في السادس من رجب، للعام 1403هـ، الموافق 19 أبريل 1983م، ولدت هديل بنت محمد الحضيف، في مدينة الرياض، لتكون الابنة البكر لوالدها، الدكتور محمد الحضيف.
في مطلع العام 1985م، لم تكن هديل قد بلغت عامها الثاني، حين انتقلت هي وأسرتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، برفقة والدها، المبتعث من قبل جامعة الملك سعود لإكمال دراسته العليا.
في مدينة (لورنس) في ولاية (كانساس)، حيث بدأ والدها برنامج الماجستير، درست هديل في روضة أطفال حكومية أمريكية. في الوقت نفسها، كانت والدتها تعلمها في المنزل الكتابة والقراءة العربية، وفق منهج ومقررات وزارة التعليم في المملكة العربية السعودية. في صيف عام 1988م اجتازت هديل بتفوق، امتحان السنة الدراسية الأولى، الذي تقدمه المدرسة السعودية، لنادي الطلبة السعوديين، في مدينة (كولومبيا) في ولاية (ميسوري)، متقدمة على زملائها المنتظمين.
عندما انتقل والدها إلى بريطانيا في عام 1989م، للدراسة بجامعة (ويلز) في مدينة (كاردف)، طالباً في برنامج الدكتوراه، التحقت هديل بالمدرسة السعودية، التابعة لنادي الطلبة السعوديين في المدينة، إلى جانب انتظامها بالذهاب للمدرسة النظامية البريطانية في الصباح.
في المدرسة السعودية بكاردف، أنهت هديل سنتيها الدراسيتين، الثانية والثالثة الابتدائية، قبل أن تعود إلى الرياض، في مطلع عام 1992م، بعد أن أنهى والدها دراسته، بحصوله على درجة الدكتوراه، لتكمل بقية سنوات تعليمها العام في بلدها. بعد حصولها على شهادة الثانوية العامة، انتظمت في جامعة الملك سعود في الرياض، لتتخرج فيها عام 2006م، وتحصل على شهادة البكالريوس، تخصص رياض أطفال، من كلية التربية.
بعد تخرجها من الجامعة، لم ترغب هديل، كما يقول والدها، أن تعمل في سلك التعليم، وفضلت أن تكون في وظيفة أقرب لاهتماماتها، وهي.. الكتب والثقافة، وهو ما تحقق لها، بحصولها على وظيفة، في (مكتبة الملك عبدالعزيز العامة).
اهتمام هديل بالكتابة والقراءة، بدأ مبكراً، منذ سنوات دراستها الابتدائية، يقول والدها: "اتخذتُ موقفا ضد (التلفزيون).. بحكم تخصصي، أستاذاً في الإعلام. الدراسات أثبتت أن التلفزيون، يصنع متلقياً سلبياً، لذلك، صرت أحضر لها الكتب، التي تناسب سنّها، وكان من الطريف أنها تصرّ، على أن أشكّل لها الكتب، بوضع الحركات، وعلامات الترقيم، لتقرأها بشكل صحيح".
صارت هديل تكبر، ويكبر معها اهتمامها بالثقافة والكتاب، قرأت للمنفلوطي، والرافعي، وقرأت جواهر الأدب، وكل مسرحيات باكثير، وبعض ما كتب العقاد، إضافة إلى معظم القصص التي تناولت السيرة النبوية، وحياة الصحابة والتابعين، وهي لم تكمل دراستها المتوسطة.
في الصف الثالث، من المرحلة المتوسطة، كتبت أول نص (قصصي) لها، هذا (الوليد) كما يقول والدها: "احتفيت به كثيراً، وجعلني أدخل في رهان مع هديل، أنها تستطيع أن تكون أفضل وأجمل".
التحصيل المعرفي، والحضور الثقافي لهديل، أخذ مساراً تصاعدياً، ظلت تقرأ، وتكتب نصوصاً إبداعية، إلى أن توجت ذلك، بحدث مهم في مسيرة حياتها.. بإشرافها على الملحق الأدبي، في مجلة (حياة)، وهي في عمر (19) عاماً، بعد تخرجها من الثانوية العامة، والتحاقها بالجامعة. عن ذلك الحديث، تقول زميلتها نوف الحزامي، المحررة في مجلة (حياة): "كنا نعمل جاهدين على تأسيس صرح "حياة".. لنعدل أول أعدادها، وكنا نبحث عن محررة شابة بمواصفات معينة ومميزة، حين وعدتنا أستاذة إيمان، بأنها ستعرفنا على فتاة (غير)، فتاة مميزة جداً.. جداً، تساءلنا: "من قد تكون، ولم نستوعب مدى التميز، الذي تتحدث عنه. توقعنا أنها مجرد كاتبة مبتدئة، لديها بعض الموهبة، لكني فوجئت أنها أروع مما تخيلت.. أروع بكثير: أديبة، وإنسانة، ومثقفة، و(مخرجة) سينمائية.. بما تكتب.. كانت هديل الحضيف".
اشتهرت هديل وعرفت في مجال التدوين، على شبكة الإنترنت، إلا أنها لم تكن، كما يقول الدكتور أحمد بن سعيد، مدونة مشهورة فحسب، بل قاصة وكاتبة نصوص مسرحية، صدر لها عام 2006، مجموعة قصصية بعنوان: "ظلالهم لا تتبعهم" وفازت مسرحيتها "من يخشى الأبواب..؟" في مسابقة النص المسرحي بجامعة الملك سعود، وتم تمثيلها على مسرح الجامعة عام 2007، شهرتها وريادتها في مجال التدوين، هو ما جعل الدعوة توجه إليها، لتقدم ورقة عن التدوين العربي والسعودي، ضمن ورشة عمل أقامتها منظمة اليونسكو، عن الإعلام الجديد، في جامعة السلطان قابوس في مدينة مسقط في عمان عام 2007م، كما ألقت عدداً من المحاضرات، عن تجربة التدوين السعودي، داخل بلدها المملكة العربية السعودية.
كتب مشعل العبدلي يوم وفاتها.. فقال:
"كتبت هديل القصة، فرسمت طموحات جيلها، وتحدثت نيابة عنهم، فأتقنت لمس خفايا لا يعرفها الكثير منهم عن أنفسهم، في مجموعتها القصصية: "ظلالهم لا تتبعهم"، أتقنت هديل وضع التقرير الأخير عن أبناء جيلها، لكنها كانت تجيد التحكم في ظلها، الذي ظلّ مخلصاً لها، في نجاحاتها المتوالية، في الدراسة، والعمل، والإبداع" (جريدة الحياة، 18/5/2008م).
الروائي عبدالحفيظ الشمري وصف تجربتها الإبداعية، بأنها ذات رؤية عميقة، تتجذر في الإنسان وواقعه"، وذكر أن سمة مشروعها القصصي "واقعي ينهل من الحكاية، ويتكئ على حوافها، وزواياها بكل اقتدار".
عن تجربتها وأسلوبها، يقول الأستاذ نجيب الزامل:
"أثرت هديل الكتابة السعودية، في القصة، والتدوين، والمقال، وكانت كاتبة مسرحية، عرضت مسرحيتها "من يخشى الأبواب" على مسرح جامعة الملك سعود، تعلق من رآها من الأجيال الطالعة، بفكرتها وأحداثها وأهدافها، عقل هديل، رحيق من الذكاء، غطّي بطبقة من الموهبة، والابتكار، والعمل، بإناء نوراني عميق من الإيمان.
هذه الشابة الصغيرة، بنت بفجر العمر، تصنع تاريخها الصغير. هذا التاريخ الصغير، قاطرة تجري على سكة من الآمال، والطموح، والمعرفة، والبحث والدأب، وعهد القاطرات أبداً، أن تجرّ وراءها العربات.. وعربات هديل، تغوص من طول تتابعها في قلب الأفق. هديل هي الخامة، التي يخرج منها، منتج من منتجات التطور في أي أمة.
إنها كاتبة ليست من الطراز الأول، إنها تتعدى ذلك بذائقتها، التي سميناها إنسانية، لتتحسس المعرفة الشمولية، والتوارد الإنساني، وتتذوق الحكمة السائرة على الأرض، بين الشعوب، والثقافات، والعقول.
الأكثر لفتاً للانتباه، إنها مثل خبير الجواهر المحترف، تعرف قوة الصيغ التعبيرية، التي تعوم على نصوص الكتاب. أنظر إلى هديل، وهي تقدم للكاتب اليوناني "نيكوس كازانتزاكي"، مختارة هذا النص، الذي التقطته ذائقتها الفائقة الحساسية: "قلتُ لشجرة اللوز: حدثيني عن الله.. فأزهرت شجرة اللوز" (جريدة اليوم 30/4/2008م).
المحطة الأخرى.. المهمة، في حياة هديل القصيرة، كان اقتحامها فضاء (التدوين)، في عالم (الإنترنت) الافتراضي.. ب****ئها في العام 2003م، مدونة تتبع خدمة (الهوتميل).. لتنتقل بعد ذلك، في العام 2005م، إلى إطلاق مدونتها الشهيرة (باب الجنة)، التي رسخت حضورها القوي في عالم التدوين، كأشهر مدونة سعودية وعربية، وتكون كذلك، من أوائل المدونين، الذين كتبوا بأسمائهم الصريحة.
الدكتور أحمد بن سعيد، كتب عن تجربة هديل المتميزة في التدوين:
"هديل لم تكن مجرد مدونة تسجل مشاهداتها وانطباعاتها فحسب، بل كانت مثقفة وقارئة نهمة، ومتابعة لوسائل الإعلام، وهذا ما أكسب تدويناتها ثراءً وعمقاً، كان الشأن العام حاضراً بقوة في معظم كتاباتها، بدءاً من قضايا غزة المحاصرة، والعراق المحتل، وانتهاء بقضايا المرأة السعودية، ومشكلاتها، وهمومها". (جريدة الحياة 9/6/2008م).
صباح يوم الجمعة، 16/5/2008م، غيب الموت الكاتبة السعودية الشابة، هديل الحضيف، عن 25 عاماً، بعد غيبوبة مفاجئة امتدت قرابة الشهر، وأثر رحيلها في كثير من متابعي تجربتها الإبداعية، من قصاصين ومدونين.
رحلت هديل الحضيف، وتركت فراغاً في قلب والديها ومحبيها، وكان وقع رحيلها عليهم أليماً. مواقع ومنتديات عدة، نعت الكاتبة، كما ضمت مدونتها "باب الجنة"، عبارات عزاء كثيرة ومؤثرة، وظهر من خلال الردود والتعليقات، حجم قرائها ومتابعيها. كما نعاها عدد من الكتاب، في عدة أعمدة صحافية.
الناقدة أسماء الزهراني، كتبت عن رحيلها: "مبتهلة أن تمطر رحمات من السماء على روحها"، ووصفتها بـ "الفتاة التي كانت رمزاً حقيقياً للبراءة العاقلة، والعقل البريء"، وقالت: "بلا مبالغة، كانت هديل وما زالت، تحضر في ذهني، حين أرسم لابنتي بعض ملامح مستقبلها، ذكاء متوقد، وطموح، ونضج، ممتزجة جميعاً في إطار تربية رصينة".
الأستاذ نجيب الزامل وصف هديل بأنها "ظاهرة أدبية فكرية ثقافية، من بناتنا السعوديات، وهي فارقة لامعة في رأس الصنعة الثقافية العصرية، عصر الإنترنت والمدونات".. وكتب عنها مؤبناً في جريدة الاقتصادية:
"في الخامسة والعشرين من عمرها، غادرتنا هديل بنت محمد الحضيف، بعد أن نامت قبل ذلك، وكأنها أرادت أن تمهد قلوب أحبائها.. ببطانة التوقع قبل أن تتركهم بلا واق يمنع تآكل القلوب من لوعة الفراق.. وتترك فجوة كبيرة، وهذه الفجوة لا يملؤها إلا من هو مثل هديل، البنت التي تركت علامة مضيئة في تاريخ التدوين والفكر والرأي، وركزت علماً، على سطح المجتمع، سينبيء دائماً بأنها مرّت من هنا، وأنها مرّت كنيزك، برق في سماء ورآه الناس.. ولم تكن أبداً جسماً معتماً، مثل ملايين الأجسام المعتمة في فلك السماء.
يا هديل أنت من هؤلاء المضيئين، الذين يغادرون العالم وهو بفضل عملهم وإبداعهم، أفضل مما كان عليه حين استقبلهم.
أنت قصة قصيرة ياهديل، بدأت بسرعة، وقفلت الغلاف الأخير بسرعة، ولكنها قصة موشاة بأجل الأفكار والرؤى، ودهشة العبقرية، وصبغة رسالة لا تزول، بمجرد زوال الأعمار، وأنت ترحلين، ستبقي صبغتك التي لا يزيلها عامل الزمن، وسيحيا بعدك، وسيحيا بعدنا، وسيأتي يوم، تكون هديل نبراساً، في حكاية لا تنتهي، وترنيمة لأم تدثر ابنها في ليلة شتاء، وتستمر الحكاية الأمثولة، لمعلمة بين طالباتها، وتبقى نبعاً يعكس على صفحته، عناقيد الأزاهر التي تضم ضفافه، وتطيراً أثيراً على مر الزمن الافتراضي، في عوالم الإنترنت وملحمة المدونات. ستبقى هديل باعثة العاطفة، في زمن ظننا أن العواطف فيه قحلت، وتشققت أراضيها، من وهج الجفاف، فإذا هي تفجرها، نوافير تطير في الأجواء، ترش ألوانها الخاطفة، على خط الأفق، وهي ترحل مضيئة، تترك الإضاءة، في المكان الذي رحلت عنه.
هديل يا لك من امرأة صغيرة شجاعة.. لقد علمتِنا كيف نصنع الأصدقاء والأحباب، وذلك بأن نهتم نحن بهم، بدل أن نسعى لأن يهتموا هم بنا، وكان درساً من ألطف وأحب وأرقى وأصفى الدروس.
لقد خلصت روح هديل، وأخذت دربها للملأ الأعلى، ولكن بعد أن أترعت أرواحنا بفيوض علمها، وحبها، وإبداعاتها، وكفاحها، من أجل عالم أفضل لبني وبنات جلدتها"
(جريدة الاقتصادية 19/5/2008م)
لقد كانت هديل نموذجاً للفتاة المسلمة المثابرة، التي اقتحمت مجالات عدة، وحافظت على دينها، وسمتها، وأخلاقها، ومبادئها، وإخلاصها وولائها لأمتها.
رحم الله هديل الحضيف، وأسكنها الفردوس الأعلى.
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

اللهم أرحمها واغفرلها وموتى المسلمين وأجمعها بوالديها وأحبائها في جناتك جنات النعيم
اللهم آمييييييييين
اللهم آمييييييييين



الصفحة الأخيرة
اللهم أرحمها واغفر لها ووسع مدخلها واغسلها بالماء والثلج والبرد ونقها من الذنوب والخطايا
كما ينقى الثوب الابيض من الدنس