هل بناء الجامعات يصنع الحضارات بالضرورة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده , والصلاة والسلام على من لا نبي بعده, وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان , أما بعد:
عندما سمعت لأول مرة خبر ***** جامعة بمقاييس عالمية في مملكتنا الحبيبة شعرت بفرحة لا أنكرها, و تمنيت بأن تكون الجامعة منبرا للعلم والعلماء تنهض بهذه الأمة وتخرج لنا من يرفع شأنها كما كانت من قبل وأكثر . حتى إنه كان من أحلامي لو أستطيع أن أحظى بشرف الدراسة فيها فيما بعد , بل وحتى التدريس فيها إن أراد الله. وتوقعت أنه قد حان الوقت لتعود أمتنا لقيادة العالم علميا وثقافيا من جديد. وتخيلت أفواج العلماء والخبراء العرب المسلمين الذين يتخرجون من هذه الجامعة. وكيف أنهم هم أحفاد الرازي والفارابي وابن النفيس.
ولكنني بعد أن أُعلن عن افتتاح الجامعة مؤخرا, وسمعت تفاصيل أكثر عنها وعن أنظمتها, تأكدت بأن الموضوع وما فيه عبارة عن مقلب, وخطوة لن تزيد إلى مجد البلاد شيئا يذكر, هذا فضلا عما يمكن لهذه الجامعة أن "تضر" به مملكتنا. وتساعد به أعدائنا الذين يتربصون بنا شرا. ثم زاد اقتناعي برأيي عندما شاهدت الرأي العالمي حول تأسيس هذه الجامعة وكل ما تحمله من رموز.
كان الانطباع العام حول ***** جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية إيجابيا للغاية , وذلك من أغلب فئات المجتمع وتياراته الفكرية. وكذلك كان الأمر من وسائل الإعلام العالمية التي أشادت بالحدث, خصوصا أولئك الذين وصفوه بتطور في سياسة المملكة.
هذه الجامعة لن تفيد البلاد كما يتوقع الكثير, ولن تبني حضارة إسلامية من جديد, ولن تغير واقعنا وتضعنا في مصاف الدول المتقدمة, بل أجزم بالقول إنها ستساعد في تضييع الهوية العربية والإسلامية لبلادنا,.كما أنها ستحمل المزيد من الأفكار الغربية الغير مناسبة للدين والمجتمع والتي يحاول الكثير جلبها من الخارج إلينا.
قبل أن أهاجم من قبل البعض بسبب ما قلت, علي أن أوضح كل ما أقصده بنقاط أحاول أن تكون موجزة.
بداية, أطلب الإجابة على هذا السؤال: هل المطلوب من مثل هذه الجامعة وغيرها أن تكون مفتاحا لصنع حضارة؟هل السبب في بنائها هو صنع نهضة للمسلمين وتغيير حالنا؟ هل ستؤدي هذه الجامعة بأي حال من الأحوال إلى تحرير فلسطين؟ أو استرداد الأندلس؟ أو توحيد الأمة؟
إن كانت الإجابة على هذا السؤال بلا, فإني لا أجد أي سبب لصرف 10 مليارات ريال على منشأة بهذا الحجم , وإقامة حفل افتتاح هائل يحضره زعماء العرب والعالم , ثم لا يكون لهذه الجامعة أي دور في رفعة شأن أمة الإسلام ,أو بناء حضارتنا من جديد, هذه مجرد مضيعة للمال إذن.
أما إن كانت إجابة السؤال نعم, ففي هذه النقطة علينا أن نتوقف قليلا ونتذكر بعض المعلومات عنها.
المعلومة التي كادت أن تصيبني بصدمة, هي نسبة عدد الطلبة وأعضاء هيئة التدريس السعوديين في الجامعة , وهي 15% !
15% من الطلبة والمدرسين السعوديين هم من يفيدون ويستفيدون من هذه الجامعة, هنا تقع المهزلة ! إذن كل المليارات التي صرفت على هذا "الصرح العلمي الشامخ" لن تعود لنا بشيء, سيكون الوضع أوفر لو أرسلنا هؤلاء الطلبة للخارج ليدرسوا في أرقى الجامعات الغربية .. يمكننا هنا أن نحقق نفس مستوى التعليم لأبنائنا بل وأفضل, وكل ذلك بأسعار أرخص بكثير من تلك التي بنيت بها جامعة الملك عبدالله.
سيقول البعض بأن هؤلاء ال15% هم نخبة الطلبة والمدرسين في البلاد ويستحقون منا كل هذه المليارات, أقول لهم هنا فليشاهدوا ذلك المقطع الشهير على اليوتيوب, والذي يصور هؤلاء "النخبة" يرقصون فرحا ببناء الجامعة , حيث يقوم أحدهم بالتمايل بميوعة أمام الشباب والفتيات الذين أخذوا يصفقون له, والأجانب الذين يشاهدون في ذلك أسوا تمثيل ممكن للإسلام والمسلمين.
سيقول البعض بأن إرسال الطلبة للخارج سيجعلهم يعودون بأفكار غريبة على ثقافتنا, هنا أقول بأن إرسال الطلبة للغرب أفضل من جلب هذا الغرب إلينا, وهذا ما فعلته جامعة الملك عبدالله . حملت الكثير من الأفكار الغربية إلى البلاد, ودعوني أتحدث عن محاولات التغريب التي تميزت بها الجامعة:
1- اللغة الانجليزية ,والإنجليزية فقط, هي التي تستعمل في هذه الجامعة. هنا يتكرر نفس العبث الموجود في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الشرقية , ونكرر نفس السيناريو المتبع في الجامعات الأمريكية المنتشرة في الوطن العربي. حيث يرتبط وجود اللغة الانجليزية بالتطور, والعربية بالتخلف والرجعية , وذلك بتجاهل كبير لعظمة وأهمية اللغة العربية في أمتنا. إذن فهنا تمثل الجامعة ضربة قوية لثقافتنا. حيث تصرف 10 مليارات ريال سعودي على منشأة لا تتعامل باللغة العربية بتاتا, بل تزيد من مظاهر انتشار الانجليزية في الأمة.
2- رئيس الجامعة من سنغافورة ! , لا أتوقع أن تسمح جامعة أمريكية أو بريطانية بتسليم قيادة أفضل جامعاتها إلى من لا يحملون جنسياتها أو –على الأقل- لا يتكلم لغتها. بينما نحن نسلم إدارة أكبر منشآتنا العلمية إلى شخص غير مسلم , غير عربي, ولا يهمه إن صعدت أمتنا أو هبطت.
3- نسبة السعوديين مرة أخرى, 15% من السعوديين, لا أملك معلومات وافية عن عدد الأخوة العرب والمسلمين في الجامعة ولكنهم بكل حال من الأحوال لن يتعدون 40% في أفضل الحالات. هذا يعني أننا نتكلم عن منشأة علمية يَدْرس ويُدَرس فيها أغلبية غير عربية وغير مسلمة , كيف نسمي هذا مساهمة في حضارة المسلمين إذن؟
4- المرأة , وما أدراك ما المرأة, يسمح بقيادة المرأة للسيارة ولا يفرض عليها ارتداء لباس محتشم ما دامت داخل الحرم الجامعي. في هذا إشارة واضحة إلى أن المرأة المتفوقة والمتحضرة هي تلك التي تخالف تعاليم دينها بنزع الحجاب,وتتحدى تقاليد مجتمعها بقيادتها للسيارة.
5- الطراز المعماري المتبع في بناء الجامعة, عندما نقول أننا نحاول بناء منشأة علمية تمثل نهضة للأمة, فإن على هذه المنشأة أن تكون معماريا -على الأقل- ممثلة لثقافة وتاريخ هذه الأمة, بينما نجد أن مباني الجامعة مصممة على أسلوب غربي بحت, لا يحمل أي علامة على أنها تقع في أرض عربية مسلمة, حتى أني عندما شاهدت صور مرافق الجامعة, كان من الممكن أن أتخيل وجودها في أي دولة غربية , وليست في بلاد العروبة والإسلام.
إننا بتأسيس هذه الجامعة نكرر نفس ما يحدث في دول الخليج الأخرى, حيث لا تملك الدول غير المال, المال القادم من النفط الذي ليس لنا أي فضل في امتلاكه, فنبني بهذه الأموال مباني تصميمها مستوحى من الخارج , ونجلب بهذه الأموال خبرات من الخارج , وندرس بهذه الأموال طلبة من الخارج , ثم نبتسم في فخر زائف ونعتقد أننا أسسنا تعليما ناجحا.
بناء الحضارة أيها السادة لا يكون ببناء مباني باهظة الثمن, صناعة النهضة والتطور لا يكون إلا بصناعة الإنسان نفسه, إنسان مثل الدكتور الربيعة والدكتورة حياة سندي والكثير من العلماء العظماء الذين يستحقون أن تصرف المليارات عليهم, وليس على مباني غربية الطابع وأساتذة أجانب لا يقدمون لهذه الأمة غير بعض كلمات الثناء الزائفة.
منقووول

secrett @secrett
محررة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
عوضاً عن أن نستفيد من أخطاء الآخرين...
نقوم بإعادة تمثيلها....خطوة بـ خطوة...
والمبررات...مجرد مخدر مؤقت..
واستغفال مكشوف..