
هذه اللقطة يجب ألا تغيب عنا ، يجب أن تظل حاضرة في الذهن أثناء تعاملنا مع أطفالنا طوال الزمن فتربيتنا لأبنائنا ، وعمليات تعليم السلوك ، وغرس القيم الصالحة في نفوس أبنائنا ، وحل المشكلات ، والتعامل مع الأخطاء هي عمليات تشبه الحمل والولادة فإذا كانت الأولى هي ولادة الإنسان فالثانية هي ولادة السلوك الصحيح للإنسان عملية كبيرة أيضا تتكون من معاناة وتعب وبذل وجهد ، ولكن يجب أن تكون مصحوبة بمتعة وسعادة وفرحة وسرور وطيب خاطر ، فهيا بنا نحول تعب التربية ومعاناتها إلى متعة وسعادة.
ثم هيا ننظر إلى باقي جهودنا الرائعة في السنتين الأوليين :
ننزل لمستوى الطفل ونسارع بتلبية رغباته دون بخل أو تأخر ، نتعامل مع مشكلات الطفل بأسلوب رائع ، فنتقبل مشكلاته بصدر رحب ؛ يبكي ويصرخ فنهدئ من روعه ولا ننزعج ؛ يتبول علينا فلا نغضب ؛ يتبرز على نفسه فتغسله أمه ، وتنظفه عن طيب خاطر وبنفس راضية.
نتدرج في سلوكنا في العمل على الارتقاء بالطفل خطوة خطوة دون تعجل : جلوس ثم زحف ثم وقوف ثم مشي وهكذا ؛ مناغاة ثم برطمة ثم كلمات بسيطة ثم جمل مركبة ثم طلاقة في الكلام وهكذا.
نسعى جميعا طوال الوقت لإسعاده وإدخال السرور على نفسه واستخراج البسمة من ثغره الجميل.
***********
إلى هذا الحد ، فالسلوك جميل وطيب ورائع ؛ ثم بعد أن يكبر الطفل ويبدأ في ممارسة بعض السلوكيات ، وبالطبع يصدر منه الكثير من الأخطاء والمشكلات من نوع آخر غير التي كانت في أول سنتين ؛ فنفشل نحن في تطبيق النموذج الأول في التعامل مع الطفل في مراحله الجديدة ؛ لماذا؟؟
هل تغيرت فطرتنا؟ هل فقدنا الحنان والحب لأبنائنا؟ أم هل تغير أبناؤنا وطرأ عليهم شيء مختلف؟! الفطرة هي الفطرة والأبناء بمشاكلهم هم الأبناء بمشاكلهم.
أين يكمن الخلل؟!
حينما اختار الله تعالى أبانا آدم عليه السلام ليكون خليفة في الأرض كان أول شيء يلزم هذا الخليفة هو العلم) وعلم آدم الأسماء كلها) ، وإذا نظرنا إلى المهن والوظائف في هذه الأرض وجدنا أن :
من يعمل ميكانيكيا يتعلم كيف يصلح السيارات ، ومن يعمل مهندسا يتعلم فنون التخطيط والمعمار وال*****ات ، ومن يعمل طبيبا يتعلم كيف يشخص وكيف يعالج ، ومن يعمل مدرسا يتعلم طرق التدريس وتوصيل المعلومات وطرق الاختبار والامتحان.
كل يتعلم ويدرس ويعرف القواعد والمفاهيم والمفاتيح ، ولكن من يعمل على رعاية أفضل خلق الله وأغلى شيء في هذا الوجود ، لا يعرف في الغالب كيف يتعامل معه بالشكل الصحيح ، ولا كيف يرعاه بالطريقة المناسبة ، هذا الإنسان المكرم المفضل بنص كلام الله تعالى : (كرمنا ولقد بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا (70) ((الإسراء).
* لماذا كانت هذه السعادة تصحبنا في تربيتنا لأبنائنا في السنتين الأوليين رغم التعب والمعاناة؟!
أولا : لفطرة فطرها الله تعالى في الإنسان : حيث أودع الله تعالى في الإنسان الحب والحنان وأوجد فيه الاستعداد الفطري للسلوك التربوي الصحيح.
ثانيا : لتوفر المعلومات والخبرات اللازمة للتعامل مع هذه المرحلة : فكل أم تعرف أن الحمل يصحبه متاعب ، وكل أم تعرف أن الولادة عملية كبيرة يصحبها التعب والعناء والبذل ، وكل أب يعرف واجبه في رعاية الحمل ورعاية الولادة ومتطلبات ومستلزمات هذه العملية ، فالأمر بالنسبة له في أغلب الأحوال لا يعد صدمة ، وبالتأكيد شاهد الكثير وسمع الكثير وتعلم الكثير من المجتمع حوله عن أمور الحمل والولادة ورأى تعاون الجميع وتكاتفهم مع بعضهم في هذه الظروف.
ثالثا : توفر التعاون المشترك لإنجاح العملية التربوية : فعملية التربية لا ينجزها طرف بمفرده : لماذا لا نتعلم من المشهد الأول فنتكاتف جميعا لرعاية الطفل : الأب والأم والمجتمع والمتخصصون ، فكما استعنا بالطبيب المتخصص في الولادة يجب كذلك أن نستعين بالمتخصص في التربية ؛ وكما تعلمت الأم من الجدة وتعلم الأب من الجد علينا كذلك أن نستعين بالمعلم ، ونتعاون معه لننجز عملية التربية بالشكل المطلوب.
علم وخبرة
الأمر يحتاج إلى علم وخبرة وتعاون مشترك لإنجاز التربية بشكل صحيح ، أنت مرب ممتاز بفطرتك ، ولكن الأمر فقط يحتاج لبعض المعلومات ، والخبرات واليوم بإذن الله نقدم لك البداية ، وهي مفاتيح فهم عالم الطفولة.
هيا نتعلم مفاتيح فهم عالم الطفولة.. هيا نتعلم كيف نغرس القيم الصالحة ، ونعلم السلوك الصحيح ، ونحل المشكلات ، وفي نفس الوقت نحافظ على المتعة والروح الطيبة والعلاقة الحسنة مع الأبناء في جو من الحب والحنان وعلاقة الاحترام المتبادل.
ولكل علم مفتاح أو مفاتيح مناسبة من امتلكها استراح وأراح ، وسار على هدى وبصيرة فنجح وأنجح ، ومن فقدها تعب وأتعب وتخبط وتاه ففشل وأفشل.. فهيا بنا نستثمر الفطرة ، ونضيف عليها العلم والخبرة من أجل رفعة أبنائنا ونهضة أمتنا.