هام جدا، قبل السفر إلى الحج !!

ملتقى الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد

إن الكثيرين يسافرون لأداء فريضة الحج بنوايا طيبة ، ولكن – مع الأسف - يفوتهم الكثير من الخيرات،
لذا أرجو –مشكورين – أن تهدوا الكلمات التالية لكل حاج تعرفونه .... لعل الله تعالى ينفعه بها،
وننال جميعا الأجر إن شاء الله .

الكلمات التالية هي ملخص لجموعة محاضرات بعنوان "خبرات في الحج
" لفضيلة الشيخ/ الدكتور محمد راتب النابلسي

المُحاضر بكلية التربية – جامعة دمشق
و خطيب مسجد
" عبد الغني النابلسي " بدمشق.


وقد نشرت مكتوبة على موقعه المتميز
www.nabulsi.com :p

مع العلم بأن الشيخ الجليل لا يمانع من نشر علمه،
بتصريح منه على صفحة الأسئلة والفتاوى بهذا الموقع .

أرجو أن ينفع الله تعالى بها، وان يجزي الشيخ عنا خيرا
وأن يجزيكم خيرا كثيرا لتبليغها، آمين .
:)

بسم الله الرحمن الرحيم

قبل أن تسافر أخي الحاج ،إليك:

خِبرات في الحج

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين...اللهم لا عِلم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم .
اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا ، وزِدْنا عِلما ؛
وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه ، وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه ؛
واجْعلنا مِمَّن يسْتمعون القولَ فَيَتَّبِعون أحْسـنَه... وأدْخِلنا برحْـمتك في عبادك الصالحين.
الحج رحلة إلى الله تعالى
أيها الإخوة المؤمنون؛ إن الحجّ رِحْلةٌ إلى الله تعالى، وله طبيعةٌ خاصَّة... فإذا لم يتفَقَّه الحاجُّ في مَقاصد الحج الراقية ، وما لم يتعرَّف إلى أحْكام الحجّ الأساسيّة؛ربما كان حجُّهُ باطِلاً ولَكُم أن تتصوروا طالِباً ذهب إلى بلد غرْبي ، فوجد في هذا البلد ملاهي ودُوَر لَهْو ومكتبات وحدائق ، إنه ما لم يكُنْ واضِحاً في ذِهْن هذا الطالب أنَّ مُهِمَّتَهُ الأخيرة والأولى هي الدِّراسة قد لا ينجح ولا يُحَقِّقُ هدفهُ الكبير !!!
وكذلك: إن أكبر خطأ يُمْكن أن يقع فيه الحاجّ أن ينسى أنَّهُ حاج ، وينقلب من حاجٍّ إلى سائِح ، ومن حاج إلى مُسافر ، فالذي يحدث أنَّ الحاج ينتقل إلى بلادٍ لا يعْرفها ، فتُبْهِرُهُ الطرقات والجُسور والمحلات والعمارات ، ويُلاحظ المُعاملة في المطار ، فَيَعود لِيُحَدِّثَكَ ساعةً من الزَّمَن عن مُشاهداته ، وليس عن الشيء الأساسي الذي ذهب من أجله !!!
فحَجُّ الفريضة رِحْلةٌ إلى الله عز وجل ،
فما لم يكن الهَدَفُ الكبيُر واضِحاً جليًّا في ذِهْن الحاج ، والمقْصد الأسْمى من هذه العبادة ، ومن هذه الرِّحْلة إلى الله عز وجل ، ربما لم يكن حجُّهُ في المُسْتوى المطلوب ، لأنَّكم تعلمون أيها الإخوة أنَّ العبادات مُعَلَّلَة بِمَصالِحِ العِباد ، ولنضرب على ذلك مثل، بقوله تعالى في سورة العنكبوت :

هذه هي عِلَّتُها ، وهذا هو هدفها ، فَمَن صلى ولم تنْهَهُ صلاته عن الفحْشاء والمنكر لم يزْدد من الله تعالى إلا بُعْداً ، لأن الغاية الكبرى من الصلاة قد تعطَّلَت!!!
وكذلك يمكن أن نقول عن الصيام لقوله صلى الله عليه و سلم :"من لم يَدَع قوْل الزور والعمل به ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"رواه البخاري ...أما عن الزكاة ، فقد قال تعالى في سورة التوبة:
"قٌُُل أنفِقوا طَوعاً أو كَرهاً ؛ لن يُتَقبَّلَ مِنكُم ،إنَّكُم كُنتُم قَوماً فاسِقين "
هذه الزكاة فقَدَتْ قيمتها وحِكْمتها ، والحجّ كذلك .
ففي الحجّ لا رفث ولا فسوق ، فهذه الرِّحْلة تُكَلِّفُكَ عَشَرات الأُلوف ، وتُبْعِدُكَ عن أهْلك وأُسْرَتِك عَشَرات الأيام ، وتجْعلك تتجَشَّمُ آلاف المصاعب ، ثمَّ تكون أنت السبب في ألا تُقْبَل ؟؟؟!
و اللهِ إنها لمُصيبة !!!!

ولعل من الأشياء الطريفة التي تُرْوى أنَّ أحد المجلات رسَمَتْ حاجاًّ عاد إلى بلاده وهو مُحَمَّل بالأغْراض ؛ مئات الكيلوغرامات من الهدايا والأجْهزة الكهْربائِيَّة ، وفجْأةً ضَرَبَ جبْهَتَهُ وقال :

" أخ!!! ماذ نسيت ؟ لقد نسيتُ أن أحُجَّ !!" :blink:

ولعل هذا يفسِّر ما رأيْناهُ في الحجّ مِن انْحرافات فاحِشَة و خطيرة، وتطاوُلٍ باللِّسان على عِباد الله ، ولَغْوٍ في الحديث ، وانْغِماسٍ في اللَّهْو والشراب ...إلخ.
يا تُرى هل يُعْقل أن يأمرك الله أن تأتي بيته الحرام والكعْبة ، والوُقوف بِعَرَفات ، ثمَّ يكون حديثك بها عن أُمورٍ لا علاقة لها بالعبادة إطلاقاً وهل يُعْقل أن تزور مائة حاجّ ولا تسْمع منهم إلا ما أكلوه في عرفات ومع من الْتَقَوا ، والمَشاهد التي أعْجَبَتْهم ، والنِّظام في المملكة ؟!!!

فالله عز وجل غَنِيٌّ عن عبادة ليست سِوى تواجُد جِسْمي، ومظاهر فقط !!!

هذه الكلمات التي يُرَدِّدُها الحُجاج :" لَبَّيْك اللَّهُمَّ لبيْك" ، قد ينسون مضْمونها ،فكلما صَعِدْنا إلى مكان مُرْتفع ، وكلما دخلْنا إلى مدينة ، وهبْطنا وادٍ نردِّدُ هذه الكلمات ، ما معنى لَبَّيْك ؟ كأنَّ لِسان حال الله عز وجل يقول لك :

تعال ياعبْدي لأُريحَكَ

من هموم أثْقَلَتْ صَدْرك ،

تعال لأَنْقُلَكَ من عملك الوضيع إلى آفاق معْرفة الله،تعال لِتَذوق طَعْم القُرْب ِمنِّي
!

تقول : لبَّيْك اللَّهُمَّ لبَيْك أيْ سَمْعاً وطاعَةً ، واسْتِجابَةً لِنِدائِكَ يا ربّ مرَّةً بعد مرَّة ، فأجمل شيء في الحجّ أن تضع يدك على حِكْمة الحجّ وجَوْهَرِه ومقاصِدِه وأن تكون في المُسْتوى الذي يُمْكن أن يكون مَعْقولاً من تَرْكِكَ البلاد والعباد ، وتأتي لِتُلَبِّيَ الله عز وجل .

:)

لماذا فُرِض علينا الحج؟!!!

أخي الكريم : لماذا فُرَضَ علينا الحجّ ؟ ولماذا أمَرَنا الله تعالى بِأداءِ هذه الفريضة ؟ كلكم يعْلم أنَّ الصلاة رِياضَة بَدَنِيَّة ، والزكاة عبادة ماليَّة ، والدعاء عبادة قوليَّة ، أما الحجّ فعبادة قوليَّة وشعائِرِيَّة وماليَّة وبَدَنِيَّة ، فالعبادة التي تجْمع كُلَّ العبادات هي الحجّ وهي في عُمْر مرَّة ، وكذا الصيام مرة في السَّنة ، والجمعة مرة في الأسبوع ، والصلاة خمْس مرات في اليوم ، إذن مادامت هذه العبادة مطلوبة منك مَرَّة في العُمْر ، فمعنى ذلك أنَها تكْتَسِب أهَمِيَّة كُبْرى ، لأنها تجمع في طيَّاتها كل العبادات !!!!

:)


آداب السفر في الإسلام

والآن نتحدث عن آداب السَّفر في الإسلام لأنَّ الحجّ سفَر،و الشيء الأساسي في السّفر أن تُشاوِرَ في سَفَرِك من تَثِقُ بِدينه وعِلْمِه. أيها الإخوة الأكارم ، مَن اسْتشَار الرِّجال اسْتَعار عُقولهم ، فإنسان له خِبْرة أربعين أو خمسين سنة في حَقْل مُعَيَّن إذا أنت سألْتَهُ أخذْتَ كُلَّ عِلْمه وخِبْرته ، فالنبي عليه الصلاة والسلام عَلَّمنا شيئين ؛ عَلَّمنا الاسْتشارة ، وعَلَّمَنا الاسْتِخارة ، لِمَن الاسْتِشارة ؟ لأُولي الخِبْرة من المؤمنين حَصْراً ‍! لأُولي الخِبْرة لينْصَحوك ، ولمؤْمِنٍ غير ذي خِبْرة لا يعْرِف ، فاِجْعل هذه قاعِدَة في حياتك وتِجارتك وسَفَرِك ، وفي أيِّ مَشْروعٍ تُقْبِلُ عليه ، قبل كُلِّ شيء اِسْتَشِرْ أهل الخبرة من المؤمنين والاستِخارة لله عز وجل ، وأنا أعْتقد أنَّهُ لا اسْتِخارة ولا اسْتِشارة في الفرائِض ، وهي حقيقة مُهِمَّة ، فأنت تسْتخيرُ في المُباحات ، وفي أشْياء لك أن تفْعَلَها ، وأن لا تفْعلها ، أما في الأشْياء التي أمرك الله بها فلا اسْتِخارة ولا اسْتِشارة ، ولكن السَّفَر لا بدّ أن تسْتشير من تَثِقُ بِدينِه وعِلْمِه وعقْله وخِبْرته ، والمُسْتَشار مُؤْتَمن ، فمن اسْتُشير فلْيُشِر بما هو صانِعٌ بِنَفْسِه إذا كان مكان المستشير.
إخوتي: إن َمِنَ البشَر من يعْلم ولكنَّهُ ليس قادِراً ، ومنهم من يقْدر ولكنَّه لا يعْلم ، لكنَّ الله تعالى له العِلْم المُطلق ، والقدْرة المُطْلقة وبالمناسبة ؛ في الكوْن كُلِّه لا توجد إلا جِهَة واحدة يُمْكِنُ أن تُرافقك في السَّفر،وأن تكون خليفتك في الأهل والمال والولد ،
هذه الجهة هي: الله !!!
فأقرب الناس لك إذا سافر معك ليس بِإمْكانه أن يكون خليفةً على أهْلِك ، وإن بقِيَ خليفةً في أهْلك وولدِك ليس له أن يُسافر معك ، لكنَّ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كان يدْعو قبل السَّفر ويقول :" اللَّهم أنت الصاحب في السَّفر ، و الخليفة في المال والأهل والولد ..."؛ فإذا دعا الإنسان بِهذا الدعاء وسافر فأغْلب الظنّ أنَّهُ يعود إلى بلده ،فيجد أهله وولده بكل خير وعافية ، وليس هناك أخْبار سيِّئَة ولا مُفاجآت غير سارة... فأنا أجزم بأنَّ من قال هذا الدعاء أدَّى سَفَرَهُ –بمشيئة الله تعالى - في طمأنينة وهناء ، وعاد فوجد كل الخير .
وهذه قصة حدثت معي: كنتُ ناوياً أن أسافر إلى بَلدٍ ما ، وقبل أن أخرج من بيتي قلتُ : يا رب اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي ، فَاقْدُرْهُ لِي ، وَيَسِّرْهُ لِي ، فذَهَبْتُ فإذا بي أرى الطريق مَسْدودًا ،ولم أستطع السفر!!! ثمَّ علِمْتُ –بعد ذلك - أنَّ هناك أخْطارًا تنْتظِرُ كُلَّ من يقْدم إلى هذا البلد لأسْباب طارئة !!! فالمؤمن حياته رائِعة ، والله وَكيلُه ، فَهُوَ تعالى يعْلم وأنت لا تعلَم ، وهو تعالى يقْدِر وأنت لا تقْدِر ، فإذا اسْتَخَرْتَهُ بِعِلْمِه وقُدْرتِه ، انتقلت من الاعتماد على علمك وقُدرتك ، وعِشت معتمداً على علم الله وقُدرته .

وَهمٌ كبير :huh: ؟؟!!!

أيها الإخوة الأكارم ، يجب أن تعْلموا عِلْمَ اليقين أنَّ هناك وَهْماً خطيراً وكبيراً ،
هو أنَّ الإنسان إذا حجَّ رجع من ذُنوبه كَيومِ وَلَدَتْهُ أُمُّه ! نعم ، هذا حديث شريف ،
ولكن أُؤَكِّد لكم أيها الإخوة أنّ الذنوب التي يغْفرها لك الله في الحجّ هي فقط ما كانت بينك وبين الله ،
أما الذنوب التي بينك وبين العباد فو الله لا تُغْفر إلا بالأداء ، ولا تسْقط إلا بالمُسامَحَة ...كأن يغْتَصِبُ الإنسانُ بيْتاً ، ثمَّ يقول لك أحُجُّ ويتوب الله عليَّ ؟؟؟!!

هذا توْجيه شَيْطاني :angry: ، فاحذَر منه !!!
***
12
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

rainyheart
rainyheart
والآن ما هو المطلوب منك منذ البداية وحتى الحجّ ؟
أنْصح لكم أيها الإخوة:

1- أن تؤدوا ما عليكم من الذِّمم والحقوق قبل الذهاب للحج ... أذْكر أنَّني قبل أن أذهب للحج، حتى الكتب المُستعارة أعَدْتُها لأصْحابها ، وحتى المَجلات... كانت عندي مَجَلَّة قديمة لِشَخْصٍ لم أرهُ منذ فتْرة ، ذَهَبْتُ إليه وأدَّيْتُها له .

أخي الكريم : اُنْظر لحال الإنسان حين يشعر بأنه أوشك أن يُغادر الدنيا كيف يُصَفي علاقاته من ذِمَم وحِسابات وحقوق ، لذلك قيل : إذا اسْتَقَرّ عَزْمُك فبادِر إلى التوْبة ، وأدِّ ما عليك من حُقوق ودُيون ، و اسْتَسْمح من نالهم منك ظُلْمٌ أو أذى ، ولا تشْعر أنَّك أكبر من ذلك ، فإذا كنت قد ظلمْتَ من كان يشْتغل عندك في الماضي فابْحث عنه و اسْتسْمِحهُ ، فهذا له حق عندك ! وقَدِّم له هَدِيَّة ، وإن بذلت كل جهدك و لم تجده ، فادعُ الله تعالى له بالمغفره والرحمة ،
و لا تنسَ دائما في صلاتك ًالدعاء : "اللهم اغفِر لي ولوالديَّ ولِمَن كان له حقٌ عليَّ " .

وإذا أردت أن يمُن الله عليك في الحج بنفحاته ، وأن تشْعر بالطواف الحقيقي ، وأن يكون حجك مقْبولاً ، فأنت لك مهِمَّة أصْعب من الحج ؛ وهي أن تسافر وليس لأحد عندك حق ، سواء في علاقاتك الماليّة ،أو الأشياء المُسْتعارة ، أو تعْويضات مع تقادم الزَّمن نَسِيَها صاحبها ومَلَّ من مُطالبتك ... جاء الآن وقْتُ تَصْفِيَة الحُقوق، وأداء الواجبات، وأداء ما عليك من دُيون و حُقوق .

2- بعد ذلك عليك بالتوبة النَّصوح ، فيجب أن تسافر إلى الحج وقد فَتَحْتَ بينك وبين الله صَفْحةً جديدة .

3- على الزَّوْجة إرْضاءُ زَوْجِها ، فإذا كان بينها وبين زوْجها مشْكلة ، ولو حَجَّتْ مع أخيها فَحَجُّها غير مَقْبول ، فعلى الزَّوْجة أن تُرْضي زَوْجَها قبل أن تَحُجّ ؛ لأنَّ دين المرأة أربعة أقْسام :و رُبْع دينها رِضا زوْجِها عنها ، فإذا صَلَّتْ المرأة خمْسها ، وصامَتْ شَهْرها ، وحَفِظَتْ نفْسَها ، وأطاعَتْ زوْجها ، دَخَلَتْ جَنَّة ربِّها ، فَكُلُّ زوْجةٍ عاصِيَة لِزَوْجِها ، ومُغْضِبَة له ولا يرْضى عنها وتُزْعِجُهُ ، فليس العِبْرة أنْ تَحجّ مع أخيها ، إنما العِبْرة أن يقبلها الله عز وجل ، وأن يتجلّى عليها هناك .

وَيُسنُّ للرَّجُل أن يصْطحب في الحجّ زَوْجته ، هناك أشْخاص يقولون لك أُحِبُ أن أكون خفيفاً ، والمرأة صَعْبة ، وعِبْء ! لكن إن لم تَحُجّ عن طريقك فَعَن طريق من تَحجّ ؟! طبْعاً هذا على المَيْسور الحال .

4- : مع ملاحظة أنه لا يجوز للوالِدَيْن منْعُ الابن مِن حَجَّة الإسلام(حجة الفرض: أي المرة الأولى ) ، فإن قالا لك:" إرضاءً لنا لا تحجّ "، فلا يجوز طاعتهما إن كانت هي حجَّة الإسلام ،أما إن حجّجْت وكانت هذه للتَطوّع وقالا لك:" لا تحجّ هذه السنة فنحن بِحاجة إليك" ، فلا مانع من طاعتهما ، وربما وجبتْ طاعتهما ، أما حجَّة الإسلام فلا اسْتِشارة ، ولا إذْن ، ولا شيء ، وعلى الابن أن يجْتهد في إرْضاء والِدَيْه مع ذلك.

5- التأكد من أنك تُنفق على الحج من مال حلال ....أما إن كان أحدكم في ماله شُبْهة ، أوفي دَخْله جزءًا من الحرام ، وله معاش ، فإذا أراد أن يحجّ بِهذا المال المَشْبوه ، فقد ورد في بعض الأحاديث :" يقول لبَّيْك اللهم لبَّيْك، فيقول الله تعالى : لا لبَّيْك ولا سَعْدَيْك" إذن يجب أن تحجّ من المال الحلال الذي اِكْتَسَبْته من كَدِّك وعرق جبينك .

6-التفقُّه في أحكام الحج : فيجب على من عزم على الحج أن يقرأ كتاب في فقه الحج أو يحضر دروساً في فقه الحج ، ليعرف حُكْم كُلِّ عمل ولا يُقَلِّدُ العوام ، فالمفْروض أن تؤدي ي حَجّك بشكل صحيح.

ولقد رأيْتُ بِعَيْني أشياء ينْدى لها الجبين ؛ حُجاجٌ ما أحْرموا من الطائرة ، فلما وَصَلْنا إلى جدَّة قالوا : متى الإحْرام ؟! هؤلاء عليهم دم ، ومنهم من لم يطُف طواف الإفاضة وهو رُكْن ، وهناك من يسْأل وهو في المدينة أين قبْر محمَّد ؟! هناك جهْل شنيع وأحدهم قال : أين القِبلة ؟ فقال له أدهم: هذه هي الكعْبة فقال له : أنا أقول أين القبلة ، وليس الكعبة ؟!! ، وآخر قالوا له : اُرْجم إبْليس ، فقال : ليس بيني وبينه شيء !! لا أُحِبُّ أن أرْجُمَهُ !!! فهذا الحاج دفع ماله جُزافاً ، وضَيَّع وقْته ، وهو لا يعلم منه شيئاً!

و قد كنا بِعَرَفات فرفع أدهم باب الخَيْمة فسَبَّهُ أحدهم بالدِّين !! أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بِعَرَفات ؟؟؟!
لذلك يجب أن يتَفَقَّه الإنسان قبل أنْ يحجّ .

8- كتابة الوصية الشرعية قبل السَّفر ، وهذه هي السنَّة .

9- مرافقة من يُعينك على طاعة الله ؛ فمن السنَّة أن يبْحث الحاجّ عن رفيق عالِمٍ ورِعٍ راغِبٍ في الخير والتُّقى ، وكأنَّ الحجّ يتضاعف أجْرهُ إذا صاحبك رجلٌ تقِيّ عالِمٍ ، كُنْ في صُحْبة الأخْيار ، فإذا رأيْتَ في الحجّ من تعرفه من أهْل التُّقى فاصْحَبْهُ ودَعْ رِفاقَكَ ، فهذا العالِم أو الداعيّة الملتزِم يُعَلِّمُكَ أحْكام حجِّك ومناسكه والآداب ، فالأصْل مُصاحبة من يُعينك على طاعة الله ؛ عالِمٍ أو داعِيَةٍ أو صاحب خِبْرة ، فلا تبْحث عن السُّرور مع الأصْدِقاء ، إنما من هم فوْقك من أهْل العِلْم ، هذه عِبادة لا يلْزمك فيها أن تمْزح وتتسَلَّى ،وإنما يلْزمك صُحْبة عالِمٍ .

10-أن تَسْتَكْثِر من طيِّب الزاد والنَّفَقة ما أمْكنك ، لِتُعينَ ذوي الحاجة ، فإذا كان الإنسان مَيْسورًا وأخذ معه أدْوِية زائِدَة ، أو أمتعة زائدة مما يحتاجها الحجاج(مثل أدْوِيَةُ الإسْهال، والمُسَكِّنات ، وخافِضات حرارة ، وأدوية الرَّشْح كان هذا من باب تقديم يد المساعدة للإخوة ، وله الأجر العظيم عند الله تعالى .

أذْكر أنَّهُ لَزِمني علبة دواء ثمنها خمسون ريالاً، وهو ما يُعادل سبعمائة ليرة ! بينما ثمنها في سوريا ستُّ عشرة ليرة فقط !!

كما أذْكر في العام الماضي لما كنت رئيس بعثة أنَّني أخذْت زاداً كبيراً حتى رآه الحاضرين كثيراً، إلا أنَّه كان له أثر كبير في أثناء ذهابنا، فقد بقي معنا لِمُدَّة ثمانية أيام ، وأطْعمْنا منه وضَيَّفْنا .

والمشكلة أن هناك الظروف تكون غير ميسرة كما هو الحال في بلدك؛ فأنت تَصِل مُتْعبًا ، والخروج قد يكون فيه إرْهاق أو مشقة ، فإذا أخذتَ الأكل والدواء اللازم سُرِرْت وأسعدتَ غيرك من الحجاج ، فتنال ثواب إطعام الطعام ، وإدخال السرور على قلوب المسلمين ...وهي من أحب الأعمال إلى الله تعالى .

11- ترْك المُجادلة والمُشاحنة في الحجّ ؛ فلا رفث ولا فسوق و لا جدال في الحج ، أما المجادلة ، فهي الاعْتِراض مثل: "ما هذه الأسْعار؟! " ؛ فأنت في حجّ ولا يجوز أن تفعل هذا .

12- الرِّفق بنفسك ، فالمَشَقَّة في الحجّ ليْسَت مَطْلوبةً لِذاتِها ،فهناك من يختار الجلوس تحت أشعة الشمس الحارة ، ويقول أنا لي أجْرٌ بالشَّمْس أكثر !! لا هذا وَهْم وجهْل ، فالحجّ الآن بالطائِرة أكثر راحةً من البرّ ، والحجّ بِالبَرّ أقلُّ تعبًا من المَشْي فليْسَتْ المَشَقَّة مَطْلوبَةً لِذاتِها ، فلا تقل : إذا ركِبْتُ حافلةً مُكَيَّفةً يَقِلُّ أجْري ، بل احرص على أن تنزل في خيْمة مُكَيَّفة فهذا أفْضل لك لأنّ الحرّ أحْياناً يشْتد لِدَرجة أنَّهُ يُعيقك عن الإقبال على الله عز وجل .
لذلك احْفَظوا هذه القاعدة :

المَشَقَّة في الحجّ
ليْسَت مطْلوبةً لِذاتِها
؛


لكن إذا كانت المَشَقَّة لا بدّ منها في سبيل الله فَمَرْحباً بها، مثَلاً؛ الآن حوْل الكعْبة هناك رُخام يمْتَصّ الحرارة، رغم أن أشِعَة الشَّمْس مُسَلَّطة عليه عَشْرُ ساعات وهو بارد ، بينما هناك رُخام بالأرْوِقَة حارة كالمِكْواة تماماً !!! إياك أن تظنّ أنَّ المشقّة إذا طلبْتها لِذاتها ترْفع ثوابك عند الله تعالى ‍! لا ، فالنبي عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً قابِعاً في الشَّمْس ، فقال : لمَ يقف هذا في الشَّمْس ، فقالوا : نذر هذا أن يقف في الشّمْس تقرُّبا إلى الله عز وجل ، فقال عليه الصلاة والسلام : مُروهُ أن يتحوَّل ، فإنَّ الله غنِيٌّ عن تعْذيب هذا نفْسه"!!!

مثَلاً؛ هل يجب أن تُصلي خمس أوقات بالحرم ؟! أما إذا كان البيت قريبًا من الحرم فهذا أحسن ، أما إذا كان البيت بعيدًا ويجب أن ترْكب السيارة مَرَّتين ، وتمْشي في الشَّمْس ساعة ، وضَرْبة الشَّمْس مؤلمة ، فلا تخرج في النهار إلا لِسَبب قاهر ،لأن مكة كلها حرَم ، فإذا صليت بالفندق حصلت على أجر الصلاة بالحرم !!! مع ملاحظة الحرص على صلاة المغرب والعشاء والصبح في الحرم،حيث تكون الحرارة لطيفة... و لا تُخاطر، فحياتك غالِيَة، وهي ليْست ملْكك وحْدك، وبالمناسبة:إن ضربات الشَّمْس مُميتَة ، أنا لا أُخَوِّفكم ، إلا أنني أُبيِّن لكم حُكْم الشَّرْع في مسألة المَشَقّة ، حتى إنه توجد مُستشْفيات من أجل ضرْبات الشَّمْس..فإذا بدأت تشعر بدوخة، وشِبْه إغْماء فأوَّل شيء لا بدَّ أن تأكل أشْياء مالحة ، لأنَّ هذا الشيء المالح يشْرب الماء .

13- أن تكون نيَّتك هي إرضاء الله : أي أن تجْعل سَفَرَك خالِصاً لله تعالى ، فلا تتَّّخِذهُ فُرْصَةً للتِّجارة ، وإن كان ذلك جائِزاً ، ولكن في حُدود الشَّرْع ؛(أي أن يكون همَّك الأول هو أركان الحج وطاعة الله ، ثم تأتي بعد ذلك التجارة ، أو شراء الهدايا كشيء جانبي، وثانوي...وكل شخص أدرَى بنواياه... فإذا لم تستطع السيطرة على قلبك ، أو أن تضبط نيتك ، فدع كل شيء وتفرَّغ للحج فإنه رحلة تؤدَّى مرة واحدة في العمر !!! وقد تكون هذه هي آخر زيارة لك لهذه الأماكن المقدسة المباركة )

فالإنسان يخرج من الحَرَم فَيَجِد مَحَلَّات فَخْمة ، وبِضاعة بأنواعها المُدْهِشَة ؛ ويجد هؤلاء الحُجَّاج مُلْتفين حوْلها ، وذلك لِرِخَصِها ، أو غيرها من الأمور ... دَعْك من البِضاعة ؛ وتذكر أنك حاج .

هناك أيضاً من الحجاج من يذهب لمدة يومين أثناء الحج إلى جدة ليزور أقاربه، وهي مدينة فَخْمة ذات عمارات شاهقة ، ومقاصف جميلة على البحْر ، تجعل الحاج يخرج من الجو الروحاني الذي كان يعيشه إلى الدنيا بزخارفها ... أنصحك أخي الحاج أن تبتعد عن كل هذا؛ فليس من مصْلحتك الانْتِقال إلى الأماكن الحضارِيَّة، إنما مصْلحتك الاعتكاف بالحرَمَيْن... لأنَّك ذهبْت للحج وليس للسِّياحة ...أما أقاربك ، فيمكنك زيارتهم بعد الانتهاء من أداء فريضة الحج ، بنِيَّة صلة الأرحام .
:D

قبل مغادرة المنزل

ماذا يفْعل الحاج قبل أن يغادر منزله؟ يُسْتحَبُّ أن يُصلي الحاج قبل خروجه ركْعتين في غير أوْقات الكراهة ؛ وهذه الأوقات معْروفة : (بعد صلاة الصبح ، وقبل الصلاة الظهر بنصف ساعة،وبعد صلاة العصر) ،فيقرأ في الأولى بعد الفاتِحَة : قل يا أيها الكافرون ، وفي الثانِيَة : قل هو الله أحد ، وهما سُنَّة السفر ، وبعد سلامه يقْرأ آية الكُرْسي ، وسورة قُريْش ، ثمَّ يدْعو الله سائِلاً بِخضوعٍ وخُشوعٍ التَّيْسير والعفْو ، فإذا نَهَض قال : :" اللهمَّ إليك تَوَجَّهْت، وبك اِعْتصمْت، اللهمّ اكْفِني ما أهَمَّني ، وما لا أهْتَمُّ به ويقول:اللهمَّ زَوِّدْني التَّقْوى واغْفِر لي "

ومن السُّنَّة أن تُوَدِّع أنت الأهْل وليس هم الذين يُوَدِّعونك ، فإذا جئْت من الحجّ هم الذين يهَنِّئونك ، أما حين المُغادرة فأنت الذي تُوَدِّع - طبْعاً من هم أكبر منك - لك أب أو عمّ تذْهب إليهم قبل أنْ تَحُجّ ، وحينما تعود من الحجّ هم الذين يسْتَقْبلونك ويُهَنِّئوك .

وفي الوَداع يقول المُوَدِّع لأهله :
" أسْتَوْدِعُ الله دينك وأمانتك وخواتيم أعماَلِك"

و يقول المُوَدَّع للمسافر:
" زوَّدَك الله التقْوى،وغفر ذنْبك، ووجَّهَك َللخير أينما توجَّهتَ"
وهذا في الحجّ وغيره ؛

فإذا خرجْت من بيتك قل : "بسم تَوَكّلْتُ على الله ولا حوْل ولا قوة إلا بالله ، اللهمّ إني أعوذ بك أن أضِلَّ أو أُضَلّ ، أو أزِلّ أو أُزَلّ ، أو أظْلم أو أُظْلم ، أو أجْهل أو يُجْهل عَليّ "

فإذا ركِبْت في السيارة قل : "بسم الله ، سبحان الذي سَخَّرَ لنا هذا وما كنا له مُقْرِنين ، وإنا إلى ربنا لَمُنْقلبون"، الحمد لله (ثلاثاً) ، و الله أكبر (ثلاثاً )، سبحانك اللهمّ إني ظَلَمْتُ نفْسي فاغْفِر لي فإنَّهُ لا يغْفِرُ الذُّنوب إلا أنت ،
والدُّعاء الأخير : اللهمّ إنَّا نسْألك في سَفَرِنا هذا البِرّ والتَّقْوى ، ومن العمل ما تحِبُّ وترْضى ، اللهمّ هَوِّن علينا سَفَرَنا ، اللهمَّ أنت الصاحب في السَّفَر ، والخليفة في الأهل والمال والولد ، اللهمّ إنا نعوذ بك من وَعْثاء السَّفَر ، وكآبة المُنْقلب، وسوء المنْظر في الأهْل والمال والولد ".

ويُسْتَحَبُّ أن تتجَنَّب التَّرَفُّه والإسْراف في الطَّعام ، ففي الحج خَفِّف قَدْر ما اسْتَطَعْت وتناول أكْلات خفيفة ، كما أنَّني أنْصحُ إخْواننا الكِرام بِتَجَنُّب المَشْروبات الغازِيَّة ، واستبدالها بالماء أو اللَّبن .

و يُسْتَحَبُّ أن تتجَنَّب المُخاصَمَة والمُجادلة والمُزاحمة ، في المطار وفي الطائرة وفي الحرَم وفي الخيمة ، وفي كل مكان .

ويُسْتَحَبُّ أن تصون لِسانك عن الغيبة والنَّميمة والشَّتائم ... ولا تتعجبوا من قولي، فو الله ، لقد سَمِعْتُ عَشَرات ، بل مِئات الأشْخاص وهم في الحَرَم، وفي عَرَفات يغْتابون المُسْلمين ، أين الانْضِباط ؟!

ويُكْرَهُ أن تذْهب في طريق سَفَرِك مُنْفَرِداً أو مع واحِدٍ فقط ، لِقَوْل النبي عليه الصلاة والسلام : الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ * (رواه الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّه)
وإذا كانوا ثلاثة فلْيُؤَمِّروا عليهم واحداً؛ هذه هي السُّنَّة، نحن لنا أمير فإذا قال: نمْشي مَشَيْنا ، فلا تُناقِش ، ولا تُخاصِم ، ولا تُعارِض.

فإذا أشْرَفْتَ على قرْيَةٍ قلْتَ : "اللهمَّ إني أسْألك خيرها ، وخيْر أهْلِها ، وخيْر ما فيها وأعوذ بك من شَرِّها ، وشرِّ أهْلها ، وشَرِّ ما فيها "،

وإذا نزلْت منْزِلاً قلت : أعوذ بِكَلِمات الله التامات من شرّ ما خلق ، فإذا جاء الليل قُلتَ: يا أرْض ربِّي وربُّك الله ، أعوذ بالله من شرِّك وشَرِّ ما فيك ، وشَرِّ ما خُلِقَ فيك ، وشرّ ما يدبُّ عليك ، أعوذ بالله من أُسود وأفاعي ، ومن ساكن البلد ومن والدٍ وما ولد" ، هذا دُعاء ضروري ، لأنَّ جول الخِيام في الصحراء يكون هناك عقارب ووُحوش .
وإذا خِفْتَ شَخْصاً قلت :" اللهمَّ إنا نجْعلك في نُحورِهِم ، ونعوذ بك من شُرورِهم ، وتُكثر من قوْل:" لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله ربُّ العرْش العظيم ، لا إله إلا الله رب السماوات وربّ الأرض ، وربّ العرْش الكريم ،الحمد لله رب العالمين ، يا حيُّ يا قيُّوم بِرَحْمَتِك أسْتَغيث" .

، "اللهم أعِنِّي على ذِكرِكَ وشُكرِكَ وحُسنِ عبادتك" ، فإنك لن تستطيع أن تطيع الله أو تعبده إلا بتوفيق منه سبحانه !!!

ويُسْتَحَبُّ للمسافر أن يكون مُداوِماً على الطَّهارة ، فسِلاحُهُ الوُضوء ، لأنَّك إن لم تَكُن مُتَوَضِّئاً ، ودَخَلْت الحَرَم ، تحْتاج أكْثر من ساعة كي تتوَضَّأ ، فَكُنْ دائِماً على وُضوء في الحجّ .
:)
rainyheart
rainyheart
أيها الإخوة المؤمنون : إن الإسلام عقيدةٌ وشريعة ،ولقد لخَّصها الله سبحانه وتعالى في آيةٍ واحدة ، فقال في سورة الكهف :

" قُل إنَّما أنا بشرٌ مثلُكُم يُوحَى إليّ"

هذه العقيدة لو ضغطتها كلها ضغطاً كثيفاً جداً، لانتهت بقوله تعالى في سورة محمد : " فاعلَم أنه لا إله إلا الله "

لذلك قال العلماء : نهاية العلم لا إله إلا الله ، فهي كلمةٌ خفيفةٌ على اللسان ، ثقيلةٌ في الميزان .

وهنا نقطة دقيقة أتمنى على الله عزَّ وجل أن يوفقني إلى توضيحها ، وهي أنّ فهم الآية شيء ، وأن تكون في مستواها شيءٌ آخر ، بل شتانَ بين فهم الآية وأن تكون قادراً على تطبيقها ، فقد تفهم قوله تعالى

:" فاعلم انَّهُ لا إله إلا الله

ولكن إذا كنتَ في مستواها فإن إيمانك بهذه الكلمة ، أو بأنه لا إله إلا الله يَحملُك قطعاً وحتماً على طاعة الله ،

فمن كان في سلوكه خَلَل ففي عقيدته خلل و من كان في سلوكه معصية فإيمانه بأنه لا إله إلا الله لم يُسْتَكْمَل بعد ، فنحن إذا قسَمنا الإسلام إلى عقيدة ، فهذه العقيدة تنتهي بقول لا إله إلا الله ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : " لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ لا يَسْبِقُهَا عَمَلٌ وَلا تَتْرُكُ ذَنْبًا * ( سنن ابن ماجة : عَنْ " أُمِّ هَانِئٍ " )

أما القسم الثاني من الإسلام ، فهو العبادات التي تتمثَّل بقوله تعالى في سورة الكهف :

" قُل إنَّما أنا بشر ٌمثلُكُم يُوحَىإلَي، فمَن كان يرجو لقاء ربِّه، فليَعمَل عملاً صالِحاً ولا يُشرِك بعبادةِ ربِّهِ أحداً"

فالإسلام له جانب نظري(فِكري واعتقادي) وله جانب سلوكي(عملي، و تطبيقي)، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال يؤكِّد ذلك :

"لن تزول قدَما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال: عن عمره فيمَ أفناه ؟ وعن شبابه فيمَ أبلاه ؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ؟ وعن عِلمه ماذا عمل به" صححه الألباني

فالدين أيها الإخوة عباداتٌ ومعاملات ، فعلاقتك مع الله تنظِّمُهَا العبادات
، وعلاقتك مع الناس تنظمها المعاملات ،
لذلك فأحكام البيع والشراء ، والزواج والطلاق ، والإيجار والشرِكات ، والمُضاربة ، المُزارعة و المساقاة ، وأحكام الوديعة واللقطة والأيْمَان ، كل هذه الأحكام مهما اتسعت ، وتعددت ، وتشعَّبت فإنها تنضوي كلها تحتها تحت عنوان المعاملات ، وهي علاقتك بالخلق .

أما علاقتك بالخالق فهذه تنظمها العبادات ، وفي مقدمتها الصلاة ، والصلاة في كل مكان وزمان ، في الصحة والمرض والغنى والفقر ، وفي الحَضَر والسفر ، فلا يمكن أن ينقطع الإنسان عن الصلاة إلا في حالتين: الإغماء والجنون، ولو كان في مرضٍ شديد فله أن يصلّي بالإيماء ، أو بجفنه ، أو بعينه .

قلت لكم قبل قليل : الله سبحانه وتعالى أمرنا بأوامر بعضها عبادات وبعضها مُعاملات ، والمعاملات جاءت أحكامها الكُلِّيَةَ في كتاب الله وسُنَّةِ رسول الله ، وجاء العلماء المجتهدون فاستنبطوا الأحكام التفصيلية من هذه النصوص الكُلِّية فكان الفقه ، فالفقه هو أحكامٌ مستنبَطةٌ من الكتاب والسُنَّة ، والفقه أحكام اجتهادية ، وأما العبادات فأحكام الله التي أَلْزَمَ عباده بها ، فالصلاة مثلاً " الصلاة عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين " ،
فهدف الصلاة أن تصل بها إلى الله ، والصيام لعلكم تتقون ، وهو أن تصل به إلى الله ، والصلاة عبادة بدنية ، والصيام عبادة بدنية ، أما الزكاة فعبادةٌ مالية ، وأما الحَج فهو عبادةٌ بدنيةٌ ، وماليةٌ ، وروحيةٌ ، مكانيةٌ و زمانيةٌ في وقتٍ واحد ، ويبدو أن الحج من أعلى العبادات مستوىً ، لأسبابٍ كثيرة :

بادئ ذي بدء ، الله سبحانه وتعالى خلق الكون لنستدلَّ به على ذاتِه، وعلى أسمائه الحُسنَى وصفاته الفُضلَى ، فالكون تجسيدٌ لهذه الأسماء وتلك الصَّفات ، ومن أسمائه: العليم ، فهو العليم الحكيم ، وهو الرؤوف الرحيم ، وهو القدير الغني ، وهو السميع البصير ،فكل هذه الأسماء الحسنى لا بدَّ أن تعرفها من خلال الكون ، فالكون دالٌ على عَظَمته ، والشيء الثاني أن العبادات لو تأمَّلت فيها تأمُّلاً صحيحاً ، لكان هذا التأمُّل طريقاً إلى معرفة الله سبحانه وتعالى .

فالحج-باختصار- هوأن الله سبحانه وتعالى يقول لك : أن يا عبدي تعالَ إليّ ... أمَّا الصلاة ، فصلِّ وأنت في بيتك ، وأنت في بلدتك ، وأنت بين أهلك ، وأنت في مجتمعك وأنت بين قومِك ، والزكاة ، ادفع من مالك ، والصوم ، دعِ الطعام والشراب ، لكن الحجَّ تعالَ إليّ ، كما قال الله عزَّ وجل على لسان سيدنا إبراهيم في سورة الصافََّّات:

" إنِّي ذاهبٌ إلى ربي سيَهدين"

إنّ الإنسان يسافر بدافع التجارة ، وقد يُسافر بدافع التعلم ، وقد يسافر بدافع الاستجمام والسياحة ،
فالحج بشكلٍ أو بآخر رحلةٌ إلى الله عزَّ وجل ، تعالَ إليّ واترك همومك دع عنك هذه الشهوات التي أثقلت ظهرك وتعال إليَّ ، دع هموم الحياة في بلدك وتعالَ إليّ ،
دع هموم العمل في بلدك وتعالَ إليّ ، دع هموم صحَّتك في بلدك وتعالَ إلي ، وأكثرُ الذين حجوا بيت الله الحرام يؤكِّدون هذه الحقيقة ، وهذه حكمة الله البالغة ؛ أن الهموم التي يحملها الإنسان في بلده ،
ُيجَمِّدُها الله سبحانه وتعالى كلها ، ويريحك منها ما دمت في ضيافته في بيت الله الحرام،
فهذه فرصة للإنسان لكي ينسلخ عن هموم الدنيا .. خلِّ عنك وتعالَ ، دع عنك الهموم كلها ، تعالَ إليّ يا عبدي ،
فهو أمر إلهي ، وخالق الكون يقول لك في سورة آل عمران :
"ولِلَّهِ على الناسِ حِجُّ البيت مَن استطاعَ إليهِ سبيلا ً"

فتترك أهلك وولدك ، وتتحمل مشاق السفر ، وتنفق من مالك عشرات الألوف من أجل أن تلبِّي هذه الدعوة ، ثم ترجع كما ذهبت ؟
هذا مستحيلٌ في حق الله عزَّ وجل ، ولا تصدِّق أن إنساناً يترك بيته وأهله وبلده وعمله ، ويدفع عشرات الألوف ، ويتحمَّل المخاطر والازدحام والحَرَّ من أجل أن يتواجد جسمياً في عرفات ،
أو من أجل أن يطوف حول الكعبة طوافاً مادياً ،
أو من أجل أن يسعى بين الصفا والمروة سعياً مادياً ،

فالله سبحانه أجَلّ وأعلَى من أن يكون أمره كذلك !!!

قال لك : تعالَ إليّ لأذيقك طعم القرب ، تعال إليّ لتعرف طعم المحبَّة ، تعال إلي لترى أن الله عزَّ وجل هو كل شيء .. وأن كل شيء سوى الله باطل ، وأن كل نعيمٍ لا محالة زائل .

فالحج فرصةٌ واحدة في العمر ، وقد تكررها مراتٍ كثيرة بحسب الذي حَصَّلْتَهُ في هذه المرة .

إذن يجب أن نستنبط عظمة الله عزَّ وجل لا في خَلقِه فحسب ، بل في تشريعه وليس في تشريعه فحسب ، بل في عباداته ، ولا في الصلاة والصيام والزكاة فحسب ، بل في الحج!!!

فلو أن إنساناً كان بعيداً بُعداً كبيراًعن الدين ، ورأى الحجاج يطوفون ويسعون ويرجمون ، ولم يعرف الأحوال النفسية التي ترافق هذه المناسك لظنَّ بالحج الظنون ، إذ أن أول شيء:

كما أن الكون خلْقُه-هذه الكلمة دققوا بها- ومن خلال الكون تظهر عظمتُه، كذلك هذه العبادة أمرُه ،ومن خلال هذه العبادة يجب أن تظهر عظمة الله عزَّ وجل ، سواءً بسواء.
فالله عزَّ وجل حينما قال لك : تعال إلي قطع عنك الهموم ، وحينما أمرك أن تُنفق من مالك الحلال من أجل أن تصل إلى بيته الحرام ، فتنفق على أجرة الطريق ، ورسم الدخول ، وأجرة الإقامة وثمن الطعام والشراب ، وثمن الهَدْي ، وبهذا الإنفاق تشعر أنك قدَّمت شيئاً ، كأن الله عزَّ وجل يعينك على أن تُقبل عليه ، فيقدِّم لك المبرِّر والمسوِّغ كي تُقبِل عليه جعلك تنفق من أجله حتَّى تُحِسَّ أن لك عنده حَظوة ، فإذا دعوت إنسانًا وتكلَّفتَ في الدعوة تشعر أنك قدَّمت له شيئًا ، والله عزَّ وجل غني عنك..

" لن ينالَ اللهَ لحومُها ولا دماؤها ، ولكن يتالهُ التَّقوى منكم "
( سورة الحج : من آية " 37 " )
إذن حكمة هذه العبادة أنْ تغادر بيتك ، وبلدتك ، ومكان إقامتك ، وأهلك ، وزوجتك ، وأولادك ، وعملك ، وعِزَّك ، وشأنك وجاهك ، وهذه الأشياء التي تَسْعَد بها: دعها كلها .... وتعالَ إلى الله ،

فتكون النتيجة أن تشعر أن لك عند الله حَظوة ، وكأن الطريق إلى الله عزَّ وجل صار سالكاً وأبواب السماء قد فُتِحَت لك ،
حتّى أصبح الإقبال على الله ميسراً لك ، وكأن أنوار الله عزَّ وجل أصبحت قريبة منك ، وأصبحت المناجاة في مقدورك ، وكأن القرب والإقبال أصبحا قريبَي المنال ، هذا هو المعنى الأول .

أما حينما أمرك أن تُحْرِم هناك ، وأن تدخل بيته الحرام من المواقيت مُحرماً وخلعت عنك الثياب المَخيطة ، فلو أن الحج سُمِحَ فيه بالثياب ، لجاء هذا بالزِّي الفلاني ، وهذا بالثوب الفلاني ، وهذا الثوب غالي الثمن ، وهذا ألوانه زاهية ، وهذا خُيِّط خياطةً راقية ،
لعادَ التفاوتُ بين الناس ، ويعود النظر إلى ما عند الناس ، فأمَرَك أن ترتدي ثوبين أبيضين بسيطين غير مخيطين من أجل شيءٍ واحد ؛ من أجل أن يكون الناس كلهم سواسيةً في نظر الله عزَّ وجل وهم كذلك ،
لذلك فلا فرق بين الكبير والصغير ، ولا الغني والفقير ، الكل عند الله سواء ، كأن الله يُشعرك أن يا عبدي هناك رحلةٌ أخيرة تُنزَع منك كل هذه الأقنعة المُزَيِّفة ، فالمال تتركه والجاه والأهل تتركهم ، وكذا الزوجة والأولاد ، وكل الميزات التي تنعم بها في بلدك لا بدَّ من التخلِّي عنها ،

إذن كأن الحج هو رحلتك قبل الأخيرة إلى الله تعالى !!!!

ففي الرحلة الأخيرة تدَع كل شيء بلا عودة ، إنها مغادرةٌ بلا عودة ، لكن الرحلة قبل الأخيرة، تكون المغادرةٌ موقوتةٌ مع العودة ،
فمن أجل التدرُّب على الرحلة الأخيرة التي لا عودة فيها فدع عنك الدنيا قبل أن تدَعَك ، دعها عنك قبل أن تدعك هي ،
وتخلَّ عنها قبل أن تتخلى عنك اعرفْ حقيقتها قبل أن تصطدم بها ، هذا هو حجمك ، عبدٌ ضعيفٌ فقيرٌ ، أشعث أغبر ذو طِمرين يقف على أرض الله الواسعة في الموقف في عرفات ، أو حول البيت الحرام ، أو بين الصفا والمروة ، عبد حجمك صغيرٌ، وشأنُك حقير ، فهذا الحج إن صح التعبير يُحَجِّمُ الإنسان ، يريه حقيقته كما ، قال الله عزَّ وجل في سورة الأنعام :
" ولقَد جئتُمونا فُرادَىكما خلقتاكم أول مرة "

لقد تركت هموم المعاش ، وتجشَّمت مشاقّ السفر ، وخلعت عنك كل الزينة هذه كلها تمهيدات لإِحكام الصلة بينك وبين الله ، لأن الإنسان قد يصلي في بلده ، قد يصلي صلاةً شكلية ، ويعيقه عن هذه الصلاة همومه ، ومشكلاته ، أو دنياه ، وقد يُعيقه ماله ، أو جاهه ، فالله عزَّ وجل أعانك على نفسك في الحج ، وقال لك : تعالَ إليّ لأحُطَّ عنك ذنوباً أثقلت ظهرك ، لذلك " إذا رجع العبد إلى الله عزَّ وجل نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله " .. فبشكل أو بآخر الحج صُلْحٌ مع الله ، نعم ... بالتعريف الدقيق هو صُلحٌ مع الله .

فإذا صالحت إنسانًا له شأن لم تَنَمْ من فرحك ، وأحياناً يصالحُ إنسانٌ زوجتَه فيقول لك : الحمد لله كابوسٌ زال عني ، أو إذا هي صالحته، يقول لك : يا أخي الحمد لله الأمور رجعت إلى مجاريها، فكيف إذا صالَحتَ رب السماوات والأرض ؟! كيف إذا صالحت من بيده ملكوت كل شيء ؟! من بيده أمر حياتك وموتك ، إذا صالحته فهنيئاً لك ، فالحج مشروع صُلح مع الله .

لكن أيها الإخوة الأكارم ؛ والله الذي لا إله إلا هو كما ذكرت لكم في درس العقائد قديماً أن في الكون شيئًا واجب الوجود ، وممكن الوجود ، ومستحيل الوجود ، فالله سبحانه وتعالى واجب الوجود، ونحن من باب ممكن الوجود ، أما المستحيل فأن يكون مع الله إلهٌ آخر وهذا مستحيل ، بل من هذه المُستحيلات أن تذهب إليه ولا يُكرمك ..كما قال ربُّ العِزَّة في الحديث القُدسي:
" إن بيوتي في الأرض المساجد ، وإن زوارها هم عمارها ، فطوبى لعبدٍ تطهَّر في بيته ثم زارني ، وحُق على المزور أن يُكرم الزائر " .

فالإنسان ذاهبٌ إلى بيت الله ، لا يبتغي إلا الحج ، لا يبتغي شيئاً آخر من حطام الدنيا ، فإذا ذهبت كذلك فمن المستحيل على الله عزَّ وجل أن ترجع بِخُفِّي حُنَيْن ، بل لا بد أن ترجع إلى بلدك وقد جبرك الله عزَّ وجل ، جبر كسرك ، وحقق رغبتك ، وأعانك على أمر دينك ودنياك .

هناك تشبيهٌ رأيته مناسباً لهذا المقام ، وكأنك إذا ذهبت إلى هناك .. " مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ "
*( صحيح البخاري)

كأنك فتحت مع الله صفحةً جديدة بيضاء ، وانتهى الحساب القديم ، ودخلتَ في مسامحة ،وهل من شعورٍ أعظم عند المؤمن من أن تُفتح لك مع الله صفحةٌ جديدة ؟ إذن أنت الآن عُدْتَ من ذنوبك كيوم ولدتك أمك ، وهذا الشعور لا يعرفه إلا من ذاقه ، إنه الإحساس بمغفرة الله عزَّ وجل لك ،
و مغفرة الله عزَّ وجل لا يعرفها إلا من ذاقها !!!

شيء آخر قد بدا هو أن الحج بشكل يغلبُ عليه أنه دعاء كله ، ففي طواف القدوم دعاء ، وفي السعي بين الصفا والمروة دعاء ، وفي الإقامة بمِنَى دعاء ، وفي الوقوف بعرفة دعاء ، وفي الوقوف بمزدلفة دعاء ، وفي أثناء رمي جمرة العقبة دعاء ، وفي طواف الإفاضة دُعاء ، وفي الإقامة بمنى في أيام النحر وأيام التشريق ورجم الجمرة الأولى والثانية والكُبرى دعاء ، وفي طواف الوداع دعاء ، وكما قال عليه الصلاة والسلام : " الدعاء هو مخ العبادة " .

إنّ مخ العبادة الدعاء ، فإذا دعوتَه لا بدَّ أن يستجيب لك ، فإذا كان الدعاء مستجابًا وأنت في بلدك ، فكيف بالدعاء وأنت في بيته ؟! فإذا طلبت من إنسان وأنت في ضيافته حاجة ، أعتقد اعتقاداً جازماً أن إمكان تلبيتها مائةٌ في المائة ، فأنت في بيته ، وفي إكرامه وضيافته... لذلك فالإحساس بأنك ضيف الله عزَّ وجل ، ضيف الرحمن ، هذا الإحساس أكثر من رائع ، وتستطيع أن تحسَّ به وأنت هناك في بيت الله الحرام .

وثمّة شيء آخر :أنك إذا ذهبت إلى هناك لا ينبغي أن تشعر أنك قد حجَجْتَ البيت ،
لا ، بل ينبغي أن تشعر أن الله عزَّ وجل سمح لك أن تزور بيته ، وشرَّفك وتفضَّل عليك بأن أعانك على زيارة بيته !!!

وهذا الشعور يجب أن يكون واضحاً عند الحاج ، لأنك إذا قلت : يا رب لقد شرَّفتني بزيارة بيتك الحرام ، وهذا كرم منك ،إعترفتَ لصاحب الجَميل والفضل بجميله وفَضله عليك !!!

فلذلك هذه الأحوال التي يعانيها الحاج لا أقول لكم : إن قلةً قليلةً يعانيها ، لا والله كل حاج ، لأنّ رحمة الله وفضله يسع كل عباده، بشرط واحد أن يكون الانطلاق إلى الحج بإخلاص ، لا تبتغي لا سمعةً ولا رياءً ، ولا زينةً ولا وجاهةً ، ولا تجارةً ولا عملاً ، ولا إقامةً ولا ولا ...فإذا كان الهدف خالصاً لوجه الله عزَّ وجل ، فهو سبحانه وتعالى يتكفَّلُ أن يُكرمك إكراماً لا تنساه مدى الحياة .
فأنت إذا طُفْتَ حول الكعبة ، تدعو الله عزَّ وجل : " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار " .

ماذا بقي بعد ذلك ؟
في الدنيا حسنةً و في الآخرة حسنةً !!!


هذا الدُعاء الذي أُثِرَ عن النبي عليه الصلاة والسلام ادعُ به : " اللهم إنك عفوٌ كريم تحب العفو فاعفُ عني يا كريم " .
هو يحب أن يعفو عنك ، وها أنت ذا تطلب منه العفو ، إذن لا بدَّ أن تشعر بالعفو وكما قلنا قبل قليل : فُتحَت لك مع الله صفحةٌ جديدة.

فإذا قلت : " اللهم أصلِح لي ديني الذي هو عصمة أمري ، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي ، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي " .

وإذا قلت : " واجعل الحياة زيادة لي من كل خير "
فما دامت الحياة فيها زيادةٌ لي من الخير فأحيني يا رب ..
" واجعل الموت راحةً لي من كل شر " .

تشعر أن حياتك خير ، وأن انتهاء الحياة خير ، فهذه الأدعية في بيت الله الحرام أو عند النبي صلى الله عليه وسلم تحس أن لها وَهْجًا ، لأنك لو دعوت بها آلاف المَّرات وأنت في بلدك لا تذوق طعمها ، إلا إذا دعوتَ بها وأنت في بيته ، وأنت في ضيافته ، وأنت متعرضٌ لكرمه... فإذا وصلت إلى الحجر الأسود ، والنبي عليه الصلاة والسلام قّبَّلَ الحجر الأسود وبكى كثيراً ، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : اسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَرَ ثُمَّ وَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ يَبْكِي طَوِيلا ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا هُوَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَبْكِي فَقَالَ : يَا عُمَرُ هَاهُنَا تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ " * ( سنن ابن ماجة )
لذلك أجمع أهل العلم على أن الحجر الأسود يمينُ الله في أرضه ،

ولذلك عند تقبيله تدعوا وتقول : " بسم الله ، الله أكبر ، اللهم إيماناً بك ، وتصديقاً بكتابك ، و اتباعاً لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، و وفاءاً بعهدك،وعهداً على طاعتك "

لكن أيها الإخوة الأكارم ؛ أتمنى أن كل من أتيح له أن يقبِّل الحجر الأسود أن لا ينسى هذا التقبيل طوال حياته ، كلما شعر بالتقصير تذكَّر أنّه قبَّل الحجر الأسود ، وعاهد الله عزَّ وجل على طاعته ،

فهل أنت في مستوى هذه الطاعة؟

وهل أنت ذاكرٌ لهذا العهد ؟

وبعد الطواف تتوجه إلى صلاة ركعتين في مقام سيدنا إبراهيم ، وأكثر الحجَّاج يصرون على أن يصلُّوا خلف المقام ، وفي أيام الطواف الشديد يصبح هذا المصلي عقبةً كَؤودًا أمام الطائفين ، مع أن العلماء أجمعوا على أن أي مكانٍ في الحرم المكي الشريف صالحٌ لصلاة ركعتين بعد الطواف ، فهناك أشخاص يضعون حواجز من أجل أن يصلي بعضهم في هذا المقام في ازدحام وتعسر ، فهذا الذي يذهب إلى هناك من دون فقه يؤذي المسلمين كثيراً...

فمن أجل أن يفعل سنة يرتكب معصيةٌ كبيرة ، أهكذا الحج ؟

ومن أجل أن تُقَبِّل الحجر تؤذي عشرات المسلمين ؟!!

أبهذا أمرك النبي عليه الصلاة والسلام ؟

فلذلك : " تفقهوا قبل أن تحجوا " .

فالحج أيها الإخوة الكرام يحتاج إلى إعدادين ؛ إعداد فقهي ، وإعداد نفسي :

فالإعدادالفقهي أن تدرُسَ أحكام الحج الكُبْرَى والفرعية ، إلى أن تصل إلى دقائق الأعمال لأنك هناك قد تواجه مشكلة ، ما حكمها ، أعليها دم ؟ أهي سنةٌ أم هي واجبٌ ؟ هل عليَّ شيءٌ ؟ أم لا شيء عليَّ ؟ هذا الأمرُ ينبغي أن يكون واضحاً عند كل أخ ، فلا بدَّ من أن يتلقَّى دروساً مكثفةٌ في أحكام الحج ، وأركانه ، وواجباته ، وسننه ، ومستحبَّاته ، وآدابه ، وحكمته ، من أجل أن تكون هذه المعلومات زاداً للأخ الذي يحجُّ البيت.

أما الإعدادالنَّفسي: فأنْ تكون قد أَنَبْتَ إلى الله إنابةً صحيحة ، وتبتَ إليه من كل الذنوب ، فتوبتك واستقامتك ، وعملك الطيِّب وإنفاق المالَ الحلالَ هو الإعدادُ النفسي للحج ، لذلك قال الله عزَّ وجل في الحديث القدسي : " إذا أصحَحْت لعبدي جسمه ، ووسعت عليه في المعيشة ، فأتت عليه خمسة أعوام لم يَفِد إليَّ لمحروم " .

وبعد الصلاة في مقام إبراهيم أوفي أي مكان متيسر لك بالحرم تتوجَّهُ إلى المسعى، وكما قال النبي عليه الصلاة و السلام : " بسم الله الرحمن الرحيم نبدأ بما بدأ الله به " .. تتلوا قوله تعالى في سورة البقرة :

وأيضاً في الطواف دعاء ، فالله عزَّ وجل أعطاك أماكن ، وحركات يجب أن يرافقها الدعاء ، فهل تستطيع الدعاء بدون كتيبات؟! لذلك إذا أزمع الإنسانُ الحجَّ فأنا أنصح له أن يكثر من حفظ الأدعية ، لأنك لو فتحت الكتاب هكذا فإنّ رونق الدعاء يتلاشى ، وروحانية الإقبال على الله تذهب ، وهناك أشخاص يفتحون الكتاب ويرفعون أصواتهم بالدعاء إلى درجة أنهم يشوِّشون على كل من يسعى ويطوف ، وهناك من يرفع صوته ليرُدَّ النساء خلفه ، وصوت المرأة عورة لذلك تفقَّهوا قبل أن تحُجّوا ، فيجب أن تدعو من ذاكرتك ، فإذن أعدَّ الإنسانُ نفسَه قبل الحج بشهرين أو ثلاثة ، وجمع الأدعية كلها ، وحفظها إلى درجة أنه أصبح يدعو بها من ذاكرته وقلبه فعندئذٍ يستطيع أن يلتفت إلى الله ، أما إذا فتح الكتاب وفُتِحت ورقة معه بالخطأ فغيَّر ، فإنّ هذا الحال الطيب الذي يظن أنه سيصل إليه قد يتفلَّت منه . ثم إن الدعاء إذا تعلمتَه أو أمسكت بهذا المفتاح السحري ، فإنّه أكبر سلاح ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : " الدُّعاء سلاح المؤمن " .

لأنك بالدعاء تنتصر على أقوى مخلوق ، لأن الله معك ، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة : "يا أبا بكر ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما ؟ " ما قولك ؟ وما ظنك بإنسان الله سبحانه وتعالى معه ؟ فإذا دعوتَ الله في الحج ينبغي أن يصبح الدعاء رفيقاً لك في بلدك ، كلما واجهتك مشكلة ، أو ألمَّت بك مُلِمَّة أو شعرت بالضيق ، أو لاح لك شبحُ مصيبة ، أو أخافك إنسان ، أو أوقعك القلقُ في شعورٍ وحزن ، في هذه الحالات ادعُ الله عزَّ وجل

( سورة غافر : من آية " 60 " )

لا تَسألَنَّ بُنَيَّ آدم حاجـــةً

وسَلِ الذي أبوابُه لا تُحجَبُ

اللهُ يغضب إن ترَكْتَ سؤالهُ

وبُنَيَّ آدم حين يُسألُ يغضب


إنَّ العبدَ إنْ سألته يغضَب، أما الله عزَّ وجل فيغضب إن تركت سؤالَه !!!! ======

هذه المحاضرات تجدونها مسموعة ومكتوبة
بقسم :
الفقه الإسلامي- أحكام تفصيلية في الفقه - خبرات في الحج
على موقع فضيلة الشيخ / د.محمد راتب النابلسي
http://www.nabulsi.com/


ولا تنسَوا أن حبيبنا ورسولنا صلوات ربي وسلامه عليه نصحنا قائلاً :27: :

" الدال على الخير كفاعله :) "
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قطر الدين
قطر الدين
جزاك الله الف خير أختي

على التبليغ والتوضيح

وان شاءالله استفيد موضوعك

لاني أيضا مسافرة وأنوي لاداء الحج هذا الايام ان شاءالله





و
الغنادير
الغنادير
جزاك الله خير

وجعله في ميزان حسناتك إن شاء الله
rainyheart
rainyheart
أخيتي الكريمة قطر الدين :27:
إنه لخبر سعيد جدا أن تسافري للحج هذا العام :icon28:

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم ان ييسر لك رحلتك،
وان يعينك على ذِكره وطاعته فيها،
وأن يعيدك سالمة غانمة مغفورة الذنب ،
إنه على كل شيء قدير.
ولو كنت مسافرة مثلك لطبعت هذه الكلمات ووزعتها على الحجاج المسافرين معي، او الذين اقابلهم هناك،....ما رأيك؟
جزاك الله خيرا
.