
.
نواعير حماة تبكي....

تمتاز بلادنا العربية من المحيط إلى الخليج بتاريخ عريق سطرت حروفه بماء الذهب وسجلت على دفتر مشرق مازالت حروفه تتلألأ رغم مضي قرون على تدوين هذا التاريخ المجيد الذي حاولت عدة أيدي العبث بأوراقه الناصعة البياض لتشوش رموزه وتدوس على حضارته الشامخة

ومن هذه الأيدي اليونان والرومان منذ ماقبل التاريخ حتى قيام الدولة الإسلامية , ومن أجله جاءنا أيضا الأغز والتتار والمغول والصليبيون والعثمانيون والمماليك وغيرهم الكثير عبر مرحلة العصور الوسطى حتى تاريخ أمتنا الحديث , ومن أجله أيضا عرفنا عبر تاريخنا الحديث والمعاصر الغزو والاستعمار الغربي البرتغالي منه والإسباني والفرنسي والانكليزي والصهيوني والأمريكي، بكل أشكاله وصوره المباشرة وغير المباشرة .
كل هذه الأيدي المتفرقة تجمع شملها لصدع جدران حضارتنا العريقة لتشويه وجهها البهي
وتميز جسد أمتنا الممشوق القوام بميزات عدة فتنت الغرب حتى سقطوا أمامها

صرعى وبعضهم قتلى حسدا وبغضا
فلنسلط الضوء على معلم مهم من معالم أمتنا الإسلامية العربية العريقة
الذي أضحى رمزاً لها
نواعير حماة تمثل علامة مميزة لمدينة حماة
شهدت سبعينيات القرن الماضي عملاً جاداً لإعادة عمل تلك النواعير التي تمثل جزءاً من آثار حماة المتميزة وكان هناك في نفس الفترة أربع نواعير تعمل وهي ناعورة البشريات الكبيرة وناعورة الجسرية وناعورة المأمورية ثم ناعورة الكيلانية وقد حاولت مديرية آثار حماة إيجاد طريقة للحفاظ على تلك النواعير لأن أرباب هذه المهنة أصبحوا في عمر لا يسمح لهم بالعمل ولذلك جرى تدريب عدد من الشباب على أعمال تصليح وتشغيل تلك النواعير من خلال الاستفادة من خبرة أولئك المهنيين.ومن أجل هذه الغاية أبرمت الدائرة عقوداً مع هؤلاء الشباب وجرى ***** ورشة تمكنت من إعادة ترميم 17 ناعورة
هي التي تشاهد الآن وهي تعمل

بعض الناس ينسبون النواعير إلى زمن الرومان لكنها اختراع سوري لأنه لم يكتشف في ايطاليا على أثر يدل على وجود النواعير هناك كما أن المكتشفات الأثرية التي وجدت دلت على أن زمن النواعير يعود إلى 2500 ق.م أي الزمن الذي سبق دخول الرومان غالى حماة.
لمن لا يعرف الناعورة هي :
لوحة فنية وأثرية رائعة الجمال مليئة بالفتنة والسحر ذات شدو متواصل، هي عبارة عن آلة مائية دائرية دائمة الحركة مخصصة لرفع الماء من النهر وعبر القناطر إلى البساتين على جانبي النهر، وتتكون من دولاب خشبي ضخم يدور حول محور خشبي من خشب الجوز يرتكز على قواعد خشبية موضوعة على قواعد حجرية ثابتة وقوية في قاع النهر،
ولم تتغير تقنية الناعورة على مر العصور منذ خمسةً وعشرين قرنًا حتى اليوم، لكن نواعير حماة اليوم حزينة وتبكي لما يحدث لدور وبساتين حماة وأخواتها وجاراتها
بقيت النواعير صامدة أمام ما لحق سوريا من تخريب ودمار الذي تشهده هذه الآونة
لكنها تبكي ألم تسمعوا حجرشة صوتها وهي تضخ الماء وتبكي على حقولها وبساتينها التي تكاد تتلاشى منها الحياة رغم سقيها كل يوم
بماء الحياة

عفوا صارت تسقى الآن بالدماء ................
فما لم تستطع قوات الغرب صدعه في قرون استطاعت يدا المكر أن تصدعه في سنة من ثورة سوريا المظفرة
ألا يؤلمنا ما يحدث من تخريب لحضارة أمتنا ونواعير حماة التي هي جزء من حضارتنا وتاريخنا العريق الذي كان أول من عرف طريقة الري كما أسلفنا الذكر
عذرا أيتها نواعير ..
ستحملين الدم في صناديقك الخشبية .. و ستقلبينه في البركة الحمراء ..
و ستصرخين كصرخة الثكلى في وسط عالم صمت آذانه وتجاهلته الضمائر
إن نطقت صناديقك الخشبية وباحت بالوجع فقد سمعتها بعض الضمائر الحية وستسعفك وتطهرك من بقايا الدم وسترمي كل ما في البركة من هموم ومآسي لتعود صناديقك فيها لجين رقراق تطرب لسماعه الآذان
وستزف عرائس الشام على أطرافك الجميلة وستبقين صامدة مهما طالتك يد العابثين بالدماء
وسترتوي بساتينك من جديد وسيزهر الفل والياسمين لنشتم عبقه من أقاصي الدنيا وبك نفخر ونقول لقد عادت سورية للحياة ..وعادت النواعير لوظيفتها وهي تنتعش بالحياة لتنعش البساتين وترتوي بالماء

أيتها الناعورة قولي لهم قولتك الشهيرة (على الباغي تدور الدوائر)
بقلم : أم حازم
مغرب يوم الأحد 10 جمادي الأولى 1433هـ
الموافق لـ : 01-04-2012مـ