إن في قيام الليل شريعة ربانية ، وسنة محكمة نبوية ، وخصلة حميدة سلفية ، ومدرسة تربوية إيمانية ، وخلوة برب البرية ، وروضة هنية ندية ، وسعادة نفسية روحية ، ونشاط وقوة جسمانية ، وشوق وتعلق بالجنان العلية ، ودموع وعبرات قلبية ، وآهات وزفرات شجية .
_ وهناك عدة طرق للتحمس لقيام الليل :
1- الإخلاص للـه في القيــام :
* " يا نفس اخلصي تتخلصي " شعار أطلقه السلف الأبرار لأنفسهم ، ولاعجب في ذلك ، فإن الإخلاص لله تعالى هو روح الطاعات ، ولب القربات ، ومفتاح لقبول الباقيات الصالحات ، وسبب لمعونة وتوفيق رب الكائنات ، وعلى قدر النية والإخلاص والصدق مع الله ، في العزم وفي إرادة الخير تكون معونة الله لعبده المؤمن .
وقد أمرنا الله جل جلاله بإخلاص العمل له وحده دون سواه ، قال تعالى " وما أٌمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء " سورة البينة (5) .
وقد أخبرنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالعقوبة الفظيعة التي تنتظر من عمل الطاعات طلبا للدنيا أو للرياء والسمعة :
- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال : " من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله ، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا ، لم يجد عرف الجنة ( أي رائحتها ) يوم القيامة "
فلنصلح النية لرب العباد ونقصد بأفعالنا وأقوالنا ثواب مولانا .
سهر العيون لغير وجهك باطل ،،،،،،،،،، وبكاؤهن لغير فقدك ضائع
2- استشعار أن ربك الجليل يدعوك للقيـــام :
* وخصلة أخرى تدعوك الى التحمس للقيام ومناجاة الرحمن في ظلم الليالي ، ألا وهي أن تستشعر بقلبك وفكرك أن ربك ومولاك وسيدك الجليل العظيم يدعوك ويناديك-وهو الغني عن طاعتك سبحانه - الى القيام بين يديه ، واللجوء اليه والتلذذ بمناجاته في ظلام الليل ، فهلا أجبت نداء السماء ؟ وناجيت ربك في الظلمات ؟ لتكون في الدنيا والآخرة من السعداء .
* قال الله تعالى آمرا نبيه -صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وأمته بقيام الليل :" يا أيها المزمل . قم الليل الا قليلا . نصفه أو انقص منه قليلا . أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا " سورة المزمل (1-4 ) .
قال سعد بن هشام بن عامر ، لعائشة رضي الله عنها : أنبئيني عن قيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ؟ فقالت : ألست تقرأ " يا أيها المزمل " قلت : بلى . فقالت : إن الله عزوجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام النبي-صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حولا ، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرا في السماء حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التحفيف ، فصار قيام الليل تطوعا بعد الفريضة " رواه مسلم في صحيحه .
ومما يزيدك تحمسا لقيام الليل ، وحرصا على مناجاة الله تعالى والوقوف بين يديه في ذلك الوقت ، أن تعلم أن رسولك العظيم محمد عليه الصلاة والسلام يحثك على القيام ، ويرغبك ويوصيك بمناجاة الملك العلام في الليل والناس نيام ، لتفوز بمجاورته في دار السلام ، مع النبيين والصالحين والأئمة الأعلام .
بل لقد كان الرسول-صلى الله عليه وسلم- يرشد من سأله عن أحب أعمال الخير الى الله ، يرشده الى أعمال منها قيام الليل :
عن معاذ بن جبل-رضي الله عنه- قال : قلت يارسول الله : أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار ؟ فقال : لقد سألتني عن عظيم ، وإنه ليسير على من يسره الله ، تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة المكتوبة ، وتؤتي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت ، ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ، وصلاة الرجل في جوف الليل ثم قرأ " تتجافى جنوبهم عن المضاجع ... " الآية .
- تجول في وادي المتهجدين ، وتنقل بين أنات المذنبين وتسبيح المتهجدين وتضرع السائلين وأبصرهم : فهذا يعاتب نفسه على التقصير ، وهذا يتفكر في هول المصير ، وهذا يخاف حساب الناقد البصير ، وذاك يتعوذ بالله من عذاب يوم عسير .
3- معرفة مدى تلذذ السلف بقيــام الليل :
لا يستطيع المرء أن يتذوق حلاوة الصلاة ولذة المناجاة ، وأنس الخلوة بالله ، وينهمك فيها ، ما لم تحتل الصلاة محل الدواء من قلبه ، ويصل الى درجة تصبح الصلاة فيها قرة لعينه ومسرة لروحه وانشراحا لصدره وشفاء لسقمه وزوالا لهمه وكشفا لكربه وأنيسا لنفسه ، ومن ذاق عرف ، وكذا كان حال سلفنا الكرام مع الصلاة ، فقد كانوا يتلذذون بقيام الليل أعظم التلذذ ، ويفرحون به أشد الفرح ، فاسمع اخبارهم يا بطال ، يا من همته في القيل والقال ، والأكل والشرب والنعال .
قال عبدالله بن وهب رحمه الله : كل ملذوذ (أي من لذات الدنيا ) إنما له لذة واحدة ، إلا العبادة ، فإن لها ثلاث لذات : إذا كنت فيها ، وإذا تذكرتها ، وإذا أعطيت ثوابها .(أي في الأخرة ) .
قال محمد بن المنكدر رحمه الله : ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث : قيام الليل ، ولقاء الأخوان ، والصلاة في جماعة .
قال الفضيل بن عياض رحمه الله : إني لأستقبل الليل من أوله فيهولني طوله ، فأفتتح القرآن فأصبح وما قضيت نهمتي .
- النوم على الجانب الأيمـن : 5-
* ومما يعين على التحمس لقيام الليل أن ينام المرء على شقه الأيمن ، اقتداء بفعل الرسول عليه الصلاة والسلام ، وتيمنا بالنوم على الشق الأيمن ، وذلك لأنه أعون على سرعة الإستيقاظ ، وأبعد عن الإستغراق في النوم .
- وقد كان النبي-صلى الله عليه وسلم- يرشد أمته الى النوم على الجانب الأيمن ، عن البراء بن عازب-رضي الله عنهما- أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : " إذا أتيت مضجعك ، فتوضأ وضوءك للصلاة ، ثم اضطجع على شقك الأيمن ... "
وعن حفصة-رضي الله عنها قالت : " كان النبي-صلى الله عليه وسلم- إذا أخذ مضجعه جعل يده اليمنى تحت خده الأيمن "
واستمع الى "ابن القيم " وهو يوضح لنا الحكمة من استحباب الشارع النوم على الجانب اليمن ، فيقول : وفي اضطجاعه-صلى الله عليه وسلم- على شقه الأيمن سر ، وهو أن القلب معلق في الجانب الأيسر ، فإذا نام على شقه الأيسر استثقل نوما ، لأنه ( أي القلب ) يكون في دعة واستراحة فيثقل نومه ، فإذا نام على شقه الأيمن فإنه يقلق ولا يستغرق في النوم ، لقلق القلب وطلبه مستقره ( أي في الجهة اليسرى ) وميله إليه ، ولهذا استحب الأطباء النوم على الجانب الأيسر لكمال الراحة وطيب المنام ، وصاحـب الشرع يستحب النوم على الجانب الأيمن لئلا يثقل نومه ، فينام عن قيام الليل ، فالنوم على الجانب الأيمن أنفع للقلب ، وعلى الجانب الأيسر أنفع للبدن ، والله أعلم .
–اغتنموا هذه الساعات (أي أوقات القيام بالليل ) التي يفتح فيها الباب ، ويقرب فيها الأحباب ، ويسمع الخطاب ويرد الجواب ويعطى للعاملين أجزل الثواب .
-
6- إدراك أن القيام سبب لطرد الغفلة عن القلب :
-
* الغفلة داء خطير ومرض عضال ، يصاب به القلب إذا توسع في المباحات ، وتكاسل عن الطاعات وانغمس في الملذات ، وقصر في مناجاة فاطر الأرض والسماوات ، وحينئذ يكون الدواء الناجع بإذن الله هو قيام الليل .
وقد قرر لنا رسولنا عليه الصلاة والسلام أن قيام الليل يطرد الغفلة عن القلب ،
عن عبدالله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنهما- أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: " من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ، ومن قام بمئة أية كتب من القانتين ، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين " .
-
7- استشعار ان الله يرى ويسمع صلاتك له بالليــل :
-
* إن مما يسهل عليك القيام لصلاة الليل ، أن تستشعر وتستحضر بقلبك حين تقوم للصلاة ، أن ربك ومولاك الجليل المتعال ينظر إليك في ذلك الوقت ، ويرى ويسمع صلاتك وقيامك ومناجاتك ، فإن العبد الذليل الفقير إذا أحس بأن سيده ومولاه يبصر تعبه واجتهاده في طاعته ويراه ، هان عليه العسير ، وبادر إلي تدارك التفريط والتقصير ، طلبا لرضا مولاه اللطيف الكبير .
فقم في ظلام ليلك ، واستغفر ربك من تقصيرك وكثرة نومك ، واسكب دموع الإنكسار .
8- معرفة مدى اجتهاد الرسول-صلى الله عليه وسلم- في القيام :
* لقد أدرك الحبيب عليه الصلاة والسلام أهمية قيام الليل ، وثوابه العظيم عند الله ، فكان يجتهد في القيام اجتهادا شديدا ، بل كان يحرص ويواظب عليه ، وكأنه بذلك يدعو أمته الى المحافظة على القيام والمواظبة عليه ، وعدم التكاسل عنه .
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم- اذا صلى قام حتى تفطر رجلاه (أي تتشقق ) قالت عائشة : يا رسول الله : أتصنع هذا وقد غفر لك ماتقد م من د نبك وما تأخر؟!! فقال: يا عائشة أفلا أكون عبدا شكورا"
يا ثقيل النوم !!أما تنبهك المزعجات ؟!!الجنة فوقك تزخرف , والنار تحتك توقد, والقبر إلى جنبك يحفر!! وربما يكون الكفن قد غزل !! فالى متى الغفلة؟!!.
9- التأمل في وصف المتهجدين بالليل :
* وخصلة اخرى تزيدك تحمسا لقيام الليل وتشوقا لمناجاة الرحمن ، ألا وهي التأمل في وصف المتهجدين بالليل ، والتفكر في حالهم حين يقومون لمناجاة ربهم ، فإن الحكم على الشيئ فرع عن تصوره ، ومن ذاق عرف . قال تعالى واصفا عباده الأبرار : " والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما "
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه يصف أهل قيام الليل :: ألا إن لله عبادا كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين ، وأهل النار في النار معذبين ، شرورهم مأمونة ، وقلوبهم محزونة ، وأنفسهم عفيفة ، وحوائجهم خفيفة ، صبروا أياما قليلة ، لعقبي راحة طويلة ، أما الليل فصافون أقدامهم تجري دموعهم على خدودهم ، يجارون الله في فكاك رقابهم ،وأما النهار فعلماء حلماء بررة أتقياء ، كأنهم القداح ، ينظر إليهم الناظر ويقول : مرضى ! وما بالقوم من مرض ، أو خولطوا ولقد خالط القوم من ذكر الآخرة أمر عظيم .
10- دعاء الله أن ييسر لك القيام :
* التوفيق لقيام الليل ، هبة ربانية ، وعطية رحما نية ، يمن الله بها على من كان مستحقا لها من عباده ، ومؤهلا للخلوة به سبحانه ومناجاته ، فالجأ الى ربك ومولاك ، وانطرح بين يديه ، وتوجه بقلبك وقالبك إليه ، واعتمد وتوكل عليه ، واسأله وهو العزيز القهار المهيمن الجبار ، بلسان الذل والافتقار ، أن يوفقك لقيام الأسحار ، وأن يمن عليك فيها بالدموع والخشوع والانكسار ، وأن يحشرك مع الأبرار .
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم -قال ك الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل ، فعليكم عباد الله بالدعاء.
11-النوم على طهارة :
* وخصلة أخرى تزيدك تحمسا لقيام الليل وحرصا عليه ، ألا وهي أن تنام على طهارة قلبية وبنية ، فأما القلبية فإنها تطهر قلبك من الغل والحقد والغش للمسلمين ، وأما البدنية فإنها تطهر جسدك بالوضوء .
وقد حثنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - على النوم على طهارة ويبين لنا الأجر العظيم ، والثواب الجزيل المترتب على ذلك : عن ابن عباس-رضي الله عنهما- أن الرسول-صلى الله عليه وسلم- قال ك طهروا هذه الأجساد طهركم الله ، فإنه ليس عبدا يبيت طاهرا إلا بات معه في شعاره ( والشعار هو الثوب الذي يلي البدن مباشرة ) ملك ن لا يتقلب ساعة من الليل إلا قال ( أي الملك ) : اللهم اغفر لعبدك ، فإنه بات طاهرا "
قال المناوي-رحمه الله تعقيبا على هذا الحديث : والطهارة عند النوم قسمان : طهارة الظاهر وهي المعروفة ( أي الوضوء ) وطهارة الباطن وهي بالتوبة ، وهي آكد من الظاهر فربما مات في نومه وهو متلوث بأوساخ الذنوب ، فيتعين عليه التوبة وأن يزيل من قلبه كل غش وحقد ومكروه لكل مسلم " .
12- معرفة أن النبي-صلى الله عليه وسلم- كان لا يترك القيام حتى وهو مريض :
ومما يزيدك حرصا على قيام الليل ، أن تعلم أن الحبيب عليه الصلاة والسلام كان يواظب على قيام الليل حتى وهو مريض !! وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وما ذلك إلا لأهمية القيام ولثوابه العظيم عند اللطيف الرحيم ، فما بالنا ونحن أصحاء أقوياء نفرط في القيام ونتكاسل عنه ، مع أن عندنا أمثال الجبال من الآثام ؟!! .
عن عبد الله بن ابي قبيس قال : قالت لي عائشة-رضي الله عنها- : لا تدع قيام الليل !! فإن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- كان لا يدعه ، وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعدا " .
14- معرفة مدى اجتهاد الصحابة في قيام الليل :
* لقد أدرك الصحابة الأبرار ، فضل القيام بالأسحار ، لمناجاة اللطيف القهار ، والتذلل له والافتقار والانكسار ، وذرف الدموع وكثرة الاستغفار ، فكانوا يحرصون على القيام ويواظبون عليه باستمرار ، فاسمع شيء من أخبارهم وأحوالهم يا كسلان !! عسى أن تتيقظ همتك للحاق بهم ومجاورتهم عند الرحيم الرحمن !!
وهذا الصحابي الجليل -أبو هريرة- رضي الله عنه ، كان يقوم ثلث الليل ، وتقوم امرأته ثلث الليل ، ويقوم ابنه ثلث الليل ، إذا نام هذا قام هذا !!
أما عبدالله بن عباس-رضي الله عنها- ترجمان القرآن ، فقد بدأ قيام الليل وعمره عشر سنين ، وما زال محافظا عليه حتى لقي ربه تعالى ، فطوبى له بهذه الكرامة !!
فرضي الله عن الصحابة أجمعين ، وجمعنا بهم مع نبينا الأمين في جنات الخلود والنعيم
ام احمد @am_ahmd_1
محررة
هذا الموضوع مغلق.
الصفحة الأخيرة
ليس هناك احلى ولا اعذب من مناجاة العبد ربه
الله لا يحرمنا من قيام الليل والناس نيام والتلدد بمناجاة الخالق سبحانه سبحانه