هذه أسباب السعادة الزوجيه(من دروس علامة الشام /محمد راتب النابلسي)

الملتقى العام

بسم الله الرحمن الرحيم

إخوتي المؤمنين ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
في الحلقة السابقة تحدثنا عن أسباب الشقاق الزوجي ، وفي الحقيقة هو موضوع سلبي ، ولكن هذه الحلقة إن شاء الله تعالى سنتحدث فيها عن أسباب السعادة الزوجية ، والحقيقة أنه ينبغي أن نتلافى أسباب الشقاق ، ثم أن نفعل موجبات السعادة الزوجية ، لو عدنا إلى كتاب ، ومنهج الله ، وتعليمات الصانع ، وكلام الخبير فإننا نجد الله عز وجل يقول :

(سورة النساء)
ما معنى كلمة معروف ؟ المعروف تعرفه الفطر السليمة بداهة ، إذا قال الله عز وجل :

(سورة آل عمران)
ما المعروف ؟ الشيء الذي تعرفه النفوس بداهة يقول هكذا فطرت يقول وجبلت عليه ، ألم يقل الله عز وجل :

(سورة الشمس)
يعني أنها إذا اتقت تعلم أنها اتقت من دون أن ينبّهها أحد ، وإذا فجرت تعلم من دون أن ينبهها أحد ، هذه هي الفطرة ، وهي متوافقة تماماً مع منهج الله ، قال تعالى :

(سورة الروم)
أي أن تقيم وجهك نحو الدين ، أن تشدّ همتك إلى تطبيق الحق ، هو ما جبلتَ أنت عليه في الأصل ، لذلك حينما يقول الله عز وجل :

الشيء الذي تعرفه النفوس فطرة وابتداء وبداهة من دون توجيه ، والفطرة أيها الإخوة شيء مهم جداً في الدين .
يقول الله عز وجل :

(سورة النساء)
نحن في دار ابتلاء ، لا في دار استواء ، وفي منزل ترح ، لا منزل فرح ، ومن عرف الدنيا لم يفرح لرخاء ، ولم يحزن لشقاء ، قد جعلها الله دار بلوى ، وجعل الآخرة دار عقبى ، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا ، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا ، فيأخذ ليعطي ، ويبتلي ليجزي .
قال بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى :

قالوا : ليست المعاشرة بالمعروف أن تمتنع عن إيقاع الأذى بها ، بل أن تحتمل الأذى منها .
أيها الإخوة الكرام ، روت كتب الأدب والسيرة أن قاضياً شهيراً اسمه شريح لقيه صديقه الفضيل ، فقال له : يا شريح ، كيف حالك في بيتك ؟ قال : والله منذ عشرين عاماً لم أجد ما يعكِّر صفائي ، قال : وكيف ذلك يا شريح ؟ قال خطبتُ امرأة من أسرة صالحة ، فلما كان يوم الزفاف وجدتُ صلاحاً وكمالاً ، يقصد صلاحاً في دينها ، وكمالاً في خُلقها ، فصليتُ ركعتين شكر على نعمة الزوجة الصالحة ، فلما سلمت من صلاتي وجدت زوجتي تصلي بصلاتي ، وتسلم بسلامي ، وتشكر شكري ، فلما خلا البيت من الأهل والأحباب دنوتُ منها ، فقالت لي : على رِسلك يا أبا أمية ، ثم قامت فخطبت ، وقالت : أما بعد ، فيا أبا أمية ، إنني امرأة غريبة ، لا أعرف ما تحب ، ولا ما تكره ، فقل لي ما تحبه حتى آتيه ، وما تكره حتى أجتنبه ، ويا أبا أمية ، لقد كان لك من نساء قومك من هي كفء لك ، وكان لي من رجال قومي من هو كفء لي ، ولكن كنت لك زوجة على كتاب الله وسنة رسوله ـ e ـ ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ، فاتّقِ الله بي ، وامتثل قوله تعالى :

(سورة البقرة)
ثم قعدتُ ! قال : فألجأتني إلى أن أخطب ، فوقفت وقلت : أما بعد ، فقد قلتِ كلاماً إن تصدقي فيه ، وتثبتي عليه يكن لكِ ذخراً وأجراً ، وإن تَدَعيه يكن حجة عليك ، أحِبُّ كذا وكذا ، وأكره كذا وكذا ، وما وجدتِ من حسنة فانشريها ، وما وجدتِ من سيئة فاستريها .
أيها الإخوة ، وصف النبي عليه الصلاة والسلام المرأة الصالحة بأنها ستّيرة ، والمرأة الفاجرة فضّاحة ، وقال في بعض الأحاديث : إني أكره المرأة تخرج من بيتها تشتكي على زوجها .
وعَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ )) .

ولا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها ، وهي لا تستغني عنه ، وما وجدت من حسنة فانشريها ، وما وجدت من سيئة فاستريها ، قالت : كيف نزور أهلي وأهلك ؟ ما رأيك في هذا الموضوع ؟ قال : نزورهم غباً ، مع انقطاع بين الحين والحين لئلا يملُّوا ، وفي الحديث الشريف : (( زر غباً تزدد حباً )) .

قالت : فمَن مِنَ الجيران تحب أن أسمح لهن بدخول بيتك ؟ ومن تكره ؟ قال : بنو فلان قوم صالحون ، وبنو فلان قوم غير ذلك ، يقول شريح : ومضى علي عام عدت فيه إلى البيت ، فإذا أم زوجتي عندنا ، رحبت بها أجمل ترحيب ، وكانت قد علمت من ابنتها أنها في أهنأ حال ، قالت : يا أبا أمية ، كيف وجدت زوجتك ؟ قلت : والله هي خير زوجة ، قالت : يا أبا أمية ، ما أوتي الرجال شراً من المرأة المدللة فوق الحدود ، فأدب ما شئت أن تؤدب ، وهذب ما شئت أن تهذب ، ثم التفت إلى ابنتها تأمرها بحسن السمع والطاعة ، ومضى علي عشرون عاماً لم أجد ما يعكر صفائي إلا ليلة واحدة كنت أنا الظالم .
ألم أقل لكم في الحلقة السابقة : إذا بني الزواج على طاعة الله تولى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين ، أما إذا بني على معصية الله يتولى الشيطان التفريق بينهما ، إذا أطاع المؤمن ربه ألهمه الحكمة ، فعاش مع زوجته حياة سعيدة ، وإذا عصى الرجل ربه ألهم الحمق ، فكم من إنسان يحفر قبره بيده ، ويهدم سعادته بيده ، إنه حينما ينقطع عن الله عز وجل فيحرم من الحكمة ، الآية الأولى :

أيها الإخوة ، شيء آخر ، الله عز وجل بين الزوجين وهو أروع ما في الزواج الإسلامي ، كل طرف يخشى الله أن يظلم الطرف الآخر ، وكل طرف يرجو رحمة الله بخدمة الطرف الآخر ، هذا من خصائص الزواج الإسلامي ، الآن يقول الله عز وجل :

(سورة البقرة)
كما أنك تحب أن تحترم أهلك هي تحب أن تحترم أهلها ، كما تحب أن تراها بمظهر أنيق هي تحب أن تراك بمظهر أنيق ، كما تحب أن تكون صادقة معك هي تحب أن تكون صادق معها ، كما تحب أن تقدر شعورك تحب أن تقدر شعورها .

والمعروف ما في الفطرة ما ركز في أهل الفطرة ، وما جبل عليه الإنسان ، أما هذه الدرجة التي للزوج فهي درجة واحدة ، درجة القيادة ، لأن الزواج والبيت مؤسسة لا بد لها من قائد واحد ، وصاحب قرار ، لكن الزوج ينبغي أن يستشير زوجته أحياناً ، والدليل أن الله عز وجل يقول :

(سورة الطلاق)
بل إن النبي عليه الصلاة والسلام في الحديبية استشار أم سلمة ، وأشارت عليه ، ونفذ استشارتها ، وحلت المشكلة ، ينبغي أن تستشيرها ، وتستشيرك ، وتتبادلا الآراء ، ولكن هذه المؤسسة تحتاج إلى صاحب قرار ، الله عز وجل يقول :

(سورة آل عمران)
فهذه الدرجة درجة القرار ، لأن الذي يراه الزوج قد لا تراه الزوجة ، والذي يعرفه الزوج من الظروف المحيطة بالبيت قد لا تعلمها الزوجة ، أما أن يظن الزوج أن له كل شيء ، وليس لها شيء ، فهذا جهل فاضح في حقوق الزوجة .
أيها الإخوة الكرام ،

هناك فكرة دقيقة ، وهي أن هذه الدرجة درجة الخدمة والرؤية والحزم والقرار ، وليست درجة التعسف ، ولا درجة الاستبداد ، بل درجة السلامة ، ودائماً وأبداً كلمة ( لا )عنوان السلامة ، وكلمة ( نعم ) عنوان الهلاك ، فالذي يملك قيادة البيت هو الزوج .
شيء آخر ، المرأة أيها الإخوة في القيم الإسلامية ، والفكر الإسلامي ، وفي النصوص الإسلامية مساوية للرجل تماماً في التكليف ، فهي مكلفة كما هو مكلف ، وفي التشريف ، هي مشرفة كما هو مشرف ، وفي المسؤولية هي مسؤولة كما هو مسؤول ، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام فيما تروي بعض الروايات حينما فتح مكة دعي لبعض بيوتاتها ، فقال : انصبوا لي خيمة عند قبر خديجة ، من خديجة ؟ زوجته الأولى ، ويروى أنه نصب الراية أمام قبرها ليشعر الناس جميعاً أن هذا الفتح المبين لها جزء كبير من الفضل فيه ، كانت رضي الله عنها سنده من الداخل ، فلذلك أشار النبي إلى فضلها ، وما تتمتع به من حرص لنجاح الدعوة ، لذلك أشعر الناس أن لهذه المرأة العظيمة التي كانت عند النبي عليه الصلاة والسلام ، والتي عاش معها ربع قرن كان لها فضل كبير حتى في هذا الفتح المبين .

أما قوله تعالى :

(سورة النساء)
قوَامون جمع قوَام ، قوَام صيغة مبالغة اسم الفاعل ، شديد القيام ، يفهمها بعض الناس أن قوامة الرجل سيطرة ، وعنجهية ، واستعلاء ، واستبداد ، وتعسف ، لا ، أبداً ، بل قوامة الرجل جهد كبير في داخل البيت وخارجه ، متابعة للأمور ، تصحيح للمسار ، تصويب للأخطاء ، هذه قوامة الرجل ، فالله سبحانه وتعالى أناط مسؤولية الأسرة بالرجل ، لأنه بحسب تكوينه الفكري والجسمي والاجتماعي والنفسي ، لعله أقدر على قيادة هذا المركب من الزوجة ، فلذلك حينما يقول الله عز وجل :

بمعنى أنهم يتحملون مسؤولية سلامة ، ونمو هذه الأسرة .
أذكر أن سيدنا عمر مرة قال : لست خيراً من أحدكم ، ولكنني أثقلكم حملاً ، وينبغي أن يقول الزوج : لست خيراً من واحد من أسرتي ، ولكنني أثقلهم حملاً ، هذا معنى قوامة الزوج :

فهي تكليف ، وليست تشريفًا ، هي إشراف ، وخدمة ، وحرص ، ودأب ، وجهد ، وسعي ، وليست استعلاء وغطرسة ، وتحكماً ، وتعسفاً ، واستبداداً .
آية أخرى تنظم العلاقة والسعادة الزوجية ، هذه المرأة الصالحة التي قال عنها الله في بعض الأدعية : } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيًا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذابَ النَّارِ { ، قالوا : حسنة الدنيا المرأة الصالحة ، التي إذا نظرت إليها سرتك ، وإذا غبت عنها حفظتك ، وإذا أمرتها أطاعتك ، المرأة الصالحة شيء لا يقدر بثمن ، هي سبب سعادة زوجها وأولادها ، ألم أقل لكم في الحلقة السابقة : يقول النبي عليه الصلاة والسلام : (( اعلمي أيتها المرأة ، وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله )) .

أليست العبادة بالمفهوم الواسع أن تعبد الله فيما أقامك ؟ إن أقامك أيها الرجل غنياً فالعبادة الأولى إنفاق المال ، وإن أقامك عالماً فالعبادة الأولى تعليم العلم ، وإن أقامك قوياً فالعبادة إنصاف الضعيف ، وإن أقامكِ امرأة فالعبادة الأولى حسن رعاية زوجك وأولادك .

(سورة النساء)
المرأة الصالحة تحفظ نفسها وفق منهج الله ، لا وفق مزاجها وتصوراتها الضعيفة ، ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما .
أيها الإخوة الكرام ، بقيت آية من آيات الله التي تنظم العلاقة بين الزوجين ، يقول الله عز وجل :

(سورة الأنفال)
هذه الآية تفهم على مستويات ثلاثة :
أولاً : أن أصلح علاقتك مع الله ، فإن صلحت علاقتك معه صلح معك كل شيء ، حتى إن بعض العارفين يقول : إني أعرف مقامي عند ربي من أخلاق زوجتي ، إذا كانت علاقته بالله قوية يلهم الله الزوجة أن تنصاع له ، وتعتني به ، وتحبه وتكون في خدمته ، أعرف مقامي عند ربي من أخلاق زوجتي .

أنت حينما تطبق منهج الله عز وجل تكون كبيراً في نظر زوجتك ، وذا هيبة كبيرة ، وعندئذ تنصاع لك ، وتتودد إليك ، وتتقرب منك ، وأصلحوا العلاقة بينكم وبين جهة أخرى ، وهل من جهة أقرب إليكم من زوجاتكم ؟ أي أصلحوا العلاقة ين الزوجين ، والخطأ يصحح ، مادام الإنسان حيًّا يرزق ، ومادام القلب ينبض فكل شيء يصحح ، الخطأ يصحح ، يمكن أن نعتذر ، أن نقدم هدية .

والمعنى الثالث : ينبغي أن تصلح العلاقة بين كل اثنين ، مع الله أولاً ، فإن صلحت علاقتك مع الله صلح معك كل شيء ، " ابن آدم ، اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، ابن آدم ، كن لي كما أريد أكن لك كما تريد ، ابن آدم ، كن لي كما أريد ، ولا تعلمني بما يصلحك ، نصلح علاقتنا مع الله أولاً ، ثم مع زوجاتنا ثانياً ، ونصلح أية علاقة بين اثنين ثالثاً ، هذه آية أخرى تنتظم العلاقة الزوجية .
أيها الإخوة الكرام ، هناك بعض القواعد الاجتماعية من شأنها أن تديم الحب بين الزوجين ، وأن تديم حرارة العلاقة بين الزوجين ، وأن تديم الود بينهم والرحمة ، وكلها مستنبطة من نصوص الكتاب والسنة ، إما مباشرة ، أو بشكل غير مباشر .
أيها الإخوة ، إن كنت تحب زوجتك فلمَ لا تعبر عن هذا الحب ؟ ألم يقل النبي لأحد الصحابة : هل أعلمته أنك تحبه ؟ قال : لا ، قال : أعلمه .
مَن أولى الناس أن تعبر لها عن حبك ؟ حينما تعبر لزوجتك عن محبتك فهذا سبب من أسباب السعادة الزوجية ، ويديم الحب بين الزوجين ، وحرارة اللقاء بينهما .
أيها الإخوة ، أن تثني على عملها كما قلت في الدرس السابق ، بيتها نظيف ، طعامها طيب ، مظهرها أنيق ، أولادها مرتَّبون ، هذه الإنجازات التي تفعلها ينبغي أن ترى صداها عندك ، فحينما تثني على ما عندها ، على عملها ، واهتمامها ، فهذا يديم السعادة الزوجية ، وقد ورد في بعض الأحاديث أن من سعادة المرء أن تكون زوجته صالحة ، وأولاده أبرارًا ، ورزقه في بلده ، ومنزله واسعاً ، ومركبه وطيئاً .
شيء آخر ، أن تجلس معها ، وتنصت إليها ، وتسألها عن يومها ، هذا اهتمام بها ، في أيام الخطبة قد تستمر المكالمة ست ساعات بعد حين من الزواج لا ينطق ولا بكلمة ، ولا يتكلم ، ولا تتكلم هي ، ما هذه القطيعة ؟ ينبغي أن تجلس معها ، وتنصت إليها دون أن تتشاغل بمجلة أو جريدة ، أن تعطيها من اهتمامك ، وتقبل عليها ، وتسألها عن يومها ، عمّا حدث لها ، عن شؤونها ، عن إنجازاتها ، هذا يعني أنك مهتم بها حتى تهتم بك .
أيها الإخوة الكرام ، كان عليه الصلاة والسلام في مهنة أهله يخدمهم ، فعَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ : مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ ؟ قَالَتْ : (( كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ ، تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ ، فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ )) .

أحياناً إن رأيتها مشغولة ، أو مريضة ، أو متعبة فحاول أن تعينها على أعباء المنزل ، وأن تقدم لها شيئاً ، وتأتيها بطعام جاهز ، وتعفيها من بعض المهمات ، هذا يؤكد الود بينكما ، وهذا أيضاً من سنن النبي عليه الصلاة والسلام .
أنا أقول لكم أيها الإخوة : إن ضغط العمل ، وضغط عمل المنزل ، والحياة الرتيبة ، والضغوط النفسية الشديدة ، هذه تفضي إلى توتر شديد ، النزهة المنضبطة وفق منهج الله أساسية في تجديد النشاط ، وتمتين العلاقات ، لا تنسى أن تأخذ أهلك إلى نزهة من حين لآخر ، على أن تكون النزهة منضبطة ، هذا أيضاً من أسس العلاقة الزوجية .
ما الذي يمنع أن تتصل بها مراراً ، وأنت في عملك كي تطمئن عنها ؟ أن تتصل بها هذا يشعر أنك تحبها ، وهي في بالك ، وأنك تحبها ، فاتصالك الهاتفي من خلال عملك بها تسألها عن أحوالها ، تعلمها ببعض الأفكار والحالات ، هذا جزء من حسن العلاقة بين الزوجين .
أيها الإخوة ، إذا كنت سوف تتأخر فينبغي أن تعلمها عن طريق اتصال هاتفي ، أما أن تنتظر ، وتنتظر إلى بعد منتصف الليل ، وقد تكون معذوراً ، لكن الاتصالات الآن جيدة جداً ، فهذا الذي لا يكلف نفسه أن يتصل بزوجته كي يعلمها أنه متأخر فهذه حالة مَرَضية تسبب عدم المبالاة بين الزوجين .
أيها الإخوة الكرام ، هذا من بعض ما تقتضيه الحكمة التي قال الله عز وجل عنها :

(سورة البقرة)
أعود وأقول : أنت بالحكمة التي يهبها الله لك كمكافأة على إيمانك به ، وطاعتك له قد تسعد بزوجة من الدرجة الخامسة ، ومن دون حكمة قد تشقى بزوجة من الدرجة الأولى .
أيها الإخوة ، من هذه القواعد الاجتماعية إذا سافرت خارج البلدة فينبغي أن تتصل بها ، وتخبرها عن رقم هاتفك ، وأنك وصلت بالسلامة ، وتتيح لها أن تتصل بك ، هذا شيء من الود بين الزوجين ، هي تحب من يهتم بها ، ويسأل عنها ، بل إنك إن سافرت بعيداً فينبغي أن تخبرها أنك تفتقدها ، وأن لها دورًا خطيرًا في حياتك ، وأن الحياة من دونها لا تطاق ، هذا من حكمة الزوج.
بل كما علمنا النبي عليه الصلاة والسلام أنه لا تدخل إلى بيتك من بعد سفر إلا بعد أن تعلمها عن موعد قدومك كي تهيئ نفسها .
النبي عليه الصلاة والسلام حينما يكون في الغزوات لا يأتي أزواجه مباشرة ، يقيم خارج المدينة يوماً ، ويُعلِم من في المدينة أنهم قد حضروا ، هذا من حكمة الزوج ، لا تفاجئ زوجتك بدخول البيت عقب سفر طويل ، لابد أن تعلمها مسبقاً عن موعد قدومك .
أيها الإخوة ، تعاطف مع مشاعرها ، إنه بدت متعبة ، أو شعرت بالضيق ، فالكلمة الطيبة صدقة ، حينما تتعاطف مع مشاعرها في حال الضجر فهذا التعاطف هو العلاج والحل ، والذي يمتص ضجرها ، وقلقها ، وتبرمها ، ثم إنك إن فاجأتها بهدية من حين إلى آخر فهذا جيد ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( تَهَادَوْا ، فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ ... )) .
(سنن الترمذي)
فهي رسالة محبة ورمز المودة ، فعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ عَبْدِ اللَّهِ الْخُرَاسَانِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( تَصَافَحُوا يَذْهَبِ الْغِلُّ ، وَتَهَادَوْا تَحَابُّوا ، وَتَذْهَبِ الشَّحْنَاءُ )) .
(موطأ مالك)
ليس القصد أن تكون الهدية ثمينة ، بل أن تكون معبرة ، ليس غير ، فمن حين إلى آخر لا تنسَ أن تقدم لها هدية ، ليست البطولة أن تبلغ القمة ، بل أن تبقى في القمة ، ليست البطولة أن تتزوج ، بل أن يبقى الزواج ناجحاً ، ليس البطولة أن تحب زوجتك في أيام الخطبة ، بل أن يدوم هذا الحب ، ويتنامى بعد العرس ، وأن يكون خطك البياني صاعداً ، لا أن يكون نازلاً ، ففاجئها بهدايا صغيرة من حين لآخر ، فإن الهدية كما قال عليه الصلاة والسلام : (( تذْهَبِ الْغِلُّ )) ، (( وَتَهَادَوْا تَحَابُّوا وَتَذْهَبِ الشَّحْنَاءُ )) ، إذا كانت مريضة اسألها عن حالها ، تفقد شأنها ، واسألها عن تطور المرض ، وعن الأدوية التي تأخذها ، حاول أن تذكرها بأوقات الأدوية ، هذا اهتمام منك بها ، أما إذا جرحت مشاعرها فما الذي يمنع أن تعتذر لها ؟ وتقول لها : سامحيني لقد أخطأت معك ، فهذه كلمة تنسيها كل الألم والضجر ، فلذلك :

أيها الإخوة ، حينما تنجح في إسعاد زوجتك وتربية أولادك تستطيع مواجهة المشكلات الخارجية ، كنت أقول دائماً : لو بلغت أعلى منصب في العالم ، وجمعت أغلى ثروة في الأرض ، ولم يكن بيتك كما تتمنى فأنت أشقى الناس ، أما إذا كنت سعيداً في بيتك فكل شيء يهون .
أرجو الله سبحانه وتعالى أن ننتفع بهذا النهج المحمدي السليم في زواجنا وبيوتنا ، وفي علاقتنا مع زوجاتنا ، وتربية أولادنا ، وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

Copyright © 2007 Nabulsi
0
10K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️