مع إطلالة الشمس الذهبية على تلال قريتنا كل صباح .. وانعكاسها بجمال أخاذ على مياه الساقية .. و حينما تؤذن الطيور بانبثاق يوم جديد .. وتنتشر البراعم الطفولية في الطرقات الضيقة يحملون حقائبهم الثقيلة على أكتافهم .. يبتسمون لفجر جديد يحمل معه مستقبلا زاهرا. ..يحقق فيه يرى كل برعم منهم حلمه بروية وهدوء .. كنت أراه هناك .. على حافة الطريق .. أوقف عربته بإتقان وأخذ ينادي بصوته الجهور : ( فـــول .. فـــول !!) ..
كان يدهشني ذلك الشيخ المسن بنشاطه ..فكلما حاولت أن أبكر إلى مدرستي وجدته في مكانه قد سبقني .. أتراه يأتي عند الفجر ليودع النجمة المسافرة ؟؟ أم تراه يبيت هناك عند العربة الصغيرة ؟؟ !!
لم يحدث يوما وأن اشتريت منه أو تحدثت إليه .. لكن وجهه الهرم الممزوج بالطيبة وشعره الأبيض المنسجم مع لحيته وتلك الخطوط التي أخذت مكانها في وجهه .. تنبئ كل من يراه عن عدد السنين التي مرت عليه وهو قابع في مكانه يبيع وينادي بعزم و إصرار ..
أشياء كثيرة كانت تغريني باختلاس النظر إليه ..
فتارة أعلل اهتمامي به لأنه يشبه جدي الذي لم أره يوما و لم أعرف كيف كان وجهه .. فأشعر أنني ألتمس في وجهه ذلك الحنان و الدفء الذين افتقدتهما طيلة حياتي نتيجة فقداني لجدي .. وتارة أعلل اهتمامي به بسبب ذلك الزي الشعبي المزركش و ذلك الطربوش الأحمر الذي طواه الزمان ولم يتخل عنه .. فلعله يذكره بأيام مضت كانت سعيدة بالنسبة إليه .. ويذكرني بزمان أسطوري أجهل معالمه ..
وتارة أنظر إلى ابتسامته الطيبة وحنانه الواضح حينما يقدم للأطفال أطباق الفول الملونة التي تغريهم كل يوم بالمرور إليه فأرى في ملامح وجهه طيبة ما رأيتها في وجه أحد قط وحنانا يتسع ليملأ أرجاء الكون ..
وكم كان يسعدني ويشرح صدري سماعي لصوت ترتيله بذلك المصحف الصغير الذي لم يفارقه يوما منذ أن عرفته ..فقد كان يملأ الشارع بالسكينة و الهدوء عندما كان الجميع ينصتون لشدوه ..
أشياء كثيرة كانت تدور في مخيلتي وأنا في طريقي إلى مدرستي كلما نظرت إليه .. لا ألبث أن أنساها فور دخولي من البوابة الرئيسية للمدرسة .. لأبدأ مثله يومي الجديد بجد وهمة ونشاط .. فقد كنت في كل يوم أقتبس منه عبرة .. وأتعلم منه شيئا جديدا يعينني في إكمال مسيرتي بعزم وثبات ...
حتى أتى يوم علي لم أر فيه ذلك الوجه المحبب .. ولم أسمع صوته الذي كان يملأ أرجاء الحي .. سارعت إلى مكانه فإذا بالعربة تقبع صامتة دون حراك ..
يا إلهي .... !!!
ترى مالذي قد حل به .. أتراه قد طواه الزمان كما يطوي أوراق الخريف المتساقطة من أعلى الشجر ؟؟
ترى .. ماذا ا فعلت الأيام بهذا الشيخ الجليل ؟؟
هاهي عربته تقبع ساكنة على حافة الطريق كحجر من حجارته .. لايهتم بها أحد .. ولا يوليها اهتماما ..
هل يمكن لشارعه الذي ألفه أن ينساه بهذه السرعة ؟؟
أين ذهبت أيها الشبخ الجليل ؟؟
أين غبت وتركت عربتك وحيدة .. ليتك تراها .. إنها تفتقدك .. الرصيف يفتقدك .. الهواء يفتقدك .. ومصحفك الصغير .. وأنا ..... !!!
ليتك تعود كي أخبرك .. بأنك قد علمتني الكثير ..
بهذا الصبر الذي ألفته فيك .. بهذا الثبات وهذه العزيمة .. بهذا الأمل المنبثق من حناياك ... إنه الأمل الذي يعلمنا أن الحياة يجب أن تستمر ..
رغم آلامها .. رغم جراحاتنا ..
قد تتعبنا أحيانا .. لكنها تعلمنا كيف نترك فيها آثارنا ..
نعم أيها الشيخ الجليل ..
لقد علمتني كيف أحيا بسلام .. كيف أقتدي ببساطتك .. بكبريائك وشموخك .. لذلك سأقطع منذ اليوم على نفسي عهدا .. أن أكون مثلك في كل شيء ..
نعم .. سأكون مثلك أيها الرجل الطيب حتى و إن تقدم بي السن وغطت شعري حلة بيضاء .. سأظل أذكرك .. وسأبقى صامدة في طريقي المستقيم .. حتى آخر رمق في حياتي !!
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

سلمت يمينك يا نواره المنتدى
رائعه كما عهدناك :24:
جزاكي الله كل خير
ثبتنا الله واياكي على الطريق المستقيم
لا عدمناكي :26:
رائعه كما عهدناك :24:
جزاكي الله كل خير
ثبتنا الله واياكي على الطريق المستقيم
لا عدمناكي :26:

بحور 217
•
هذا الشيخ يرمز بثباته رغم تغير كل ما حوله إلى شيء نحبه في نفوسنا ونخشى أن يتغير ...
سنبقى بعون الله لانتغير رغم أن العجلة تسير من حولنا لكنها لن تسير بنا ...
سنبقى يا نور كما بقي هذا الشيخ حتى تطوينا الأيام لحياتنا الأخرى ..
بعون الله ...
فقولوا جميعا آمين ..
جزاك الله خيرا يا نورنا على قصتك التي لاأعلم لماذا خلفت ظلا حزينا داخل نفسي ..
لكنها غمرتني بالإعجاب بقلمك .
سنبقى بعون الله لانتغير رغم أن العجلة تسير من حولنا لكنها لن تسير بنا ...
سنبقى يا نور كما بقي هذا الشيخ حتى تطوينا الأيام لحياتنا الأخرى ..
بعون الله ...
فقولوا جميعا آمين ..
جزاك الله خيرا يا نورنا على قصتك التي لاأعلم لماذا خلفت ظلا حزينا داخل نفسي ..
لكنها غمرتني بالإعجاب بقلمك .

نــــور
•
الغالية بشائر الفجر ..
وأنا يسعدني أن تكوني أول من ينير صفحتي ببشائره الفجرية الجميلة
شكرا جزيلا لاهتمامك وبارك الله بك
بالمناسبة طرأ تعديل على أحداث القصة بعد تعليقكما أنت و الأمل المشرق
وأنا يسعدني أن تكوني أول من ينير صفحتي ببشائره الفجرية الجميلة
شكرا جزيلا لاهتمامك وبارك الله بك
بالمناسبة طرأ تعديل على أحداث القصة بعد تعليقكما أنت و الأمل المشرق

نــــور
•
بحورنا العزيزة
آمين ..
سنثبت و نحافظ على ذلك الشيء في أنفسنا ونمنعه من أن يتغير مهما كلفنا الثمن
يؤسفني أن قد أحزنتك .. لكن ذكريات الحزن تبقى دائما أعمق أثرا في القلوب
أشكر لك كلماتك الرقيقة و المعبرة
لا عدمنا اطلالتك الرائعة
آمين ..
سنثبت و نحافظ على ذلك الشيء في أنفسنا ونمنعه من أن يتغير مهما كلفنا الثمن
يؤسفني أن قد أحزنتك .. لكن ذكريات الحزن تبقى دائما أعمق أثرا في القلوب
أشكر لك كلماتك الرقيقة و المعبرة
لا عدمنا اطلالتك الرائعة
الصفحة الأخيرة
يسعدني ان أكون أول من يرد على موضوعك
جزاك الله خيرا
على هذه القصة
والسلام عليكم