أحباء هديل .. يسطروا لها وداعهم الأخير
________________________________________
(1)
عمرك الممدود
التقيتما قبل عشرين عاماً..
كانت طفلة ذات شخصية محبوبة مليئة بالحيوية والنشاط.. تلمح في عينيها النباهة والذكاء..
رغم سنوات عمرها الخمس إلا أنها تتحدث اللغة العربية الفصحى بطلاقة يتعجب منها الكبير قبل الصغير..
لا تزال ذكريات هذه الزيارة الجميلة عالقة في الذهن رغم مرور عشرين سنة..
مع مرور الأيام والسنين تتطور العلاقة، وتتغير طبيعتها، لكنها تبقى محافظة على الأصل..
فمن صداقة عائلية.. إلى علاقة عمل.. إلى صداقة شخصية..
عملتْ مع (حياة) مدة ثلاث سنوات، أبدعت فيها وقدمت الأجمل والأفضل لقارئات المجلة.. تركت أثراً باقياً يذكر فيشكر على تميزها وعطائها..
انقطعت عن الكتابة في المجلة لظروف دراستها، لكنها لم تنقطع عن التواصل معها ومع زميلاتها كاتبات (حياة).. فقد شاركت حياة في أفراحها وأتراحها..
لم تبخل يوماً بمشاركة ”حياة“ بأفكارها ومقترحاتها.. كما لم تنقطع زياراتها وتفقدها لتطورات المجلة أولاً بأول.. فهي بحق إحدى بنات (حياة) البارات..
خمسة وعشرون عاماً هو عمرها الزمني الذي يقاس من يوم ميلادها، لكن عمرها الحقيقي أطول من ذلك بعقود.. قدمت الكثير لمجتمعها ولأبناء جيلها..
ولمعرفتها بجيل الشباب.. اتخذت أسلوب الوصول السريع والواسع عبر مدونتها (باب الجنة).. تبث من خلالها رسائلها لشباب العالم.. تناقش وترد وتقدم فكراً أصيلاً أصبح نبراساً لمرتادي مدونتها..
صدق القائل بأن عمر الإنسان لا يقاس بطول السنين ولكن بعرض الأحداث.. وهذا والله عمرك يا هديل.. خمسة وعشرون سنة هي عمرك المعدود.. لكن عمرك الممدود هو ما تركتِه من فكر وثقافة وأدب.. وقبل كل ذلك حسن الخلق والعشرة مع من حولك..
اليوم نودعها لدار الخلد.. بعد أن دخلت في غيبوبة لم تمهلها طويلاً.. (خمس وعشرين يوماً) كانت تمهيداً لكل أحبابها بأنها تودع الجميع، حيث دار القرار في جنات الفردوس..
هذا ما عاشته هديل بنت محمد الحضيف..
وفي هذا العدد، ورغم ضيق الوقت.. قمنا بتأخير صدوره؛ لأن الكثير من أحبائها أبوا إلا أن يسطروا لها وداعهم الأخير.. في ملف خاصٍ لروح هديل الطيّبة.. رحمها الله رحمة واسعة..
إيمان - رئيسة التحرير
- -
(2)
لا أصعب من أن تهدي راحلاً.. أوراقاً تودعُ فيها قلبك.. وحبك..
ورغم إدراكك أنه لن يقرأها.. يظلّ هاجسك أن تكتب.. وتكتب؛ لتنفّس عن مشاعرك الحقيقيّة بلا ريب، وبلا زخرفةٍ، ودون أن تخشى شيئاً..
* * *
هديل.. ولدتْ في شهر إبريل 1983م، بكراً لوالدها الدكتور محمد الحضيف الكاتب والإعلامي المعروف.. بدأت عملها في (حياة) وهي فتاة التاسعةَ عشرة كمحررة لباب (إبداع).. تنثرُ إبداعاتها وتشجيعها لقارئات حياة..
وقد تخرجت قبل عامين من جامعة الملك سعود قسم رياض الأطفال..
ثم عملت في مكتبة الملك عبد العزيز العامّة.. وخلال مسيرتها الجامعية اقتحمت هديل – رحمها الله – عالم التدوين.. بدايةً بمدونة تتبع خدمة الـهـوتـمــيل، ثم بمدونتها المعروفة في أوساط المدونين (باب الجنة) التي تحوي كثيراً من أفكارها ورؤاها التي تدل على العمق والاطلاع الواسع.
وفي يوم 14 ربيع الثاني الماضي استيقظ الصباحُ بإغفاءةٍ لهديل..
دخلت على أثرها في غيبوبة قاربت الشهر..
حتى انتقلت إلى رحمة الله صباح يوم الجمعة 11/5/1428هـ..
وصلي عليها في مسجد الراجحي بالرياض..* * *
لوالدها الدكتور محمد، ولوالدتها الكريمة..
لزميلة المجلة أروى..
لأسرتها..
تعازينا الصادقة.. ودعواتنا لهم بالثبات والرضا، أحسن الله عزاءكم وعظّم أجركم..
وغسل قلوبكم باليقين، وعوّضكم خيراً..
* * *
مشاعر هي الأصدق.. ودعوات ترتفعُ بأكفٍ صادقةٍ للسماء..
نهديها الراحلة.. هديل بنت محمد الحضيف..
وداعاً أخيراً، وذكرى لا تفنى..
أسرة مجلة حياة،،
- -
(3)
رسالة إلى الله
هذه رسالة إليك يا الله ..
لن يحملها سعاة بريد، ولن يوصلها إليك الرسل المنتشرين بين السماء والأرض..
هذه رسالة إليك مباشرة.. بلا وسطاء ..
يا الله..
لم تكن المرة الأولى التي أشعربك قريبا إلى حد أن تحيط بي، وأن أكون في عينك، وما استغربتُ أن تفتح الأبواب لصلواتي التي ما فتئتُ أرفعها إليك منذ أن تشعبت بي الطرق، وغدا اختيار أحدها موتا لا مهرب منه.
كلما حذفتَ من أمامي خيارا، وقلصتَ مساحات الحيرة المترامية، آمنتُ بك أكثر، وآمنتُ بأن دربي الذي أسير فيه صحيح، لأن ما من أحد غيرك يستطيع أن يتدخل في اللحظات الأخيرة، ليحول بيني وبين ملك الموت.
اليوم كنت أبكي، وكانت عشرات الوجوه في المرايا الصغيرة الموزعة على جدار السلّم المهجور.. تبكي معي، ساكبة دمعها في قلبي، وبينما أنا أحاول صنع دعوات تليق لأرفعها إليك، مضت تلك الوجوه الكثيرة تتوسل إليك يا الله أن تلهمني نورا أسترشد به قبل أن يحيق بي الظلام.
كنتُ أعرف يا الله أنك لن تتركني، وأنك ستكون معي كما تفعل دائما، لكن أن تقف بعتبة بابي، وتغمر روحي بالماء دون سابق إلهام، فهذا ما لم أخطط له، ولم تكن سجداتي المكرسة للدعاء تطلبه، أو تطمح إليه..
أنا هنا يا الله، مجردة من كل شيء، إلا من مطر ينهمر من سمائك، ومن شكر لا يليق إلا بك، ولا أفيك رغم كل ذلك.
شكرا لك يا الله، لأني في كل مرة أحاول الصعود إليك، تنزل إليّ، وتهمس في أذني: “لستِ وحدكِ” .. وما كنتُ يوما وحدي يا الله.. وأنت معي..
من مدونة هديل
- -
(4)
على باب الجنة
حين يكون الحديث عن الموت..
يصبح كل شيء مهيباً..
تصبح الكلمات أكثر جموحاً..
ولا شيء يمكنه أن ينطق بحقيقة المشاعر..
ليعني الله على هذه الكلمات..
* * * *
لا أعرف كيف أتحدث عنك الآن يا هديل..
وأنا أحاول أن أستحضر .. أنك..
لم تعودي هنا..
البارحة فقط..
رأيتك.. بكل وضوح..
ترتدين عباءتك .. وتنظرين إلي، ثم تمضين عابرة على عجل..
كدت أصرخ لأستوقفك..
لكنك تركتنا .. ومضيت..
* * * *
حين أتحدث الآن..
يتسلل إلى سمعي صوت ضحكتك الطفولية .. وتمر أمامي فلاشات سريعة .. لحديثك المتحمس .. وحركات يديك..
ولا أكاد أستوعب..
أني لن أراك بعد اليوم..
أستحضر صورتك للمرة الأخيرة التي رأيتك فيها.. في احتفال حياة..
كنت أراك بعد فترة طويلة.. ومازحتك .. أنك أصبحت تتعالين علينا .. فقد انشغلت بمدونتك وأصبح لك متابعون مختلفون..
لكنك طمأنتني بكل عفوية ومرح .. أشرت بيدك كعادتك وعيناك تضحكان“ : لاااا تخافين .. أنا هديل اللي تخبرين”
* * * *
لا أزال أذكر..
حين كنا نعمل جاهدين على تأسيس صرح“ حياة.. ”
كنا نحفر على الصخر .. لنعد أول أعدادها..
وكنا نبحث عن محررة .. فتاة يافعة .. وبمواصفات معينة .. تنضم لنا في فريق التحرير..
لكننا كنا نواجه صعوبة شديدة..
لأننا لا نريد فتاة عادية .. بل نريدها بمواصفات مميزة جداً..
أذكر يوم أن وعدتنا أستاذة إيمان .. بأنها ستعرّفنا على فتاة .. غير..
فتاة .. مميزة جداً .. جداً..
تساءلنا من قد تكون..؟
ولم نستوعب مدى التميز الذي تتحدث عنه..
توقعنا أنها مجرد مبتدئة لديها بعض الموهبة..
لكن .. بعد أسابيع..
فوجئت بقصة“ ضي” على صفحات المجلة..
كانت أروع مما تخيلت .. أروع بكثير..
قرأتها عدة مرات..
شعرت بأن من كتبتها .. هي أديبة .. وإنسانة .. ومثقفة.. ومخرجة سينمائية..
وكنتِ .. أنتِ..
هديل الحضيف..
بعدها بفترة .. التقيتك..
ولن أنسى في حياتي ذلك الموقف الذي حصل..
والذي علمتني فيه درساً من دروس الحياة التي لا تتكرر كثيراً..
هل تذكرين؟
كنت في بداية لقائي بك..
ولم أعرف بعد أنك ابنة الدكتور محمد الحضيف..
وجرنا الحديث للنقاش حول إحدى قصص والدك الفاضل .. وكنت أنتقد بعض الجوانب في القصة.. كانت لي وجهة نظر .. قد تكون خاطئة .. وقد تكون متهورة .. لكني انتقدت على أية حال..
وكنت تنظرين إلي بصمت..
لم تناقشي .. لم تردي .. اكتفيت فقط بابتسامة مؤدبة..
وبعدها بفترة..
عرفته أنه .. والدك..
ولأي شخص أن يتخيل حرجي!..
وبعد أشهر .. صارحتك..
وسألتك..
لماذا لم تخبريني في ذلك اليوم .. أنه والدك؟
لماذا لم تردي علي يومها..؟
ألم تتوقعي مثلاً أني أتعمد انتقاد قصة والدك أمامك؟
لكنك أجبتني مبتسمة“ .. لاااااا عااااااادي يا نوف ” ..
وتعلمت منك إحدى أروع دروس الحياة..
أن أصبر .. وأحلم على من ينتقدني .. أو ينتقد من أحب..
وأن أحسن الظن بالآخرين..
لا أزال أذكر اجتماعاتنا في منتدى حياة الأدبي..
وكأنك أمامي الآن..
ولا أزال أذكر كلماتك بالحرف .. إشاراتك.. وحركات يديك..
حين أتحدث معك .. كنت أشعر أني أحرر قيود عقلي..
وأبحر بعيداً .. بعيداً جداً..
ربما أقولها متأخراً جداً يا هديل..
(ونحن دائماً هكذا .. لا نتحدث إلا متأخراً)..
لقد تعلمت منك أشياء كثيرة..
ولفت نظري لأشياء كثيرة..
لن أنسى ملفك المرتب .. الذي يحوي أوراقك وقصاصاتك .. وأحد الكتب التي تقرئينها دائماً.. وكنت أقول لك دوماً.. إني أتمنى لو كنت بمثل ترتيبك وتنظيمك لأشيائك ولوقتك .. خاصة حين أنظر لأوراقي المتناثرة في أدراجي الكثيرة..
هذه الكلمات المتناثرة .. ليست ديباجة في مدحك يا هديل..
فلست ممن يحبون المديح..
ولست ممن أراد أن يرسم لك صورة الكمال..
فأنا أعرف أنك كنت إنسانة عادية مثلنا .. وهذا مكمن جمالك..
لم أرغب في أن أتحدث عن“ هديل الحضيف ”..
التي يتحدث عنها الجميع..
بل .. عن إنسانة .. عرفتها..
وأفتقدها الآن..
وأقولها لك بكل بصدق..
أفتقد وجودك في هذا العالم .. يا صديقتي..
فمجرد وجود إنسانة مثلك .. كان يمنحني كثيراً من التفاؤل والأمل..
هل تعرفين؟
قبل أيام فقط من غيبوبتك..
كنت أخطط أن نجتمع في منتدانا الأدبي .. لأني كنت في شوق لحديث يثري عقلي وقلمي مع أمثالك..
كنت أعقد النية على أن أتواصل معك ومع بقية الزميلات لنجتمع...
كنت أشعر بأن روحي متعبة .. وأني بحاجة .. إلى الحديث مع أناس يروون عطش الروح من أمثالك..
لكني .. أجلت الاجتماع للإجازة..
ولم أعلم .. أن الله قدر رحيلك قبلها..
سبحان الله...
حتى رحيلك يا هديل..
كان شاعرياً .. حالماً .. مثلك..
رحلت كأميرة نائمة..
كطفل غفا في حضن أمه .. واستلذ نومته .. فلم يفق..
لطفت بمشاعرنا..
ولم تفاجئينا برحيلك..
بل اخترت أن تهدهدي آلامنا .. خمسة وعشرين يوماً..
قبل أن ترحلي في هدوء..
كنت دائماً .. مختلفة..
ورحيلك كان كذلك..
أحبك هديل..
ولن أنساك بإذن الله..
أعلم أن الدموع لا تكفي .. ولا الكلمات..
لكني أحاول أن أقول لك أشياء .. كان لابد أن أقولها .. ولو متأخراً .. يا رفيقة القلم..
كلمات .. أتذكرها كلما قلبت أرقام جوالي .. ووجدت اسمك..
وتمنيت لو كنت قلتها لك قبل ذلك..
سأدعو الله يا هديل .. أن نلتقي على باب الجنة..
سأدعو الله أن أراك هناك..
وندخل سوياً..
ونستمتع بالنظر إلى وجهه عز وجل..
وهناك .. أقول لك كل ما قلته هنا..
* * * *
اللهم اغفر لغاليتي..
اللهم ارحمها..
اللهم تجاوز عنها..
اللهم اغسلها بالماء والثلج والبرد .. ونقها من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس..
اللهم اجعل قبرها روضة من رياض الجنة..
اللهم آميييين..
نوف الحزامي ،،
**
المصدر: مجلة حياة العدد (98) جمادى الآخر 1429هـ
منقول
هذا ماقالته حياة
وانا اقول
هديل عمري كعمرك خطفك الموت وتركني
هديل انت الساااابقه وانا اللاحقه
والله لن انسااااك
اللهم ارحمهااا واغفرلهااا
اللهم اجعلها الان في نعيم مقيم
واجمعني بها في جناتك جنات النعيم
ويبقــى الاْمل @oybk_alaml_4
عضوة نشيطة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
عز2
•
الله يرحمك يا هديل
اللهم اغفر لها..
اللهم ارحمها..
اللهم تجاوز عنها..
اللهم اغسلها بالماء والثلج والبرد .. ونقها من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس..
اللهم اجعل قبرها روضة من رياض الجنة..
اللهم آميييين..
انا لله واناليه راجعون، عظم الله اجرك وجرهم
اللهم ارحمها..
اللهم تجاوز عنها..
اللهم اغسلها بالماء والثلج والبرد .. ونقها من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس..
اللهم اجعل قبرها روضة من رياض الجنة..
اللهم آميييين..
انا لله واناليه راجعون، عظم الله اجرك وجرهم
الصفحة الأخيرة