يتقلبُ المرء بين مشاعر وأحاسيس شتى ، فمن حزنٍ لفرحٍ ، ومن كربٍ وهمٍ لفرج وسعة ، يحب أحياناً ويكره أخرى ، ولعلَ أشد ما ينتاب المرء ويؤثر في سلوكه ، شعور الغضب ، فيصبح الحليم فيه حيرانا ، والعاقل جاهلا ، ولا أدل على ذلك من حديث الرجل الذي جاء للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله : أوصني ، قال لا تغضب . فردد مراراً قال لا تغضب . وما كان تكرار السؤال من السائل إلا طلباً لوصية كاملة جامعة ، وما كان تكرار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : (( لا تغضب )) إلا دليلاً على أهمية هذا الأمر .
وقد انتابني هذا الشعور يوماً ، وبلغ بي الغضب كل مبلغ ، وفي خضم هذا الشعور ، عصى أمري ابني الوحيد (( حسن )) ، فلذة الكبد ، ومهجة الروح ، فما تمالكتُ نفسي فقسوت عليه ، قسوت عليه جداً ، وضربته ضرباً أحس بطعناته في فؤادي كلما تذكرته ، ثم أحسست بالندم ، كيف أغلظت على تلك البراءة ، وعميتُ عن ذلك النور فكتبتُ هذه الأبيات :
الهَمُّ يا قرَّة العينين يحويني
...................... والنارُ في داخل الأحشاء تكويني
عذراً صغيري فقد أغلظت في أدبي
......................يا مهجة الروح هل عذري سيكفيني ؟
قسوتُ ويحيْ على مَنْ ؟ أنْتَ يا ولدي
........................يا قبَّحَ الله جهلي حين يغويني
بئس الأبوة يا طفلي إذا خنقتْ
..........................براءةً بلغتْ عمرَ الرياحينِ
يا ليتها قبل ذاك الضرب قد قطعتْ
.........................كفي وأودعتها في حفرة الطينِ
تالله ما قرَّت العينان ما رقدتْ
.............................من بعدها فدموع منك تأتيني
دمعُ البراءةِ من عينيك يا ولدي
.............................كأنها أسهمٌ في القلبِ ترميني
ونظرة الخوف في الحلقومِ تخنقني
...........................تكادُ تقضي على عمري وتنهيني
وصرخةٌ منك حين الضربِ في كبدي
............................كأنها طعنةٌ حرَّى بسكينِ
غضبتُ لا منكَ .. يا ويلي .. فكيفَ إذاً
.............................تكونُ أنت الفدا كبشَ المُضحِّينِ
يا قبَّحَ الله فعلي حين أرفعها
...........................كفي فأهوي على طفلي ويرجوني
ضربته ضربةً ما كنتُ أحسبها
..........................إلا وربي كأفعالِ المجانيينِ
عذراً صغيري فعقلي طاش يا ولدي
...........................وجمرةُ الغضبِ الممقوتِ تُعْمِيني
أمثلُ عينيك تبكي قسوتي وأنا
............................من أجل راحتها نومي يجافيني
حسبي إلهي على من كان سَبَّبَهُ
............................ضربي لكم بقبيحٍ منه يأتيني
من غيرك الذنبُ لكن قسوتي وقعتْ
.............................عليك لا أسعد الرحمنُ مبكيني
عذراً صغيري وما والله أحسبهُ
..............................عذري لكم يا حبيبي سوف ينسيني
يتقلبُ المرء بين مشاعر وأحاسيس شتى ، فمن حزنٍ لفرحٍ ، ومن كربٍ وهمٍ لفرج وسعة ، يحب أحياناً ويكره...
وخصوصاً أنها نابعة من عاطفة صادقة..
قصيدة فعلاً تستحق التميز..
أتمنى لك المزيد من الإبداع والتألق بالكلمة..
تحياتي..
آنسة مرتبة:27: