمرة أخرى إلى آسيا ..
نستطلع خبرها ، ونرى موقفها من دعوة موسى ..
فنجد أن نور الإيمان قد وجد طريقه إليها ..
فأشرق نوره في قلبها ، وانشرح للدعوة صدرها..
وصدقت بما ماجاء به موسى ، وآمنت به..
لكنها أخفت ذلك خشية ظلم فرعون وبطشه..!
:
إلا أنها نكبت بفاجعة جعلتها تجهر بدعواها ..
دون تردد ..!
ولذلك قصة تتعلق بماشطة ابنة فرعون ..
فماهي قصتها ..؟!
:
نبذة عن الماشطة ~
هي جارية كانت قد عينت كماشطة لابنة فرعون من إحدى زوجاته ..
أما زوجها فقد كان خازناً عند فرعون ..
آمن بدعوة موسى جهراً ، فقتله الطاغي ..
ولم يدرك أن زوجته مؤمنة .. إذ كانت كآسيا قد عمدت إلى السرية ..
وتعاهدت الاثنتان على الكتمان حفاظاً على دينهما ..
وجمعتهما المحبة في الله .. فتآختا ..!
ورغم أن الماشطة من طبقة العبيد .. إلا أن الإسلام يلغي الطبقية
ويساوي بين الناس .. فلا فضل إلا بالتقوى ..
...
وشاء الله تعالى أن ينكشف سر الماشطة ..
ففي أحد الأيام بينما كانت تمشط ابنة فرعون ..
إذ سقط ( المدرى ) من يدها فهتفت : بسم الله ..! ولم تنتبه لما قالته
قالت لها ابنة فرعون : أتعنين آبي ...؟؟
قالت : لا ولكن ربي ورب أبيك .. الله ..
/ سأخبر أبي بما سمعته ..
/ أخبريه ..! .. فأسرعت إلى أبيها تقص عليه ماقالت الماشطة
...
استشاط فرعون غضباً .. فدعاها قائلاً:
/ يافلانة ..! ألك إلهاً غيري ؟
/ نعم ربي وربك .. الله .
فأمر فرعون ببقرة من نحاس أحميت وتوهجت ..
ثم جيء بالماشطة ومعها أولادها الخمس ..
وأصغرهم كان رضيعاً لايزال متعلقاً بثديها وقد ضمته إلى صدرها
وكان الطاغية يرمي بأولادها الصغار واحداً بعد الآخر ..
وصراخهم كان يفت كبدها .. ويطحن قلبها .. لكنها صمدت و بقيت على إيمانها
وحين جاء دور الرضيع تعلقت به ..وضعفت ..
فنطق الرضيع ( روح ) قائلاً :‏‏( يا أُمَّاه اقْتَحِمِي فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ )
فاقتحمت .. وماتت معذبة شهيدة مع أولادها..
وجمعت عظامهم وأودعت في قبر واحد .. كما أرادت..!
...
قَالَ ‏‏ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : ‏
( تَكَلَّمَ أَرْبَعَةُ صِغَارٍ : ‏‏عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ‏‏عَلَيْهِ السَّلام ،‏ ‏
وَصَاحِبُ ‏ جُرَيْجٍ ،‏ ‏وَشَاهِدُ ‏‏ يُوسُفَ ‏، ‏وَابْنُ ‏ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ ).
...
فيما رواه البيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(لما أسرى بي مرت بي رائحة طيبة كالمسك ..
فقلت ما هذه الرائحة فقيل لي هذه ماشطة بنت فرعون و أولادها)
أخرجه الإمام أحمد والطبراني والحاكم .






آسيا المجاهدة ~
فجعت آسيا بما صنعه زوجها بالماشطة وصغارها
من جرم يقشعر له البدن وتستغيث منه الإنسانية ..
لكن هل كان لهذا الطاغي في قلبه ذرة من الرحمة والإنسانية ..؟!! لا ..!
...
رُفع غطاء الخوف عن آسيا ، وأكبرت موقف الماشطة وشجاعتها
وكانت تعدها أختاً في الله تتشاركان الإيمان و العبادة ،
وتستنكران أفاعيل فرعون وتنكيله بالضعفاء ..
ورأت أنه قد آن الأوان للجهر بإيمانها..
فواجهت فرعون قائلة :
الويل لك ..! ما أجرأك على الله ..!!
فرعون : مابك ياهذي ..؟! هل أصابك مسٌّ كالذي اعترى الماشطة ؟!
آسيا : مابي جنون والله .. لكن الله هداني للإيمان هو ربي وربك .
:
جن جنون فرعون ، ونزل هذا الخبر كالصاعقة عليه ..
أما آسيا ..
فقد ثبتت على الحق ولم يزحزحها عن موقفها ..
التهديد ولا الإغراء ولا الوعيد ..أبداً ..
:
سقط في يدي فرعون .. ! فقد تأكد انه فقد احب زوجاته ..
وانقلب حبه سخطاً وغضباً وكراهية وانتقاماً ..
فعزم على إنزال أشد العقاب بها حتى ترجع عن دينها
أو تموت ..!
:
أمر بها فربطت يديها ورجليها بأربعة أوتاد ..
وألقيت في الشمس المتوهجة الحارقة ،
ووضعت على ظهرها صخرة كبيرة.. وتركت لتتعذب .
...
من يصدق أن هذه المخلوقة المعذبة كانت ملكة تعيش في أجمل القصور
محاطة بالعبيد .. ترفل بالترف والنعيم ..؟!
لكن هكذا يصنع الإيمان في النفوس ..يرفعها فوق المغريات ..
ويجعلها تستسهل الصعب .. وتحتمل العذاب ..
وتتمسك بالصبر ... وترخص النفس لديها في سبيل دين الله ..
وابتغاء مرضاته ، ورضوانه ..!

:
وتمر الأيام بطيئة قاتلة على أسيا وهي ثابتة صابرة..
وتوهن قواها شيئاً فشيئاً ..
وتنسل الحياة من جسدها الضعيف ..
بينما يتعاظم الإيمان في روحها ..
وتضعف صلتها بخيوط الحياة ،وتتفتح لها أبواب عالم آخر
يحمل لها أنفاس السعادة وريح السلام
فتلقي عليها السكينة ظلها ..!
وتردد وهي تجود بآخر أنفاسها ..كلمات لم تكن تفارقها
طوال أيام عذابها :
( رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله
ونجني من القوم الظالمين ) ١١ التحريم

...
طلبت الجنة ..
وطلبت القرب من الله ..
هانت لديها نفسها ..
وزهدت بكل مافي الحياة من متاع ..
حين تمكن الإيمان من قلبها .. !
وملأ أقطار روحها ..!
...
فيالها من إنسانة عظيمة ..!
ما أكبر نفسها وأشد صبرها ..!
وما أحوجنا لمثل هذه النماذج العالية في الإيمان
وكم يفتقر مجتمعنا لمثل هذه الشخصيات العظيمة الآن..!!
:
:قال رسول الله صاى الله عليه وسلم :
( أفضل نساء الجنة أربع : مريم بنت عمران ،
وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، وآسية ابنة مزاحم ).
:
فتأملي ..!
ماذا يصنع الإيمان حين يتمكن في النفوس ..!!
12
3K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

ماريا 2006
ماريا 2006
لا إله إلا الله
بارك الله فيك عزيزتي
سبحان الله وبحمده
غريبة في دياري
غريبة في دياري
اللهم نور قلوبنا بالإيمان
حنين المصرى
حنين المصرى
جميل ما خطت يداك هنا يا فيض الحبيبة من سرد لقصة من اجمل القصص واقربها لنفسي
اللهم ارزقنا حلاوة الايمان وقربنا لكل عمل نذق به ثوابه
سلمت يداك حبيبتي على ذلك الطرح الراقي والمتميز ودمت بود وحب دائمين غاليتي فيض الواحة الرقراق وعطرها
رشرش الامورة
رشرش الامورة
جزاك الله كل خير
تغريد حائل
تغريد حائل
الحبيبة فيض:
طرحكِ.. مميز
وحروفكِ برَّاقة كالأنجم في سمائه،
وأما سطوركِ فهي تُسافر بنّا لعالم السمو والطهر كالمعتاد..
سلسلة قيّمة من قصص نساء في القرآن
تشدو بالعِبرِ ، وحكمة العقول الحاذقة..!
دام قلمكِ الباسق فيضنا..
وجزاكِ الله خيراً على ماتقدمينه من كنوز العلم والمعرفة!!