استغفرالله الذي لااله الا هو الحي القيوم وأتوب اليه
أضحى الحديث عن الفتن حديث الساعة بين جميع طوائف المسلمين , فالعامي يتحدث وطالب العلم كذلك , رجل الشارع يريد أن يعرف والشيخ الجليل يريد أن يبلغ وينصف , ولكن هناك تساؤل : إذا كان هذا الزمن قد أظلنا فماذا على المسلم أن يفعل وكيف له أن يستعد ؟
مع اقتراب الزمان وظهور معظم العلامات الصغرى للساعة , بل ومع بداية احتمال ما يدل على الكبرى في سماء الدنيا , من كثرة الهرج ( القتل ) والحروب التي يتوقع الجميع بأنها بوابة الفتنة الكبرى والحروب العظمى التي أخبر عنها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم , فإنه ينبغي على المسلم أن يرسخ في ذهنه بعض المفاهيم , وكذا يجب عليه أن يستعد ويسلح ويلبس لأمة المؤمن التي يجب ألا تنفك عنه وينفك عنها لحظة, ومنها وبالله وحده التوفيق بعض إشارات من نور العلم عسى أن تضيء لنا جميعاً الطريق
أولا : أن الحروب القادمة حروب اعتقادية فلا بد من سلاح العقيدة :
اعلم أيها الحبيب , وفقني الله وإياك للسداد والرشاد القريب , أن مسلم بغير عقيدة صحيحة كأعمى في معامع قتال بلا سلاح ولا يعرف من يسديه النصيحة , فلا ينج مثل هذا إلا إذا رزق من الله النور, وإلا كان في الحرب كالذبيحة , وكذلك المسلم لا ينج من معامع الفتن إلا بنور العلم الرباني وإلا فلصوص الإيمان وسرقة العقيدة يتربصون به الدوائر ويكيدون له في كل صبيحة .
فأعداء اليوم يبنون حروبهم على أسس اعتقاد راسخ مستمد من تلمود وتوراة وإنجيل محرف , فكيف بالمسلم يحارب كل هذا بسلاح العقل الفارغ والمنطق غير السائغ , بلا هدى ولا نور يستضيء به ويحتمي , وفي أحضان أعدائه يرتمي , بل ويقدم لهم عقيدته ودينه على أطباق فضائياتهم اللعينة .
إذا أردنا الخروج من الفتن والمحن فعلينا بتوحيد الله والالتفاف حول شريعته الغراء والتحاكم لقانون الله عز وجل , الذي لا يصلح غيره ولا سواه مصباحاً به يستضاء ,ثم تخليص القلوب والأعمال من كل ما يعبد من دون الملك العليم الفتاح , وخلع كل ما يعبد من دونه من ولي ولا نبي ولا شجر ولا حجر , فلا تمسح بالأعتاب ولا التوسل لكل باب , ولا اتخاذ الكهنة والعرافين أرباب , يدعون العلم بالغيب ويضاهون بأنفسهم رب السماوات والأرض ومسبب الأسباب.
ثم النجاة النجاة من كل داع من دعاة جهنم من تبعه ألقاه فيها , ممن باع دينه بدنياه , أو ممن اتخذ إلهه هواه , فهذا يقول لك تعال فما وجدنا غير البعث ديناً , وذاك يشير لك بنجواه ما رأينا مثل الديموقراطية فينا , وهذا بالعلمانية ورابع بالحداثة , وما هو إلا الكفر يأت به هذا وهذا وقد اتخذ كل منهم غير الإسلام دينا وملة { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه }
ويدخل تحت الإصلاح العقائدي للأمة نبذ البدع وأهلها , وبلا مجاملة نقصد بالبدع جميع أنواعها , فمنها بدع مكفرة كبدعة الرافضة , وبدع عباد القبور والأضرحة , ومنها الهدم للسنة كبدع الموالد والاحتفالات بغير هدي ولا سنة, بل قد يحتفل المرء بأعياد أهل غير هذه الملة .
ومما دخل على الأمة وأتاها في صميم الفؤاد ما غاب عن كثير من أهلها بأن الولاء لا يكون إلا لرب الأرباب , والبراء واجب من كل كافر متكبر مرتاب , فبالعقيدة الصافية وحدها يعلم المسلم من يتولى وممن يتبرأ , ومن معه في فسطاط الإيمان وحديقة العقيدة , ومن ضده ممن اتخذ مع الله آلهة عديدة , وسبحان الله فمن عجائب التاريخ أن منقذ القدس وقاهر الصليبيين الناصر صلاح الدين , بدأ بوحدة الصف وتنظيفه من البدع والأهواء وأهلها , وكان مما بدأ به الحرب على الباطنية الضالة المضلة , فهذا الطريق , طريق محمد صلى الله عليه وسلم _ وحد ربك ثم وحد صفك – وكلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة , حتى نجد لنا على الخير أعوان وحتى تكون الأيدي الحاملة للأمانة أيدي طاهرة متطهرة ظاهراً وباطناً.
فاليد المؤمنة لها من المقدار ما لا يعلمه إلا مقدر الأقدار , فحامل العقيدة الصحيحة كمصباح قوي لا يقارن نوره بنور غيره من ضعفة المصابيح ,فهذا ابن مسعود لما صعد يجتني الأراك , تعجب بعض الصحابة من دقة ساقيه , فأخبرهم الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بأنهما عند الله اثقل من جبل أحد , وقطعت في يدي خالد بن الوليد يوم مؤته تسعة أسياف ولم تصمد معه إلا صفيحة يمانية , فهل السر في اليد أم في هذا الاعتقاد الراسخ والبناء السليم , الذي أساسه الإذعان والتسليم , حتى استحق خالد ان ينال اللقب الأشرف في تاريخ القادة العسكريين , وممن أخذه , لقد استحقه من الله والرسول " سيف الله المسلول " , رحم الله قاهر التتار قطز وشيخه المغوار العز بن عبد السلام سلطان الأئمة الأعلام..
ثانياً : التسلح بالعلم وخاصة ما يناسب ظروف الساعة :
فالعلم فرض عين على الأمة فرضه الله على عباده كي يصلوا لطريق الحق وأمر من لم يستطع التحصيل أن يسأل أهل الحق والتنــزيل فقال عز من قائل { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } , فعلى المسلم أن يعرف كل ما يقوم به دينه من كيفية أداء ما فرض عليه وقبل ذلك تعلم ما يصلح به معتقده حتى يكون راسخاً شامخاً بلا شرك ولا بدعة , ثم التسلح بما يناسب الظرف فمثلا من أراد التجارة ففرض عليه علم البيوع وإلا وقع في الربا عياذاً بالله , كذا من ظن أنه على أبواب الملاحم والجهاد فعليه بالعلم والاجتهاد ومدارسة كتب الجهاد, ليفهم من خلالها أحكامه وليقرع أبواب الوغى كالليوث الحداد , كذا علينا أن نعود عوداً حميداً إلى ماورد في السنة الصحيحة عن أبواب الفتن والملاحم حتى نستضيء بنور الحق ومشكاة النبوة فيها , بلا تسرع وبلا تنزيل بعضها على الواقع إلا بنور من الله ورسوله , حتى يتبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود وعسى أن يكون قريباً بإذن الله فجر الإسلام الجديد , يوم يرفع الله دينه ليسود .
ثالثاً : على الأمة أن تعد الرجال والقوة مع إعداد القلوب :
قال تعالى { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم }
وهذه سنة الله في عباده , فإذا راجعنا كيف كان الأمر بالإعداد مع الإيمان المطلق بأن الله تعالى لو أراد نصر عباده بأمر كن لكان , ولكن سننه الكونية سبحانه وتعالى شرعها لعباده لحكمة حكيم مقدر , فمن رفض الحكمة وتواكل فقد ضل عن سنة الله وأمره .
أرسل الله تعالى أحد أنبياءه في زمن من أزمان استضعاف بني اسرائيل ليأمرهم بالاستعداد للقتال فقال تعالى
لذا فإعداد العدة مع إعداد القلوب متلازمين متلاحقين حتى لا نكون ممن يفر يوم الزحف , أو ممن يخذل الإسلام , وليعلم كل منا أن قضيته فردية بحتة فهو يستعد ويجاهد لينجو عند الله يوم القيامة , وليس ليكون شجاعاً أو يقال عنه كذا وكذا وإنما لينجو بنفسه يوم يقف الخلائق بين يدي الملك العلام سبحانه وتعالى وجل شأنه , فعلى كل منا أن يستعد بدنيا وعقديا , أما بدنيا فبتقوية البدن وأما عقدياً فبما سبق ذكره , حتى إذا ما نادى منادي الجهاد العام ونفر المسلمون ووثبوا لربهم كان من المسارعين في الخيرات , ومن المقبلين على الجنات .
الفتن هي ما يقع في الأمة من بلايا ومحن بين أبناءها بعضهم البعض , ومنها ما يكون من الفتن في الدين نفسه كظهور الدجاجلة والدعاة المغرضين , وكوجود السحرة والمشعوذين , وسبحان الله فإن فتن هذا العصر تناسب تقدمه العفن , فنجد الدجال في صورة قائد أو غيره يدعو لدين جديد يصرف الناس به عن دينهم الحق وما يكون دينه إلا مغلفاً بغطاء الإسلام , فهذه الديموقراطية في الإسلام وما تكون ديموقراطيته إلا تغييب شريعة العلام, وهذا يدعي اشتراكية الإسلام , وغير ذلك , ثم تجد سحرة العصر ترتدي رداء ً أنيقاً اسمه رداء الإعلام , الذي يظهر الحق للناس على أنه باطلاً والباطل على أنه حقاً , فقادة الأمة وصالحوها هم عندها لاعبوا الكرة والداعرين من أهل الفن وغيرهم , ومفكري الأمة من أرباب الأقلام المسمومة في صحافتها النجسة وإنا لله وإنا إليه راجعون , ولتراجع إن شئت " قصة أصحاب الأخدود للدكتور ياسر برهاني"
أما الملاحم : فهي حروب الأمة مع غيرها من الأمم الكافرة , منها ما تحقق كقتالنا مع التتر , ومنه ما لم يتحقق بعد كملاحم الروم في آخر الزمان والتي جاءت بها السنة الصحيحة .
وقد بوب الإمام أبو داود باباً في سننه يفرق بين الفتن والملاحم فقال" باب ارتفاع الفتنة في الملاحم ثم أخرج بسنده عن عوف بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لن يجمع الله على هذه الأمة سيفين : سيفاً منها , وسيفاً من عدوها "
فقصد بالفتنة السيف الذي منها والملاحم السيف الذي من عدوها
وأخيراً : هلا اجتمعنا
{ واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا }
اعلم وفقني الله وإياك أن أهل العلم لما شرحوا أحاديث تفرق الأمة , ذكروا أن هناك تفرق عن السبيل وهو المذكور كافتراق الطوائف المبتدعة من الرافضة والجهمية والخوارج والبابية والبهائية والقديانية والصوفية بأنواعها وغيرهم , فهؤلاء ظاهرون .
أما والله ما يفت في العضد ويحرق الفؤاد هو ما ذكروه من انواع التفرق على الصراط , وهو تفرق أهل الصراط المستقيم إلى مسميات عدة ما انزل اله بها من سلطان , وولاء كل منهم لمسماه اكثر من مسمى الإسلام قال تعالى { هو سماكم المسلمين من قبل } , واعلم رحمك الله أن التفرق الآن من اللعب غير المباح فالطالب إذا لعب في أثناء العام الدراسي قد لا يعاتب مثلما يعاتب وقت الامتحان, فلنجتمع حتى لا نلام ولا نهان , وكيف بنا ونحن بين يدي الله تعالى وقد حولنا ديننا فرقاً وشيعاً .
على كل منا أن يعذر الآخر وأن يتعاون معه فيما يجب , وأن يعذره فيما يختلف , ولنمد الأيدي وكفانا بعداً واحتراقاً فإن إبليس يئس أن يعبد في جزيرة العرب ونجح في التحريش
أترككم في رعاية الله وأمنه
كتبه:
محمد ابو الهيثم
حبيبتهم (أم عبدالعزيز) @hbybthm_am_aabdalaazyz
عضوة شرف في عالم حواء
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
حبيبتهم (أم عبدالعزيز)
•
لشموليه الموضوع وأهميته اتمنى نشره
الصفحة الأخيرة