اخترت هذا الموضوع للطرح بالذات لأننا بتنا في أيام عَزَّت فيها الدموع، وندرت فيها التوبة، وقل فيها الاستغفار، وكَبُر على البشر مراجعة النفس، فأرجو من الله أن يكون سبيلا إلى دمعة تنساب من عيون جفت، وقلوب تحجرت، وأرواح قد خوت.

أخوتي الكرام
هل تأملنا عظيم جنايتنا فأسبلنا العبرات؟
هل تأملنا جميل ستر الله علينا فأطلقنا الزفرات؟
هل تأملت قوته وضعفنا؟، وغناه وفقرنا؟، وكماله ونقصنا؟، وحياته وموتنا؟
لماذا قحطت مآقينا فلم تسمح بدمعة واحدة؟
لماذا قست قلوبنا، وضاقت صدرونا، وساءت أحوالنا؟
قال بعض السلف : ابكوا من خشية الله فإن لم تبكوا فتباكوا ( زاد المعاد ) .....
كان عمر ابن الخطاب إذا قرأ سورة يوسف سمع الناس بكاءه من وراء الصفوف، وبكى هو وأبو الدرداء ليلة حتى طلع الفجر، رضي الله عنهما.
كان عثمان بن عفان – رضي الله عنه – إذا وقف على قبر يبكي حتى تخضل لحيته من البكاء ....
كان علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – يقبض على لحيته ويبكي بكاء الخاشع الحزين .....
كان عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – يطفئ المصباح بالليل ثم يبكي حتى تلتصق عيناه ...
وكان في وجه ابن عباس كالشراكين الباليين من الدمع...
بكى ثابت البناني حتى كاد بصره أن يذهب ، فقيل له : نعالجك على أن لا تبكي ، فقال : لا خير في عين لا تبكي ....
بكى الباكون للرحمن ليلاً
وباتوا دمعهم ما يسأمونا
بقاع الأرض من شوقي إليهم
تحنّ متى عليها يسجدونا
قيل لعطاء السلمي : ما تشتهي ؟ فقال : أشتهي أن أبكي حتى لا أقدر أن أبكي ....
وكان الفضيل قد ألف البكاء، حتى ربما بكى في نومه، حتى يسمع أهل الدار!
ورقّت دموع العين حتى كأنها *** دموعُ دموعي لا دموع جفوني
وكان أبو عبيدة الخواص يبكي ويقول: قد كبرتُ فاعتقني.
وقال يونس بن عبيد: "كنا ندخل على الحسن، فيبكي حتى نرحمه!"
كان عبد الواحد بن زيد يقول لعتبة : أرفق بنفسك فيبكي ويقول : إنما أبكي على تقصيري ......
بكيت على الذنوب لعظم جُرمي *** وحُقَّ لمن عصى مرُّ البكاء

هكذا كان بكاء الصحابة رضي الله عنهم و ارضاهم و جمعنا بهم
محت بعدكم تلك العيون دموعها *** فهل من عيون بعدها نستعيرها
المحروم من قحطت عينه، ولم تتند بالدمع، فذلك علامة على قسوة القلب والبعد عن الله، وينبغي للعبد أن يداوي قسوة القلب بذكر الله: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}(الحديد: 16-17).
اللهم ارزقنا عبرة رقراقة ترحمنا بها، ولا تحرمنا دمعةَ صادقة تسقط من خشيتك، فتسيل بمنِّك ميازيب المآقي على سطوح الوجنات، فتحيا بها قلوبنا، وتزكو نفوسنا، وتنشرح صدرونا، برحتمك يا أرحم الراحمين.
تأتي علينا أحداث نبكي فيها من أعماق قلوبنا و يصل بنا البكاء الى حد نكون فيه عاجزين عن الاستمرار ..فنظن أن للبكاء نهاية .....
فما موقع بكاء الخشية من الله عز و جل في حياتنا ؟؟
فلاش البكاؤون
إضغط هنا
__________________
.