هديَّـة العيـد

الأدب النبطي والفصيح


هديَّــــــة العيـــــــد ..

مشت ذاهلةً عن نفسها تبتسم بفرح ، تجتلبه عنوة إلى القلب ، فقد آن أوانه كي يفرح ..
فالليلة عيد ..
جرّت قدميها عنوة تحت المطر ، وحذاء مثقوب يبتلع ماء الأرصفة المحطّمة .. ثمَّ يلفظها بعد أن يلامس قدميها المتجلدتين برداً .. لترتعش وتغطي رأسها بسترتها المرقعة ، وتواصل السير .. لم تكن تأبه للبرد ، فقد سحرها منظر مدينتها المدمّرة ، وهي تغتسل تحت المطر ..
إنها المرّة الأولى التي تتسلّل بها إلى الشوارع ليلاً فلا تجد على الأرصفة دماء ، ولا تسمع أصوات نحيب ..
فتحت ذراعيها وركضت .. وكأنه قد خيّل إليها أنها ترى شبّح والدها الشهيد ..
ركضت أكثر ..
باغتها البرق بسناه القوي ، وعصف بها صوت الرّعد فاختبأت كأرنبٍ أبيض صغير يحتمي من خطر يداهمه ..
اختفت تحت حطام مبنى متهالكٍ بفعل العدو ..
ابتسمت ثانية وهي تردّد بصوتٍ خفيض " الليلة عيــد " !
- كلّ عامٍ وأنتِ بخير ....
صرخت فزعاً لذاك الصوت ، والتفتت .. إنه شبحٌ صبيّ في عمرها يحتمي من المطر في نفس المكان المهجور !
- من أنت ؟ سألته برعب ..
- صديقكِ في المدرسة! ألم تعرفيني ؟ أنا عبد الله ..
- عبد الله ! لم أعرفكَ ! أخفتني .....
- لا عليكِ .. مالذي جاء بكِ إلى هنا في هذه الساعة المتأخرة من الليل ؟
- جئتُ أبحثُ عن أبي .. لأعطيه قبلة العيد ..
- وأنت ؟
- جئتُ أبحثُ عن العيد .... !
- لن تجدهُ فقد غادرنا منذ زمان بعيــــــد ..
- كما ترين .. الليلة ساكنة ، والمدينة تبكي مع السّماء ..
- يااااااااه ما أجملَ السّماء .. وهي تبكي رحيلَ القمر !
- تركتُ أمّي تخيطُ لي بنطالاً جديداً ..... هو ليس جديداً حقاً فقد كان لأخي عاصم الذي أخذوه أسيراً ، لن يغضبَ مني حين يراه .. ما أجمل البنطال ! بدا جديداً .. لن أضطر لارتداء بنطالي القديم !
- وأنا تركتُ أمّي تصنع مع جاراتها الحلوى ، لم تجد طحيناً ، ولا سمناً ، لقد نفذت مؤونتنا لهذا الشتاء ، وكانت تبكي .......... حتى طرقن الباب عليها وهنّ يحملن الدقيق والسمن والسكّر ، ورحن يغنين ويصنعن حلوى العيد ....
- هيا الآن لنرحل ، قد تقلقُ أمّكِ عليكِ
- لا لن أرحلَ قبلَ أن أهدي والدي قبلة العيد .. فقد ناداني وأخبرني بأنني هديته ، وبأنني سوف أقضي هذا العيد معه ..
- والدكِ ماتَ شهيداً ، ولن يعود .... إنه في الجنَّة !
- لكنني أراه هناك .. إنه قريب منّي جداً ، هاهو يبتسم ويمدّ ذراعيه ليحتضنني .. إنه في مكان جميـل ..
سأذهب إليه ..
- أين ؟ لا أراه ؟ لا أحد سواهم ، لقد عادوا بطائراتهم ليعكّروا جمالَ الليلة ، إنهم يبدؤون القصف .........
عودي ...... عودي ستكونين ضحيّة لألعابهم النّاريّة ....
- بل سأكونُ لمدينتي شهيدة ......... سأكون هديّة العيد !

!
7
972

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

من تسمو إلى الجنان
بارك الله فيك يانــــــــــــــــــور ..............
جزيت خيراًعلى هذا الموضوع .........
عَانَقْتُ الفضاء...
الوقوف على الكلمات هنا يعلمني معنى الفرح في العيد ..
كيف هو بذل و عطاء ..
و للأحبة و فاء

لا كالعيد الذي تصنعه دنيانا بمظاهرها البراقة
و يخفي من البؤس و الألم ..

شتان بين عيدنا و عيدهم ..
و شتان بين هدايانا و هداياهم

سلمت غاليتي ..
وفقك الله و رعاك
**مرفأ**
**مرفأ**
رائعة دوما كما عودتينا

أخشى أن نكون جميعا هدايا الأعياد القادمة

والله المستعان


كل عام وأنتي بخير يانـور

أسعد الله أيامك
ليلاس محمد
ليلاس محمد
نووور كلماتك الجميله لم تغادر يديك البراقه

وعدتينا بأناملك الرائعه وها إنتي تنشرينها لنا

جزاك الله ألف خير وكل عام وإنتي بصحه وسلام
نــــور
نــــور
كلّ عام وأنتن بخيــــــــــر ومحبّة وســـــــــــــــلام

من تسمو إلى الجنان
عانقت الفضاء
مرفأ
ليلاس

أسأل الله أن يكون هذا العيد هو عيد خير ونصر للمسلمين

وأن تتوقف الآلام وأن تداوى الجراح
وأن نشعر ببعضنا أكثر ..

كل شكر وتقدير لمروركن هنا
دمتن بكل الخير