سابح ضد تيار @sabh_dd_tyar
باحث اجتماعي معتمد بعالم حواء
هكذا زرع ابي الثقة في نفسي (ذكريات شبابي الجميلة )
الأولى : أثر أبي على نفسي :
أبي -حفظه الله- كان أول مدرسة لي شخصيًّا في تعامله الراقي والرائع، فقد بذل الكثير، وضحى لأجلي حتى اطمئن على وضعي من جميع الجوانب، فقد كان مربيًا بما تحمله هذه الكلمة من معنى، وخاصة في التحفيز والتشجيع وتنمية الثقة بالنفس، ومن المواقف الشاهدة على رأيي في أبي -حفظه الله- مايلي :
كان يصطحبني معه في ذهابه وإيابه ورحلاته رغم صغر سني، حيث إنني حينئذ لم أبلغ العاشرة، وكنت الوحيد من الصغار يذهب مع الكبار في الرحلات البرية حتى ولو كانت طويلة وفيها مبيت.
وكان يأخذ رأيي ويستشيرني في كثير من الأمور رغم صغر سني، فمرات عديدة غير رأيه لأجلي مما أثر في نفسي، وأشعرني بقيمتي عنده.
منذ الصغر كان يحفزني كثيرًا، ويشجعني على الأمور الطيبة، وخاصة الصلاة، فكلما أتيت من المسجد يسألني من أين أتيت؟ أقول له من المسجد، يمد يده لي ويسلم علي من باب الشكر على حرصي على الصلاة .
كنت لا أفكر في الغياب عن المدرسة إلا لظروف قاهرة جدًّا، فقد رباني على قدسية الدراسة، وأنها هي الطريق لبناء مستقبل جميل لحياتي الخاصة، ولذا طيلة دراستي لم أتغيب عن المدرسة إلا قليلاً .
زرع الثقة بنفسي، وذلك بتكليفي بأمور كثيرة هي أكبر من عمري، ومن ذلك كانت عندنا مزرعتان، فسلمني إحداهما وأنا إذ ذاك في ثاني متوسط، فكنت مسؤولاً عنها من جميع الجوانب، وكان يمر أسبوع وأسبوعان وهو لا يعلم عنها شيئًا، فكنت أذهب إليها يوميًّا ومعي إخواني الصغار وأقوم بما كان يقوم به أبي، فقد دربني أبي حفظه الله على كل شيء: السباحة، والصيد، وأعمال الكهرباء المنزلية، والسباكة، ومكنيكا، وكهرباء السيارات... فكنا نقوم بما نحتاجه من بناء وهدم وأعمال صيانة بدون الحاجة إلى عمالة خارجية.
ولما وصلت ثالث متوسط كنت المسئول عن البيت، فقد كان أبي يذهب ويسافر وهو مطمئن، فقد كنت أقوم بشؤون البيت كاملة.
وضع لي خطوطًا حمراء لا يمكن التهاون معها، فكنت أخاف من تجاوز تلك الخطوط؛ لأني أعلم ما النتيجة المترتبة على المخالفة، وهذا نوع من الوضوح في التعامل معي.
ومرة صدر مني مخالفة فأدبني بطريقة هادئة، وذلك بحرماني من الذهاب معه إلى إحدى الرحلات مما أثر في نفسي، وجعلني أحسب ألف حساب لأي تجاوز في المستقبل.
ولما وصلت إلى مرحلة المراهقة وتحديدًا في أول ثانوي تغيرت معاملته معي، فكان يتعامل بهدوء، وكان لطيفًا وقليل التعنيف، يغض الطرف عن كثير من الزلات، وإذا رأى أي زلل يوجهني ويعاتبني بهدوء، لكنه كان شديد الحرص على وضعي في تلك الفترة، فقد كان يراقب وضعي بشكل دقيق وبدون أن أشعر.
فمرة انقطعت عن البيت، وكثر خروجي، وكنت أتهرب من مقابلته خوفًا وحياءً؛ لأني أعرف نفسي أني على خطأ، فقابلته مرة صدفة، فابتسم ومد يده وسلَّم علي فقال: "وين الناس يا أبا محمد!" مع أني كنت أنتظر منه العتاب على كثرة الخروج، فكان أسلوبًا راقيًا جدًّا جعلني أشعر بالأمان في البيت،
كثيرًا ما كان يرسل إلي رسائل غير مباشرة عن طريق الوالدة بأنه حريص على مستقبلي، وانه لا يفكر إلا في نجاحي، وكان يعطي الوالدة مبالغ نقدية لكي تعطيني إياها من باب المحافظة على شعوري.
دخلت حلقة التحفيظ عن طريق ابن عمي فشجعني وحفزني كثيرًا على ذلك، وكان يُكرم مدرس الحلقة الشيخ خالد سليمان الغرير** ويحتفي به، ويبالغ في شكره أينما وجده، ويعترف بفضله في كل مناسبة، بأنه علمني القرآن، واحتواني بفترة المراهقة، وطالما كرر أبي هذه عبارة: أن الشيخ خالد الغرير من أغلى الناس عنده، ولن ينسى معروفه.
ومنذ أن دخلت حلقة التحفيظ ما يدخل بيتنا إلا الخير والأشرطة الإسلامية، ودخل معي إخواني حلقة التحفيظ، وتأثرت أخواتي أيضًا بما كنا نأتي به من أشرطة إسلامية، وبعدها صرنا جميعًا أبناءً وبنات من مرتادي الحلقات والمراكز الصيفية والحمد لله .
دخلت عضوًا في المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد بمحافظة الرس وأنا في مرحلة الجامعة، فشجعني وحفزني على ذلك، بل كان يشاركني بنفسه ببعض الأعمال الخاصة بما يحتاجه المكتب من تجهيز الضيافة وشراء مستلزمات الحفلات، ويساهم بماله الخاص في هذا المجال، وربما أجَّل بعض الأعمال الخاصة به من أجل أعمال المكتب، وكأنه يريد مني الاستمرار في هذا العمل، حتى إن الشيخ عوض علي الجميلي رئيس مجلس الإدارة والشيخ علي بن صالح العايد مدير المكتب كرموا أبي في حفل تكريم المتعاونين على شرف فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين -رحمه الله- فجزاهم الله كل الخير .
حرصه علي جعلني أشاركه في تربية إخواني، فبحكم جلوسي الدائم بالبيت فقد كنت أتابع إخواني، وأحرص على عدم خروجهم، وضبطهم وقت غيابه.
وكبرت وهو ما زال يظهر لي الحب والتقدير، ودائمًا يعرض علي المساعدة في أي أمر، مهما تكلمت عن أبي وعما قدمه لي فلن أوفيه حقه، لكن لعل الله أن يعينني على كثرة الدعاء له، ولعل الله أن يوفقني للعمل الصالح الذي طالما شجعني وحثني عليه حتى نكون وإياه شركاء بالأجر.
وأخيرًا أشهد الله بأن أبي تعب وضحى بالكثير من أجلي، وحمل همَّ تربيتي، وقدم لي الكثير بطريقة تربوية صحيحة، فلم يكلني ولم يتركني، بل حرص أن أكون معه لحظة بلحظة حتى اعتمدت على نفسي، فالحمد لله على أن هيأ لي مثل أبي حتى صنع مني بتوفيق الله وإعانته رجلاً أعتمد على نفسي، وأرفع رأسه في كل مكان.
21
2K
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
مزون الشتاء
•
رزقك الله بره وقر الله عينه بك وحفظه المولى لك
ياليت كل الاباء مثل ابوك كان الدنيا بخير صارو مابين مهمل ومتشدد وجاهل بالتربيه اصلا ماعنده الا الكشره والطق
الصفحة الأخيرة