هل تجوز الأضحية عن الميت ؟

الملتقى العام

الشيخ العلامة عبدالعزيز بن ناصر الرشيد

هل تجوز الأضحية عن الميت ؟
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ..
فقد اطلعت على رسالة أملاها صاحب الفضيلة الشيخ عبد الله بن محمود رئيس محاكم قطر ذكر فيها أن الأضحية عن الميت لا تجوز وأنها غير شرعية وإنما عليه الناس من علماء وعوام من الأضحية عن الميت والوصية بذلك كله خطأ محض حملهم عليه حسن الظن بمن أفتى بصحة ذلك شيخ الإسلام بن تيميه وغيره من علماء الدعوة إلى آخر ما ذكره .
وقد جرى دراستها فلم أجد فيها ما يصلح مستنداً لما ذهب إليه بل بالعكس فالأدلة التي ذكرها في حكم الأضحية وفضلها والأحاديث التي ذكرها في وصول ثواب العمل المهدى إلى الأموات والنقول التي ذكرها في مشروعية الأضحية عن الأموات فهي تدل والأدلة واضحة على مشروعية الأضحية عن الميت : كالحي وأن ذبحها أفضل من الصدقة بثمنها .
وأما ما أتى به من قبل نفسه وفسر به بعض الأحاديث وحاول به رد كلام علماء المسلمين في الموضوع فهو عمل خاطئ لا ينبغي السكوت عليه ولا إقراره .
لذا رأيت من المتعين بالتنبيه على ذلك بصورة لوضوح أدلة هذه المسألة فأقول وبالله التوفيق ما أفتى به المذكور خطأ من وجوه عديدة :

أولاً : أن الأضحية مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع قال الله سبحانه : " فصل لربك وانحر " .
وعن أنس رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ) متفق عليه .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يذبح وينحر بالمصلى ) رواه البخاري .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما عمل ابن آدم من عمل أحب من إهراق الدم وانه ليأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها , وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض فطيبوا بها نفساً " رواه الترمذي وابن ماجه .

عن زيد بن أرقم قال : قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ما هذه الأضاحي قال : سنة أبيكم إبراهيم قالوا فما لنا فيها قال : بكل شعرة حسنة قالوا فالصوف يا رسول الله قال : بكل شعرة من الصوف حسنة " رواه أحمد وابن ماجه .
واختلف العلماء رحمهم الله في حكم الأضحية فقال بعضهم أنها واجبة على الموسر دون المعسر وبه قال ربيعة والأوزعي أو حنيفة وأحمد في رواية وبه قال بعض المالكية واستدلوا على ذلك بالآية السابقة وبما رواه أحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً ( من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا ) قال ابن عبد الهادي رجاله مخرج لهم في الصحيحين إلا القتباني فعند مسلم .
وقال بعض العلماء أنها مستحبة غير واجبة وبه قال الجمهور ومما استدلوا به على ذلك ما أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وأبو داود واللفظ له في حديث أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي ) .
فالتعليق بالإرادة دليل على عدم الوجوب .
ومن أقوى ما يحتج به لعدم الوجوب ما ورد من أنه صلى الله عليه وسلم ضحى عنه وعن أمته في أحاديث صحيحة وحسنة فأسقط عنهم بذلك الوجوب إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على فضل الأضحية وأنها قربة إلى الله من أعظم القرب في ذلك اليوم .
وصرح ابن القيم رحمه الله بتأكيد سنيتها وان ذبحها أفضل من الصدقة بثمنها بأنه صلى الله عليه وسلم وخلفاءه واظبوا عليها وعدلوا عن الصدقة بثمنها وهم لا يواظبون إلا على الأفضل .
عن ابن عمر رضي الله عنه قال : أقام النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة عشر سنين يضحي . رواه النرمذي وحسنه .
عن ابن عمر رضي الله عنهما سأله رجل عن الأضحية أواجبه هي فقال ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون فأعادها عليه فقال أتعقل ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون . رواه الترمذي .

ثانياً : إن الأضحية عن الميت كالصدقة عنه وكالحج وهذا جائز شرعاً وهل الأضحية عن الميت إلا نوع من الصدقة عنه يصله ثوابها كسائر القرب وأي فرق بين وصول ثواب الصدقة والحج وبين وصول ثواب الأضحية ومن فرق بينهما فقد فرق بين متماثلين " .
وما هذه الخاصية التي منعت وصول ثواب الأضحية واقتضت وصول ثواب بقية الأعمال وهل هذا إلا تفريق بين المتماثلات إلا أن يقول القائل أن الأضحية ليست بقربه وما أظن أحداً يجرؤ على ذلك لأنه مكابرة , أو ينكر وصول ثواب جميع الأعمال وهذا محجوج بالكتاب والسنة والإجماع وقواعد الشرع ذكر معناه ابن القيم رحمه الله ولم يقل بهذا إلا بعض أهل البدع , ولذا ذكرت هذه المسألة في كتب العقائد لبيان الاعتقاد الصحيح والتنفير مما عليه أهل البدع .
وقال الشيخ تقي الدين بن تيميه رحمه الله : من زعم أن الإنسان لا ينتفع بعمل غيره فقد خرق الإجماع من وجوه ثم ساقها رحمه الله وسئل الشيخ تقي الدين عن الأضحية عن الميت فقال يجوز أن يضحي عنه كما يحج عنه أ.هـ
وقال أصحابنا رحمهم الله في كتبهم المختصرة والمطولة وأي قربة فعلها وجعل ثوابها لميت مسلم أو حي نفعه ومثلوا بالصلاة والصيام والصدقة والحج والأضحية فمنهم من صرح في نفس هذه المسألةبالأضحية كصاحب الإقناع ومنهم من عمم بجميع القرب .
وهذا نص صريح منهم أن من أهدى أضحية أو بعضها كالنصف والثلث والربع وأقل من ذلك أنه يصل إلى الميت وينتفع به وباب الإهداء واسع أي شيء فعله العبد من العبادات وأشرك فيه عدة أشخاص فإن ذلك يصل إليهم إذا قبله الله ويسوغ ولا مانع من ذلك .
فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح كبشاً وقال هذا عن محمد وآل محمد فأهدى ثواب الكبش لنفسه وآلـه الحي منهم والميت نقل الكحال في الرجل يعمل شيئاً من الخير من صلاة أو صدقة أو غير ذلك ويجعل نصفه لأبيه أو أمه .
فقال : الميت يصل إليه كل شيء من الخير من صدقة أو صلاة أو غيره .
وقال ابن القيم رحمه الله في الهدي: أي فرق بين أن يؤثره بفعلها ليحرز ثوابها وبين أن يعمل ثم يؤثره بثوابها .
قال صاحب المحرر بعد أن ذكر ما تقدم ذكره عن الأصحاب قال وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه ضحى بكبشين الحديث.. قال وهو يدل على أن أمته أحياءهم وأمواتهم قد نالهم النفع والأجر بتضحيته وإلا كان ذلك عبثاً أ .هـ من الفروع .
الواجب الذي قد تدخله النيابة وصدقة التطوع والعتق وحج التطوع فإذا فعلها المسلم وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك إجماعاً وكذلك تصل إليه القراءة والصلاة والصيام . أ . هـ .
وقال ابن القيم رحمه الله في كتاب الروح بعد أن ذكر الأدلة من الكتاب والسنة على وصول ثواب الأعمال إلى الميت إذا فعلها الحي عنه قال : وهذه النصوص متظاهرة على وصول ثواب الأعمال إلى الميت إذا فعلها الحي عنه وهذا محض القياس فإن الثواب حق للعامل فإذا وهبه لأخيه المسلم لم يمنع وصول ثواب سائر العبادات المالية ونبّه بوصول ثواب الصوم على وصول ثواب الحج المركب من المالية والبدنية فالأنواع الثلاثة ثابتة في النص والاعتبار . أ . هـ .

ثالثاً : إن هذه المسألة مذكورة في كتب أهل العلم نصاً ومن لم ينص على هذه المسألة في هذا الموضع فقد اكتفى بما ذكر في حكم إهداء ثواب القرب إلى الأموات لأنه يشملها ذلك وإلا عد ذاك تناقض ولنذكر شيئاً من عباراتهم الصريحة في هذا الموضوع وطرفا من أدلتهم :

قال في الفروع: واختار شيخنا تفضيل الأضحية عن الميت عن الصدقة بثمنها. وقال صاحب الإقناع: وقال غيره وذبحها ولو عن ميت أفضل من الصدقة بثمنها وكذا الهدي وصرح به ابن القيم في تحفة المودود لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى والخلفاء ولو كانت الصدقة أفضل لعدلوا إليها .
قال في غنية الألمعي من كتب الحنفية: أن قول من رخص في الأضحية وتعهد له بالإبلاغ والآخر عن نفسه أهل بيته ومعلوم أن كثير من أمته صلى الله عليه وسلم كان يضحي بكبشين أحدهما عن أمته ممن شهد بالتوحيد عن الميت مطابق للأدلة ولا دليل لمن منعها فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وقال في الإنصاف: شمل قوله وأي قربة فعلها : كالدعاء والاستغفارمن قد ماتوا فدخل في أضحيته الأحياء والأموات من أمته وهذا الكبش الذي يضحي به للأحياء من أمته هو للأموات من أمته إذ لا فرق .أ.هـ .
وقال في رد المحتار لابن عابدين ولو ضحى عن ميت وارثه بأمره أي بأمر الميت في وصيته أو وقف ألزم بالتصدق بها وعدم الأكل منها وإن تبرع بها عن الميت فله الأكل منها لأنها تقع على ملك الحي الذابح والثواب للميت .
وقال في مغني الإفهام : ويسن التضحية عن الميت ويصل ثوابها إليه ويعمل فيها كأضحية الحي وجاز أن يضحي عن أموات عدة بواحدة إذا لم تكن واجبة عن واحدة منهم وعن أحياء وأموات لأنه صلى الله عليه وسلم ذبح عمن شهد له بالبلاغ . أ.هـ .
وفي الدرر السنية : وأجاب الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن رحمه الله ولا نعلم ـ أحداً من أهل العلم والدين نهى عن الاستغفار والأضحية إلا إذا استبان أن الشخص من أصحاب الجحيم .. إلى غير ذلك من عباراتهم الصريحة في شرعية الأضحية عن الميت وأنه يصله ثوابها وأن ذبحها أفضل من الصدقة بثمنها ومن الأدلة على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد وينظر في سواد فأتى به ليضحي به فقال يا عائشة هلمي المدية ثم قال اشحذيها بحجر ففعلت ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبح ثم قال بسم الله اللهم تقبل من محمد ومن أمة محمد ثم ضحى . أخرجه مسلم .
وعن أبي رافع قال ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين , فقال أحدهما عمن شهد له بالتوحيد وله بالبلاغ والآخر عنه وعن أهل بيته فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كفانا المؤنة " رواه أحمد وإسناده حسن ورواه البزار واحمد وفيه" أتى بأحدهما وهو في مصلاة فذبحه ثم قال اللهم هذا عن أمتي جميعاً من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ" رواه أبو يعلي وإسناده حسن .
وعن أبي سعيد رضي الله عنه:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى يوم النحر بكبشين أملحين فذبح أحدهما فقال هذا عن محمد وأهل بيته وذبح الأخر فقال هذا عمن لم يضح من أمتي " رواه البزار وأحمد باختصاره ورجاله ثقات .

وقال في كتاب نصب الراية في باب الحج عن الغير

الحديث الأول : روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه ضحي بكبشين أملحين موجؤين أحد هما عن نفسه والأخر عن أمته ممن أقر بوحدانية الله وشهد للنبي صلي الله عليه وسلم بالبلاغ قلت روي من حديث عائشة وأبي هريرة ومن حديث حذيفة بن أسيد ومن حديث أبي طلحة الأنصاري ومن حديث أنس ثم ساق هذه الأحاديث كلها وقال أبو داود في سننه: باب الأضحية عن الميت حدثنا ابن أبي شيبه حدثنا شريك عن أبي الحسناء عن الحكم عن حنش قال رأي عليا يضحي بكبشين فقلنا له ما هذا فقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاني أن أضحي عنه فلم أزل أضحي عنه ورواه الترمذي في جامعه بلفظه ومعناه وقال غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه .
ثم قال الترمذي قد رخص بعض أهل العلم أن يضحي عن الميت ولم ير بعضهم أن يضحي عنه وأخرجه البيهقي في سننه وقال أن ثبت هذا كان فيه دلالة على التضحية عن الميت . أ. هـ .
وأخرج الحاكم عن أبي عقيل زهرة بن سعيد عن جده عبد الله ابن هشام وكان قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عن أهل بيته وقال صحيح الإسناد .
وقال أبو أيوب الأنصاري كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون صححه الترمذي ورواه ابن ماجه ومالك وغيرهما وهذا الحديث فيه دليل على أن الشاة تجزئ عن أهل البيت وأن كثروا كما قضت بذلك السنة .
قال ابن القيم رحمه الله تجزئ الشاة عن الرجل وأهل بيته وأن كثر عددهم .
وفي هذا القدر كفاية وصلى الله على محمد وآله وصحبه ....
5
866

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

حقلاويه
حقلاويه
شمس راكبه جمس
شمس راكبه جمس
يسلموووو حقلاويه على المرور العطر بارك الله فيك
طيف الأحبة
طيف الأحبة
جزاك الله كل خير