نقصه يؤدي إلى الجفاف والإفراط فيه يؤدي إلى انتفاخ المخ ...

هناك سؤال كثيراً ما يتردد ولا يجد الإجابة الكافية الوافية للسائل وهو "كم الكمية التي ينصح بشربها من الماء يوميا؟"، والسؤال على الرغم من بساطته إلا أنه صعب الإجابة فعلا, فالمسألة تختلف من شخص لآخر وتتوقف على عدد من العوامل والظروف, فالحالة الصحية للفرد وظروف المعيشة والنشاط والحركة, وأين تسكن وماذا تأكل كلها أمور لها تأثير مباشر على الكمية التي يحتاجها جسمك من الماء يوميا. فالتعميم صعب لكل الناس، ولكن هناك خطوط عامة ومعالم بارزة يمكن خلالها أن يتعرف الواحد منا ولو بصورة تقريبية على حاجته اليومية من الماء.
كل شيء حي
بدون الماء يموت الإنسان.. نعم المعادلة بصورتها التي ستطرح هنا تقطع بهذه النتيجة, كما أن نقص الماء في الجسم يعني الاعتلال الذي يقود للهلاك. فالماء مهم لكل خلية في الجسم ويدخل في كل نظام أو نشاط لأعضاء الجسم وأحشائه وأنسجته وخلاياه.
يمثل الماء حوالي 60% من وزن الجسم عند الكبار أما الرضيع فإن 75% من وزنه ماء, والماء في أجسامنا إما أن يكون خارج الأنسجة والخلايا كالماء الموجود في البلازما والدم واللمف وبقية سوائل الجسم, وهذا يمثل 20% من وزن الجسم, وإما أن يكون داخل الخلايا والأنسجة وهذا يمثل 45% من وزن الجسم.
إن 75% من عضلات أجسامنا هي عبارة عن ماء و 95% من بلازما وخلايا الدم ماء, إننا حقيقة نسبح في ماء أنفسنا فمن يسبح في من؟.
ووضع الميزان
لقد وزن الله سبحانه أجسامنا بميزان ماء دقيق ولفهم حقيقة هذا الميزان بصورة مبسطة يمكن القول بأن أجسامنا لها القدرة على التحكم في كمية الماء الداخل لها والخارج منها, وهذا التوازن المائي يتم في أجسامنا بحركات لا نشعر بها فهي ما بين شعور بالعطش وتوزيع للعناصر الغذائية والأملاح في الخلايا, وتصريف وإخراج وتكييف مع الأجواء وغير ذلك.
ومحصلة هذه الأمور يمكن إجمالها بالقول إننا عندما نحتاج للماء نعطش وعندما نتناول كمية أكبر من حاجتنا من الماء يحدث الشعور بالحاجة إلى التبول وإخراج البول, وكل ما قلت كمية ما نشربه كل ما قل التبول والتعرق.

الكفة الأولى.. الكفة الثانية
أجسامنا في فقد مستمر للماء. فجسم الإنسان العادي يفقد حوالي 2 إلى 3 لتر ماء يوميا. فعبر الجلد والتعرق نفقد حوالي 450 مللتر وفي التبول 1400 مللتر وبالتنفس 350 مللتر ومع البراز 200 مللتر.
وفي الكفة الثانية للميزان نجد أن الجسم يحصل على الماء من عدد من المصادر على رأسها الشرب المباشر للماء والسوائل من عصائر وغيرها, كما أن الطعام الذي نأكله يمدنا بالماء فالأغذية بداخلها ماء كثير فمثلا الخضار والفواكه تحوي أكثر من 90% من وزنها ماء, واللحم والحليب به أكثر من 80% ماء وهكذا بقية الأغذية تحوي نسباً مختلفة من الماء. والطعام الذي نأكله يعطينا بجانب الماء الذي فيه طاقة والطاقة تنتج من ثلاثة عناصر غذائية أساسية هي: البروتينات والكربوهيدرات والدهون وإنتاج الطاقة والاستفادة من الأغذية داخل أجسامنا تسمى عملية التمثيل الغذائي الذي منه أكسدة الأغذية واحتراقها, وهذه الأكسدة تحرر لنا ماء أيضا, فمثلا كل 100 جرام من البروتينات يحرر لنا حوالي 42 جرام ماء, وكل 100 جرام من الكربوهيدرات تحرر 16 جرام ماء, وكل 100 جرام دهن تحرر لأجسامنا 110 جرامات من الماء. كما أن هناك عمليات إعادة دوران (امتصاص أو إفراز) داخل الجسم بين ماء سوائل الأمعاء وعصاراتها واللعاب وغيرها.
مصفاة دقيقة
الكلية هذه المصفاة العجيبة التي لا يتعدى حجمها قبضة اليد الصغيرة هي إحدى عجائب قدرة الله في خلقه, إنها تظل تعمل وتعمل بدون انقطاع لعشرات السنوات, ومسؤوليتها تتركز في التصفية (فلترة) الدم ويمر خلالها الدم في دورته المستمرة خلال اليوم حيث تستطيع أن تصفي حوالي 2000 لتر دم يوميا وتنتقي من هذه الكمية شيئاً ضئيلاً لا يمثل أكثر من 0.1% من هذه الكمية ليخرج مع البول, إن أي اضطراب أو خلل في عملية الكلية يقود إلى اضطراب ميزان الماء في أجسامنا.
وكم هي الكمية التي نحتاجها من الماء يوميا؟
عودة لنفس السؤال الصعب الإجابة. دعونا نذكر هنا العوامل التي تدخل في الأمر ويمكن من خلالها تحديد معالم للإجابة عن هذا السؤال:
* أين تعيش؟
إذا كنت تعيش في أجواء حارة جافة وفي موسم صيفي فأنت في حاجة إلى الماء أكثر من شخص يعيش في أجواء باردة رطبة في فصل الشتاء. إن حاجة جسمك للماء في الرياض صيفا ستكون أكثر من حاجتك للماء في جدة شتاء, بل وحتى في نفس المدينة أين تسكن ؟ هل تسكن في بيت مكيف وعملك مكتبي؟ أم تراك تعيش في خيمة في الصحراء وعملك الرعي. إن الأجواء الحارة تسبب زيادة الحاجة إلى الماء.
* ماذا تعمل؟
هل أنت سائق سيارة تكسي مكيفها معطل؟ أم أنت موظف في وزارة مبناها جديد تكييفها مركزي؟ هل أنت رياضي أو مشجع للرياضة من خلف التلفاز؟
الحركة والتمارين تجعل الإنسان في حاجة أكثر للماء, فكل ما زاد التعرق والتنفس زاد فقد الجسم للماء وزادت الحاجة للشرب, لذلك ينصح الرياضيون بشرب كأس أو كأسين من الماء قبل الشروع في المباراة أو الجري أو غير ذلك.
* هل أنتِ حامل أم مرضع؟
الحمل والرضاعة حالة خاصة تزيد معها الحاجة للماء فالأم تنتج الحليب والحليب يحتاج ماء, فتوصى الحامل بزيادة كوب أو كوبين يوميا من الماء عن العادي, والمرضع ربما تحتاج لأكثر من هذه الزيادة (أي قد تحتاج الحامل لعشرة أكواب والمرضع لـ13 كوب ماء يوميا).
* هل أنت صحيح أم مريض؟
السخونة مثلا والإسهال والقيء كلها أمور تؤدي إلى فقد الجسم لمائه وبالتالي خلل في الميزان يشعر الإنسان حينها بالعطش وقد يتعرض للجفاف إذا لم يشرب, والجفاف عالم وحده في هذا الجانب إذ ربما احتيج للأملاح مع الماء لإعادة التوازن, وفي حالات مرضية معينة ربما احتجنا إلى التقليل من كمية الماء الذي نشربه مثل بعض أمراض الكلى والكبد أو هبوط القلب أو مرض الغدة الدرقية.
أنا عطشان
يمكن القول بأنه في حالة الإنسان الصحيح أن العطش هو المؤشر الأوضح الأساسي لإشعارنا بحاجة أجسامنا للماء ولكن ليس شرطا أن يكون العطش مؤشرا فبعض الناس تحتاج أجسامها للماء ولا تشعر بالعطش خاصة عند كبار السن, وهنا ذكر كبار السن ليس للحصر ولكن للغالبية وإلا فإن الأمر قد يظهر بين الشباب لذا فلا يعتمد على مسألة العطش فقط. أما في حالة الإنسان المريض فالعطش يكون مقياسا أحيانا وقد لا يكون كذلك, فمثلا مريض السكري يشعر بالعطش ولا يعني أن جسمه في حاجة إلى الماء لأن ارتفاع سكر الدم يقود لسحب الماء من الخلايا فيشعر بالجفاف مما يقوده لزيادة الشرب وبالتالي تزداد زيارته لدورة المياه.
قاربنا من الإجابة
من حسابنا للفقد يمكن أن نحسب الحاجة للماء, فلو كان ما يفقده الجسم حوالي 2 لتر ماء فهذا يعني أننا في حاجة لحوالي لترين إلى لترين ونصف من الماء يوميا (أي ثمانية كاسات) ولأن مثل هذا الأمر يتداخل مع العوامل المذكورة سلفا فإن التوصيات تقول: إنه يمكن للإنسان أن يحدد اللترين كحد أدنى ويعتمد في الجزء الباقي على الطعام, وبعض التوصيات تقول: إن شرب 13 كأساً يوميا للرجال و9 كؤوس للمرأة معقول بصرف النظر عن مصدر الماء. أي أنهم يضعون في الحساب وجود حوالي كأسين من الماء في الطعام وباقي العشرة والإحدى عشرة كأساً تكون سوائل وماء نقياً.
انتفاخ مخ وخمول
ماذا لو شرب الإنسان أكثر من هذه الكمية..؟ إن كان الأمر في حدود عدم المبالغة المفرطة جدا جدا فإن الجسم سيتخلص من الماء الزائد أما الإفراط الشديد فلا شك أن له محاذير, فقد يقود ذلك لتشبع خلايا المخ مما يجعلها أكثر انتفاخا وهذا يقود للنعاس والكسل والخمول ويخفض ضغط الدم ويضعف القلب وربما تطور الأمر إلى حالات من التشنج والإغماء. وهذه حالات قد لا تظهر عند جميع الأشخاص الذين يفرطون بصورة جنونية في شرب الماء إنما هي أعراض مسجلة. كما أنه سجل حالات عدم قدرة الكلية على التخلص من الماء الزائد نتيجة الشرب المبالغ فيه جدا بما يسمى حالة هبوط صوديوم الدم.
الجفاف عالم وحده
إن فقد الجسم للماء واضطراب الميزان نحو الجانب السالب يقود لما يسمى بالجفاف. والجفاف في حقيقة أمره مصطلح واسع الدلالة ففقدان الجسم للماء ولو في حدود 1% إلى 2% يمكن أن يدخله في مشكلات صحية إذ يكون خلل الطاقة والإرهاق ظاهرا عليه. والجفاف تزداد خطورته على الإنسان كلما كان طفلا صغيرا أو مسنا. وأعراض الجفاف العامة هي العطش الشديد وجفاف الفم والإجهاد والصداع مع الشعور بإرهاق العضلات والدوار وربما ظهرت على من يعاني الجفاف أعراض أخرى مثل الشعور بعدم الراحة وجفاف الجلد وانخفاض في كمية الدم.
هذه الأعراض عامة وتزيد عليها أعراض أخرى في جفاف الأطفال في حالات التسممات وغيرها. وأسباب الجفاف كثيرة وكلها أسباب تعود لفقدان ماء الجسم مثل الإسهال أو فقد الدم في الحوادث أو زيادة إدرار البول أو زيادة التعرق والتنفس في الأجواء الحارة المشمسة أو التمارين الرياضية الشديدة بدون الاستعداد لها مع فقد للياقة كما أن استخدام مدرات البول والإفراط فيها يؤدي للجفاف و ربما ساعد على مضاعفة مشاكل الجفاف بعض السلوكيات الغذائية مثل شرب القهوة والشاي بكميات كبيرة في الأجواء الحارة المشمسة ذلك لوجود الكافيين المدر للبول أو استخدام ما شابه الكافيين مثل (الثيوفيلين) وقد سبق التحدث عن بعض الخطوات الغذائية لمعالجة الجفاف في عدد سابق من الوطن.
كن ريان صحيحا صيفا
* تجنب التعرض للحرارة الزائدة والشمس وهجر الماء وإياك والمشي الزائد في النهار وتعويد النفس على شرب كأس من الماء بين كل وجبتين (بدون مناسبة) أمر جيد.
* ويقترح البعض أن تستعيض النساء عن جلسات الشاي بجلسات ماء, وبعض المتحمسين للأمر يقترحون أن تقول لجارك: تميأ عندنا بدل من تقهوى عندنا!! أي تفضل لشرب الماء بدل القهوة, ويمكن أن تقدم له مع الماء التمر والفواكه الصيفية حتى تكتمل الضيافة الصحية.


المصدر الوطن ...
منقول