الطلاق صورة قاسية، وقنبلة تنفجر في وجه الزوجين، فتحولهما إلى شظايا متناثرة، تحتاج إلى من يلملمها، ويعيد إليها إحساسها بالحياة، ويشعر المطلِّق بالفشل في حياته، الفشل في التوافق، أو الفشل في الاختيار، ويفقد ثقته بنفسه، ويحرم بهجة الحياة ولذة العيش، والمرأة أكثر تأثراً بمحنة الطلاق، فهي تعزلها عن المجتمع، وتفقدها توازنها النفسي ومكانتها الاجتماعية·
فهل يقبل المطلَّق والمطلَّقة على الزواج الثاني؟
وكيف نضمن نجاح هذا الزواج، ونجنبه الفشل؟
لماذا الزواج الثاني؟ لماذا نطلب زواجاً ثانياً بعد فشل الزواج الأول؟
طلب الزواج الثاني هو سعي للنجاح بعد الفشل، والزواج هو الوضع الطبيعي للرجال والنساء في المجتمع، إن مجتمعنا لا يقبل الرجل الذي يعرض عن الزواج، ولا يقبل المرأة غير ذات الزوج، والحياة الزوجية مهمة للرجل والمرأة معاً، فهي تجنبهما عذاب الوحدة، ويتوافر فيها المشاركة والتعاون والأنس ودفء الأسرة والأطفال·
والمرأة تتأثر سلباً بالطلاق أكثر من الرجل، وهي تسعى أكثر إلى أن تمحو عن نفسها لقب <المطلَّقة> وأن تصير متزوجة، وسيدة بيت، وأم أطفال·
وكل من الرجل والمرأة يحتاج إلى الحب والإشباع العاطفي والنفسي والجسدي والتقبل الاجتماعي، ولا يوجد نظام شرعي يحقق هذه المعاني سوى الزواج·
وإذا كان بعض مجتمعاتنا يضع قواعد حاكمة في هذا الجانب، فيمنع في أكثر الأحيان زواج غير المطلَّق من مطلَّقة، ويمنع زواج غير المطلَّقة من مطلَّق، فإنا نقول: إن لكل رجل مطلَّق يوجد امرأة مطلَّقة مناسبة، وإن الرجل المطلَّق يستطيع أن يفهم ظروف امرأة مطلَّقة، كما أن المرأة المطلَّقة تستطيع أن تفهم ظروف رجل مطلَّق، على حين نجد الرجل الذي لم يتعرض لتجربة الطلاق، والمرأة لم تتعرض لهذه التجربة المريرة لا يمكن لأي منهما فهم جوانبها وتأثيراتها على شخصية المطلَّق والمطلَّقة، وما تطبعه من طباع لا تمحى·
إن المطلَّق والمطلَّقة حين يجمعهما الزواج الثاني يتساندان تساند المتشابهين في الأحوال، ويتكاتفان تكاتف المتشاركين في المحنة نفسها، ويتعاضدان في الحياة تعاضد المجروحين من سهم واحد أصمى قلب كل منهما·
خوف الفشل وتكرار الخطأ
خوف الفشل هاجس يلازم المطلَّقين، وخصوصاً حين يقبلون على الزواج مرة أخرى، إنه خوف تكرار التجربة الفاشلة، وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة الفشل في الزواج الثاني أكبر منها في الزواج الأول· وتوقع الفشل يؤدي إلى الفشل، لأنه يفقد الثقة بالنفس، وهو ليس أساساً صالحاً لبناء علاقة زوجية جديدة، وإذا وضعنا الثقة في الطرف الآخر، فإنه سيبادل الثقة بمثلها، فالمشاعر تتخاطر وتنتقل تلقائياً، والثقة هي العمود الفقري للحياة الزوجية الناجحة، مع المشاركة في الأفكار والمشاعر، ولا يمكن أن يحصل المرء من الزواج على كل شيء إلا في النادر، فإذا حصل على الثقة والاحترام والإشباع العاطفي والحسي، فقد حصل على ما يكفي، أما إن فقد بعض ذلك، فلا بأس، ولا يعد الزواج فاشلاً، إلا أن يفقد تماماً العطاء والمشاركة والتفاهم والثقة·
إن الفشل يأتي من سوء الاختيار أو التصرف الخطأ، لذا يجب التدقيق في الاختيار في الزواج الثاني، والمشاهد أن كثيرين يقعون في الخطأ نفسه، ويختارون كما اختاروا أول مرة من يشقيهم، والصواب أن يدرس كل من المطلَّق والمطلَّقة أسباب طلاقهما، وإيجاد الحلول إن أمكن، ومعالجة ما كان من مشكلات، وتحديد الصفات التي كانت في الطرف الآخر وأدت إلى الانفصال، لأن الغفلة عن ذلك ربما تقود إلى زواج ثانٍ لا يختلف كثيراً عن الزواج الأول، فيأتي الزوج في طباعه وأخلاقه شبيهاً بالأول·
ولا يمنع من تكرار الخطأ الثقافة العالية والعلم الغزير، فإن التجربة أثبتت أن أكثر الزيجات فشلاً هي زيجات المثقفين والمتعلمين· وهذه قصة فتاة شربت الثقافة الرفيعة، وتقدمت في تحصيل العلم، وقضت فجر حياتها في الصلوات وقراءة القرآن، ثم تزوجت فكانت الحياة مفاجأة لها منذ اليوم الأول، إذ وجدت أن الخيال السامي والأحلام المجنحة تصطدم بواقع خال من الروح واللطافة، ففي الصباح رأت زوجها يغط في نومه، ويشخر شخيراً عالياً منفِّراً، ويرتمي بجسده الضخم على السرير كما يرتمي الحيوان، فتأففت وضاعت الفتنة الخيالية التي تصورتها عن مباهج الزواج، ودخلت في عالم جامد بارد مع رجل غريب الأطوار إلى سبع سنوات، كانت أسعد اللحظات عندها حين يذهب بعيداً عن الدار·
ثم إن زوجها هذا توفي، وبعد فترة تزوجت برجل آخر، عاشت معه ستة أشهر فقط، كان سواداً، حيث عادة <رواية> الزوج الأول البغيضة تمثل فصولها من جديد، كانت أنفاسه ثقيلة كالكابوس، ورائحة فمه منفِّرة، وجوارحه غليظة، وبطنه منتفخة، وعنيناً قاسياً متسلطاً، كأن الحياة معه سجن رهيب·
أسباب فشل الزواج الثاني!
هناك أسباب تؤدي إلى فشل الزواج الثاني، يمكن إجمالها فيما يلي:
1 ـ أحياناً يكون الزواج الثاني مغامرة، وكأن الزوج يقول لنفسه: <جرب، فربما حصلت على السعادة التي لم أحصل عليها في زواجي الأول>· وهو يحاول أن يوفر كل أسباب هذه السعادة، ولكن هل تتحقق سعادته؟ إنه دائم المقارنة مع حياته الزوجية الأولى، ودائم المقارنة بين زوجته ومطلَّقته، وكثيراً ما لا يجد في حياته الجديدة ذلك السحر والافتتان الذي فكر فيه· وربما هو يشعر الآن بسعادة ما، ولكن هذا لا يمنعه من التذمر والندم على ما فقد في حياته القديمة، ولات ساعة مندم! وهذه المقارنة تغضب الزوجة بلا شك، وتسيء إلى مشاعرها، وتباعد بينها وبين زوجها·
2 ـ قد تحاول المطلَّقة أن تثير المشكلات لمطلَّقها لتفشل زواجه الثاني، وربما فعل المطلَّق ذلك لإفساد كل فرصة في حياة مستقرة جديدة لمطلَّقته، فقد يرسل أحدهما الإشاعات عن الآخر ليمسه في شخصه أو سمعته أو أسرته··· أو يستخدم أولادهما في هذه الحرب القذرة·
3 ـ هناك خوف من تأثير أبناء المطلَّقين سلبياً على الزواج الثاني··· ونعني أبناء الزوجة الأولى سواء للرجل أو للمرأة أو للاثنين معاً، وذلك من وجوه عدة هي:
أ ـ وجود الأطفال قبل أن يبدأ الزوجان في التآلف، فهما لا يجدان وقتاً كافياً لتعميق عواطفهما، والانفراد بمباهج التعارف التي تكون في فترة الخطوبة والعقد قبل الدخول، وكذلك يدخلان بالأطفال فلاينعمان بانفراد كل منهما بالآخر في البيت في هذه الفترة الخاصة جداً عند كل زوجين·
ب ـ المشكلات النفسية للأبناء حين يتزوج والدهم المطلَّق أو والدتهم المطلَّقة، ويعيشون مع زوج أم أو زوجة أب يشعرهم بضيق نفسي كبير، وعدم قدرة على التكيف، وقد تأتي المشكلات الصحية والتي منها التبول اللاإرادي والأزمات العصبية، والرسوب الدراسي والجنوح·
جـ ـ من يفرض النظام في البيت؟ إن الزوج إذا حاول فرض النظام على أبناء زوجته لم يقبل منه ذلك وعُدَّ قاسياً متسلطاً، ورفض أبناء الزوجة طاعته، وربما تبرمت الزوجة ورأت أن زوجها يقسو على أبنائها، ويحنو على أبنائه، وكذلك الحال إذا حاولت الزوجة فرض النظام في البيت على أبناء زوجها·
د ـ إذا كان أبناء المطلَّقين مراهقين كانت المشكلة كبيرة، ذلك لأنهم كثيراً ما يجنحون إلى الاستفزاز والتحدي، ويتدخلون في حياة الزوجين، ويعملون في خفاء ومكر لإفشال الزواج، ويستقطب أبناء الزوجة أمهم فتتوحد معهم ضد زوجها، وكذلك يفعل الزوج وأبناؤه، فيتحزب كل من الزوج والزوجة لأبنائه، ويصيران إلى صراع محتدم متواصل، وهذا أخطر ما يهدد الزواج الثاني·
هـ ـ هناك أيضاً المشكلات المالية، فالزوج لابد أن ينفق على أبناء زوجته، وربما لا يرضيه هذا، أو لا يقدر عليه·
عوامل نجاح الزواج الثاني
تتعدد العوامل التي يمكن أن تسهم في نجاح الزواج الثاني، وأهمها:
1 ـ الاستفادة من أخطاء الماضي وعلاج العيوب الشخصية، فمن المهم أن تعرف المطلَّقة الأخطاء التي وقعت فيها وأدت بها إلى الطلاق حتى لا تقع في هذه الأخطاء نفسها مستقبلاً، ولا تكرر فشلها، وإذا لم تقم المطلَّقة بهذا التقويم لحياتها الماضية فمن المرجح أن تعيد الفشل في زواجها مرة ثانية· وتعاد التجربة بفصولها نفسها·
وعادة ما تشكو المطلَّقة وتقول: إنها ضحية وتتهم مطلَّقها، وتذرف دموعاً سخينة غزيرة، وتبرر ما حدث بأسباب تعود إلى الرجل ولا يعود شيء منها إليها، وينتهي الأمر بشعور دائم بالشقفة على النفس والأسى لذاتها، وهذا الشعور لا يفيدها في عبور أزمتها النفسية، بل إنه يقود إلى استمرار الفشل، واجترار الأحزان، ولا تجني المرأة إلا قبض الريح·
2 ـ قد يأتي الزواج الثاني أكثر توافقاً من الزواج الأول، لأن المرأة تسعى لكي تعطي أكثر، وتتنازل عن الكثير وتضحي وتتحمل المصاعب وتتصبر لأنها تخشى تكرار الفشل، ويصيبها الرعب لمجرد تصورها أن تكون مطلَّقة لمرة ثانية·
وحتى إذا لم يرض هذا الزوج المرأة ولم يسعدها، فإنها تفضل أن تستمر، وتلقي أمرها للمقادير، مهما كلفها من تعاسة وشقاء حتى لا تحمل لقب <مطلَّقة> مرة ثانية، فليس في مجتمعنا أبشع من حال امرأة تطلق مرتين، والمجتمع عادة يظلم المرأة ويحمِّلها تبعة فشل زواجها الأول، فكيف بالثاني؟
3 ـ يكتسب الزوجان نظرة واقعية للحياة نتيجة للخبرة ونضج الشخصية وتقدم العمر شيئاً ما، وهذا يعني بناء الزواج على الاحترام والتفاهم والثقة المتبادلة، لا على الأهواء العارضة والأحلام الرومانسية والأوهام·
4 ـ بعد شقاء الطلاق ووحدته القاسية يحرص الرجل على نجاح زواجه الثاني، فلم يعد في العمر متسع في العمر للتجارب ولا المغامرات، ونجاح الزواج يعني العطاء والقدرة على التكيف، والزواج ينجح إذا لم نطلب منه أكثر مما يستطيع أن يعطي وإذا حاول كل من الزوجين أن يتفهم حاجات الآخر ومطالبه، وأن يستجيب منها لما يستطيع·· وإذا كان هناك مرونة للتكيف مع أسلوب حياة جديدة مشترك، فلا يشعر أحدهما أنه ينفخ في الهواء أو يخط على الماء، أو أن عطاءه لا يُقدَّر، وأنه الطرف المغبون في علاقة غير متكافئة، لا تحقق استجابة جوهرية لحاجاته الأساسية ولا لبعضها·
نصائح لنجاح الزواج الثاني
إضافة إلى ما ذكرناه من أسباب لنجاح الزواج الثاني، نذكر هنا بعض النصائح للاسترشاد بها للمقبلين على هذا الزواج، ولمن دخلوا فيه فعلاً، فنقول:
ـ أيها الزوجان: لا تدعا الماضي يؤثر عليكما، وإذا كان التقاء زوجين في عمر كبير بعد سنوات من الخبرات سبقت زواجهما ـ أمر له ميزاته الكثيرة من النضجح والتفاهم والهدوء وسعة الصدر والتغاضي، إلا أن لكل منهما ماضيه الذي يريد أن يطل برأسه من وقت لآخر ليعكر صفو الحاضر والمستقبل، فلا تدعا ذكريات الماضي وأحداثه تطفو على السطح كالسمك الميت فتسيء إلى حياتكما الجديدة، وضعا الماضي وراءكما، ولا تسمحا لذكريات الفشل القديم أن تكدر نفسيكما·
ونقول للزوجة: لا تنظري خلفك بغضب، واحذري أن تحملي زوجك وقر ما مرَّ بك من أحزان وآلام عرفتيها قبل أن تعرفيه، وإياك أن تجمعي غضبك من بعض هفوات زوجك التي لا تخلو منهاحياة زوجية إلى غضبك من فشل الماضي فتسيئين إلى زوجك وزواجك·
ـ أيها الزوجان، تذكرا أن زواجكما الثاني أتى بعد طوال انتظار وعذاب أليم، فأخرج كل منكما من حال الخمول واليأس والاستسلام للوحدة والكآبة، وأسعدكما سعادة ربما ليست هي السعادة الكاملة التي كنتما تحلمان بها، ولكن لا تنسيا أنه عالج كثيراً من جروح الماضي، وعوض حرمان الليالي المظلمة الطويلة·
ونقول للزوجة: تذكري كل ما قاسيت في الماضي، وما منحك زوجك من سعادة وحب، واحرصي على ألا تغضبيه، واقسمي على أن تسعديه كما أسعدك، فإن الإنسان ليس من اليسير في هذه الأيام أن يقابل آخر يتوافق معه ويحبه·
أيها الزوجان: احرصا على الإخلاص والصدق والحب وحسن التقدير والاحترام المتبادل والثقة، وتصبرا على التكيف لمطالب الحياة الجديدة، والتضحية ببعض مطالب النفس، والعطاء بعد العطاء لإنجاح الزواج، وتحليا بالثقة بالنفس والحكمة في تسيير الحياة وعلاج مشكلات الأطفال برفق وأناة، واعلما أن الطفل الجديد الذي تنجبانه يجمع بينكما برباط متين، ويهدئ من صراعات أطفال كل منكما، بعد أن صار هذا الطفل جامعاً مشتركاً بين الأب والأم وأطفال كل منهما من زواجه السابق·
أيها الزوجان: الزواج ليس مغامرة··· لا الزواج الأول ولا الزواج الثاني، فالمغامرة كالمقامرة، غير مخططة وغير مضمونة النتائج، ولكنها لحظية أو اعتباطية لا يبنى على أسس صالحة، لذلك كثيراً ما تفشل· والصواب أن يخطط الإنسان لزواجه ويختار اختياراً حسناً، فالفشل في الزواج هو نتيجة لسوء الاختيار كما قلنا آنفاً· وقد لا يكون الزوج أو الزوجة سيئاً بوجه عام، ولكن عدم التوافق بين الشخصين هو المشكلة·
ونقول للزوج: أنت زواجك، وأنت تصنع زواجك، ونجاح زواجك هو نجاحك، وفشله هو فشلك·
بقلم: محمود النجيري
مجلة الوعي الاسلامي

سيدة الوسط @syd_alost
عضوة شرف في عالم حواء
هذا الموضوع مغلق.

موضوع شيق وجميل انا تزوجت للمره الثانيه والحمد الله وفقت في زواجي وسعيده جدا فيه لانني أصبحت اكثر وعي من قبل وتلاشيت الاخطاء الفائته قبل واصبحت اكثر تنازلا ومفهوميه لكثير من المواضيع والحمد لله على كل حال
الصفحة الأخيرة
انا لى صديق طلق زوجته الاولى وتزوج الثانيه ولكنه الان اصبح يتنازل عن اشياء كثيره من اجل انجاح الزيجه الثانيه .....
ولكن الى اى مدى ....
تحياتى .