السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخواتي أكتب لكن اليوم بمشاعري ! والمداد من دموعي!
أكتب عن امرأة أحببتها من كل قلبي ولم أرها , عمن أسر مشاعري
وأسهر عيني بالبكاء! وعشت معها ذكريات وذكريات!
قليل هم العظماء الذين يؤثرون في العالم ! فكيف بالمرأة الضعيفة الرقيقة؟
سيدتي هذه منهم ! بل ومن نوادرهم !
أدب ودين , وعلم ويقين , تضحية وفداء , وصبر وعناء ,
لله هاتيك النفس الشفافة , والدمعة الرقراقة , والجسد المنهك
كيف صبرت على البلاء , وكيف تجرعت هذا الشقاء؟
بل كيف مع هذا سمت روحها ؟ وعظم يقينها ؟ وكبر رجاؤها؟
في زمن تساقط فيه الرجال؟
سيدتي هذه من بيت دعوة وإيمان , وتضحية وفداء, رجالا ونساء!
أخوها شهيد الفكر والدعوة ! والآخر علم من أعلامها!
والزوج لا يقل شأنا ومكانة!
شاعرة المعتقل , وفارسة الأدب
أمينة قطب
وهذه قصتها باختصار:
"أمينة قطب" أديبة وشاعرة مصرية معاصرة.. ولدت ونشأت في ظل أسرة علم وأدب وجهاد، وعاشت تجارب الجهاد والصبر والفقدان، وتجرَّعت الألم، وذاقت فجائع متتالية.. اعتقلت عندما اعتقل جميع آل قطب، وصبرت على السجن والأذى .. استشهد أخوها العالم الربَّاني سيد قطب، ونال الشهادة بعض أقاربها، واستشهد زوجها المجاهد كمال السنانيري، فصبرت واحتسبت، ووظَّفت الأدب "قصة وشعراً" في خدمة الدين والجهاد والمعاني النبيلة في الحياة.
ولدت الأديبة أمينة قطب في قرية "موشا" بمحافظة أسيوط في مصر، ونشأت في أسرة كريمة متدينة. وكان والدها الحاج "قطب إبراهيم" على حظ من الوعي والمعرفة والتنوُّر، وكان متديناً ووجيهاً في بلده. وكانت أمها امرأة فاضلة ومتدينة، وكان القراء يرتلون القرآن في دارهم طوال شهر رمضان. وبعد وفاة والدها الحاج إبراهيم، غادرت أسرتها القرية إلى القاهرة واستقرت فيها.
اتصفت أمينة بالعديد من الصفات الطيبة، فهي امرأة فاضلة، داعية وأديبة وشاعرة، كانت مهتمة بالأدب، وخاصة في مجال كتابة القصة القصيرة، وقد نشرت عدداً منها في المجلات الأدبية التي كانت تصدر في القاهرة، مثل مجلة الأديب، ومجلة الآداب، ومجلة العالم العربي، وذلك في سنوات 1947م إلى 1954م. وكتبت ست قصص ضمَّها كتاب "الأطياف الأربعة" الذي اشتركت في كتابته مع إخوتها الشهيد سيد ومحمد وحميدة.
ولمَّا تعرَّضت الحركة الإسلامية في مصر للابتلاء، واقتيد آل قطب إلى السجون والمعتقلات، اعتُقلت أمينة كغيرها، وظلَّت رهن الاعتقال في السجن الحربي فترة من الزمن، وتزوَّجت أمينة من المجاهد "كمال السنانيري"، وما لبثت أن فقدته شهيداً، كما فقدت أخاها من قبل الأديب المجاهد "سيِّد قطب".
إنَّ قصة زواج "أمينة" من المجاهد "السنانيري" لتبعث على الإجلال والعجب معاً، فقد تمَّ الرباط بينهما حين كان "السنانيري" داخل السجن. تقول السيدة أمينة: كان هذا الرباط قمة التحدي للحاكم الفرد الطاغية الذي قرر أن يقضي على دعاة الإسلام بالقتل أو الإهلاك بقضاء الأعمار داخل السجون.. لقد سجن المجاهد الشهيد "كمال السنانيري" في عام 1954م، وقُدِّم إلى محاكمة صورية مع إخوانه لأنهم يقولون ربنا الله.. وحكم عليه بالإعدام، ثم خفف الحكم إلى الأشغال الشاقة المؤبدة (25 عاماً) ثم يعاد بعدها إلى المعتقل.
بعد أن قضى خمس سنوات من المدة، وفي أثناء ذهابه إلى مستشفى سجن "ليمان طرة" للعلاج، التقى هناك أخاها الشهيد سيد قطب، وطلب منه يد أخته "أمينة"، وعرض الشهيد الأمر على أخته؛ أمر ذلك العريس الذي يقضي عقوبة المؤبد، وباق منها عشرون سنة، فما كانت من الأخت إلا أن وافقت بلا تردد، وأخذت عنوان الأخ وزارته في السجن وتمت الرؤية ثم عقد الزواج. وقويت الرابطة بينها وبين من خطبها من وراء الأسوار، وكانت زيارتها ورسائلها له تقوي من أزره وأزر إخوانه.
وعندما زارته ذات مرة في سجن "قنا"، وكانت ترافقها شقيقته، حكت الشقيقة لأخيها ما تكبدتاه من عناء حتى وصلتا إليه منذ أن ركبتا القطار من القاهرة إلى "قنا" ثم إلى السجن، فقال لها: "لقد طال الأمد وأنا مشفق عليكم من هذا العناء، ومثل ما قلت لك في بدء ارتباطنا قد أخرج غداً وقد أمضي العشرين سنة الباقية، وقد ينقضي الأجل وأنا هنا، فلك الآن مطلق الحرية في أن تتخذي ما ترينه صالحاً في أمر مستقبلك.. ولا أريد ولا أرتضي لنفسي أن أكون عقبة في طريق سعادتك، إنهم يفاوضوننا في تأييد الطاغية ثمناً للإفراج عنا، ولن ينالوا مني بإذن الله ما يريدون حتى ولو مزقوني إرباً. فلكِ الخيار من الآن، واكتبي لي ما يستقر رأيك عليه، والله يوفقك لما فيه الخير".
وأرادت أمينة أن تُجيب خطيبها المجاهد، إلا أنَّ السجَّان أمرها بالانصراف، فقد انتهى وقت الزيارة. وعادت إلى البيت لتكتب له رسالة كانت قصيدة نظمتها له لتعلن فيها أنها اختارت طريق الجهاد.. طريق الجنَّة.. وقالت له: "دعني أشاركك هذا الطريق" وكان لهذه القصيدة أثر كبير في نفس المجاهد.
وخرج السنانيري من السجن بعد أن أفرج عنه عام 1973م، وتمَّ الزواج، وعاشت أمينة معه أحلى سنوات العمر. وفي الرابع من سبتمبر سنة 1981م اختُطف منها مرة أخرى ليودع في السجن، ويبقى فيه إلى أن يلقى الله شهيداً في السادس من تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه، وسُلِّمت جثته إلى ذويه شريطة أن يوارى التراب دون إقامة عزاء.. وأذاعت السلطات أنَّه انتحر!! ونشرت الصحف سبب استشهاده؛ فعزت ذلك إلى إسراف سلطات التحقيق في تعذيبه.
كانت أمينة في مطلع شبابها شغوفة بقراءة الشعر وحفظه، حتى إنَّها كانت تترك ما عليها من واجب دراسي وتسهر إلى وقت متأخر من الليل لتحفظ قصيدة أعجبتها. وكان الجو من حولها يغذي ذلك الشغف بالشعر.. فكان شقيقها الكبير العائل والموجه شاعراً وكاتباً، وكان الشقيق الثاني شاعراً وكاتباً أيضاً.
كتبت أمينة بعد قراءة جيدة للشعر عدَّة أبيات تعبِّر فيها عن عواطفها وأحاسيسها، لكن تلك الأبيات لم تكن شعراً، وبعد عدَّة محاولات لم تصل في نظم الشعر إلى شيء، واتجهت إلى كتابة القصة القصيرة، لكن قراءتها للشعر ظلت مستمرة، وقد شجعها شقيقها الكبير "سيد" على المضي في هذا المجال، حيث كان ينقد لها ما تكتب ويبصرها بمسالك الدرب الذي رأى أنها تملك السير فيه، ووجهها ووجه باقي إخوته وهو بين جدران السجن، أن تأخذ كتابتهم الطابع الإيماني، وأن يكون تصورهم وأحاسيسهم ومشاعرهم بعيدة كلها عن تصورات الجاهلية واتجاهاتها في التعبير، في النثر والشعر، ومن ثم كانت مجموعة أقاصيصها الثانية "في الطريق" محاولة أولية لإيجاد قصة نظيفة تأخذ طابعاً إنسانياً.
وفي تلك الأثناء كان قد تمَّ الرباط بينها وبين المجاهد كمال السنانيري وهو داخل السجن، وكانت التجربة عميقة مثرية للأحاسيس والخيال والمشاعر. وكانت كل زيارة تقوم بها أمينة للسجين المجاهد الصلب، تثري خيالها ومشاعرها بألوان الأحاسيس، فتضمنها قصة أو رسالة من رسائلها إليه، أو تضع الأقاصيص في مخابئها حتى يأذن الله بالخروج.
وكتبت أمينة مجموعتين قصصيتين هما "تيار الحياة" و"في الطريق"، ولم تتجه إلى كتابة الشعر إلا بعد أن ارتبطت بالمجاهد السنانيري وهو في السجن إثر إحدى الزيارات التي كانت قد تأثرت فيها من كلام زوجها لها بأنَّ لها الخيار في اتخاذها موقفاً تراه مناسباً وتتجه لمستقبلها؛ لاحتمال أن يطول مكثه في السجن، والذي آلمها لقصر مدة الزيارة، فبدأت بكتابة رسالة إليه تعتب فيها على "ذلك الحديث وذلك التفكير في أمر فك ارتباطهما" وهنا كما توضح أمينة وتقول: "وجدت كلماتي تخرج منظومة على غير تدبير مني".
وكانت أمينة قد كتبت عدة أبيات أعجب بها زوجهاً إعجاباً شديداً، وربما كان لذلك تأثير في معاودة نظمها الشعر، لا سيما أنَّ المناسبة تستدعي ذلك.. ومنذ تأثرها بكلام زوجها أخذت أمينة تنظم الشعر وتجيده.
وجاءت سنة 65 و 1966م لتحمل المصاب الجلل، وكان فيها من الأهوال ما يعجز الشعر والنثر عن وصفه أو التعبير عنه. كانت تجربة عنيفة هائلة، صمتت فيها كل أوتار النفس، ولم تعد تملك الحديث..
وخرج شريك حياتها من السجن، ثم اعتقل مرة أخرى، ثم كان استشهاده الذي عُد انتصاراً له على الباطل، ومناراً للسالكين طريق الحق. أما الزوجة الصابرة "أمينة" فكان هذا الحادث شديد الوقع عليها، عميق الأثر في القلب والشعور، فكانت قصائدها صورة من صور التعبير لهذا الابتلاء، ولوناً من ألوان المعاناة لهذا الفراق.. جاءت لتبرز قضية خالدة على مدى الزمان.. قضية الإيمان في مقابل الضلال، قضية العباد الذين يفردون الله سبحانه بالطاعة والعبادة، ويأبى عليهم إيمانهم أن يحنوا رؤوسهم لغير الله..
جاءت هذه القصائد لتحمل في ثناياها تجربة نفس ومعاناة قلب، قدَّر لهما أن يخوضا بعمق معركة الصدام الهائل بين الحق والباطل في عصرنا الحاضر.. تلك المعركة الأزلية بين عباد الرحمن وعبدة الشيطان.. تقول أمينة: "ففي معركة من تلك المعارك فقد هذا القلب الشقيق الراعي وبعض الأعزاء من شباب الأسرة المقربين، ثم كان نصيبي فيها مضاعفاً، والحمد لله، حين فقدت فيها أيضاً شريك الحياة".
تقول أمينة: "لم تكن هذه الدموع قط دموع حسرة أو ندم، فحاشا لله أن تندم نفس مؤمنة على ما قدَّمت، أو على ما قدَّم الأحباب من عمل نال به صاحبه ـ بإذن الله ـ الكرامة بالشهادة في دين الله، ولكنه الفراق الطويل ومعاناة الخطو المفرد بقية الرحلة المكتوبة".
أمينة شاعرة إسلامية عانت الألم الذي يواجه دعاة الإسلام، وكان في أسرتها المعذَّب والسجين والشهيد، فجاء شعرها صورة لآلامها.. في ديوانها "رسائل إلى شهيد" صرخة استنهاض في وجه من تسميهم بالخانغين أو القطيع، أولئك الذين رضوا بالذلة والهوان.. وفيه مجموعة من القصائد جاءت كأنها رسائل وجهتها إلى الزوج الشهيد، وإلى السائرين على درب الحق رغم أشواك الطريق.. ففي قصيدة "في دجى الحادثات" تصف لقاء كيانين ألّفت بينهما العقيدة ووحَّد بينهما الإحساس المسؤول بثقل الرسالة وجسامتها ليتحركا في صبر الأباة المجاهدين صوب الهدف الذي أملاه الواجب الشرعي، تقول:
منذ كان اللقاء
منذ ذاك الزمان
لم يكن للفراق
في رؤانا مكان
قد قطعنا العهود
نبتغي المستعان
أن نكون الجنود
وحُماة المكان من شرور الفجور أو عميل جبان
وفي قصيدة "من المنفى" كتبت أمينة عن الزوج الحبيب الشهيد، وتغنَّت بفرحة اللقاء قائلة:
شاقني صوتك الحبيبُ على الها
تف يدعو ألاّ يطول غـــــيابي
شاقني أن تقول لي: طال شوقي
قد غدا البيتُ موحشاً كاليباب
شاقــني ذلك النـــــداء حـــــنوناً
فلتعـــــــودي لعالم الأحــــباب
شاقــــني أن تقــــول: حُبك بعداً
لا تعــيـــدي بواعث الأســباب
وشعرت بغربة الحياة بعد استشهاد زوجها، وقد جمعت غربتها بين فقدها لزوجها وبين غربة الحياة حولها؛ لما فيها من مظاهر القهر والبطش والبعد عن دين الله، فهي تصور غربتها عن زوجها فتقول:
كيف الحياة إذن وكيف أعيشها
في عـــالم خـــــاوٍ وجدّ حــــزين
في القفر أحيا والحياة مـــريرة
بعد الفراق، وفي هجير شجوني
ولما كان زوجها قد رحل فداءً لدينه ومبادئه، نراها تقول:
وطيوف الذكرى تروح وتغدو
في حـــريق للقلب يدمي جفوني
أتعزي بالذكـــرى أنَّ "كمالاً"
قد شرى بالحياة مجــــداً لديني
ولنستمع إليها في مناجاتها لزوجها بعد استشهاده، وهي تقول:
أنا في العذاب هـــنا وأنت بعالم
فيه الجــــــزاء بجنَّة الديَّان
مارست من أجل الوصول عبادة
فيها عجائب طاقة الإنســـان
كانت جهاداً في الطريق لدعــوة
هي للأنام هدى وخير أمان
إلى أن تقول:
هلاّ دعــوت الله لي كي ألتقي
بركابكم في جـــنَّة الرضـــــوان
هلاّ دعوتم في سماء خلودكم
عند المليك القـــــادر الرحمــــن
أن يجعل الهمّ الثقــــيل براءة
لي في الحساب فقد بقيت أعاني
ثم تسأل الله تعالى الثبات والمغفرة، وأن لا يطول عيشها في دنيا الفناء، فهناك نعيم الله أبقى، وهناك العيش السعيد مع الأتقياء والمجاهدين، فتقول:
فاغفر الأمنيات يا ربّ عفواً
وأعنّي دوماً ببــــرد العزاء
لا تدعني للحزن يطمس قلبي
لا تدعني أعيش دنيا الفناء
واجعل الحبّ للبقـاء المرجّى
في نعـــــــيم بعالم الأتقــياء
برضــاء أناله مـــــنك يا ربّ
وأحيا في فيضــــه بالسماء
ومن أشهر قصائدها التي تخبر عن حالها وغربتها وحال كل موحد
قصيدتها الشهيرة(غرباء)
وهاهي منشدة بصوت القارئ الشهير سعد الغامدي:
http://www.anashed.net/audio/monaw3at/ghoraba.rm
وأيضا أنشدها هذا الشهيد في موقف محزن عندما حكم بالاعدام
فهاهو ينشد من خلف القضبان:
يتبع....

بنت عتيبة الموحدة @bnt_aatyb_almohd
محررة فضية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

ومنها إلى سيد:
خواطر إلى سيد
أمينة قطب
إليك أخي هذه الخاطرات = تجول بنفسي مع الذكريات
فاهمس والليل يحيي الشجون = ويوقظ كل هموم الحياة
ويوقد جمرا علاه الرماد = ويبعث ما عز من أمنيات
فاهتف، يا ليتنا نلتقي = كما كان بالأمس قبل الأفول
لأحكي إليك شجوني وهمي = فكم من تباريح هم ثقيل
ولكنها أمنيات الحنين = فما عاد من غاب بعد الرحيل!
أخي إنه لحديث يطول = وفيه الأسى وعميق الشجون
رأيت تبدل خط الحداة = بما نالهم من عناء السنين
فمالوا إلى هدنة المستكين = ومدوا الجسور مع المجرمين
رأوا أن ذلك عين الصواب = وما دونه عقبات الطريق
بتلك المشورة مال السفين = تأرجح في سيره كالغريق
وفي لجة اليّم تيه يطول = وظلمة ليل طويل عميق
حزنت لما قد أصاب المسير = وما يملك القلب غير الدعاء
بأن ينقذ الله تلك السفين = ويحمي ربانها من بلاء
وأن يحذروا من ضلال المسير = ومما يدبر طي الخفاء
ترى هل يعودون أم أنهم = يظنون ذلك خط النجاح؟
وفي وهمهم أن مد الجسور = سيمضي بآمالهم للفلاح
وينسون أن طريق الكفاح = به الصدق والفوز رغم الجراح
ولكنني رغم هذه الهموم = ورغم التأرجح وسط العباب
ورغم الطغاة وما يمكرون = وما عندهم من صنوف العذاب
فإن المعالم تبدي الطريق = وتكشف ماحوله من ضباب
وألمح أضواء فجر جديد = يزلزل أركان جمع الضلال
وتوقظ أضواؤه النائمين = وتنقذ أرواحهم من كلال
وتورق أغصان نبت جديد = يعم البطاح ندي الظلال
فنم هانئاً يا شقيقي الحبيب = فلن يملك الظلم وقف المسير
فرغم العناء سيمضي الجميع = بدرب الكفاح الطويل العسير
فعزم الأباة يزيح الطغاة = بعون الله ألعلي القدير
أرجو أن أكون قد أفدتكم هذا اليوم!
خواطر إلى سيد
أمينة قطب
إليك أخي هذه الخاطرات = تجول بنفسي مع الذكريات
فاهمس والليل يحيي الشجون = ويوقظ كل هموم الحياة
ويوقد جمرا علاه الرماد = ويبعث ما عز من أمنيات
فاهتف، يا ليتنا نلتقي = كما كان بالأمس قبل الأفول
لأحكي إليك شجوني وهمي = فكم من تباريح هم ثقيل
ولكنها أمنيات الحنين = فما عاد من غاب بعد الرحيل!
أخي إنه لحديث يطول = وفيه الأسى وعميق الشجون
رأيت تبدل خط الحداة = بما نالهم من عناء السنين
فمالوا إلى هدنة المستكين = ومدوا الجسور مع المجرمين
رأوا أن ذلك عين الصواب = وما دونه عقبات الطريق
بتلك المشورة مال السفين = تأرجح في سيره كالغريق
وفي لجة اليّم تيه يطول = وظلمة ليل طويل عميق
حزنت لما قد أصاب المسير = وما يملك القلب غير الدعاء
بأن ينقذ الله تلك السفين = ويحمي ربانها من بلاء
وأن يحذروا من ضلال المسير = ومما يدبر طي الخفاء
ترى هل يعودون أم أنهم = يظنون ذلك خط النجاح؟
وفي وهمهم أن مد الجسور = سيمضي بآمالهم للفلاح
وينسون أن طريق الكفاح = به الصدق والفوز رغم الجراح
ولكنني رغم هذه الهموم = ورغم التأرجح وسط العباب
ورغم الطغاة وما يمكرون = وما عندهم من صنوف العذاب
فإن المعالم تبدي الطريق = وتكشف ماحوله من ضباب
وألمح أضواء فجر جديد = يزلزل أركان جمع الضلال
وتوقظ أضواؤه النائمين = وتنقذ أرواحهم من كلال
وتورق أغصان نبت جديد = يعم البطاح ندي الظلال
فنم هانئاً يا شقيقي الحبيب = فلن يملك الظلم وقف المسير
فرغم العناء سيمضي الجميع = بدرب الكفاح الطويل العسير
فعزم الأباة يزيح الطغاة = بعون الله ألعلي القدير
أرجو أن أكون قد أفدتكم هذا اليوم!

تروف
•
موضوع قيم جدا جدا جدا..
بطبعه بعد اذنك واقراه على اخواتي...
لاول مره اقراء عن امينه قطب رحمها الله ووالدها واخوتها وزوجها وجمعها بمن احبت في اعلى الجنان..
بطبعه بعد اذنك واقراه على اخواتي...
لاول مره اقراء عن امينه قطب رحمها الله ووالدها واخوتها وزوجها وجمعها بمن احبت في اعلى الجنان..

الشكر لأخواتي الكريمات
على التفضل بالمرور والتعليق
وهذه من القدوات التي غيبها الاعلام
واستبدل لنا قدوات نكرات من ممثلات ومغنيات وراقصات.....
على التفضل بالمرور والتعليق
وهذه من القدوات التي غيبها الاعلام
واستبدل لنا قدوات نكرات من ممثلات ومغنيات وراقصات.....

7arf m :
لا يمكنك مشاهدة هذا التعليق لانتهاكه شروط الاستخدام.
العظيم بحق من يبقى ذكره
بعد مفارقته للحياة كما هو حال هذه المرأة
العظيمة
نسأل الله أن يغفر لها ولأخيها ويسكنهما
جناته جنات النعيم جزاءً لما ماقداماه
**
لاعدمنا قلم الرائد بارك الله فيك
ونفع بك
بعد مفارقته للحياة كما هو حال هذه المرأة
العظيمة
نسأل الله أن يغفر لها ولأخيها ويسكنهما
جناته جنات النعيم جزاءً لما ماقداماه
**
لاعدمنا قلم الرائد بارك الله فيك
ونفع بك
الصفحة الأخيرة
من سيد لأخته خواطر:
هذا نص رسالة روحانية جميلة بعث بها المفكر سيد قطب إلى أخته أمينة قطب
(1)
أختي الحبيبة
هذه الخواطر مهداة إليك
إن فكرة الموت ما تزال تخيل لك، فتتصورينه في كل مكان، ووراء كل شيء وتحسبينه قوة طاغية تظل الحياة والأحياء، وترين الحياة بجانبه ضئيلة واجفة مذعورة.
إنني أنظر اللحظة فلا أراه إلا قوة ضئيلة حسيرة بجانب قوى الحياة الزاخرة الطافرة الغامرة، وما يكاد يصنع شيئاً إلا أن يلتقط الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات!..
مدُّ الحياة الزاخر هو ذا يعجّ من حولي!..: كلّ شيء إلى نماء وتدفُّقٍ وازدهار.. الأمهات تحمل وتضع: الناس والحيوان سواء.
الطيور والأسماك والحشرات تدفع بالبيض المتفتح عن أحياء وحياة..
الأرض تتفجر بالنبت المتفتح عن أزهار وثمار..
السماء تتدفق بالمطر..
والبحار تعجّ بالأمواج..
كل شيء ينمو على هذه الأرض ويزداد!
بين الحين والحين يندفع الموت فينهش نهشة ويمضي، أو يقبع حتى يلتقط بعض الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات!.. والحياة ماضية في طريقها، حية متدفقة فوارة، لا تكاد تحس بالموت أو تراه!..
لقد تصرخ مرة من الألم، حين ينهش الموت من جسمها نهشة، ولكن الجرح سرعان ما يندمل، وصرخة الألم سرعان ما تستحيل مراحاً.. ويندفع الناس والحيوان، الطير والأسماك، الدود والحشرات، العشب والأشجار، تغمر وجه الأرض بالحياة والأحياء!.. والموت قابع هنالك ينهش نهشة ويمضي.. أو يتسقط الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات!!
الشمس تطلع، والشمس تغرب، والأرض من حولها تدور، والحياة تنبثق من هنا وهناك.. كل شيء إلى نماء.. نماء في العدد والنوع، نماء في الكم والكيف.. لو كان الموت يصنع شيئاً لوقف مدُّ الحياة!.. ولكنه قوة ضئيلة حسيرة، بجانب قوى الحياة الزاخرة الطافرة الغامرة...!
من قوة الله الحي..: تنبثق الحياة وتنداح!!
(2)
عندما نعيش لذواتنا فحسب، تبدو لنا الحياة قصيرة ضئيلة، تبدأ من حيث بدأنا نعي، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود!..
أما عندما نعيش لغيرنا، أي عندما نعيش لفكرة، فإن الحياة تبدو طويلة عميقة، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية، وتمتدّ بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض!..
إننا نربح أضعاف عمرنا الفردي في هذه الحالة، نربحها حقيقة لا وهماً، فتصور الحياة على هذا النحو، يضاعف شعورنا بأيامنا وساعاتنا ولحظاتنا. وليست الحياة بعدّ السنين، ولكنها بعداد المشاعر. وما يسميه (الواقعيون) في هذه الحالة (وهماً)! هو في (الواقع)، (حقيقة) أصح من كل حقائقهم!.. لأن الحياة ليست شيئاً آخر غير شعور الإنسان بالحياة. جرد أي إنسان من الشعور بحياته تجرده من الحياة ذاتها في معناها الحقيقي! ومتى أحس الإنسان شعوراً مضاعفاً بحياته، فقد عاش حياة مضاعفة فعلاً..
يبدو لي أن المسألة من البداهة بحيث لا تحتاج إلى جدال!..
إننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة، حينما نعيش للآخرين، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين، نضاعف إحساسنا بحياتنا، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية!
(3)
بذرة الشر تهيج، ولكن بذرة الخير تثمر، إن الأولى ترتفع في الفضاء سريعاً، ولكن جذورها في التربة قريبة، حتى لتحجب عن شجرة الخير النور والهواء، ولكن شجرة الخير تظل في نموها البطيء، لأن عمق جذورها في التربة يعوضها عن الدفء والهواء..
مع أننا حين نتجاوز المظهر المزور البراق لشجرة الشر، ونفحص عن قوتها الحقيقية وصلابتها، تبدو لنا واهنة هشة نافشة في غير صلابة حقيقية!.. على حين تصبر شجرة الخير على البلاء، وتتماسك للعاصفة، وتظل في نموها الهادئ البطيء، لا تحفل بما ترجمها به شجرة الشر من أقذاء وأشواك!..
(4)
عندما نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس، نجد أن هناك خيراً كثيراً قد لا تراه العيون أول وهلة!..
لقد جربت ذلك. جربته مع الكثيرين.. حتى الذين يبدو في أول الأمر أنهم شريرون أو فقراء الشعور..
شيء من العطف على أخطائهم، وحماقاتهم، شيء من الود الحقيقي لهم، شيء من العناية – غير المتصنعة – باهتماماتهم وهمومهم.. ثم ينكشف لك النبع الخير في نفوسهم، حين يمنحوك حبهم ومودتهم وثقتهم، في مقابل القليل الذي أعطيتهم إياه من نفسك، متى أعطيتهم إياه في صدق وصفاء وإخلاص.
إن الشر ليس عميقاً في النفس الإنسانية إلى الحد الذي نتصوره أحياناً. إنه في تلك القشرة الصلبة التي يواجهون بها كفاح الحياة للبقاء.. فإذا أمنوا تكشفت تلك القشرة الصلبة عن ثمرة حلوة شهية.. هذه الثمرة الحلوة، إنما تتكشف لمن يستطيع أن يشعر الناس بالأمن من جانبه، بالثقة في مودته، بالعطف الحقيقي على كفاحهم وآلامهم، وعلى أخطائهم وعلى حماقاتهم كذلك.. وشيء من سعة الصدر في أول الأمر كفيل بتحقيق ذلك كله، أقرب مما يتوقع الكثيرون.. لقد جربت ذلك، جربته بنفسي. فلست أطلقها مجرد كلمات مجنحة وليدة أحلام وأوهام!..
(5)
عندما تنمو في نفوسنا بذور الحب والعطف والخير، نعفي أنفسنا من أعباء ومشقات كثيرة!. إننا لن نكون في حاجة إلى أن نتملق الآخرين، لأننا سنكون يومئذ صادقين مخلصين إذ نزجي إليهم الثناء. إننا سنكشف في نفوسهم عن كنوز من الخير، وسنجد لهم مزايا طيبة نثني عليها حين نثني ونحن صادقون؛ ولن يعدم إنسان ناحية خيّرة أو مزية حسنة تؤهله لكلمة طيبة.. ولكننا لا نطلع عليها ولا نراها إلا حين تنمو في نفوسنا بذرة الحب!..
كذلك لن نكون في حاجة لأن نحمل أنفسنا مؤونة التضايق منهم ولا حتى مؤونة الصبر على أخطائهم وحماقاتهم، لأننا سنعطف على مواضع الضعف والنقص، ولن نفتش عليها لنراها يوم تنمو في نفوسنا بذرة العطف! وبطبيعة الحال لن نجشم أنفسنا عناء الحقد عليهم أو عبء الحذر منهم فإنما نحقد على الآخرين لأن بذرة الخير لم تنمُ في نفوسنا نمواً كافياً، ونتخوف منهم لأن عنصر الثقة في الخير ينقصنا!
كم نمنح أنفسنا من الطمأنينة والراحة والسعادة، حين نمنح الآخرين عطفنا وحبنا وثقتنا، يوم تنمو في نفوسنا بذرة الحب والعطف والخير!