هذيان

الأدب النبطي والفصيح


.. هاأنا أحاول الكتابة من جديد.. أحاول الكتابة رغم علمي بأني قد لا أجد ما أكتب به.. ولا ما سأكتب عنه.. فلقد قضيت سنين حياتي كلّها بكتابة مشاعري.. بوصف كل خلجة من خلجات نفسي.. محاولة التواصل مع روحي.. مع قلبي.. ومع البشر..

كتبت عن الطفولة والنضج.. عن الحياة والموت.. عن الأمل واليأس.. عن نظرتي للحياة بذلك المنظار الذي يتأرجح بين الواقعية المفرطه.. والخيال الجامح..

وكتبت عن الحب.. حب الطفلة بكل ما يحمله من براءة وعفويه.. وحب المرأة بكل جموحه وقوته..

كتبت له.. وتغزلت به وبعينيه.. وصفته للعشاق وأخبرتهم عن لمسة يديه..

كتبت بكلمات نابعة من الصميم.. كلمات تشعرني بالدفء كلما تذكرتها.. وحتى بعد غيابه عني... تبقى كلماتي تسعدني.. كونها تصف مشاعري بكل صدق .

واليوم.. أحس بأني غريبة عن الكلمات.. غريبة عن الكتابه.. وكأنني قادمة جديدة في عالم المشاعر.. أقف في زاوية بعيدة رغماً عني.. أراقب العشاق وأستمع إلى أحاديثهم الدافئه.. وإلى مناجاتهم الرقيقه.. أتألّم لألمهم.. وأفرح لفرحهم.. دون أن أسمح لقلبي بالتجرؤ على مشاركتهم عالمهم..

أعلم أني أتألم.. ولكني أعلم جيداً بأن العين التي كانت تمدّني بالمشاعر والكلمات قد نضبت.. أو شارفت أن تنضب ..

أصبحت أحاول أن أقنع نفسي بأن مشاعر الآخرين التي يبثونها عبر كلماتهم ستكفيني.. وأني سأشعر بالدفء إذا ما استمعت إلى أغنية حب حالمة وخلدت إلى النوم..

أصبحت أعيش في عالم جديد وغريب.. عالم أحيط نفسي فيه بحاجز رقيق وردي اللون.. أعزل به قلبي عن الكون.. خائفة من الخروج.. ومن دعوة أحدهم لمشاركتي هذا العالم الوهمي المتواضع..

في أحيان كثيرة أجد نفسي ثائرة على نفسي.. أريد أن أهز رأسي بقوة لينقشع ذلك الحاجز.. وتتلاشى تلك الهالة الواهية التي أحيط نفسي بها.. وفي أحيان أخرى.. أشعر بأنني اعتدت على عالمي الذي عشت فيه فترة ليست بالقصيره.. وأقول بأنني أكثر أماناً داخل قوقعتي .

فالعالم الخارجي عالم غريب كلياً بالنسبة لي.. لن أستطيع أن أفهم ناسه.. ولن يستطيعون فهمي.. أو بالأحرى.. لا أريد أن أجعلهم يفهمونني.. فأنا أكثر أماناً مادمت غريبه .

وأمضي في أيامي.. مقتنعة بما أقنعت نفسي به.. أمضي دون أن يتغير الكثير.. فنظرتي عن الكون مازالت كما هي.. على الرغم من وجود تلك الأحداث الصغيرة التي تحاول زعزعة قناعاتي..


وأعيش بين سطوري الماضيه.. فلا جديد لأعيش به.. أعيش مع خيالات مشاعري وكلماتي التي حفظتها عن ظهر قلب.. حفظتها وعرفتها لدرجة أنه يخيّل لي أحياناً بأنّي غريبة عن نفسي..

حقاً إنه شعور غريب.. حين يتوصل المرء إلى معرفة كل الخفايا في زوايا شخصيته إلى أن يصبح هو نفسه مجهولاً عن نفسه.. فهو هو لن يتغير في داخله.. بينما العالم من حوله يستمر بالتغير بسرعة محمومه.. فلا يعلم كيف سيتصرف مع كل ما يحيط به من جديد .

وإلى هنا أتوقف عن هذياني.. لعلمي بأني لو أعطيت قلمي فرصة فإنه سيسترسل في الكتابة دون أي هدف واضح.. وستتسارع الكلمات في التبعثر بشكل عشوائي دون أي موضوع أساسي ترتكز عليه..

فلقد ضاعت بداياتي ونهاياتي.. وأجد نفسي من جديد.. أقف مستعدة للبدء بهذيان آخر بلا أي معنى..

لأنني أعلم.. أنني لن أجد ما سأكتب به.. ولا ما سأكتب عنه

منقول
2
538

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

بحور 217
بحور 217
منقول جميل ...

الحروف إن كتبناها أو قرأناها تريحنا بالصدق ،،

وتنعشنا بالبوح ولو بالحزن والدمع
بحاره نت
بحاره نت
منقول جميل ... الحروف إن كتبناها أو قرأناها تريحنا بالصدق ،، وتنعشنا بالبوح ولو بالحزن والدمع
منقول جميل ... الحروف إن كتبناها أو قرأناها تريحنا بالصدق ،، وتنعشنا بالبوح ولو بالحزن...
شكرا