هاي موضوعي الثاني

الملتقى العام

من أسباب الشخصنة
تتنوع الأسباب المؤدية إلى شخصنة الفكرة وتختلط بحيث يصعب تصنيفها تحت عنوان واحد؛ فهي خليط من أسباب خُلُقية، وأسباب نفسية، وأسباب عقلية "فكرية"، وسنكتفي بالحديث عن بعض من هذه الأسباب:
1) الغيرة والحقد: فقد تؤدي غيرة الإنسان أو حسده أو حقده على صاحب الفكرة أو من طرحها إلى رفض فكرته والسخرية منها، على الرغم من أنه في داخله يعلم بأنها فكرة صحيحة وصالحة ولكن حقده يجعله يشخصنها ويهاجمها.
2) ضعف الثقة بالنفس: فإن الإنسان إذا ضعفت ثقته بنفسه سلم قياده لغيره وذاب في فكره، ومن هنا تأتي مشكلة القبول الشامل لفكر من يحوز ثقته ليعوض بها المشخصن القصور في إيمانه بقدرته العقلية على التمييز بين الأفكار الحسن منها والسيئ. وقد رأينا من نتائج ذلك -على سبيل المثال- أن أعرض البعض ممن حاز مرتبة الاجتهاد من ممارسته لعدم ثقتهم بأنفسهم فلجئوا إلى مجرد النقل والتقليد عن السابقين وعمل الحواشي على أعمالهم، ووقفوا مدافعين عن أفكارهم ضد من يخالفهم ممن حباه الله بالعلم والثقة بالذات وعلم أن الاتباع الحقيقي للسابقين في الأخذ من الدليل الذي أخذوا منه بعد امتلاك أدوات التعامل معه.
3) لإعجاب والافتتان: فالإنسان إذا أعجب بإنسان وافتتن به وقع في أسره فلا يرى فيه عيبًا ولا يتصور منه خطأً، وقد رأينا من يفتتن بعالم الفقه فيأخذ منه الحديث ويكذب المحدثين إذا خالفوه، ورأينا من يعتبر المفكر فقيهًا، والفقيه خبيرًا في علم الاقتصاد ويعرف فيه أكثر من أهله. ورأينا أسوأ من ذلك، وهو الاعتقاد بعصمة بعض الأشخاص من غير الرسل، وهذه هي أقبح صور الشخصنة على الإطلاق.
وقد يكون الإعجاب والافتتان بالذات وليس بالغير، فيصاب المفتتن بنفسه بداء شخصنة أفكاره واعتبار أنه بات وصيًا عليها ليس من حق أحدٍ أن يخالفه فيها أو حتى يناقشه، وإذا خالفه أحد في فكرة من أفكاره تجده يساجل وكأنه ينافح عن كرامته وعرضه، وإذا عجز عن مقاومة الحجة بالحجة يبدأ في الالتفات إلى شخصية مخالفه يبحث فيها عن عيوب سلوكية، أو سقطات أخلاقية عسى أن يلفت النظر إليها بعيدًا عن "فضيحته الكبرى" بعد أن استطاع مخالفه أن يكشف سوأته، ويجرح كبرياءه!
4) الجهل: فالجاهل لا يدرك حقيقة وخطورة تجسيد الفكرة أو محورتها حول إنسان يصيب ويخطئ ويعتريه النقص ولا تُؤمَن فتنته أو أن يضل وينسى، أو يخضع لهواه فيشقى.. فلو أدرك ذلك حقيقة لكان أشد حرصًا على التمييز بين الفكرة وبين مبدعها أو الداعي إليها من الناس، ولكنه –بجهله- يظن أنه بهذا أبعد عن الخطأ وأقرب إلى الصواب، وأحوط له من إعمال عقله القاصر، فيتبع الفكرة –مثلاً- لمجرد صدورها عن مؤسس جماعته جاهلا حقيقة أنه لا أحد من البشر يحتكر الصواب فكل بني آدم خطاء.
5) التعصب: فالمتعصب لا يرى إلا رأيه أو رأي من يحب، ويعتبره صوابًا لا يقبل الخطأ، ورأي غيره خطأ لا يقبل الصواب، ومن هنا تتشخصن عنده الأفكار فيقبل –مثلا- الفكرة التي تصدر من جماعته أو تياره أيا كانت ضحالتها، ويرفض ممن يخالف ولو كانت فكرته بالغة الصحة والأهمية. والعجيب أن الفكرة الواحدة إذا طرحت ممن يتعصب ضده رفضها، وإذا طرحت بعد ذلك ممن يتعصب له قبلها وقد يكيل لها المدح والثناء، وهذا أمر مشاهد وملحوظ في الواقع للأسف الشديد.
وإذا تلفتَّ يمينًا أو يسارًا، لاسيما في هذا الزمان، تجد أن العصبية هي العامل الأعظم وراء شخصنة الفكرة، ولهذا اختار لها نبي الله وصفًا لم يتكرر منه قط –فيما أعلم-، وقال: "دعوها فإنها منتنة" 28، وإذا كان الصحابة استجابوا على الفور للنبي صلى الله عليه وسلم، فإن بعض الناس في الواقع المعاصر، لم يستجيبوا لدعوة النبي وتراهم يتعصبون كما يأكلون ويشربون.

منقول ً ً ً
1
463

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

ام الحسيين
ام الحسيين
الشخصنة أو القدح الشخصي صنف شائع من المغالطات، بحيث أن "الدعوى" أو "الحجة" تكون خاطئة، بسبب معلومات (عيوب) متعلقة بالكاتب أو بالشخص الذي يعرض هذه الدعوى، وليس بالدعوى نفسها. في العادة تتخذ هذه المغالطة خطوتان: الأولى، هي هجوم على الشخص الذي يتبنى الدعوى بسبب ظروفه أو أفعاله أو أي شيء متعلق بشخصيته. الثانية، يتم تمديد الهجوم ليكون دليلا ضد الدعوى أو الحجة. وهذا النوع من المغالطة