✿ ... نســـــــــــــاء مــن زمـــــــن الـــــرّحـــى ... ✿

الأسرة والمجتمع






نســــاء مــن زمـــن الرحى ...









..تجلس بين أحفادها الآن تنظر للتلفاز .. وعلى آثار يديها شقاء زمن مضى ..تتحسس راحة يدها التي امتلأت




بندوب من الماضي البعيد..ذلك الماضي الذي حملته معها في ذاكرتها لتحتفظ به..بالرغم من آلامه وحزنه




إلا أنها تؤثر الاحتفاظ به وتعتبره كنزًا عظيمـًا..بل تاريخـًا مجيدًا ومشرّفـًا..لأنها ترى ثمرة نتاجها وجهدها




وتعبها ماثلة أمام عينها..تلك السيدة التي شارفت على بداية التسعين _ وغيرها كثيرات _ ناضلت وكافحت




وعاشت شظف العيش لتؤمّن لأبنائها حياة الرخاء في زمن الرحى..




ذلك الزمن الذي تقطعت فيه يدها وانحنى فيه ظهرها وهي تدير عجلة يد الرحى لتطحن حبوب القمح..




ليس هذا فحسب بل عليها أن تستيقظ قبل خيـوط الفجر لتسقي الثور..وتهتم بالبقرة هذا إن كانت تملك بقرة




وتخرج للوادي بعد أن تعد الفطور لزوجها وأهله فهي ملزومة بهم إذ لا خيار لها..ثم تذهب للوادي وتعود في




الظهيرة حتى تعدّ الغداء..وتعود مرة أخرى في المساء لتعدّ العشاء وتنام بعدها مهدودة الجسد كالقتيلة..




عدا عن اهتمامها بأبنائها بكل ما تستطيع فهي بالكاد تجد لنفسها وقتـًا..وربما لا تجد البتة..بل ربما أحيانـًا




تكاد تنسى ملامح وجهها لأنه ليس لديها الوقت لتنظر إليه في المرآة لأيام عدّة..! هذا غير المضايقات والظلم




والقهر الذي تتعرض له..سواء من سلطة الزوج أو الأهل..فهناك قصص وحكايات عجيبة نظنها حين نسمعها




للوهلة الأولى أنّها من ضرب الخيال ولكنّها حقيقة عاشتها بتفاصيل نسجتها من نضالها وكفاحها..




إنّها تعيش الآن عصر الراحة والرخاء..الذي كانت تتمناه في أوج شبابها..تنظر لحياة الرفاهية المطلقة التي يعيشها




أحفادها بابتسامة الحالم غير المصدق..




ومع ذلك نجدها كلما ذكرنا الماضي تغرورق عيناها بالدموع في حنين وشوق إليه مع بعض الحنين والكثير




من الأمنيات لعودته! لماذا ؟!هل هي غير مرتاحة..؟! أيعقل مع كلّ هذه الرفاهية مقارنة بالحياة القاسية التي




كانت تعيشها ؟!




كنت أتساءل كثيرًا بدهشة حين أجد أولئك النساء العظيمات التي كان لهنّ شرف معاصرة أجيال حتى جيلنا هذا




وأعني بذاك جداتنا وأمهاتنا يتمنين العودة لذلك الماضي..!! كنت أتمنى الغوص في أعماق إحداهنّ لأضع




يدي على السبب..!!ولكني الآن وبعد سنين عرفتُ السبب..عرفتُ أنه لم يعـد هناك أحد يهتم بهنّ..أو يبذل جهدًا




لتحملهنّ..أو حتى سماع قصصهن وحكايتهنّ التي يُعدْنـها للمرة الألف..بل نجد أنّ التذمر من الأبناء والأحفاد وجد




طريقه وبقوة..بل ربما المعاملة القاسية حتى لو بالكلام..وكأنّه لم يكفهن ما عانينه في حياتهنّ السابقة!!




عدا عن الاستهتار بمشاعرهنّ والتي أظهرتها مقاطع اليوتيوب مؤخرًا..والتي تشعرنا بانعدام الاحترام والتقدير




لهؤلاء الكبيرات..والتجرؤ على حقوقهن وانتهاك بساطة تفكيرهنّ..فبدلا من أن نكافئهنّ نمعن في انتقاصهنّ




ونجهز على ما تبقى من كبريائهنّ..




محزن حقـًا ما رأيتُه ورآه الكثيرون..بل وتناقله الأغلبية من باب الفكاهة والضحك ! مع أنّها رسمت مسيرتها




بالكثير الكثير من الشموخ الممزوج بدموع طالما أخفتها عن نظيراتها من النساء حتى لا يضحكن منها!




أيّ مفارقة هذه ؟! وأيّ خزي نعيشه ونترك أبناءنا وأحفادنا يوغلون فيه..




فهل نعيد أيّها الأحفاد والأبناء أبجديات تعاملنا..؟! وننظر لهنّ على أنّهن عظيمات عاصرن أجيالا عدّة




عشن فيه تقلبات وتغيرات كثيرة يمكننا أن نستفيد منهن وأن نستمتع معهن..




وأن نحرص بقدر ما نستطيع أن نوفر لهنّ القدر الكافي من الراحة الحقيقية التي افتقدنها منذ نشأتهنّ..!




وأن نجعلهنّ يشعرن بأنّهن ختمن مسيرتهن بالسعادة التي طالما تمنينها لأنفسهنّ حينما




كنّ في زهرة شبابهنّ..نريد أن يعي المربون هذه النقطة وأن نتكاتف جميعنا في أحياء قيمة تقدير الكبير




واحترامه وهيبته ...



** كل ما أكتبه هنا مدون في مدونتي باسمي الصريح ...



الكاتبة


صوت العدالة






21
3K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

ريم البوادي2009
بارك الله فيك وفيما خطت اناملك
وجزاك كل خير على تذكيرنا بحق هذه الفئه العظيمه علينا
اعاننا الله على برهم والتخفيف عنهم وادخال البسمة الى قلوبهم
ريحانة التميمي
جزاك الله خير يارب ايام جدتي كنت اسمع لها وهي تعيد الكلام .احلى شي هي جدتي كانت رائعة ولي معزة خاصة عندها الله يرحمها ويكرم نزلها الحين مافي عجائز واحيان النفس تتغير
purple_rose
purple_rose
يا ريت لو كانت جدتي عاايشه لكنت جلست عندها و ما فارقتها يارب انك ترجم جداتي و أجدادي و تجمعنا بهم في جنة النعيم
صيدلانية سنفورة
جزاك الله خيرا على طرح هذا الموضوع القيم
عن ركن مهم من حياتنا وتاريخنا
للأسف قلة فقط من تنظر إلى كبار السن نظرة عادلة
والكثيرين يجدون فيهم مجرد وسيلة للتهكم والتندر
على عاداتهم وكلامهم وتصرفاتهم ناسين أو متناسين
أننا خرجنا من تلك الأرحام الطاهرة .. وكبرنا وترعرعنا وتعلمنا
من عرق جبينهم .. وفي تجاعيد تلك الأيدي تختصر الحياة بحلوها ومرها
وتتجلى بين ثناياها الخبرة والحكمة .. إنهم ببساطة كنز الحياة الحق
أداعب اطياف الخيال
الله يحفظ جدتي لنا ويرفع عنها كل مرض اصابها