( بسم الله الرحمن الرحيم )
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنباء والمرسلين، سيدنا ونبينا "محمد" وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .. أما بعد :
( هل العِلمانية .. لا دينيةٌ ? وهل هي كفر ؟! )
نحن أمام كلمةٍ يحاول البعض تحريف معناها وتعريفها، وبنوايا مختلفةٍ عبر طرفين :
الطرف الأول من هؤلاء يحاول أن يكذِبَ على العامة ليخفي حقيقة الفكر الذي يُؤمن به ويعمل لأجله ضد الدين والمجتمع، والطرف الثاني يُحرف معنى تلك الكلمة، نتيجة الفهم الخاطئ الذي اكتسبه من خلال التضليل الإعلامي الذي يبذله الطرف الأول !
هذه الكلمة هي ( العِلمانية ) ــ بكسر حرف الـ( ع ) ــ .. فما هي ( العِلمانية ) ؟
====
تعريف ( العِـلمانية ) اللغوي :
( العِـلمانية ) ــ بكسر حرف الـ( ع ) ــ نسبةً إلى ( العِـلم )، هي ترجمةٌ خاطئةٌ وغير صحيحةٍ للكلمة الإنجليزية ( سكيولاريزم secularism )، وهي كلمةٌ تعني :
( الدنيوية ) : أي أنها الدنيا ولا يوجد سواها .
أو ( اللا دينية ) : أي الحياة الدنيوية دون أديان ، أو مع تحييد الأديان .
أو ( الزمنية ) : بمعنى أن كل الظواهر مرتبطةٌ بالزمان والدنيا ، ولا علاقة لها بالغيبيات .
أما ترجمة هذه الكلمة ( سكيولاريزم secularism ) بـ( العَـلمانية ) ــ بفتح حرف الـ( ع ) ــ نسبةً إلى ( العَـلم ) أي ( العَـالم )، فيحمل تأويلان :
المعنى الأول :
يُنسب إلى ( العَـالم ) بمعنى ( العالمي ) أي المبدأ العالمي السائد والمتفق عليه بين الشعوب والأمم ، وهذا التعريف تعريفٌ خاطئٌ هدفه التغطية على أهداف أتباع ( اللا دينية )، خلف دعاوى التوافق العالمي .
المعنى الثاني :
يُنسب إلى ( العَـالم ) بمعنى ( الأرضي الدنيوي ) خلافًا لـ( الديني ) وتضادًا معه .. وهذا هو التأويل الصحيح لكلمة ( العَـلمانية )، والذي يتوافق مع حقيقة كونها ( لا دينيةً / دنيوية / زمنية ) .
وأنا حينما استخدم لفظة ( العَـلمانية ) ــ بفتح حرف الـ( ع ) ــ في كتاباتي، فإني أعني بها المعنى الثاني لا الأول ..
وقد تم تحريف الترجمة الصحيحة من ( الدنيوية / اللا دينية / العَـلمانية ) إلى ( العِـلمانية ) ، لكي يتم إخفاء الأهداف الحقيقية لهذا الفكر الذي يُضاد الدين، بدعوى أنه فكرٌ يعتمد على ( العِـلم ) ونشره، وقد كان ( نصارى بلاد الشام ) خلف هذه الترجمة في القرن التاسع عشر الميلادي، لكي يستطيعوا التغلغل في المجتمعات العربية المسلمة ــ ملاحظة : بدءً من الآن سوف أتوقف عن استخدام لفظ ( العِـلمانية ) بكسر حرف الـ( ع )، التي ثبُت خطئها، وسيكون الحديث بلفظ ( العَـلمانية ) بـ( الفتح ) بالمعنى الذي أشرتُ إليه ــ ..
إذن فمن الصحيح لغويًا تفسير هذه الكلمة بـ( اللا دينية )، ولذا يُوصف معتنقو فكرها بـ( اللا دينيين ) .. ولا ينبغي العودة عن هذا التعريف الصحيح ( لغويًا ) لإرضاء أصحاب هذا الفكر الضال .. لكن ماذا عن التعريف الاصطلاحي لكلمة ( سكيولاريزم secularism ) ؟
هل أيضًا يعني ( اللا دينية ) ؟؟
====
تعريف ( العَـلمانية ) الاصطلاحي :
أما معنى كلمة ( سكيولاريزم secularism ) الاصطلاحي، فهو يتمحور في تعريفٍ أساسي هو :
فصل الدين عن الحياة .. أو إقامة الحياة على غير الدين ..
كما يُعرف على أنه فصل الدين عن ( الدولة )، وإن كان هذا التعريف صحيحٌ إلا أنه قاصرٌ جزئي، فالصحيح أن الفصل هنا يشمل جميع مناحي الحياة، لا شؤون ( الدولة ) منها فحسب ..
كما أن هذا التعريف الاصطلاحي ينطبق على جناحي ( اللا دينية ) :
الغربي ( الليبرالي الديمقراطي الرأسمالي ) :
الذي يدعي أنه لا يرفض الدين، غير أن علاقته به تقتصر على أماكن العبادة، دون أن تتجاوزها إلى ما سواها، ودون أن يُسمح للدين بالخروج من أماكن العبادة ..
والشرقي ( الاشتراكي الماركسي ) :
الذي يرفض الدين بالكلية، ويرفض وجود الإله .. وفصل هذا الجناح ( الملحد المادي ) للدين عن الحياة أوضح من محاولة التفسير بالتأكيد ــ مع ملاحظة وجود ( ليبراليين ) ملاحدة، غير أن الإلحاد لا يلزم ولا يُشترط في ( الليبرالية )، كما يُشترط في ( الماركسية ) ــ ..
وهنا أيها الكرام، نجد أن المعنيين اللغوي والاصطلاحي لكلمة ( سكيولاريزم secularism ) تُبرز أن تسمية هذا الفكر بـ( اللا دينية ) وأتباعه بـ( اللا دينيين )، هي التسمية الصحيحة، دون النظر إلى إدعاءات ومحاولات ( الكاذبين ) أو ( الجهلة ) للتحريف والتشويش على الحقائق، عبر استخدامهم لـ( الفزاعة ) الأكثر استخدامًا حاليًا في الإعلام العربي والسعودي، والمسماة بـ( الفكر التكفيري ) !!
====
هل ( العَـلمانية / اللا دينية ) .. كفر ؟!
حسنًا .. هل المسلم الذي يتخذ من ( العَـلمانية / اللا دينية ) منهاجًا، كافرٌ أم لا ؟
أولاً :
من المهم أن يفهم الجميع أن مسائل ( التكفير ) يختص بها العلماء، وليست استطلاعًا للآراء، يأتي كل فردٍ بما يناسبه من تصورٍ حولها، فهذا يقول بكفر الرجل ، وذاك لا يرى كفره !
ثانيًا :
قد يكون الفعل كفرًا، غير أن ذلك لا يُلزم أن يكون الفاعل كافرًا .. حيث أن ( التكفير ) له ضوابطٌ وشروط، لا يُمكن وصف الفاعل بالكافر دون تحققها .. كما أنه له موانعَ لا بد من انتفائها ..
كما أن التكفير نوعين :
1) تكفيرٌ مطلقٌ : وهو تنزيل الحكم على الفعل أو القول، بأن يُقال من قال كذا أو فعل كذا كفر، دون تنزيل الحكم على المعين، وإن كان قد أتى بالفعل أو القول المُكفر .
2) تكفيرُ المعين : وهو الحكم بالكفر على الشخص المعين الذي فعل الكفر أو قاله ، بعد التحقق من ثبوت الشروط وانتفاء الموانع .
والآن أقدم هذه الضوابط والشروط والموانع سريعًا، والأصل أن يُرجع في ذلك إلى العلماء، لكني أحببتُ توضيحها بعد أن وجدت ردًا في أحد المنتديات، يقول بأنكم ( تكفرون ) الناس ! فلمَّا سألتُ : كيف ذلك ؟
كانت الإجابة ــ معناها وليس نصها ــ : بأنكم تحرمون كل فعلٍ ــ كالاحتفال بالموالد وما يحصل من احتفالاتٍ باليوم الوطني، والمسلسلات الرمضانية !! ــ ( فتكفرون صاحبه ) !!
أما ضوابط التكفير :
الضابط الأول :
أنه لا بد مِن التثبت مِن أن ما حُكِمَ بأنه كفرٌ ــ مِن اعتقادٍ أو قولٍ أو عمل ــ ، أنه كذلك في الشريعة؛ أي أنه يُخرج المرء من ملةِ الإسلام ويجعله كافرًا كفرًا أكبر .
الضابط الثاني :
في ثبوت المُكفر وقوعًا عمن يُراد تكفيره ، سواء أكان من آحاد الناس , أو طائفة وجماعة .
الضابط الثالث :
ما يتعلق بالشروط التي لا بد من اعتبارها عند تَنْزِيْل حكم الكُفر على إنسانٍ بعينه, أو على طائفة بعينها .
وأما الشروط فهي التالية :
الشرط الأول :
أن يكون الذي يُراد تكفيره عاقلاً .
الشرط الثاني :
أن يكون بالغًا .
الشرط الثالث :
أن يكون المحكومُ بردته مُختارًا، وضده المكره .
الشرط الرابع :
ألا يكون متأولاً .
الشرط الخامس :
أن تقوم الحجة وتبين المحجة لمن يُراد تَنْزِيْل التكفير عليه .
ولِما سبقَ تفاصيل .. ليس هذا مكان ذكرها ..
موانع التكفير :
كما أنه يلزم انتفاء الموانع لتكفير المُعيَّن وهي أربعة :
الخطأ .
التأويل .
الجهل .
الإكراه .
====
السؤال هل حكم ( العَلمانية اللا دينية ) هو ( الكفر ) ؟
إن ( العَلمانية ) تعني بديهيًا برفضها الدين في الحياة، تعني الحكم بغير ما أنزل الله، وهذا من نواقض الإسلام العشرة التي أقدمها سريعًا لمن غفِل عنها أو نسيَها :
نواقض الإسلام :
الأول :
الشرك في عبادة الله تعالى .
الثاني :
من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة , ويتوكل عليهم كفر إجماعا .
الثالث :
من لم يُكفر المشركين أو شك في كفرهم , أو صحح مذهبهم كفر .
الرابع :
من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه وأن حكم غيره أحسن من حكمه كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر .
الخامس :
من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم , ولو عمل به كفر .
السادس :
من استهزأ بشي من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه أو عقابه كفر .
السابع :
السحر ومنه الصرف والعطف , فمن فعله أو رضي به كفر .
الثامن :
مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين .
التاسع :
من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة "محمد" صلى الله عليه وسلم كما وسع "الخضر" الخروج عن شريعة "موسى" عليه السلام ، فهو كافر .
العاشر :
الإعراض عن دين الله، لا يتعلمـه ولا يعمـل به .
وهنا ..
وهنا لنا أيها الكرام أن نتذكر كم من ( لا ديني ) قال بعدم تكفير أهل الكتاب ؟
وكم من ( لا ديني ) رأى صحة مذهبهم وأن دينهم مقبولٌ لم ينسخه الإسلام ؟!
كم من ( لا ديني ) اعتقد أن تطبيق أحكام ( الرأسمالية ) في السوق وإباحة ( الربا )، خير من تطبيق أحكام الاقتصاد الإسلامي وتحريم الشريعة لـ( الربا ) ؟
كم من ( لا ديني ) يُعلن بغضه لأشياءٍ جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم مأمورًا بها من رب العالمين، ومنها تحريم شرب الخمر، والذي قد يلتزم به ذلك الرجل في بلادنا ( تطبيقًا لما يراهُ قانونًا للبلاد ) رغم بغضه لتحريمها، ومسارعته لمعاقرتها عند أول فرصةٍ في الداخل أو الخارج ؟!
كم من ( لا ديني ) استهزأ بأشياء من دين الله وسنةِ نبيه صلى الله عليه وسلم، فتراه ليل نهار يسخرُ من اللحى ومسبليها ، ومقصري الثياب، ومرتدية الحجاب ؟!
كم من ( لا ديني ) عاون المشركين في هجومهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأباح رسومهم الساخرة منه بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، بحجة الرأي الآخر ؟
وكم من ( لا ديني ) أرسل التقارير والمقالات التي يُحرض فيها على الإسلام والمسلمين، ويتقرب بها إلى السفارات في خيانةٍ لله ولبلده ومعاونةٍ للمشركين على المسلمين ؟!
كم من ( لا ديني ) يعتقد بجواز الخروج عما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتقادم الزمان وتغير الأفكار والأحوال، وضرورة مُسايرة العالم ومُتابعة التطور ؟!
كم من ( لا ديني ) أعرض عن دين الله لا يتعلمه ولا يُعلمه، ويرفض أن تُدرس مدارسنا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والعقيدة والتفسير والفقه ؟!
كم من ( لا ديني ) ينظر إلى أن العلوم الشرعية قد مرَّ عليها الزمن وما عاد ( سوق العمل ) ــ سيطر المال على عقولهم حتى ما أبقى للتوحيد والصلاة مكانًا ! ــ في حاجةٍ إليهم، فجعل ذلك عذرًا ليُحارب تعليم دين الله في بلاد الحرمين الشريفين "المملكة العربية السعودية"، ولمنع منح الصغار حقهم في تعلمِ دينهم وعقيدتهم !!
بعد هذا .. فهل ( العَـلمانية / اللا دينية ) .. كفر ؟!
وهل معتنقها .. كافر ؟!
يقول الشيخ "حامد العلي" جزاه الله خيرًا :
(( وقد اتفق العلماء على أن معتنق العلمانية كافر ، لأنها نحلة تجيز لأهلها اعتقاد الكفر والإلحاد ، ويستحلون فيها موالاة الكفرة الملحدين ، والسماح لهم بنشر كفرهم على أنها تعددية في الآراء ، وهو أمر محمود عندهم ، فكلما تعددت الآراء والعقائد الكفرية فهو أدل على نضج الإنسانية في زعمهم ، قاتلهم الله .
كما أنهم يعتقدون أن رد أحكام الله تعالى بالديمقراطية أمر حسن ، وهي نحلة تنصب الإنسان ربًا حاكما يحق له نقض أحكام الله تعالى وإقامة غيرها بدلها ، وتجعل من هوى الإنسان إلها ، ومن عقله سيدا مطاعًا طاعة مطلقة تُقدم على طاعة الله تعالى . وكل من اعتقد مثل هذه العقائد الكفرية التي لا تخفى مناقضتها للإسلام يحكم بكفره ــ حتى لو كان ينطق بالشهادتين ولا ينفعه نطقه بهما ــ وإنما يتوقف فيمن وقع في مكفر مما يخفى على مثله حتى تقام عليه الحجة ويُعلم انتفاء موانع التكفير عنه .
ومعلوم أنه لا يشترط في الحكم على من أتى بناقض في الأمور الجلية كسبِّ الله تعالى أو رسوله أو دينه ، أو اعتقد تعدد الآلهة أو وحدة الوجود ونحو ذلك مما لا يخفى مناقضته لأصل الإسلام ، لا يُشترط في الحكم عليه بالكفر ، العلم بانتفاء الموانع ، بل ذلك في الأمور الخفية فحسب , هذا كله في الحكم على أهل الشهادتين إن أتوا بناقض . )) .
أخي الكريم .. أتمنى أن أكون قد وفقت في تقديم هذه السطور السريعة سائلاً الله أن يحميني وإياك، من هذه ( اللا دينية ) التي يُحاول الأعداء أن يكبوها في بلاد المسلمين، لتمهد الطريق أمام غزوهم الذي يُعدون له ليل نهار ..
إلى هنا وأترككم بحفظ الله .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
"إبراهيم النشمي" .. "الرياض" ..

ورود الأمل @orod_alaml_5
محررة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.



والله شئ يقهر من هالعلمانيين والمشكله انهم سنيين مثلنا ومنحرفين
وللأسف الان اغلبيتهم هم المسيطرين بالبلد
وللأسف الان اغلبيتهم هم المسيطرين بالبلد
الصفحة الأخيرة
الله يفرج همك يارب