هل النقاب بدعة ؟‏

ملتقى الإيمان



هل النقاب بدعة ؟



د. مهران ماهر عثمان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فقد تعالت أصوات في الآونة الأخيرة تنادي بأنّ النقاب بدعة لا أساس لها في دين الله! فكان هذا المقال جواباً عن السؤال الذي جعلتُه عنواناً له.
فأقول: لقد دل القرآن الكريم والسنة النبوية على مشروعية النقاب، وليس مقصودي هنا الحديث عن وجوب أو استحباب ستر الوجه، وإنما المقصود سرد الأدلة على مشروعيته، وأنه ليس ببدعة في الدين، وأنه سنةُ عبادةٍ وليس بسنة عادة..






فمن هذه الأدلة:



أولاً :
قول الله تعالى :{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنّ} .





فالخمار : يُطلق على ما تغطي به المرأة وجهها، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله -وهو يتحدث عن الخَمْر:"ومنه خمار المرأة؛ لأنه يستر وجهها ".




وقال ابن تيمية رحمه الله : "الخُمُر التي تغطي الرأس والوجه والعنق، والجلابيب التي تُسدل من فوق الرؤوس حتى لا يظهر من لا بسها إلا العينان"


.




وتفسير الصحابيات عملياً لهذه الآية يدل على أنّ المراد منها تغطية الوجه، فقد قالت عائشة رضي الله عنها :" يرحم الله نساء المهاجرات الأُوَل، لما أنزل الله :


{ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنّ }

شققن مُرُوطهن – "جمع مِرْط ، وهو الإزار ". - من قبل الحَواشي - حاشية الشيء : طرفه وجانبه ". النهاية : 1/392 - فاختمرن بها " .




قال الحافظ في الفتح (9/480):" "فاختمرن بها" أي: غطَّيْن وجوههنَّ ".
فإذا بان لنا أنّ الله أمر النساء بذلك فكيف يكون عادةً! أليست العبادة ما أمر به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟!





ثانياً :
قول النبي صلى الله عليه وسلم : «لا تنتقب المحرمة، ولا تلبس القُفَّازين»


،

والنقاب: ما يُغطى الوجه به ولا يُظهر إلا العين، وكان اسمه قديماً البرقع والوَصْوَصة ، وأما القفَّاز فـ "ما تلبسه المرأة في يدها فيغطي أصابعها وكفيها" .



فهذا الحديث يدل بمفهومه على أن غيرها تنتقب وتلبس القفازين، يقول ابن تيمية رحمه الله :" "وثبت في الصحيح أن المرأة المحرمة تنهى عن الانتقاب والقفازين، وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن، وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن" .

ثالثاً :

أن المرأة تغطي وجهها وهي محرمة بغير النقاب فدل على أن غيرها أولى بهذا الحكم، فعن عائشة رضي الله عنها:" كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات ، فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها ، فإذا جاوزنا كشفناه " .



وليس لأحد أن يظن أن هذا خاص بأمهات المؤمنين ؛ لما يلي :
- جاء في عون المعبود (5/201):" يمرون بنا أي : علينا معشر النساء".




- ولقول أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها :" كنا نغطي وجوهنا من الرجال ، وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام " .




- وقول عائشة رضي الله عنها قالت :"المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت إلا ثوباً مسه ورس أو زعفران، ولا تتبرقع، ولا تتلثم، وتسدل الثوب على وجهها إن شاءت" .




فاتضح بهذا أن تغطية المحرمة لوجهها ليس مختصاً بأمهات المؤمنين، وأن المرأة تُنهى عن النقاب وليس عن تغطية وجهها، بل لها أن تسدل من ثيابها عليه وتغطيه، وقد نقل الحافظ ابن حجر عن ابن المنذر رحمهما الله الإجماع على ذلك فقال :" قال ابن المنذر : أجمعوا على أن المرأة تلبس المخيط كلَّه، والخفاف، وأنَّ لها أن تغطي رأسها وتستر شعرها إلا وجهها، فتسدل عليه الثوب سدلاً خفيفاً تستتر به عن نظر الرجال ولا تُخَمِّره " .

رابعاً :

ما دل من النصوص على وجوب ستر القدمين؛ لأنها إذا أُمرت بتغطية قدميها فمن باب أولى أن تغطي وجهها لكونه عنوان جمالها .

خامساً :


أقوال العلماء الدالة على مشروعية هذا الأمر:
فقد دلت أقوالهم على مشروعيته مستندين على مثل هذه الآثار التي مر ذكرها ، فمن أقوالهم ما قاله الجصاص الحنفي رحمه الله في تفسير الآية السابقة :" في هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبيين، وإظهار الستر والعفاف عند الخروج؛ لئلا يطمع أهل الريب فيهن " .





وقال ابن العربي رحمه الله : " قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر «لا تنتقب المرأة»؛ ذلك لأن سترها وجهها بالبرقع فرض إلا في الحج، فإنها ترخي شيئاً من خمارها على وجهها " .




فالإمام ابن العربي بهذا يرى أن تغطية المرأة لوجهها فرض، وقد مرَّ بك أن النقاب كان يُسمى البرقع .
أما البرقع المعروف اليوم فليس من النقاب في شيء ؛ وذلك لأنه يبدي أجزاء كبيرة من الوجه ، ولربما كانت المرأة دميمةً لا تُرجِع بصراً فإذا أبدت عينيها وما فوقهما وأسفل منهما افتُتن بها.
وجاء في مواهب الجليل لشرح مختصر خليل (1/499) :" واعلم أنه إن خُشي من المرأة الفتنة يجب عليها ستر الوجه والكفين ".
بل نص علماء المالكية على أن للمرأة ستر وجهها في الإحرام، ويجب الستر إذا ظنت الفتنةَ بها .




واعلم أنّه لا خلاف في مشروعية تغطية الوجه، وإنما الخلاف في حكمه، مستحب أم واجب؟

سادساً :

أن تغطية الوجه سنة ماضية درج النساء عليها في مختلف العصور، فقد جرى العمل على خروج النساء من بيوتهن منتقبات ؛ لئلا يراهن الرجال .
فمن أحق بأنّ يكون من المبتدعين : المحرِّمون له، أم الآمرون به؟!
اللهم صل وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.





صيد الفوائد
14
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

فلة المنزل
فلة المنزل
جزاك الله الجنه
(مسك وعنبر)
(مسك وعنبر)
جزاك الله الجنه
جزاك الله الجنه
جزيت خيرا وأثابك الجنه:26:
قلبي حزين للأبد
جزاك الله خير الجزاء
ضـ القمرياء
ضـ القمرياء
جزاكم الله الجنة
وجعله الله في ميزان

حسناتنا جميعا
ووفقنا واياكم الى كل عمل يحبه الله ويرضاه
شكرا لمروركم الطيب

Madam_K
Madam_K
جزاك الله خير